«ريا وسكينة».. عرض راقص يؤكد أن للمسرح لغته الخاصة التي لا تحتاج إلى ترجمة

«ريا وسكينة».. عرض راقص يؤكد أن للمسرح لغته الخاصة التي لا تحتاج إلى ترجمة

العدد 702 صدر بتاريخ 8فبراير2021

من العروض التي لفتت انتباهي جدًا في المهرجان القومي للمسرح في دورته الثالثة عشر، عرض “ريا وسكينة 1921” تأليف محمد فؤاد تصميم وإخراج كريمة بدير، إنتاج فرقة “فرسان الشرق للتراث بدار الأوبرا -التي تقوم أعمالها على استلهام التراث المصري والعربي وإعادة صياغته فنيًا- الذي عُرض على خشبة مسرح الجمهورية، حيث يتميز بكونه ليس عرضًا مسرحيًا تقليديًا، لكنه يعتبر ثورة على كل ما هو تقليدي ومألوف، فهو عبارة عن مجموعة تابلوهات حركية مبتكرة تحمل صبغة درامية شعبية وتاريخية في ذات الوقت تحكي قصة ريا وسكينة منذ بدايتهما حتى لحظة تنفيذ حكم الإعدام، هذه اللوحات عبرت بدقة عن كل التفاصيل وطبيعة شخصية كلا منهما والظروف التي أدت بهما إلى هذا المصير، لدرجة أن العرض لا يحتاج إلى الحوار الذي تضمنته بعض التابلوهات.
 لم يفاجئنا العرض بجديد عن القصة فالجميع يعلم قصة ريا وسكينة ويعلم أن أحداثها دارت عام 1921 في الأسكندرية، وأن حكم الإعدام كان يصدر للمرأة الأولى لمعاقبة امرأة، لكنه فاجأنا بكيفية التناول لهذه القضية، فمقدمة خشبة المسرح يوجد عليها مجموعة جماجم وقتيل موضوع داخل جوال  كذلك حبل المشنقة المتدلي الذي يظهر من ستارة المسرح المغلقة مع ترك مساحة بسيطة تسمح برؤيته وحركته يمينًا ويسارًا، كل ذلك تقديم بديهي وذكي في الوقت نفسه، بعد فتح الستار نجد مساحة واسعة ليس لها ملامح محددة سوى لافتتان نعرف منهما مكان وقوع الأحداث، وسلم خشبي ينتهي من الأعلى إلى شباك يخرج منه رجل أحدب بعد نزوله من السلم نكتشف أنه لم يخرج من هذا الشباك لكنه دخل إلى المقبرة، لنعرف فيما بعد أنه نباش القبور ويبدأ أول تابلوهات العرض ومنه نعرف أن هذا الرجل وأعوانه يقومون بسرقة ما في القبور وصراعهم مع عرائس القبور وهن ضحايا ريا وسكينة، يصطحب الرجل الأحدب بديعة التي تبدأ في سرد حكايتها مستعرضة تاريخ أمها ريا وخالتها سكينة، بتقنية ال “فلاش باك” من خلال مجموعة استعراضات التي توضح طبيعة المجتمع وكذلك طبيعة كل شخصيات العمل منها: الصياديين، بديعة مع الفتايات، سكينة مع مجموعة فتايات تعبرن عن بنات بحري، ثم سكينة وحدها، استعراض قتل الفتايات، الإعدام، شواهد القبور، والندابات، ثم اللوحة الأخيرة التي ختم بها العرض.
 كما سبق وأشرت فإن هذه اللوحات وحدها كافية لاستعراض القصة كاملة من دون حوار قدمها مجموعة رائعة من الراقصين والراقصات في إثبات أن للمسرح لغة واحدة لا تحتاج إلى ترجمة هم: هاني حسن “نباش القبور”، فاطمة محسن”بديعة”، ياسمين سمير “ريا”، دنيا محمد “سكينة”، محمد عبد الصبور، نورهان جمال ، هدير حلمي، رضا إبراهيم، أمجد إبراهيم، نادر جمال، عبد الرحمن دسوقي، إبراهيم خالد، أحمد عاطف، نور الدين عمر، باسم مجدي، محمد أمين، أحمد موسى، عبد الرحمن حمدي، نوران محمد، زينب حسن، حبيبة إبراهيم، مي زريق، مهيتاب محمد، نادين غريب، مرام محمد، تقف خلفهم مصممة استعراضات طموحة ولديها مشروع خاص بها تعمل عليه بدأب، هو تقديم التراث خاصة ما يخص قضايا المرأة بعد إعادة صياغته ليتناسب تقديمه كعروض راقصة.
 وعلى الرغم من ذلك فقد جاء الحوار ثريًا مضيفًا بعدًا جماليًا آخر كأسئلة بديعة الوجودية عن الحب والكراهية، وبعض العبارات منها على سبيل المثال: “الدنيا من حوللية زي الغزية بترقص لكل واحد شوية”، لتؤكد أن الحوار لم يكن زائدًا أو مقحمًا بل أوضح كيفية تفكير كل شخصيات العرض ومفهومهم عن الحياة.
 هذه التبالوهات لم تكتف بسرد الحكاية بل أن لها دورًا أساسيًا لم تتخل عنه وهو جمال الصورة الذي يحقق الإشباع البصري والقدرة الفائقة على التعبير بالجسد في إطار لوحات تشكيلية معبرة عن الموقف وتوظيف الملابس التي صممتها أنس إسماعيل-التي قامت بتصميم الديكور أيضًا- والمكياج أحمد فكري ومحمد أحمد فكري في سيميترية رائعة فكانت الألوان التي تكونت من الأبيض والأسود والأحمر والأصفر كل في موضعة، مع إضاءة رضا إبراهيم التي غلب عليها اللون الأحمر والخافتة في معظم الأوقات، وموسيقى محمد مصطفى الصاخبة بل التي تعبر عن الصراخ وبعض الرقصات التي عبرت عن حالة العديد والندب، والاكسسوار الذي ضم الفوانيس القديمة التي تعبر عن المرحلة الزمنية والجماجم التي تعبر عن أشهر قضية حدثت في القرن العشرين، كذلك استخدام الدفوف وبعض الآلات الرنانة كبديل عن الراوي، كل هذه العناصر اتحدت لتخرج لنا عرضًا مسرحيًا متميزًا ينتمي لمدرسة الرقص الحديث. 


نور الهدى عبد المنعم