مايا زبيب: «سحر المسرح»

مايا زبيب: «سحر المسرح»

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018

مخرجة مسرحية وممثلة وكاتبة ومديرة مسرحية وأحد مؤسسي شركة «زقاق» المسرحية، وقد عرضت أعمالها في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب آسيا. وقد درست المسرح دوليا في السياقات الأكاديمية وغير الأكاديمية، كانت مسئولة عن خلق عمل لمركز الفنون الندوية بجامعة نيويورك، وجامعة هيوستن، وكلية ويليامز، ومسرح كريفيلد/ مونشنغلادباخ، ومهرجان شويندلفري، ومهرجان ليفت، ومسرح رويال كورت.
زبيب هي طالبة سابقة في جامعة غولدسميث في لندن (2007) من شيفينينغ/ كرف (2007)، القيادة الثقافية الدولية (2010)، وهي باحثة إيسبا، نيويورك (2010)، وتم اختيارها على أنها بيتر بروتيج. سيلارز، كجزء من مبادرة رولكس ومنتدى الفنون المحمية (2011). وقد حصلت زوكاك على جائزة إبسن (2012)، وجائزة الحوار الأورومتوسطي لمؤسسة آنا ليند للمرونة الاجتماعية والإبداع (2014)، والفنانين الشباب برياميوم للفنانين الشباب من جمعية الفنون اليابانية (2017) والجائزة مؤسسة ثقافة السلام شيراك (2017).إنها لحظة من المشاركة، لقاء يصعب تكراره، أو إيجاده في أي نشاط آخر في العالم. إنه الفعل البسيط من تجمُّع بعض الأشخاص واختيارهم أن يكونوا معا في نفس المكان، في نفس الوقت، ليصنعوا تجربة مشتركة. إنها دعوة للأفراد أن يكوِّنوا وحدة، أن يجدوا معا تصورا لكسر عبء الضروري والمُلزم، أن نستعيد ترابطنا الإنساني ونجد من الاتفاق أكثر مما نجد اختلافا، عندما تستطيع قصة ما أن تتبع خطوط العالمية، هنا يكمن سحر المسرح، حيث يستعيد التمثيل خصائصه المهجورة.
في عالم ينتشر فيه الخوف المستحكم من الآخر، الانعزال والوحدة، أن نكون معا، في المكان والزمان الواحد، ما هو إلا فعل حب. أن تقرر استقطاع وقت لنفسك، بعيدا عن الإشباع اللحظي وإغراق أنفسنا في الحياة الاستهلاكية سريعة الإيقاع، أن نُبطئ للحظة، ونتأمل كيف نعكس ذلك للعالم، إنه فعل سياسة، فعل سماحة.
بينما سقطت كبرى الآيديولوجيات، ونظام العالم آخد في إثبات فشله على مر العقود، كيف يمكن لنا تصور المستقبل؟ بينما الأمن والراحة هم غاية وأولوية الجميع في ظل الحوار المهيمن، هل نستطيع أن نعبر إلى أراضٍ خطرة دون الخوف من خسارة امتيازاتنا؟
باتت اليوم سرعة المعلومة أهم من العلم، والشعارات أهم من الكلام، وصور الجثث أهم من صور الأحياء، بينما يبقى المسرح ليذكرنا أننا بشر من دم ولحم وأن لأجسامنا قيمة، يبقى المسرح ليحيي كل مشاعرنا، ليعطي القوة والمعنى للكلمات، أن يسرق الكلمة من السياسيين ويعطيها لمستحقيها، لحلبة الأفكار والحوار، لمساحة الرؤية الجماعية.
يتيح لنا المسرح رؤية أوضح لأنفسنا وللعالم، من خلال قوة الحكي والخيال، يفتح آفاقا مشتركة في ظل التجاهل وعدم التحمل السائديَن. لقد عاد الخوف من الآخر وخطاب الكراهية وتمييز البيض، بعد سنوات من الجهد لجعل هذه الأمور مُخجلة وغير مقبولة، أصبح الشباب والفتيات يُقتلون ويُسجنون لرفضهم التعايش مع الظلم والتمييز العنصري، أصبح نماذج من الجنون والاستبداد اليميني يحكمون دولا كبرى في العالم، وتلوح الحرب النووية في الأفق كلعبة افتراضية بين أطفال الرجال من حكام العالم، وحرية التنقل ما هي إلا حق يحتكره الصفوة، بينما يموت اللاجئون غرقا في بحار حاولوا منها اختراق حصون الأحلام الخادعة، بينما تُبنى المزيد والمزيد من الحصون، أين يمكن أن نرى عالمنا الحقيقي - خاصة بعد أن بيعت معظم وسائل الإعلام - سوى في حميمية المسرح؟ هل يمكن لنا أن نعيد التفكير في حال الإنسانية؟ أن نحلم بنظام جديد للعالم يستوعبنا جميعا بكل ما نستحق من حب وإشفاق، وكذلك بمواجهات بناءة يحكمها الذكاء والمرونة والقوة؟
جئت من العالم العربي لأتحدث عما يواجهه أبناء المهنة من صعوبات، أنا أنتمي لجيل من المسرحيين كان محظوظا لأن الحواجز التي أردنا تدميرها كانت دائما مرئية، هذا ما جعلنا نستغل المتاح وندفع بأسقف الإبداع إلى اللانهائية، نقدم المسرح في الأقبية والأسطح وغرف المعيشة، في الأزقة والشوارع، مكتسبين جمهورا أينما ذهبنا في المدن والقرى ومخيمات اللاجئين، اعتبرنا بناءنا لكل شيء من الصفر في حالتنا ميزة، نحن نبتكر الطرق للهروب من الرقابة بينما نستمر في كسر الخطوط الحمراء وتحدي المحظورات، الآن يعاني المسرحيون أمام كل هذه الحواجز، لم يكن التمويل أبدا أكثر تهديدا من الآن، واتفاقك مع السياسة هي الرقابة الجديدة.
وبالتالي، فإن مجتمع المسرح العالمي لديه دور جماعي عليه أن يلعبه وهذا الدور تتعاظم أهميته الآن أكثر مما كانت على مر العصور، أن نواجه التحديات الملموسة وغير الملموسة، علينا أن نبدع في بناء هيكلنا السياسية والاجتماعي بأمانة وشجاعة أكثر من أي وقت مضى، أن نواجه أخطاءنا ونتولى مسئولية العالم الذي نشترك في صنعه.
إننا بوصفنا مسرحيين في شتى أنحاء العالم، بالطبع لا نتبنى الآيديولوجية أو العقيدة نفسها، لكننا نجتمع على غاية واحدة هي بحثنا الدائم عن الحقيقة، أينما كانت، وفي كل صورها، تساؤلنا الدائم، وتحدينا لكل القوى الظالمة، وأخيرا وليس آخرا، شفافيتنا الإنسانية.
نحن كثيرون.. لسنا خائفين.. ووُجدنا لنستمر.
 

 


ترجمة: د سامية حبيب