بدايات المسرح في أسيوط (3)

 بدايات المسرح في أسيوط (3)

العدد 596 صدر بتاريخ 28يناير2019

في المقالتين السابقتين؛ تحدثنا عن العروض المسرحية التي أقيمت في المدارس القبطية بأسيوط، وعن العروض المسرحية التي أقيمت في المراكز، وبالأخص في مركز أبي تيج. ثم تتبعنا أخبار الفرق المسرحية الشهير التي زارت أسيوط وعرضت مسرحياتها فيها منذ عام 1894، وأخيراً أشرنا إلى المسارح والأماكن التي كانت تعرض هذه المسرحيات في أسيوط. وحتى الآن لم نتحدث عن النشاط المسرحي الذي قام به أهالي أسيوط أنفسهم!!

المسرح الأسيوطي
بناءً على ما بين أيدينا من أخبار ومعلومات، نستطيع القول بأن أول فرقة مسرحية تألفت من أهالي أسيوط، كانت منذ 126 سنة، وتحديداً في عام 1892 تحت اسم (جمعية الكمال)!! ولأن قصة هذه الفرقة غريبة وعجيبة، وتُعد كشفاً تاريخياً، سأنقل خبرها كاملاً، كما نشرته مجلة (الأستاذ) في نوفمبر 1892، تحت عنوان (جمعية الكمال بأسيوط). وفيه قالت المجلة:
“.. وردت لنا هذه الرسالة بهذا العنوان من وكيلنا بأسيوط. قال أيده الله تعالى: لا يخفى أنه كان بأسيوط كثير من الصنائع، وقد ماتت بالمصنوعات الأجنبية، نظراً لاغترار الناس ببهجتها ورونقها من غير نظر في متانتها وقوتها، وما يترتب عليها من فقر كثير من الوطنيين. ولما رأى أرباب الصنائع ضعف صناعتهم وتأخرها، اجتمع فريق منهم تحت رئاسة الفاضل السيد حسن سليمان، واتخذوا لهم محلاً يجتمعون فيه، وصاروا يجتمعون كل ليلة، ويغلقون الأبواب عليهم، ولا يمكنون أحداً من الوصول إليهم كائناً من كان. ثم ظهر الأمر بعد سنتين أنهم يصنعون سيوفاً وبنادق وملابس مختلفة، وأدوات خشبية مختلفة الصور، بحيث كل من مر عليهم يقول: إن هنا ورشة تشتغل أصنافاً صناعية. فكانوا يقضون جانباً من الليل في هذا العمل، وفي النهار لا ينقطع أحد منهم عن عمله المعتاد. ثم ظهر أنهم يقرأون كتباً، ويحفظون عبارات منها. فكلما مر الإنسان على واحد منهم وهو في دكانه نهاراً، وجده يقرأ بجد واجتهاد. فاختلفت ظنون الناس فيهم: فمنهم من يقول إنهم من الماسون، ومنهم من يقول إنهم يشتغلون بضاعتهم ليلاً، ويبيعونها نهاراً، ومنهم ومنهم، حتى قضوا تحت ستر الخفاء ثلاث سنين. ثم انكشف الأمر عن عصابة حبست نفسها هذه المدة الطويلة، لمطالعة كتب الأخبار والروايات، وتعلم فن التشخيص والتمثيل. وكلما استحسنوا رواية، رتبوها ووزعوها عليهم، وحفظوها، وأعدوا ما يلزم لها من الأدوات، من غير أن يشتروا شيئاً من الخارج. حتى تم تثقيفهم وتمرينهم، وظهر أمرهم للناس، فصاروا يذهبون للتفرج عليهم، وهم في أشغالهم الليلية، فيجدون النجارين والحدادين والنحاسين والخياطين والكندرجية [أي الإسكافية] والنقاشين وصانعي الشعور وغير ذلك. ولما علم مشربهم واجتهادهم فيما هم فيه، دعاهم إلى منزله حضرة الهمام الكامل محمود بك خشبة، ودعا كثيراً من الأعيان، وفى مقدمتهم سعادة المدير وحضرة الفاضل رئيس محكمة أسيوط الأهلية، فشخصوا بحضورهم رواية (المعتمد بن عباد). وابتدأوا الاحتفال بتلحين السلام الخديوي، وقد بهروا العقول بما أبدوه من حسن التشخيص، ولطف التلحين، حتى كأنهم تربوا في هذا الفن. فامتدحهم سعادة الهمام الفاضل مديرنا سعد الدين باشا، وحثهم على مداومة العمل، فاتخذوا لهم محلاً يشخصون فيه من أول جمادى الأولى. وحبذا لو اقتدى الناس بمثل هؤلاء، واجتمعوا لإحياء صناعة، أو اتخاذ حرفة غير ما كانوا فيه من خدمة أو صنعة، فراراً من الفاقة، وإظهاراً لاقتدار الشرقيين على الأعمال، ومجاراة للأوروباويين في تفننهم واشتغالهم بكل نافع مفيد”.
وعلقت مجلة الأستاذ – متمثلة في عبد الله النديم صاحبها – على هذا الموضوع، قائلة: “ نتمنى لهذه الجمعية النجاح والتقدم، ونثني على همتهم التي حملتهم على اقتحام عقبات التعلم بعد الكبر، خصوصاً وأنهم يتعلمون فناً لم يعرفوه من قبل، ولا أخذوه عن أستاذ، ولله هم حيث صبروا هذه المدة، لم تفتر همتهم، ولا تقاعدوا عن مشروعهم، حتى وصلوا إليه بهمة عالية. فنجاح الأعمال موقوف على الاستمرار، ولا استمرار بلا ثبات وصبر جميل”.
هذه هي قصة تكوين أول فرقة مسرحية من أهالي أسيوط!! ومن المؤكد أن الجميع في شوق لمعرفة بقية أخبارها، ومصيرها، وما آلت إليه!! والحقيقة إنني لم أجد – بعد ذلك - سوى خبر واحد منشور في يونية 1893، مما يعني أن الفرقة كانت مستمرة في نشاطها طوال سبعة أشهر. والدليل على ذلك أنها لم تجعل عروضها مقصورة على أسيوط، بل كانت تعرض أعمالها في بقية محافظات الصعيد؛ حيث إن الخبر المنشور يتعلق بثلاث مسرحيات عرضتها في سوهاج!! وهذا الخبر كتبه وكيل الجريدة في سوهاج، ونشره في جريدة المؤيد يوم 4/6/1893، وهذا نصه:
“ (سوهاج في 31 الماضي لوكيلنا المتجول): مثل جوق جمعية الكمال الوطنية الأسيوطية ثلاث روايات، أظهر فيها من كمال الاتقان وبراعة التمثيل، ما أدهش الجمهور. أما الروايات فهي: متريدات، وناكر الجميل، وخليفة الصياد مع هارون الرشيد. وفي الليلة الأولى، قام حضرة الشيخ محمد جودة وألقى خطابة أنيقة، أفتتحها بالدعاء للحضرة الخديوية ووزرائها الكرام، وأثنى على سعادة المفضال سعد الدين باشا مدير الغربية، لما لسعادته من الأيادي البيضاء، والمساعي المشكورة في تعضيد هذه الجمعية، حين كان مديراً لأسيوط. كما أثنى أيضاً على سعادة أحمد بك جودت، مدير سوهاج، وعلى حضرات جميع الأعيان والوجوه، الذين أخذوا بناصر هذا الجوق”.
مهما يكن من أمر نهاية هذه الفرقة، إلا أنها أرخت للمسرح في أسيوط بعام 1892. ومن المحتمل وجود محاولات أخرى من قبل أهالي الصعيد لتكوين فرق مسرحية محترفة أو هاوية!! ولعل آخر فرقة هاوية وجدناها كانت في عام 1933، وهي فرقة التمثيل بنادي السلطان حسين بأسيوط، والتي أشارت إليها مجلة الصباح في أكتوبر 1933؛ حيث أبانت المجلة أن هذه الفرقة مثلت مسرحية (الذبائح)، وقام بتمثيلها مع أعضاء النادي: ماري منصور، وكريمة أحمد، وفيوليت صيداوي، وعلي قدري. واستمرت الفرقة في نشاطها بعد ذلك، حيث نشرت جريدة الأمة في يونية 1934، خبراً تحت عنوان (هواة نادي السلطان حسين في أسيوط)، جاء فيه الآتي:
“ ظهرت في أسيوط نهضة تمثيلية موفقة من جانب بعض الهواة، فوفقت في أداء مهمتها التوفيق كله، وأبرز هواة الفرق، وأكثرها توفيقاً وأحسنها إدارة فرقة هواة نادي السلطان حسين، التي قامت بفضل تشجيع الوجيه إدوارد بك ويصا، بإخراج عدة روايات، نجحت جميعها. وقوبلت في أسيوط بالإعجاب من جميع الطبقات، والثناء على مجهود القائمين بهذه الحركة. ولا أكون مسرفاً إذا ذكرت إن الفضل الأكبر في النجاح الفني، يعود إلى جهود الشاب النابه لويس أفندي بولس، رئيس الفريق وصاحب دور البطل في هذه الروايات، فضلاً عن مجهوده القيم في الإخراج. وعلمنا أن الفرقة تعمل في جهد لإخراج رواية جديدة قريباً نؤمل لها التوفيق”.
جمعية الشبان المسلمين
تأسست جمعية الشبان المسلمين في القاهرة عام 1927، وكان هدفها تنمية الشباب المسلم في مجالات الفكر والثقافة .. إلخ، وبدأت فروعها تنتشر في محافظات مصر؛ حيث لاحظنا أن فرع الجمعية بأسيوط اهتم بالمسرح اهتماماً كبيراً، بجانب اهتمامه بالأمور الثقافية الأخرى – مثله مثل بقية فروع الجمعية في ربوع مصر – حيث نشرت مجلة الكواكب خبراً – مرفقاً بصورة في أكتوبر 1932 - تحت عنوان (حفلة تمثيلية في أسيوط)، قالت فيه: “ أحيت فرقة التمثيل بجمعية الشبان المسلمين بأسيوط حفلة ساهرة، قام فيها الأعضاء بتمثيل رواية (الذبائح)، وقد أوقف التمثيل خمس دقائق حداداً على مؤلفها المرحوم الأستاذ أنطون يزبك. والصورة تمثل الذين اشتركوا في تمثيل الرواية، وجلهم من الموظفين والطلبة والأعيان، وكان على رأسهم سيد أفندي محمد الموظف بأسيوط”.
وفي عام 1935، انتعش النشاط المسرحي في الجمعية بصورة لافتة للنظر، لدرجة أن الإعلان عن تمثيل المسرحية، أصبح يأتي ضمن أخبار الأنشطة الأخرى للجمعية!! ومثال على ذلك، ما نشرته جريدة أبو الهول، في شهر مايو، قائلة تحت عنوان (جمعية الشبان المسلمين بأسيوط): “ ألقى سعادة محمد علي علوبة باشا محاضرة قيمة عن رحلته إلى الهند والعراق بدار الجمعية مساء الأحد الماضي. وقد أمّها جمع غفير من العلماء والأعيان والمحامين والموظفين والشباب المثقف، يتقدم الجميع حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الفاضل الشيخ محمود أبو العيون شيخ معهد أسيوط الديني، وحضرة صاحب العزة وكيل المديرية. وقد افتتحت الحفلة بتلاوة آي الذكر الحكيم، ثم كلمة حضرة الأستاذ عبد الرحيم مصطفى بالنيابة عن الجمعية، كما ألقيت كلمة بالنيابة عن معهد أسيوط وشيخه، من الشيخ عبد المنعم فارس، وتلا ذلك المحاضر، فأسمعنا كل جليل ونافع ومسل ومهذب، مما استحق عليه ثناء الجميع وشكرهم. واختتم الحفلة صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبد السميع بقصيدة شعرية، امتدح فيها علوبة باشا. وإني أنتهز هذه الفرصة لأسجل لجمعية الشبان المسلمين اهتمامها بمثل هذه المحاضرات القيمة، وبانتقائها المحاضرين المحبوبين الأكفاء. هذا وستقوم جماعة التمثيل بالجمعية بإحياء ليلة سمر، تمثل فيها رواية (مجنون عيشة) من نوع الكوميدي مساء الخميس 23 مايو 1935”.
وتم بالفعل عرض المسرحية، وتكرر عرضها مع مسرحيات أخرى، تحدثت عنها بعض الصحف في يونية 1935 – مثل جريدة أبو الهول، ومجلة الصباح – وعلمنا منها أن الجمعية عرضت الفصل الثالث من مسرحية (مجنون ليلى) لأحمد شوقي، ومسرحية (عبد المقصود أفندي) من تأليف عضو الجمعية سعد كريمي، ومسرحية (مجنون عيشة) من تأليف عضو الجمعية أيضاً محمد شوقي. وآخر عرض مسرحي للجمعية، نشرت خبره مجلة الصباح في سبتمبر 1935، تحت عنوان (جمعية الشبان المسلمين بأسيوط)، قالت فيه: “ قام فريق التمثيل بالجمعية بتمثيل رواية (العصفور في القفص) للمرحوم محمد تيمور، مساء الخميس الماضي. وقد نجح الجميع في أدوارهم، وفي مقدمتهم الأفندية سعد كريمي (الزفتاوي باشا)، وسيد محمد عثمان (محمود بك)، ومحمد صالح (أمين بك)، ومختار المصري (حسن)، وعثمان عبد الباسط (جمعة)، وسيد سلام (عزيزة هانم)، ومحمد عبد الرحيم سري (مرجريت). وقام بإدارة المسرح يوسف أفندي عرفة وعبد الجواد أفندي فرج”.
والجدير بالذكر إن جمعية الشبان المسلمين، لم تكن الجمعية الأسيوطية الوحيدة المهتمة بالمسرح، بل نظيرتها جمعية الشبان المسيحيين؛ كانت مهتمة به أيضاً؛ حيث نشرت مجلة الصباح خبراً عنها في أبريل 1933، تحت عنوان (جمعية الشبان المسيحيين بأسيوط)، قالت فيه: “ شاهدنا رواية (الجاه المزيف) على مرسح جمعية الشبان المسيحية بأسيوط، وقد قامت الفرقة بتمثيلها بنجاح باهر لم نعهده من أي فرقة من فرق الهواة بأسيوط. ويرجع السبب المباشر لهذا النجاح الكبير إلى حضرة لويس أفندي بولس، الذي قام بالدور الأول، وحاز إعجاب الجمهور بدرجة مدهشة، ثم الأفندية أديب، وعبد المسيح، وناجي، وإدوارد، وموريس، الذي قام بخدمات جليلة في سبيل إخراج الرواية وأيضاً زاهر وسعد”.
وآخر خبر وجدناه متعلقاً بالمسرح في الجمعيات الأسيوطية، كان في سبتمبر 1935، ونشرته جريدة كوكب الشرق، تحت عنوان (رواية إبراهيم وسارة في قضية هاجر؟)، جاء فيه، الآتي: “ أقامت جمعية خلاص النفوس الدينية بأسيوط حفلة تمثيلية في صالة كلية الأمريكان للبنين، في مساء الخميس 19 الحالي. مثلت فيها فرقة التمثيل بالجمعية رواية (إبراهيم وسارة). وقد قام أفراد الفريق بأدوارهم خير قيام على حداثة عهدهم بالتمثيل، وقد أعجبني بصفة خاصة صاحب دور هاجر وإبراهيم. ويرجع الفضل في إخراج هذه الرواية إلى الممثل الهاوي الأستاذ لويس بولس”.
مسرح الطفل
بناءً على ما سبق، نقول: شهدت أسيوط عروضاً مسرحية من جميع الفرق الكبرى والصغرى العاملة في مصر، كما شهدت مراكزها عروضاً مسرحية متنوعة، ناهيك عن مدارسها القبطية التي أسهمت إسهاماً كبيراً في الحركة المسرحية بأسيوط، هذا بالإضافة إلى تكوين فرق مسرحية من أهالي أسيوط محترفة وهاوية، وربما فرقة جمعية الشبان المسلمين من أبرزها!! لم يبق غير مسرح الطفل، فهل له وجود في أسيوط في الفترة المحددة للموضوع؟!! الإجابة: نعم!! فقد وجدت صورة لبعض الأطفال في عرض مسرحي، منشورة بمجلة المصور في يونية 1931، مكتوب أسفلها الآتي: “ (روضة أطفال أسيوط): منظر من رواية (قطر الندى)، التي مثلها أطفال الروضة بأسيوط في حفلتهم السنوية، وهو يمثل الأميرة والأمير في حفلة زفافهما”. وبالبحث وجدت مقالة بتوقيع (أسيوطي غيور)، نشرها في مجلة الصباح، تحت عنوان (الأطفال الممثلون في روضة الأطفال بأسيوط). ولأهمية معلوماتها، وما فيها من رأي مهم، سأثبتها هنا وبنصها، وفيها يقول كاتبها:
“... دعيت لحضور الحفلة فقصدتها، لأقضي بعض الوقت، وأتسلى برؤية أطفال يلعبون ويلهون. وهل لنا أن ننتظر أكثر من ذلك من أطفال لم يبلغ أكبرهم السنة الثامنة من عمره. ولكني لم أكد أستوي في مقعدي، ويمتلئ السرادق على رحبه بخيرة القوم وأفاضلها، وتبدأ الحفلة، حتى تبدل رأيي وخلتني في معهد من أرقى معاهد الفنون بأوروبا. بدأت الحفلة بالسلام الملكي ثم قام الأطفال بعدة مسابقات مبتكرة طريفة، وأناشيد عذبة مشجية، ومناظرات حية باهرة، ورقص توقيعي في غاية الاتقان والمهارة والرشاقة. وبينما النظارة ثملين بنشوة الطرب والإعجاب، إذ طلع عليهم الأطفال ممثلين في رواية (قطر الندى)، فملكوا عليهم مشاعرهم، وأخذوا يلعبون بعواطفهم من إضحاك إلى حد القهقهة إلى تأثر عميق لا يعكر صفوه إلا صوت الممثل الصغير، أو توجع الممثلة الطفلة. ثم يسدل الستار، والقوم لا يزالون واجمين. لقد كنا نشاهد حقيقة لا تمثيلاً. تلك الطفلة سعاد إسكندر في دور الأميرة البائسة قطر الندى، التي غضبت عليها الملكة (زوج أبيها)، فأمرت بقتلها، وساقها الفارس المكلف بالتنفيذ إلى الغاية، وأخذت تستعطفه بما يذيب الجماد، ويفتت الصخر. نغمة حزينة عميقة، وعينان ذابلتان عما يخفيه قلب متوجع بائس .. فأسالت العبرات. وفي موقف آخر بينما كنا نضحك من الأقزام في لحاههم المتقنة، وأزيائهم الظريفة، وحركاتهم الطبيعية الخفيفة، وطراطيرهم الطويلة، إذ بنا نجمد عندما تدخل قطر الندى جائعة منهكة، تطلب لقمة ومأوى .. وكانت الطفلة سميرة بسيوني، تقوم بدور الملكة، فأجادت تمثيل العظمة والبطش والغضب. وقام الطفل يوسف أحمد علوبة، بدور أمير ساقته الأقدار في يوم عاصف إلى الالتجاء إلى بيت الأقزام، حتى تهدأ العاصفة، فأنقذ الأميرة البائسة، وحملها إلى القصر، فأجاد دوره وأتقنه وصعد به إلى الذروة. وفي ختام الرواية، تقام حفلة الزفاف، فيقوم المدعوون برقصة التانجو فيبدعون، وتنطلق الأكف بالتصفيق الحاد. لقد نجحت الحفلة نجاحاً باهراً، وكانت الملابس والأثاث والمكياج ونظام الإضاءة، مما يشهد لإدارة المدرسة بالخبرة والدقة وسلامة الذوق. لقد لمس الناس في هذا اليوم أن نظام رياض الأطفال نعمة وحسنة وثمرة لعلم التربية، وشعروا أن في مصر فتيات كريمات يستطعن أن يقمن ببناء مجدها شامخاً. يا روضة الأطفال سيري في طريقك لخدمة الأمة، والله يرعاك يا وزارة المعارف، أكثري لنا من هذه المدارس حتى تعم القرى والكفور، وشجعي المحسن ليقتدي به الآخرون. ويا إخواني الأسيوطيون، لقد شهدتم بأنفسكم المنارة عالية بينكم، فحوطوها وضعوا في بنائها لبنات من فلذات الأكباد، تزدد بكم قوة وتجنوا منها أينع الثمار [توقيع] أسيوطي غيور”.


سيد علي إسماعيل