مسرح جلال الشرقاوي

مسرح  جلال الشرقاوي

العدد 815 صدر بتاريخ 10أبريل2023

تمتد الرحلة الفنية للمخرج المسرحي الراحل جلال الشرقاوي لأكثر من خمسين عاما، أثرى خلالها المسرح المصري بعشرات الأعمال المهمة التي ساهمت –بشكل واضح- في تطوير الخطاب المسرحي المعاصر، بل يعد أحد رواد هذا المسرح، من الذين أخذوا على عاتقهم إيجاد مسرح مصري له خصوصية مابعد ثورة يوليو 1952.
كان “الشرقاوي” مع عدد من أبناء جيله ومنهم كرم مطاوع ونبيل الألفي وسعد أردش وحسن عبدالسلام وأحمد عبدالحليم وأحمد زكي ونجيب سرور، من الجيل الذي تعمق في دراسة المسرح، بل ودرسه في أرقى الأكاديميات الفنية في أوروبا، وكان من نصيب “الشرقاوي” دراسة المسرح وعلومه في فرنسا، وتحديدا في “معهد جوليان برتو للدراما” عام 1960.
وكذلك حصوله على دبلوم الإخراج من “المعهد العالي للدراسات السينمائية” من فرنسا عام 1962.
في أعماله المسرحية التي قام بإخراجها نجد الشرقاوي يعتمد على فكرة تقديم “المسرح الاجتماعي” برؤية عصرية تناقش القضايا المرتبطة بالمجتمع والمؤثرة في بنيته، نجد ذلك واضحا بداية من مسرحيته “مدرسة المشاغبين” والتي قدم فيها عددا من الممثلين الشباب –وقتها- في بداية السبعينيات من القرن الماضي، والذين أصبحوا بعد ذلك نجوم الصف الأول في الدراما المصرية ومنهم عادل إمام وسعيد صالح وسهير البابلي  وأحمد زكي وهادي الجيار ويونس شلبي.
في هذه المسرحية والتي قدمت من قبل في أحد الأفلام العالمية يقوم “جلال الشرقاوي” بتحوير النص ليتناسب مع المجتمع المصري من خلال نقد اجتماعي حاد، خفف منه الطابع الكوميدي الذي امتازت به المسرحية. تبدأ من لحظة الفشل واللامبالاة التي يعاني منها عدد من الطلبة الراسبين لسنوات طويلة في المرحلة الثانوية، حتى لحظات الأمل والتفوق وتفجير الطاقات الإيجابية بداخلهم من خلال مدرسة الفلسفة الجديدة. فيحقق كل من هؤلاء الطلبة حلمهم في الحياة، واتسمت المسرحية بتقديم مجموعة من الاستعراضات الفنية، وهي نفس الميزة الفنية التي ستصاحب “الشرقاوي” في معظم الأعمال المسرحية التي أخرجها بعد ذلك.
وقدم “الشرقاوي” عددا من المسرحيات التي تنتمي إلى “مسرح الكباريه السياسي” مثل “دستور يا أسيادنا” تأليف محمود الطوخي، وبطولة أحمد بدير، والتي اتسمت بطابع سياسي، مقدم في إطار كوميدي فانتازي.
ومن مسرحياته –أيضا-  في هذا المجال “عطية الإرهابية” بطولة سهير البابلي. تميزت هذه المسرحية بالبناء المحكم وتنوع الشكل الدرامي مع إعطاء مساحة متسعة لفكرة المفارقة التي تحدث حالة من الكوميديا غير المتوقعة.

شخصية متمردة
اتسمت شخصية “جلال الشرقاوي” بالقوة و صلابة الموقف والدفاع عن الفن، وله في ذلك مواقف كثيرة  نذكر منها أنه حاول أكثر من مرة أن يأخذ موافقة من الأزهر الشريف بعرض مسرحية “الحسين شهيدا وثائرا” لعبد الرحمن الشرقاوي” دون تجسيد للشخصيات بحيث سيستعاض عنها بالراوي، وبالفعل عقدت جلسة خاصة بمجمع البحوث الإسلامية في آواخر نوفمبر سنة 2000 وحضرها د.محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، بعد أن قدم له الشرقاوي التماسا بضرورة حضور هذه الجلسة.
حيث أكد “جلال الشرقاوي” في بدايتها على أنه “منذ فترة طويلة يراوده الحلم بتقديم شخصية الحسين رضي الله عنه على خشبة المسرح درسا ورمزا وعظة وقدوة ونموذجا عظيما وكريما لهذا الجيل وللأجيال التي ستليه، والموقف العظيم الذي وقفه الحسين رضي الله عنه في مجابهة العذاب، والشجاعة في مجابهة قوى القهر والطغيان، والإيمان الذي تجلى في صدق النبي صلى الله عليه وسلم.. كل هذا يجعلني – والكلام للشرقاوي_ مليئا بالإعجاب والإجلال بهذه الشخصية العظيمة، من هنا جاء حلمي بتجسيد هذه الشخصية وهذا الفعل فنيا على خشبة المسرح”.
ومن الناحية الفنية فإن الشرقاوي أكد على أنها تطرح عدة أسئلة حول موقف الشرع من توريث الملوك الحكم لأبنائهم، مما يناقض الأية الكريمة “وأمرهم شورى بينهم”، ثم نا موقف الدين من قوى الظلم والقهر التي مارسها “يزيد” في مواجهة “الحسين”؟.
ثم وجه كلامه لفضيلة شيخ الأزهر قائلا: وهناك سؤال يتعلق بي شخصيا وهو ما الذي يدفعني إلى أن أقدم مثل هذه التجربة الفنية مع ما يشوبها من محاذير سواء كانت هذه المحاذير رقابية أو دينية؟.
وفضيلتكم تعلمون أن شعبنا لا يميل إلى إعمال ذهنه بعد يوم طويل مفعم بالكد والإجهاد، وهو يريد أن يسري عن نفسه قليلا في نهاية اليوم ولا يفضل قضاء سهرة مع الفكر والذهن والعواطف النبيلة التي تحملها هذه المسرحية؟أليس في إنتاج مثل هذه المسرحية مغامرة مادية كبيرة؟ إذن ما الذي يدفعني أن أقدم على ذلك إلا إذا كان الغرض نبيلا شريفا، وليس من أجل إحداث فتنة! أنا أريد أن أقدم النموذج والمثل والقدوة فقط لهذا الجيل من خلال هذه الشخصية العظيمة.
ورد د.عبد المعطي بيومي عضو المجمع على الشرقاوي مشيرا إلى نبل الفكرة والغرض النبيل الذي دعا إليه‘ إلا أن هناك مجموعة من الأثار التي يمكن أن تترتب على عرض المسرحية منها أن الشرقاوي عرض لفكرة المواجهة، فأي مواجهة يقصد فالمواجهة هنا ضد فئة مسلمة، وليست ضد فئة باغية.
“أما د. محمد رجب بيومي –عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- فأكد على أهمية الأدب في دراسة التاريخ والنهوض بالواقع الاجتماعي.
في حين أشار د. رأفت عثمان عميد كلية الشريعة وقتها إلى أن عبد الرحمن الشرقاوي استقى رؤيته الفنية من بعض المصادر غير القوية من الناحية التاريخية، وطالب “عثمان” بالرجوع للقرار السابق للأزهر بالمنع.

تنوع ثقافي
وقد قدم الفنان الراحل مجموعة من الأدوار السينمائية والتليفزيونية نذكر منها أفلام “خلي بالك من عقلك” مع عادل إمام وشيريهان، و “أمهات في المنفى” مع عادل إمام.
كما شغل عددا من المناصب منها عميد “المعهد العالي للفنون المسرحية” من 1975 وحتى عام 1979.
وله العديد من المؤلفات التي أثرت المكتبة المسرحية العربية منها “مدخل إلى دراسة الجمهور في المسرح المصري”، وهذا الكتاب من الكتب المهمة التي تلقي الضوء على واحدة من أهم القضايا المسرحية المعاصرة، و محاولة الخروج من الأشكال المسرحية التقليدية إلى فضاءات مسرحية مغايرة تتسم بالاقتراب من الجمهور.
 أما كتابه “حياتي في المسرح”، فقدم فيه سيرته الذاتية من خلال علاقته بفن المسرح مستعرضا أهم محطاته في ذلك عبر رحلته الفنية الطويلة. ومن كتبه –أيضا- “الإنتاج المسرحي.. آلياته الفنية والإدارية”  و”الأسس في فن التمثيل والإخراج المسرحي”. وهما كتابان مهمان لدارسي المسرح الحديث.


عيد عبد الحليم