العدد 871 صدر بتاريخ 6مايو2024
عقدت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة الأسبوع الماضي، ومقررها الدكتور سامح مهران برعاية وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني والأمين العام للمجلس د. هشام عزمي مائدة مستديرة بعنوان «فلسطين في المسرح المصري» تضمنت جلستين الأولي بعنوان «المسرح بين مصر وفلسطين علاقة تاريخية» أدارها الناقد والشاعر محمد بهجت رئيس قسم المسرح بجريدة الأهرام وتحدث بها الناقد محمد الروبي رئيس تحرير جريدة مسرحنا والدكتور سيد على إسماعيل. بدأت المائدة بعرض جزء من أمسية «الحمل الفلسطيني» للشاعر الكبير فؤاد حداد وإخراج أحمد إسماعيل.
«المسرح فلسطيني مصري .. مصري فلسطيني»
وفي مداخلته وقال محمد الروبي: «اسمحوا لي بأن أبدا مشاركتي في هذه الندوة بشكري الجزيل للجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، إذ كان هذا ما كنا نفكر فيه منذ بدأ طوفان الأقصى والصفعة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية للعدو الصهيوني المحتل، والتي كشفته أمام العالم أجمع، والأهم أمام بعض ممن يحسبون علينا، وأظهرت أنه نمر من قش ، وأوهن من بيت العنكبوت، وأنه كان يمكن القضاء عليه منذ سنوات طويلة لولا تقاعس البعض وعمالة البعض الأخر وتصدير وهم زائف بأنه لا يقهر.
أضاف :منذ بداية الطوفان ومع جنون المحتل الصهيوني والكشف عن حقيقته اللا إنسانية ونحن لم نكف عن التفكير فيما يمكن أن نفعله. مؤمنين بأن المسرح قادر على التذكير على الأقل بحقيقة أن فلسطين عربية وأن الصهاينة أعداء وأنه لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض معهم.
تابع الروبي: ولهذا كله وغيره الكثير جاءت هذه الندوة التي ستختم بعرض فلسطيني تمنى كل من شاهده منا في مهرجانات عربية أن يحضر إلى مصر وهو عرض «بأم عيني» للصديق المبدع الممثل والمخرج والكاتب غنام غنام لأنه عرض يرتبط بتلك العلاقة، علاقة الحاضر بالماضي، علاقة المستقبل بالتاريخ/ باعتباره شهادة حية في شكل فني عما كان وما يجب أن يكون.
وقال: أنني لست هنا للتأريخ، فبجواري من هو أقدر على ذلك وهو الأستاذ سيد علي إسماعيل، وكنا في جريدة مسرحنا قد أفردنا له صفحات كثيرة نشرت حلقات متعددة عن هذا الموضوع ، وقد نشرت بعد ذلك في كتاب أصدرته وزارة الثقافة الفلسطينية بعنوان «المسرح في فلسطين قبل النكبة» وهو الكتاب الذي انصحكم جميعاً باقتنائه لما فيه من أسرار عن هذا الشأن الذي نحن بصدده وهو «المسرح الفلسطيني» وفيه توثيق جاد لعلاقته بالمسرح المصري، إنما جئت اليوم لأؤكد على ما أؤمن به دوما، وهو ان علاقة مصر بفلسطين سواء في المسرح أو في غيره من المجالات هي علاقة أكبر من حرف الواو «فلسطين ومصر» أو «مصر وفلسطين» فالتاريخ والواقع يقولان لنا إن تاريخ الحروب المصرية يؤكد على تلك البديهية ، فمصر لم تدخل حرباً طوال تاريخها الحديث إلا من أجل فلسطين التي هي مصر. انتكست في حربين وانتصرت في ثالثة. وما تزال ترفع شعارها الذي لا مساومة عليه «لا صلح لا اعتراف لا تفاوض» رغم مرور ما يقارب نصف قرن على ورقة ظلت مجرد ورقة لا تعني للشعب المصري شيئاَ سوى أنها ورقة، ولا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به . لذلك كنت ومازلت لا استسيغ أبدا تعبير «انا أتضامن مع فلسطين» أو «أنا أدعم النضال الفلسطيني» أو غيرها من التعبيرات التي لا تليق – في ظني – بالحديث عن آلام الذات وأحلامها، فالتضامن فعل يخرج عن غريب متعاطف، بينما نحن هنا على هذه الأرض الممتدة من البحر إلى البحر ومن المحيط إلى الخليج نلعق جرحنا نفسه لا جرح أخر نتعاطف معه، نقاوم عدونا «نحن» ونؤمن إيمانا لاشك فيه أننا سنعود حتما، لأن على هذه الأرض، أرضنا ما يستحق الحياة، ما يستحق المقاومة، ما يستحق الاستشهاد.
وتابع: «من هذه البديهية انطلقت العلاقة بين المسرحين «المصري والفلسطيني» بل إن بدايات المسرح في فلسطين تتشابه مع بداياته في مصر. فن جديد وافد مع مستعمر، يتعرف على أبناء الأرض، يستنبتونه في أرضهم الخاصة ويطعمونه بمفردات فرجتهم الشعبية. فرق تبدأ عبر إرساليات تبشيرية أجنبية، ثم تتكون فرق عربية خاصة، ثم تواجه هذه الفرق تعنتا رقابيا من قبل الاحتلال الحريص على تغييب المحتل، فمقاومة وإصرار ، ومحاولات لتطويع المسرح للهم الخاص رغم مقاومة ذلك من الطرف الأخر . وكأى مسيرة مسرحية عربية بدأت بالترجمة، ثم بالتقليد، ثم الاقتباس ثم بظهور ماهو خاص. وفي هذه المسيرة لا يمكن بأى حال من الأحوال تجاهل تأثير الفرق المصرية الزائرة وترك بصماتها على المسرح فيها، يقول لنا التاريخ إن فلسطين كانت المحطة الأهم في قطار تجوال الفرق المصرية «جورج أبيض، يوسف وهبي، الكسار، وقبلهم ومن بعدهم الكثير، وكان العرض المصري الذي لا تتاح له فرصة العرض في فلسطين عرض نقص منه الكثير، فالعرض في فلسطين هو العرض الأهم خارج القطر المصري، ويقول لنا التاريخ أيضاً ان عصر النهضة المسرحية المصرية «خمسينات وستينيات القرن الماضي» كانت فلسطين في القلب منه . بل والأهم أن كل كاتب من كتاب ذلك الزمان من المصريين كان ينطلق في كتاباته من البديهية التي أشرنا إليها في بداية حديثنا «مصر فلسطين، فلسطين مصر». فلم يكتب ألفريد فرج مثلا رائعة «النار والزيتون» مدفوعاً متعاطفاً . بل بالتعبير عن الذات وكذلك الشرقاوي في «وطني عكا»، ومحمود دياب في باب الفتوح، نجيب سرور في «الذباب الأزرق» وغيرها واستمر من بعدهم يسري الجندي ، محمد أبو العلا السلاموني، رأفت الدويري، غيرهم حتى الجيل الأحدث المعاصر من كتاب المسرح المصري، كل هؤلاء ينطلقون في كتابتهم من شعور حقيقي وإيمان راسخ بأن تلك قضيتنا لا تعاطف ولا شفقة. في المقابل، لم يكف المخرجون المصريون منذ الرعيل الأول وحتى الأن، عن تقديم كتابات ونصوص كتاب وشعراء فلسطينين، فشهدت الساحة أعمالاً مسرحية عدة لأسماء مثل معين بسيسو، غسان كنفاني، هارون هاشم رشيد وغيرهم، وصولاً للجيل الأحدث كما غنام غنام وغيره، كذلك يقول لنا التاريخ أن المسرح الفلسطيني استفاد عرضاً ونصاً، من عروض ونصوص الأشقاء الأكبر «المصريين» سواء بقراءات ما يصل إليهم من نصوص، أو بزيارات الفرق المصرية أو بزيارة معاكسة للمشاهدة او العرض أو حتى الدراسة في معاهد مصر وكلياتها المختلفة.
علاقة تاريخية
فيما تحدث الدكتور سيد على إسماعيل خلال مداخلته عن العلاقة التاريخية في المسرح بين مصر وفلسطين فقال : للأسف الشديد يظن أغلبنا أن اسم فلسطين لا يّذكر إلا بوصفها دولة محتلة منذ عام 1948، وكأنها خُلقت فقط منذ هذا التاريخ وما زالت تصارع المحتل الصهيوني الذي نجح بنسبة كبيرة في فرض روايته الكاذبة، بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب، وهو الذي عمّرها وجعلها دولة!! وللأسف الشديد أيضاً أن الكيان الصهيوني نجح في تدمير وإخفاء وسرقة أغلب الأدلة والوثائق التي تقف ضد روايته الكاذبة، والتي تؤكد أن فلسطين كانت دولة عربية مكتملة، مثلها مثل كافة الدول العربية وبالأخص دول الشام.
والحمد لله إنني نجحت في إثبات الرواية الحقيقية الفلسطينية، والتي تُكذب الرواية الصهيونية، حيث أثبت من خلال تاريخ المسرح، أن فلسطين كانت دولة كاملة مكتملة متطورة من عام 1900 إلى عام 1945 كونها كانت تستقبل الفرق المسرحية المصرية طوال هذه السنوات، مما يعني أننا تعاملنا مع فلسطين بوصفها دولة شامية مثلها مثل سوريا ولبنان، بل كانت فلسطين الأهم مسرحياً بالنسبة لمصر، كون الذهاب والإياب لجميع بلاد الشام كان من خلالها، فكانت تنال حظاً من العروض المسرحية مضاعفاً بالنسبة لبقية الدول.
وعن بداية العلاقة المسرحية بين مصر وفلسطين قال: «بدأت العلاقة المسرحية بين مصر وفلسطين عام 1900، عندما زارت أول فرقة مسرحية مصرية فلسطين بقيادة «عبد الرازق بك عنايت»، وعرضت في القدس ويافا، والعرض الأول كان جمهوره من الجنود العثمانيين، فلم يفهموا العربية، وظنوا أنها فرقة رقص وغناء.
وفي عام 1909 ذهبت إلى فلسطين فرقة مصرية جوالة بقيادة «إبراهيم الإسكندراني» وعرضت أعمالها مثل مسرحية «اللصوص الثلاثة» في «قهوة المعارف» بالقدس خارج باب الخليل لصاحبها «مصطفى رابيه». وتكرر التمثيل المصري في هذه القهوة عام 1919، عندما مثلت «فرقة التمدن الشرقي» لصاحبها «عبد العزيز الجاهلي» مجموعة مسرحيات، هي: روميو وجوليت، شارلوت، حمدان الأندلسي، هملت، عطيل.
فرقة الأخوين سليم وأمين عطا الله كانت الأهم تاريخياً منذ عام 1912، كونها استقرت في الشام أكثر من استقرارها في مصر، وبالأخص «أمين عطا الله» الذي تزوج من فلسطينية، ونجح نجاحاً كبيراً في إقناع فلسطين وبلاد الشام أنه «كشكش بك» عندما عرض أغلب مسرحيات نجيب الريحاني، كونه كان أحد أفرادها، بل وأطلق على فرقته اسم «جوق كشكش بك»، وعرض أعماله في «قهوة الظريفية».
أضاف : عام 1913 كان فارقاً لذهاب فرقتين في فرقة واحدة وهي «جوق أبيض وحجازي» وعروض الفرقة قدمت على مسرح قهوة الظريفية، والمعروف أن كل فرقة لها مسرحياتها ولها بطلها، ولكن الدعاية كلها كانت عن الشيخ سلامة حجازي لأن الشعب الفلسطيني سمعه ولم يره، لذلك ملأ الجمهور كل الأمكنة وخارج المسرح أكثر مما بداخله! وكان الافتتاح بمسرحية «لويس الحادي عشر»، وظل الجمهور ينتظر ظهور الشيخ فصلاً بعد فصل، وعندما تأكد من عدم حضوره أوقفوا العرض واعتصموا بداخل المسرح لحين ظهور الشيخ وسماع أغانيه!! فأحضر المتعهد الشيخ المشلول من فراشه بالفندق محمولاً، وغنى الشيخ للجمهور الفلسطيني ملتمساً له العذر ، واعتذروا لجورج أبيض وطالبوا باستكمال عرضه!! ومثل الجوق بعد ذلك في القدس: «روميو وجوليت» و«المرسيلية الحسناء» و«نابليون» و«ضحية الغواية».
وتابع سيد اسماعيل: في عام 1921 حضر نجيب الريحاني بمجموعة مسرحيات بطلها «كشكش بك» مثل: أنت وبختك، حَمَار وحلاوة، أفوتك ليه، ريا وسكينة، هزّ يا وزّ، وقدمها في «سينما القدس الكبير»، ولكنه لم ينجح وعاد سريعاً إلى مصر لسببين: الأول سفره معتمداً على شهرته بدون وجود متعهد ينظم له الرحلة، والآخر ابتعاد الجمهور عنه لأنه كذب بادعائه أنه «كشكس بك»، وكشكش بك الحقيقي يعرفونه منذ سنوات ويعيش بينهم وهو «أمين عطا الله». وللأسف كرر الريحاني الأمر في العام التالي 1922 وكانت النتيجة أسوأ فصُدم ولم يعد الكرة مرة ثالثة إلا في عام 1930 عندما اتفق مع المتعهد «الفريد خوري» ، الذي نظم له عروضاً في «مسرح حديقة بريستول» بالقدس، وفي نادي الشبيبة البيتلحمية في بيت لحم، وفي «أوتيل حرب بالاس» - أول قرية سياحية في شركة مصايف فلسطين برام الله لصاحبها الوطني (عيسى حرب) - وكان يكتب في إعلاناته «كشكش بك الحقيقي»، ومن عروضه: «ليلة في بغداد»، «ياسمينة»، «ليلة الحظ»، واتبحبح. وفي عام 1934 عرض على مسرح أقيم خصيصاً في أرض «المعرض العربي الثاني» في القدس لتشجيع البضائع الوطنية والعربية، مقابل مقاطعة البضائع الصهيونية، وعرض الريحاني أغلب عروضه الشهيرة مع بقية الفرق المصرية الأخرى مثل عكاشة ويوسف وهبي. وبعد 15 سنة زارها الريحاني عام 1943 وقدم على مسرح سينما الحمراء وعين دور بيافا ومسرح سينما سيون بالقدس، مسرحيات: الستات ما يعرفوش يكدبوا، حسن ومرقص وكوهين، الدلوعة، استنى بختك.
تابع :في عام 1925 كانت رحلة فرقة أولاد عكاشة الأولى لفلسطين – وليست في عام 1913 مع جوق أبيض وحجازي كما جاء في بعض الأخبار – ومثلت في حيفا على «مسرح بستان الانشراح» مسرحية «عبد الرحمن الناصر»، والنقد ربط بينها وبين سقوط الأندلس ومحاولات الصهاينة الاستيلاء على فلسطين، وتوالت العروض ومنها: شمشون ودليلة، معروف الإسكافي، عايدة، المشكلة الكبرى، التوبة. وتكررت الرحلة في العام التالي، أما رحلة عام 1934، فكانت ضمن عروض «المعرض العربي الثاني في القدس»، ومثلت: عبد الرحمن الناصر، القضاء والقدر، طارق بن زياد، العباسة أخت الرشيد، علي بابا، القضية المشهورة، معروف الإسكافي، العفو القاتل .. وشاركت في دعم الأسر المنكوبة من كارثة طبرية بسبب السيول، فخصصت للمنكوبين ريع عرض مسرحي خاص كان هو الأخير في زيارتها.
وأكمل اسماعيل : في عام 1921 كان المفرض أن تزور فرقة «منيرة المهدية» فلسطين، وبالفعل ذهبت الفرقة وعرضت أعمالها، ولكن بدون منيرة، حيث قامت بأدوارها «فتحية أحمد» لوجود مشاكل بين منيرة وزوجها وصلت إلى المحاكم فلم تستطع السفر مع الفرقة. ولكن في عام 1927 كانت الزيارة الفعلية الأولى لمنيرة، وزارتها وهي في قمة الشهرة والتكريم، حيث كان تألقها في مسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان» أمام الشاب «محمد عبد الوهاب»، كما تم تكريمها في هذا العام من قبل ملك إيطاليا «فيكتور إيمانويل الثالث» بمنحها وسام الكتاب الذهبي، بالإضافة إلى وسام آخر نالته من فرنسا .. بهذا الزخم سافرت وعرضت في يافا والقدس ونابلس، وفجأة عادت دون استكمال الرحلة كما خُطط لها. والسبب في ذلك تعنت رئيس بلدية نابلس الذي أراد حفلة خاصة له ولأقربائه مجاناً، وخرجت منيرة بفرقتها فجراً في سرية بحراسة البوليس، وبعد خروجها بساعات حدث زلزال ضخم كان الأقوى في تاريخ فلسطين والشام. ولم تعد منيرة إلى فلسطين بعد ذلك إلا مطربة فقط.
وأضاف :ابتداء من عام 1929 زارت فرقة يوسف وهبي فلسطين، وظلت سنوياً تزورها إلى عام 1943، لدرجة اعتبارها فرقة فلسطينية كانت تزور مصر من كثرة تواجدها في فلسطين سنوياً .. نجمل نشاطها في نقاط منها: تمثيلها مسرحيات في يافا، منها: العرش، وغادة الكاميليا، والمجنون! ومثلت في القدس «كرسي الاعتراف، وغادة الكاميليا». ومثلت أيضاً على مسرح قهوة «أبو شاكوش». وكرمها «نادي الشبيبة البيتلحمية»، وعرضت الفرقة «الذبائح» لصالح نادي الشبيبة الأرثوذكسية، وعرضتها مرة أخرى وخصصت إيرادها لمدرسة النجاح الوطنية للإناث التي تديرها «أمينة شوفاني». وفي العام التالي جاءت الفرقة وعرضت في القاعة الكبرى لكلية روضة المعارف، حيث مثلت: البؤساء، الكوكايين، وخصصت عروضاً لإعانة عائلات المحكوم عليهم بالإعدام في ثورة البراق، وتبرع يوسف وهبي بخمسة عشر جنيهاً لعائلات: فؤاد حجازي، وعطا الزير، ومحمد أبو جمجوم، الذين نفذ فيهم حكم الإعدام يوم 17 يونية 1930. وفي زيارة عام 1932 منعت السلطات العسكرية في القدس عرضي «راسبوتين» و«كرسي الاعتراف» بمسارح القدس بسبب مسهما بمشاعر المسيحيين، إلا إذا تم العرض بدون ملابس دينية، ثم اتضح أنها مؤامرة تجارية بين المتعهدين، فسمحوا بعرضهما فقام يوسف بتفصيل ملابس جديدة في يوم وليلة!!
وقال إسماعيل أيضا :زارت «فاطمة رشدي» فلسطين عام 1929، ووقعت في خطأ منيرة المهدية، حيث جاءت فاطمة وهي في أوج شهرتها واسمها الكبير، فلم تهتم بانتقاء أفراد الفرقة، معتمدة على اسمها فقط، لذلك جمعت مجموعة من ممثلي الفرق الأخرى، وعرضت بدون تنظيم مسرحيات: «المائدة الخضراء، والنسر الصغير، والسلطان عبد الحميد» على «مسرح قهوة أبو شاكوش»، وتكرر الأمر في العام التالي .. وبعد أكثر من عشر سنوات أي 1943 زارتها فاطمة وهي تودع مجدها المسرحي وتاريخه، حيث لا تمتلك فرقة مسرحية ثابتة، ولم تتفق مع متعهد، ولا يوجد ضمن فرقتها المشاهير فعرضت: مسرحيات «مصرع كليوباترا» «المستهترة»، «العباسة»، فكانت الرحلة الأسوأ تاريخياً، حيث وصل الأمر أن الصحافة نشرت كلمة عنوانها «القنصلية المصرية في فلسطين تحجز على إيرادات فاطمة رشدي» وذلك لسداد ديونها!!
في عام 1930 قام «حسن شلبي» - الملقن بفرقة فاطمة رشدي – بتجميع فرقة أطلق عليها اسم «فرقة مصر» على رأسها صالح عبد الحي، وعلية فوزي، وبشارة واكيم، وعبد العزيز خليل، وعمر وصفي، وعباس فارس، وهي فرقة ظهرت خارج مصر واختفت خارج مصر، وعملت فقط في بلاد الشام في صيف 1930!! وكان سفرها وعملها بدون دراسة أو وجود متعهد، فكانت النتيجة تفكك الفرقة والعمل في الصالات والمقاهي والكباريهات، ومن لم يجد عملاً لجأ إلى القنصلية لتسفيره. ونشر المتعهد «خضر النحاس»، تحت عنوان «كلمة إلى السلطات المصرية وإلى الممثلين والممثلات في مصر»: «كنت قد لفتُ نظر إخواني الممثلين والممثلات في مصر، الذين يأتون إلى سوريا ولبنان مع الفرق المصرية للعمل فيها، بألا يحضروا إلى بيروت مع أصحاب الفرق قبل تأمين معيشتهم أثناء وجودهم في البلاد السورية واللبنانية، وتأمين سفرهم وعودتهم إلى بلادهم. وقد كتبت ذلك رحمة وإشفاقاً ببعض الممثلين والممثلات، الذين يتخلى عنهم أصحاب الفرق، ويتركونهم لا معين لهم ولا نصير بحالة يرثى لها من الفقر والعوز، لا يملكون ما يسدون به رمقهم»!! ..... والحق يُقال: إن ما حدث لفرقة مصر برئاسة الملقن حسن شلبي، لم يحدث لأية فرقة مسرحية مصرية خارج مصر!! وتجنباً لهذه الأحداث، وعدم تكرارها فكّر ثلاثة شبان، هم «عبد العزيز محجوب، وأنطوان عيسى، وجبران نعوم» في افتتاح «مكتب الأعمال المسرحية والسينما»، وهو مكتب يتعهد برحلات الفرقة المسرحية خارج مصر، مع تأمينها وضمان سير عروضها.
حظ الكسار والريحاني!
تابع اسماعيل قائلاً :زار «علي الكسار» فلسطين عام 1933، فكان حظه مثل الريحاني!! فإذا كان الريحاني سبقه أمين عطا الله في إقناع الجمهور الشامي والفلسطيني بأنه هو «كشكش بك»، فقد نجح «فوزي منيب» في إقناع الجمهور الفلسطيني والشامي بأنه «بربري مصر الوحيد» عندما مثّل عروض الكسار عام 1920 في زيارته لفلسطين!! لذلك لم يقبل الجمهور على عروض الكسار في القدس، ومنها: «ملكة الغابة»، «ابنة فرعون» .. وعندما انتقل إلى حيفا لتكملة العروض وفقاً لاتفاق مع المتعهدين كي يعوض خسارة عروض القدس، صُدم بوفاة الملك فيصل ملك العراق ومرور جثمانه لعدة أيام في بلدان فلسطين فأوقف المتعهدون عروض الكسار، وعندما عادت العروض قبضوا على المتعهدين أثناء أحد العروض، فعاد الكسار بفرقته إلى مصر. أما الزيارات الناجحة للكسار، فبدأت عام 1941، حتى عام 1944 حيث عرض في أغلب المدن الفلسطينية، مثل: القدس، نابلس، الناصرة، عكا، طول كرم، غزة.
الفرقة الأخيرة التي زارت فلسطين كانت «الفرقة القومية» عام 1942، وقامت برحلتها بسبب مشاكل فنية مع توقيت الحرب العالمية الثانية، فكانت أول رحلة خارج مصر على الإطلاق إلى فلسطين لإحياء عشر حفلات مقابل 625 ج، وكان المتوقع في حالة نجاحها إكمال الرحلة إلى سورية ولبنان، ولكنها لم تنجح في فلسطين النجاح المتوقع الذي يجعلها تستكمل إلى لبنان وسورية. وعرضت في فلسطين: مجنون ليلى، صلاح الدين، مصرع كليوباترا، لويس الحادي عشر، «الفاكهة المحرمة»، و«القضاء والقدر»، و«رجال»، و«لويس الحادي عشر». وقام بتمثيلها: جورج أبيض، حسين رياض، أحمد علام، زينب صدقي، فردوس حسن، فتوح نشاطي، سراج منير، عباس فارس، روحية خالد، زوزو حمدي الحكيم، زكي رستم، منسى فهمي، فؤاد شفيق، نجمة إبراهيم، ثريا فخري. رغم كل هذا كررت الفرقة الرحلة عام 1944 بعد أن أصبح اسمها «الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى»، وللأسف لم تحقق الفرقة النجاح الذي تأمله، ووجدت عراقيل منذ وصولها إلى القدس فجميع الفنادق مزدحمة، فشكت إدارة الفرقة لسعادة قنصل مصر، ورغم المجهود الجبار الذي بذله سعادته، لم يوفق إلا في أن يُنزل البعض ضيوفاً على «جمعية الشبان المسيحيين»، وبسبب هذا لجأ الأستاذ «زكي طليمات» والسيدة حرمه والسيدة «زوزو حمدي الحكيم» إلى منزل متعهد الحفلات. ولجأت السيدة «زينب صدقي» لمنزل صديقة لها في القدس. وكان تأخير المناظر والملابس في السكة الحديد سبباً جعل الأستاذ زكي طليمات – في عرضه الأول - يستخدم مناظر مسرح جمعية الشبان المسيحيين، التي مثلت عليه الفرقة، وألغى الحفلة الثانية، وسافرت الفرقة بعد ذلك إلى حيفا .. وهكذا حتى انتهت الرحلة.
مداخلات ختامية
اختتمت الجلسة الأولى بمجموعة من مداخلات الحضور، حيث تحدث المخرج أحمد إسماعيل عن تعاونه مع الشاعر فؤاد حداد في أمسية «الحمل فلسطين» عام 1985 التي قدمت بمسرح السلام، وكانت الأمسية تشكل رغبة كبيرة لدى الشاعر الكبير ليقدم لجمهوره ومحبي شعره عملا عن فلسطين، وتولى المخرج العمل وكان اقتراح حداد الأول هو تقديم الأمسية بوكالة الغوري التي تساع مئة وخمسون كرسي، ولكن المخرج أحمد إسماعيل رأى أنها مساحة صغيرة و ذهب للفنان عبد الغفار عوده مدير فرقة المسرح المتجول حينذاك الذي رحب كثيرا بإقامة الأمسية بمسرح السلام الذي أكتظ بالجماهير فكانت أشبه بالمظاهرة في استقبال الشاعر الكبير فؤاد حداد.