ماذا نعرف عن المسرح الإيرانى؟

ماذا نعرف عن المسرح الإيرانى؟

العدد 697 صدر بتاريخ 4يناير2021

يصبح من المفيد التعرف على وضع الحركة المسرحية فى إيران لسبب مهم. فنظام الآيات منذ وصوله إلى الحكم قبل 42 عاما يعتمد على هذا الفن فى حشد تأييد الشعب الإيرانى له. صحيح أنه يعتمد على القوة فى اخضاعه لكن التجارب تثبت أن القوة وحدها لا تكفى.
ولا ينطلق الآيات فى هذا التوظيف للمسرح من فراغ، بل من كون المسرح فنا عريقا عرفته تلك البقعة من آسيا منذ عهد الإمبراطورية الفارسية ولعب دورا كبيرا فى حياة المجتمع الفارسى عبر التاريخ (تحمل إيران هذا الاسم منذ عام 1924 ويعنى بالعربية أرض الآريين). والمسرح أيضا وسيلة فعالة للتفاعل مع الجمهور.
 عرفت إيران المسرح – أو أشكالا فنية يمكن القول بانها كذلك -فى عهد الإمبراطورية الفارسية. وكانت هذه الأشكال تعتمد أساسا على أعمال أدبية وقصائد شعرية تقدم فى احتفالات فى الساحات العامة المكشوفة وليس فى مسارح مغلقة لأن الامكانيات البدائية وقتها لم تكن تسمح بذلك. وكانت الأعمال البارزة تعرض فى هذه المسارح منها «مراسم التعزية» التى تحكى حياة البطل الأسطورى الفارسى سياوش وقصة مصرعه فى الحرب مع الأعداء. وكانت تعرض بعض الأعمال المترجمة مثل «ملحمة قلقامش» وهى من عيون الادب البابلى وليس الفارسى كما يعتقد البعض.
وبدأ إنشاء المسارح المكشوفة بمعناها المعروف مع الغزو المقدونى لبلاد فارس بقيادة الإسكندر الأكبر. واثبتت الحفريات الأثرية وجود مسارح في همدان وكرمان منذ القرن الرابع قبل الميلاد على الطراز اليونانى، استخدمها الممثلون المرافقون للإسكندر المقدوني، في تقديم احتفالات وعروض مسرحية.
 وكان هناك ممثلون يرافقون الجيوش في الحروب، بقصد تسلية المقاتلين وبعث الروح النضالية في نفوسهم، عن طريق تنفيذ الرقصات المسرحية الحربية.
العصر الحديث
ولا توجد لدينا كتابات موثقة عن تاريخ المسرح الإيرانى بعد ذلك رغم الدور الذى لعبه فى حياة المجتمع الإيرانى حتى نصل إلى العصر الحديث. ولا نعرف سوى قيام بعض المفكرين المسلمين مثل الفارابى وابن سينا بترجمة عيون المسرح اليونانى إلى الفارسية. لكن لا يعرف اذا كانت قد وجدت طريقها إلى العرض.
وقد بدأ المسرح بمفهومه الحديث فى فارس فى أواسط القرن التاسع عشر. وكانت له اهمية خاصة بالنسبة للدولة الصفوية التى فرضت المذهب الشيعى فرضا بالقوة على أهل فارس واستخدمت أساليب قمعية وحشية وصلت إلى نبش قبور رجال الدين السنة والتمثيل بجثثهم. ووجدت فى المسرح وسيلة مناسبة لاقناع اهل فارس بالمذهب الشيعى عن طريق مسرحيات تصور مصرع الإمام على والحسين وتتناول شخصيات وأحداثا مهمة فى تاريخ الشيعة . وكان ذلك يتم بطرق متواضعة لا تحقق الهدف منها فى أغلب الأحيان.
وجاءت الفرصة عن طريق بعض الخريجين الموفدين الذين درسوا في أوروبا، واطلعوا على الأدب المسرحي هناك، وعملوا على ترجمة الكثير من المسرحيات الاوروبية إلى اللغة الفارسية، مثل مسرحيات موليير وشكسبير وآخرين. وظهرت فرق مسرحية نسائية تقدم أعمالها فى بيوت الاثرياء للنساء فقط. وكان الأصل وقتها أن يقدم الرجال الشخصيات النسائية فى المسرحيات كما كان يحدث فى مسرحيات شكسبير. وكانوا يترجمون بشكل رئيسى عن الأدب الإنجليزى والفرنسى والتركى والروسى.وكانت اللغة الفرنسية صاحبة نصيب الاسد لاهتمام القاجار بها حيث كانت لغة رسمية فى بلاطهم. وكانت الترجمة احيانا تتم بطريقة غيرمباشرة حيث ترجمت مجموعة من عيون المسرح الفرنسى عن التركية.
ومنذ انشاء جامعة دار الفنون بطهران عام 1851 تم بناء قاعة مسرح ضمن هذا البناء. وكان من الصعب وقتها عرض مسرحيات نقدية أو اجتماعية فيها بسبب قسوة الحكم الصفوى والقاجارى من بعد وتم الاكتفاء لفترة طويلة بالمسرحيات المترجمة .
وشجع القاجاريون المسرح وشجعوا الفرق المسرحية على القدوم إلى طهران بعد أن جعلوها عاصمة دولة فارس وكانت المسرحيات تعرض فى المقاهى والساحات العامة .وبرزت وقتها شخصية «ميرزا فتح علي» الذى يعد رائد الكتابة المسرحية فى فارس. وكان يجيد الترجمة بشكل جعل الايرانيين يقبلون على المسرح. واشتهر بعدة القاب منها موليير الشرق وجوجول القوقاز وموليير أذربيجان.

القرن العشرون
وبدأ تأسيس الفرق المسرحية فى القرن العشرين حيث اسس عبد الكريم خان المسرح الأهلي عام 1913م وعلى نصر فرقة إيران الكوميدية.
 وفى العهد البهلوى شهد المسرح حالة من الانحسار بسبب ضغط الحكومة على المثقفين والمفكرين. وتبع ذلك منع عرض المسرحيات النقدية.
وبدلا من الاهتمام بالمضمون بدأ المسرحيون فى إيران الاهتمام بتقنيات العرض اكثر من الاهتمام بالمضمون فيما عرف بعصر خشبة المسرح. وعرضت مسرحيات قيمة في اوائل الخمسينات لاتزال من عيون المسرح الايرانى مأخوذة معظمها عن الواقع الايرانى – بحدود طبعا.
وبرزت مجموعة من كبار الكتاب المسرحيين مثل «على نصيريان» و»جوهر مراد». وبدأت تظهر بعض المسرحيات التى تهاجم نظام حكم الشاه على استحياء وبالرمز. وحاولت السلطات الايرانية منع هذه المسرحيات لكنها اقتنعت بترك مساحة للتعبير لتمنع الانفجار الذى وقع رغم ذلك.
فى عهد الآيات
بفعل التطورات السياسية والتغييرات الثقافية، شهدت الكتابة المسرحية في إيران بعد الثورة الاسلامية صعودا وانحدارا كبيرين، فتطرقت المسرحيات إلى انتقادات للمعضلات الاجتماعية والفردية والتي تعالج الحياة اليومة بقلقها وأمنها ومخاوفها وآمالها ومن حيث المضمون، فقد تحولت العلاقات الانسانية العميقة والخالدة كالحب والتعاطف إلى مفاهيم اجتماعية، وتميزت المسرحيات بالواقعية والحماس.
ويمكن اختصار الكتابة المسرحية بعد الثورة الاسلامية على ثلاث مراحل:
الاولى:
بدايات الثورة في هذه المرحلة تغيرت مضامين المسرحيات ومفاهيمها وحاول الكتاب الموالون للنظام مقارنة الوضع الجديد سياسيا واقتصاديا وثقافيا في زمن الشاه مع حقبة ما بعد انتصار الآيات.
الثانية: الدفاع المقدس:
عُرضت في هذه المرحلة مسرحيات كانت تصّور ايام الحرب المفروضة على إيران التي استغرقت 8 سنوات، ومصائب وتضحيات الشعب الايراني فيها وكان الايمان بالرب وتقدير الشهداء من العلامات البارزة في المسرحيات لهذا العصر.
والثالثة:
كانت فى بداية القرن 21 حيث زاد عدد الفرق المسرحية بشكل كبير حتى زاد عددها عن 200 واصبحت تنشط في اطار مراكز فنية وثقافية وحكومية أو شبه حكومية أو غير حكومية.
المهرجانات ومسرح التعزية
وتشهد إيران 15 مهرجانا مسرحيا محليا ودوليا على مدار السنة. من أهمها مهرجان (فجر) الدولي والمهرجان الوطني للمسرح الرضوي الذى يدور حول حياة الأمام على الرضا ولم ينحصر المسرح الديني الايراني في قصص الانبياء والأولياء والتقاليد الدينية وعروض التعزية بل تجاوز ذلك ودخل إلى حياة الناس اليومية من زاوية اسلامية. واستلهم منهم افكار ليدخلها في المسرح ويعرضها على المشاهدين ومن اجل ايجاد حلول لمشكلات تطرحها المسرحيات.
وهناك مسرحيات عديدة اشتهرت فى السنوات الاخيرة مثل ” أربعة صناديق”، التى يشارك فيها أربعة راقصين، ينقلون إلى خشبة المسرح، حيث يرقصون فرادى وجماعية قبل أن يعودوا إلى صناديقهم. واشتهرت مسرحيات أخرى على غرار ” جولك”، و” لعبة الزجاج”، و” لعبة الأصلع”، و” لعبة البقال”.
ويتحدث البعض عن دور الغجر واليهود فى انتشار المسرح فى إيران حيث كان معظم الراقصين منهم وكانوا يجيدون ادوارهم.
ويتحدثون ايضا عن دور الصحافة الايرانية فى نهضة المسرح بسبب اهتمامها بتغطية اخبار المسرح فى الداخل والخارج. وكانت هناك جريدة متخصصة فى شئون المسرح صدرت فى مطلع القرن العشرين باسم «تياتر».
مسرح التعزية
وحتى مدينة مشهد الشيعية المقدسة ومعها مدينة قم ظهرت فيهما مسارح وفرق مسرحية ركزت أساسا على المسرح الدينى وما يعرف بمسرحيات التعزية التى يعود تاريخها إلى ما قبل الاسلام من خلال الملاحم الإيرانية، التي تناولت سير الابطال مثل مسرحية «موت سياوش». وتطور هذا المفهوم بعد الإسلام ليأخذ شكلا دينيا ويصور الأحداث الدامية فى التاريخ الشيعى مثل مقتل الإمام على واستشهاد الإمام الحسين واستشهاد الإمام محمد النفس الذكية والوفاة الغامضة للإمام على الرضا فما يعتقد أنه مؤامرة من الخليفة المأمون الذى اختاره وليا لعهده ثم فوجئ الجميع بوفاته. وتتناول مسرحيات التعزية سير بعض أئمة الشيعة مثل الإمام جعفر الصادق والإمام الحسن العسكرى .
وتقدم هذه المسرحيات باللغات المختلفة المستخدمة فى إيران خلاف الفارسية مثل العربية والكردية والبالوخية. وتقدم احيانا للتجمعات الشيعية خارج إيران فى العراق وباكستان ولبنان وغيرها.
وقد حاول رضا بهلوى والد الشاه المخلوع إلغاء مسرح التعزية ومنع عرض مسرحياته من طهران والمدن الرئيسية لكن مسرحياته كانت تعرض فى الريف. وقام نجله محمد رضا بهلوى بتدمير المسرح الذى كانت تقدم عليه مسرحيات التعزية فى طهران. وعاد التركيز عليها والاهتمام بها بمجرد قيام الثورة الإسلامية سنة 1979 .
وتقام التعزية اليوم في معظم القرى والمدن الإيـرانية بأشكال وموضوعات مختلفة متفرعة عن الموضوع الرئيـسي، وهو مأساة عاشوراء.
على أن هناك قصص وروايات دينية تعرض قبل الحدث الرئيس للتعزية، ويربط موضوعها بمأساة كربلاء بأشكال مختلفة، منها مسرحية ”الرجل الذي يبيع ابنه”، ونحوها.


ترجمة هشام عبد الرءوف