مسارح العالم فى أزمة

مسارح العالم فى أزمة

العدد 831 صدر بتاريخ 31يوليو2023

يبدو أن أزمة المسرح الأمريكي التي بدأت مع اندلاع أزمة كورونا  قبل ثلاث سنوات لا تزال مستمرة ولم تخف حدتها كما اعتقد كثيرون. ربما انتهت بالنسبة للمسارح والفرق المسرحية الكبرى لكنها لا تزال مستمرة بالنسبة للمسارح الإقليمية.
اعلن مسرح “سنتر جروب” أحد اشهر المسارح  في لوس أنجلوس تأجيل  الموسم المسرحي القادم بسبب متاعب مالية.  وتبع ذلك بالطبع فسخ عقود موقعة مع عدد من كبار كتاب المسرح، فضلا عن تسريح أعداد كبيرة من الممثلين والفنيين. 
ولا يعد هذا المسرح الذي يبلغ عدد مقاعد قاعته الرئيسية  740 مقعدا- كان من المعتاد في معظم الأيام أن تمتلئ عن أخرها - حالة منفردة بل تعانى المسارح الإقليمية  في الولايات المتحدة من أرمات مالية خانقة رغم نهاية إجراءات كورونا الاحترازية. 
هناك على سبيل المثال لا الحصر مسرح لوكنز في شيكاغو الذي أقدمت إدارته على تسريح نصف العاملين به. وأوقف المسرح كل عروضه حتى أخر 2023.
وقال بيان صادر عن إدارة المسرح أن بعض العروض البسيطة سوف تستمر على القاعات الصغيرة للمسرح.  وأضاف البيان أن المسرح يمر بأزمة مالية خانقة لم يعانها منذ نشأته عام 1967. واعترف بان كورونا ليست السبب الرئيس في الأزمة بل أنها بدأت من قبلها وتسببت كورونا فقط في تفاقمها.
وارجع إلى أن قرار المسرح بتنويع عروضه كانت له تبعات مادية تعذر التعامل معها فكان لابد من وقفة لإعادة ترتيب الأوراق. 

مكانة
وكان لهذا القرار صدمة في الأوساط الثقافية والفنية بسبب المكانة التي يتمتع بها المسرح  في الحياة الثقافية بالولاية وربما الولايات المجاورة.
كان مرجع هذه المكانة العروض المثيرة للجدل التي بدأت منذ اليوم الأول لبدء نشاطه في 1967 حيث قدم المسرح مسرحية “الشياطين “ للكاتب المسرحي البريطانى جون ويتنج (1917-1963) التي كانت تثير الجدل منذ بدء عرضها عام 1961 والمأخوذة عن قصة شهيرة للأدب البريطانى الدوس هكسلى تدور حول حياة قس علمانى عاش في القرن 16.
وكانت هناك بعض العروض المسرحية  التي قدمت لأول مرة في العالم على هذا المسرح مثل ملائكة في أمريكا “لتونى كوشنر و”الشفق” لانا ديفر سميث.
ومن الأعمال التي تأثرت بقرار تأجيل الموسم المسرحي القادم مسرحية “زيفها قبل أن تصنعها “ للكاتبة المسرحية “لاريسا فاست هورس” وهى أيضا ممثلة وراقصة سابقة ومصممة رقصات وتنتمى إلى السكان الأصليين (الهنود الحمر). وتدعو المسرحية إلى التحلى بالثقة بالنفس من اجل خوض معترك الحياة . 
وتعبر فاست هورس  عن شعورها بالإحباط فتقول أنها كانت سعيدة لأنها كانت أول مسرحية من أدب السكان الأصليين تعرض على هذا المسرح عظيم الشان في عالم الثقافة الأمريكية.
وهناك مسرحية أخرى تأجلت وهى “فرقة الروك الكمبودية “ للكاتبة المسرحية والتليفزيونية ذات الأصل الكمبودى لورين ييىز. وتتناول المسرحية مشاكل الجالية االكمبودية في جنوب كاليفورنيا وعلاقتها بالجاليات الأخرى. ويتميز المسرح بإفساح الطريق للأعمال المسرحية المعبرة عن كافة العرقيات.
وتتعهد إدارة المسرح بعرض  المسرحيتين وغيرهما من الأعمال المؤجلة عند انتهاء الأزمة المالية.

8 ملايين دولار
وتشير الأرقام الصادرة عن إدارة المسرح إلى أن العجز المتوقع في الميزانية هذا العام يصل إلى 8 ملايين دولار . كما أوقفت حكومة الولاية  الدعم الذي كانت تقدمه للفرق المسرحية إبان أزمة كورونا. ولم تعد الجماهير تقبل على المسارح بنفس المعدلات السابقة بعد انتهاء إجراءات كورونا الاحترازية ربما خوفا من المرض.
ويرى أن الحل لمشاكل المسارح الإقليمية يكمن في عودة الجمهور إلى المقاعد ....وسوف تجد كل المشاكل طرقها إلى الحل بعد ذلك.

في ألمانيا أيضا
المسرح مكان غير آمن للعمل 
ضغوط نفسية وبدنية ومواثيق الشرف لا تكفى 
العقود قصيرة الأجل المشكلة الرئيسة 
المسرح فن جماهيرى له عشاقه الذين يحرصون على الاستمتاع به في المسارح نفسها. وهم يستمتعون ولا يشعرون بالمعاناة التي يكابدها الممثل المسرحي وكافة العاملين في المسرح على اختلاف أعمالهم. 
وهذه المعاناة لها أشكال عديدة تناولتها دراسات عديدة .لكن هناك أشكال أخرى لم تهتم بها الدراسات منها المعاناة الإدارية من الرؤساء والزملاء وبيئة المناسبة للعمل وغير ذلك من الاعتبارات.
سعت شبكة تليفزيون “ايه ار دى “ الألمانية إلى الإجابة  من خلال استفتاء قامت به في  قطاع المسرح الألماني تحت عنوان “هل  باتت المسارح الألمانية مكانا أمنا للعمل؟.
أظهرت نتائج الاستفتاء أن 90% الممثلين في معظم المسارح الألمانية يعانون من تسلط رؤسائهم  واحيانا سوء المعاملة من الزملاء فيما بينهم. ولا تتوقف الإساءات عند هذا الحد بل يمكن أن تكون احيانا لفظية  واحيانا بدنية واحيانا جنسية!!!.
وأعادت الدراسة إلى الأذهان  ما حدث  في مسرح مكسيم جوركى أحد اشهر مسارح برلين الذي يستمد اسمه من الاديب الروسى الشهير (1868 – 1936). ويستمد المسرح شهرته من الطابع السياسى لأعماله مثل مسرحيته الأخيرة التي تدور حول وضع المرأة في إيزان . وقام ببطولته مجموعة من الإيرانيين في المنفى.
فى 2021  تعرض العضو المنتدب للمسرح لاتهامات بالقسوة على العاملين في المسرح وفى مقدمتهم الممثلين بالطبع وخلق مناخ من الخوف.

مواثيق
أعلنت وقتها  كثير من المسارح  التي تتلقى دعما من الدولة ومنها مسرح جوركى _ هناك ارتباط قوى بين المسرح والفرق   بحيث يكون المسرح فرقة  في حالات عديدة-  أنها سوف تراجع نظمها الداخلية وتضع لوائح تنظم علاقات العمل بها.
وحسب تقرير الشبكة لم يحدث اى تطور ملموس في هذا  الصدد ولا تزال معاناة المسرحيين مع مسارحهم مستمرة .
وقامت الدنيا ولم تقعد بعد نشر نتيجة الاستطلاع. شكك معظم مديرى الفرق في سلامة إجراءاته وفيما إذا كانت العينة التي جرى استطلاع رأيها ممثلة بالفعل للعاملين في المسرح. كما أن الاستفتاء جرى بشكل مبهم ولا يوجد طريقة مستقلة لتقييم النتائج والتحقق من سلامة إجراء الاستطلاع.

ترحيب
وعلى الجانب الأخر رحبت رئيسة نقابة المسرحيين الألمان الرئيسية  بنتائج الاستطلاع وقالت أنها تحدثت عن مشاكل حقيقية.
وقالت أنها تعتبر هذا الاستطلاع محاولة من عدد من المسرحين الالمان للتعبير عن معاناتهم. وأضافت أن هناك بالفعل تحت التحقيق  اكثر من 400 شكوى من اساءات يتعرض لها أعضاء النقابة. ودعت مسئولى الفرق المسرح إلى السعى الجاد لتحسين ظروف العمل في مسارحهم بدلا من الهجوم على الاستطلاع والتشكيك في سلامته. 
ولاتنكر المسئولة النقابية أن عددا كبيرا من الفرق والمسارح وضعت منذ سنوات  مواثيق شرف تحكم العلاقات بين العاملين فيها . وهذه المواثيق تحكم تفاصيل كثيرة تصل إلى تقديم الشكاوى واختيار نوع العقاب. لكن احدا لايعرف فاعلية هذه المواثيق.
وتنضم إليها كلوديا شيميتز رئيسة منظمة تمثل اكثر من 430 مسرحا ألمانيا أنها قضية مهمة ولا ينبغى تجاهلها والاكتفاء بتبادل الاتهامات. ويمكن لمواثيق الشرف تقديم حلول مناسبة بشرط التطبيق وتدريب المسرحيين على تطبيقها من اجل بيئة عمل جيدة. وهناك مشكلة رئيسة تواجه المسرحيين في ألمانيا وهى عقودهم قصيرة الأجل التي تحرر موسميا  في الغالب التي لا تضمن لهم الاستقرار الوظيفى مما يزيد من الضغوط عليهم. ولم يتم الوصول إلى حل حاسم لهذه المشكلة بعد. وهناك أيضا مسارح لا تهتم بتوفير الأمان للممثلين أثناء العروض مما يمكن أن يعرضهم لإصابات تكون خطيرة أحيانا وتعجل بنهاية حياتهم الفنية. 


ترجمة هشام عبد الرءوف