د. نبيل منيب معلم الأجيال.. وداعا

د. نبيل منيب معلم الأجيال.. وداعا

العدد 816 صدر بتاريخ 17أبريل2023

الرائعون  يغيبون ولكن لا يرحلون، وأصحاب الرسالة لا يموتون، تتجلى أرواحهم في كلماتهم، في تلامذتهم، في إبداعهم، في سيرتهم وذاكرة محبيهم.. لا ينتهون إلا ليبدأوا حياة أخرى من الخلود.. وها هو ينضم إليهم.. الأستاذ ومعلم الأجيال الدكتور نبيل منيب الذي غيبه الموت الأسبوع الماضي. 
هو علامة بارزة في تاريخ المعهد العالي للفنون المسرحية، وتتلمذ على يديه عدد كبير من الأجيال وكان له منهجه ومدرسته الخاصة.. فكان له بالغ الأثر في تعليم التمثيل وإقامة ورش الارتجال حتى وصفه البعض بأنه “ستانسلافسكى مصر” نبيل منيب ممثل ومخرج مسرحي وأستاذ أكاديمي في معهد الفنون المسرحية، ومن أعماله المسرحية “حاول تفهم يا ذكي”، “جواز بالكمبيوتر”، “دماء على ملابس السهرة”، “الأشجار تموت واقفة”.  شارك ممثلا في عدة  مسلسلات منها “لا تطفئ الشمس”، و”العودة إلى المنفى”، وتم تكريمه بمهرجان المسرح العربي عام 2019. في هذه المساحة نرصد عددا من شهادات تلامذته ومحبيه.
قدوة أفتخر بها 
الفنان محمد نبيل منيب نجل الدكتور نبيل منيب، قال: رغم أنني ابنه الذي كنت أعيش معه طوال الوقت، فإنني أقل من يستطيع أن يتحدث عنه، ذلك لأنه كان قليل الحديث عن نفسه، وأغلب ما عرفته عنه كان من خلال من تعاملوا معه عن قرب، ومنذ صغري ومع بداية تعاملي مع بعض الفنانين، كنت دائما أسمع وأعرف عنه الذي لم أعرفه في البيت، وكنت أرى من يقدرونني ويتعاملون معي معاملة خاصة بمجرد معرفتهم بأني ابن د. نبيل منيب، كانت نظرتهم تتغير، وكان كثيرون يحكون لي كيف استفادوا وإلى أي مدى تعلموا منه.. كذلك كان يروي لي البعض أنه أستاذهم ومعلمهم، فقد تتلمذ على يديه عدد كبير من القامات الفنية، وهذا ما كان يشعرني دائما بالفخر والاعتزاز، وروا الكثيرون لي العديد من المواقف الإنسانية الذي كان هو طرفا فيها، وكان يمدحون إنسانيته وأخلاقه الراقية، فكان ما سمعته عنه له تأثير كبير على شخصيتي وتكويني منذ صغري، وكان يضع فوق عاتقي مسئولية كبيرة، وخاصة أن والدي كان يتمتع بسيرة طيبة ومحط احترام عدد كبير، فكان هذا الأمر يمثل مسئولية كبيرة بالنسبة لي، وهو ما جعلني حريصا على الحفاظ على هذا الاسم الكبير في تعاملي حتى أحافظ على هذا الاسم الذي أمثل جزءا منه، وقد زرع د. نبيل منيب بي صفات جيدة -أحمد الله عليها- وقد كان قدوة أفتخر بها دائما وأبدا.

علامة مهمة في تاريخ المعهد العالي للفنون المسرحية
وقال عميد المعهد العالي للفنون المسرحية د. مدحت الكاشف: د. نبيل منيب هو أستاذ الأجيال الذي اختار العزف منفردا في مجال تدريب الممثل، ويعتبر من رواده في مصر، كما يعد علامة مهمة في تاريخ المعهد العالي للفنون المسرحية، تخرجت على يديه أجيال كثيرة، وأنا منهم، حيث كان مشرفا على رسالتي لنيل الماجستير، مؤمنا بقدراتي العلمية والعملية في مجال تدريب الممثل، وكان أحد الذين تأثرت بهم بشكل مباشر في تأملاتي التي لا تنقطع حول الممثل وفن التمثيل -رحمه الله. 

أثر كبير في طلابه 
د. نبيل الحلوجي قال: حين ينطلق سهم وجودنا، فلن يتوقف إلا بالرحيل، وما بينهما نعيش التجربة الإنسانية، بما فيها من تدرج وتراكم. مؤدين الرسالة التي خلقنا الله من أجلها. وكان -المغفور له بإذن الله- د. نبيل منيب له أثر كبير في حياة طلابه بالأكاديمية، وفي حركة الإبداع المسرحي، وكانت له رؤى مميزة حين أخرج، كما كان مؤثرا في محيطه الاجتماعي.                
 
غيَّر تفكير كثيرين في فن الممثل
وقال السيناريست أيمن عبدالرحمن: قد لا يعرفه الكثيرون من خارج الوسط الفني، أما كل من له علاقة بفن التمثيل فهو يعرف جيدا قدر هذا الرجل وأفضاله على كل من فكر أن يمارس التمثيل في جيلنا وحتى الآن.. د. نبيل منيب لم يقم بالتدريس لي وأنا طالب في معهد الفنون المسرحية، لكنه قام بتأسيسي كفنان أثناء فترة دراستي في كلية طب الأسنان.. كنت عاشقا للتمثيل، وتقدمت له في المسرح القومي حيث سمعت عن مجموعة إعداد الممثل يقودها أستاذ درس في الخارج، فذهبت وقبلني ضمن مجموعة صغيرة استمرت حوالي أربع سنوات..  أربع سنوات أتدرب على يد هذا الأستاذ العبقري بدون أن يحصل على أجر من أي واحد منا.
إنه أستاذ كل أساتذة التمثيل الحاليين وكل المدربين، ولا يستطيع أحد منهم أن ينكر ذلك.. إنه الرجل الذي غيَّر منطق وتفكير وتعامل الكثيرين مع فن الممثل من التقليدية إلى آفاق الخيال الواسعة، قام بتأسيسي وبنائي كفنان.. وأنا وكثيرون ندين له بأي نجاح وصلنا إليه.. د. نبيل، ما فعلته بدون أن تحصل على أجر كان من الممكن أن تكسب الملايين من ورائه، ولكنك كنت الكرم والنبل حرفيا، ولولا ظهورك في بداية مشواري لكنت الآن فنانا آخر غير الذي أعتز به.. وأظن هذا شعور الكثيرين.. مسرحيتك “دماء على ملابس السهرة” ستظل درسا في فن الإخراج المسرحي، ومرجعا لكل من يريد أن يصنع مسرحا جادا. وأنتم يا أعزائي الذين لا تعرفون نبيل منيب، أخبركم أنه أستاذ الكثير ممن تحبونهم.. فأرسلوا له الكثير من التحية، فهو تسبب في متعتكم بشكل غير مباشر. عزيزي د. نبيل منيب أنت “ستانسلافسكي مصر” بدون أي مبالغه، ولك أن تعتز بتلاميذك، فكل فنان مختلف ومبدع هو أحد أبنائك.. نحن نحبك ولا ننساك.                                               

منهج وأسلوب مسرحي مميز 
نعى المخرج خالد جلال رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي، والقائم بأعمال رئيس البيت الفني للمسرح، د. نبيل منيب، قائلا:
“إننا فقدنا أستاذا أكاديميا، تخرجت على يديه أجيال عديدة، امتلك منهجا وأسلوبا مميزا في الفن المسرحي -رحم الله المخرج نبيل منيب وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان”.

تأسيس العرض عن طريق الارتجال 
فيما أوضح الناقد أحمد خميس الحكيم دوره البارز والمهم، فقال: كان له أكبر الأثر على كثير من الأجيال في معهد الفنون المسرحية بما يملكه من خبرة وحرفة ووعي وذكاء.. لم ألتقِ به فنيا إلا مرات معدودة أذكر منها حديثه الدافئ معي بعد امتحان الدراسات العليا في مشروعي للتخرج من معهد المسرح، وكنت يومها أنا والصديق د. أيمن الشيوي نقدم مسرحية (مكان مع الخنازير) للكاتب الجنوب إفريقي أثول فوجارد.
أثره الحقيقي كان في كيفية تمرير فكرة إنشاء العرض المسرحي عن طريق الارتجال أو ورش الارتجال، ويتضح ذلك من خلال عروض الراحل منصور محمد مثل عرض “اللعبة”، ويتضح مفهومه عن حرية المخرج في ضم أكثر من نص في حكاية واحدة، فالمخرج منصور محمد –مثلا- قدم نصين لصلاح عبدالصبور، جمع بين “الأميرة تنتظر” و”مسافر ليل” تحت عنوان “الأميرة تسافر ليلا”، كما أن العروض التي قدمها على المسرح تعد دليلا آخر على الابتكار واتباع طريق مغاير لما يقدم، ومن ذلك مسرحية “الأشجار تموت واقفة”.                                                                                                                                          
قيمة وقامة كبيرة 
فيما وصفه الفنان محمد صلاح آدم بأنه من أعظم وأهم الأساتذة، وقال: عندما جئت من الإسكندرية تقدمت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية حتى ألتحق بقسم التمثيل والإخراج، ومن المتعارف عليه أن المتقدمين للمعهد يمرون بمراحل اختبار، وهما أداء مشهد بالفصحى والعامية، وعند اجتياز هذا الاختبار تبدأ المرحلة الثانية من الاختبارات، وهي الورشة التي تستمر لمدة أسبوع، وهو اختبار مفصل، ومن يجتاز مرحلة الورشة يتم قبوله في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان د. نبيل منيب يقوم باختبارنا في الورشة في عدة أشياء مختلفة في الغناء والتمثيل، ثم علمت بعد التحاقي بالمعهد أنه دافع عني دفاعا كبيرا أثناء وضع درجات الطلاب، فهناك أساتذة توافق على بعض الطلاب والبعض الآخر لا يوافقون على التحاقهم بالمعهد، وقد دافع عني  لأتمكن من الالتحاق بالمعهد. ويعد د. نبيل منيب أهم من يقوم بعمل ورش للتمثيل وتعليم التمثيل، وهو قيمة وقامة كبيرة فقدناها جميعا -رحمه الله.

نموذج للمعلم الخلوق والراقي 
وتحدث د. حسام عطا عن دور د. نبيل منيب وأثره، فقال: كان منيب قيمة تتسق أفعالها مع أقوالها، ذلك لأن ما قام بتدريسه في قاعات الدرس من علوم وفنون التمثيل والتدريبات المتطورة التي حصل عليها من دراسته في فرنسا، هي التي مارسها في إخراجه المسرحي، ولعل منها عرض “دماء على ملابس السهرة” التي قدمها في المسرح الحديث، هي أول مسرحية احترافية كبيرة للكاتب الكبير الذي صار علامة في المسرح المصري؛ محمد أبوالعلا السلاموني، وهي دليل على التطابق بين الأقوال والأفعال، وبين العلم وتطبيقاته.. وبين المسار المهني والأكاديمي والمسار الاحترافي الإبداعي، كما كان الأستاذ نموذجا للمعلم الخلوق.. كان سلوكه راقيا منضبطا منذ أن عرفته في شبابه المتأخر بعد عودته من فرنسا عندما كان مدرسا في قسم التمثيل، إلا أنه حصل على الأستاذية، وأصبح أستاذا متفرغا.. نفس الصوت الخفيض والتعبيرات المنضبطة، والحرص على مشاعر الآخرين والدقة المتناهية في متابعة الطلاب، والاعتناء بهم.
ومن نوادر أقاصيصه أنه ذات مرة حدثت مشاجرة بين طلاب قسم التمثيل والإخراج أدت إلى اكتئاب أحد الطلاب، وهو الآن الفنان القدير عصام الشويخ مدير مسرح الساحة، فانقطع عن الدراسة وقرر عدم العودة للمعهد، فذهب إليه د. نبيل منيب في المنزل ليستعيده للصف الدراسي.. هكذا كانت مسئوليته، وهكذا يمتد نطاق اهتمامه بالمعيدين وطلاب الدراسات العليا في أقسام الديكور والدراما، وهو اهتمامه ذاته بتلاميذه بقسم التمثيل. تخرج على يديه العديد من النجوم الكبار، ومن الذين اتبع مدرسته خاصة في تدريبات الممثل كان منهم النجم أحمد عبدالعزيز، مرورا بالنجم خالد النبوي، وصولا إلى أجيال الأستاذ الدكتور أيمن الشيوي والأستاذ الدكتور مدحت الكاشف ونقيب المهن التمثيلية الدكتور أشرف ذكي، وغيرهم من العلامات التي صارت بارزة في مجال المسرح وفنون التمثيل.

أثره باق 
وقال المخرج مازن الغرباوي: هو أحد الأساتذة الكرام الذين تتلمذت على أيديهم مجموعة كبيرة من الفنانين، أبرزهم الفنانة إلهام شاهين، وذلك في الفترة الذهبية، وكان في عنفوانه كأستاذ أكاديمي، وقد افتقدناه في الوسط الفني والمسرحي والأكاديمي، ولكنا نرى أن هناك امتدادا له من خلال نجليه الفنان محمد نبيل وهو أحد مدربي التمثيل و”الكاستينج دايركتور”، والفنان أحمد منيب أحد الموسيقيين المهمين على مستوى مصر والعالم، كما أن أثره الفني موجود في أسرته الفنية التي ستكمل مسيرته الفنية التي تميزت بالجودة والجدة.


رنا رأفت