مسرحة النصوص الأدبية في تجربة المسرح المستقل

مسرحة النصوص الأدبية في تجربة المسرح المستقل

العدد 798 صدر بتاريخ 12ديسمبر2022

اعتمدت الفرق المسرحية المستقلة على فكرة «مسرحة الأدب» في بعض عروضها، من خلال الاعتماد على روايات وقصص لأدباء مصريين ونصوص شعرية بتحويلها إلى عروض مسرحية مهمة في تجربتهم العريضة.
ومن أكثر الأدباء الذين تحولت نصوصهم الروائية والقصصية والشعرية إلى عروض مسرحية من خلال الفرق المسرحية المستقلة يحي حقي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وسعد مكاوي وفؤاد حداد.
ومن الفرق التي عملت على ذلك فرقة «الضواحي» وقد اعتمدت الرؤية الفنية للفرقة على الاقتباس من الأعمال الأدبية العربية القديمة والحديثة مع وضعها في سياق واقعي آني يرتبط باللحظة الراهنة، عن طريق مسرحة الأدب من خلال اكتشاف وتفجير دلالات جديدة تؤكد على أن المسرح ليس أداة تنوير بالمعنى التعليمي ـ رغم أهمية دور هذا المسرح ـ  وإنما بإيجاد مشتركات رؤيوية بين ما يطرحه العرض والجمهور، والخوض في تجربة مشتركة، فليس هناك يقين جاهز في طرح الأمور.
أما العرض الثاني «كونكان» 1993 فمأخوذ عن قصة ليحيى حقي بنفس الاسم نشرت في عام 1944، وقد ناقشت قضية الجبر والاختيار لدى الإنسان وهي قضية وجودية في المقام الأول، ناقشها الفكر الإنساني منذ بداية التكوين البشري وتعني في مفهوم الفلسفة الغربية «الوجود والعدم».
وقد تم تناول أحداث القصة عبر إشكاليتين: الأولى ترتبط بفعل الكينونة والثانية «لعبة الكوتشينة» بما في الأولى من تحول وجودي والثانية من التحول عن طريق الخطأ والجبر أحيانا.
وقد تم التكوين السينوغرافي عن طريق رسومات لأوراق الكوتشينة، في الديكور المسرحي والملابس من خلال تعدد أدوات اللعب والألوان، وقام ببطولة العرض سناء المصري ومريم ملاك وصابر فوزي وإعداد وإخراج إبراهيم الباز.
أما عرض «المرأة والقطة» فمأخوذ عن رواية «مذكرات غير واقعية» للروائية الفلسطينية سحر خليفة من خلال طرح العلاقة بين المرأة وقطتها، وهي علاقة مركبة تم تكثيفها في العرض لدرجة أنه لم تزد مدته عن 16 دقيقة، تم التركيز فيها على الجانب التكثيفي للأداء المسرحي باستخدام حركات الجسد والإيماء، وقد لاقى ترحيبا جماهيريا ونقديا وحصل على عدة جوائز منها المركز الأول في الإخراج والتمثيل من مهرجان زفتى المسرحي عام 1996، كما تم عرضه في مهرجان «الديالوج» بمسرح الشباب عام 1993، معرض القاهرة للكتاب عامي 1994 و1995، والمسرح القومي قاعة الزرقاني يناير 1999.
أما عرض «المقامات» فتم من خلال مسرحة أربع مقامات من كتاب «المقامات» لبيرم التونسي ناقشت نفسية ودواخل المجاورين وطلبة الأزهر الذين كانوا يشاركون في الحياة العامة ـ في بداية القرن الماضي ـ وقد تم توظيفها مسرحيا من خلال تطوير أدوات الفن الشعبي القديم في إطار فكرة «خيال الظل» و»الأراجوز» و»صندوق الدنيا» و»المولد» حيث لعب الممثلون الدور الأكبر عوضا عن الأدوات القديمة من عرائس وغيرها.
وجاء عرض «الطموح المقتبس عن كتاب «المجنون» لجبران خليل جبران، والذي تم تقديمه من خلال التقاطع بين المونولوج والديالوج، وتم عرضه بقاعة عبد الرحيم الزرقاني بالمسرح القومي يناير 1999، ومهرجان زفتي في نفس العام حيث فاز بخمس جوائز من ضمنها المركز الأول في الإخراج لإبراهيم الباز.
أما عرض «طوق الحمامة» فمأخوذ عن كتاب «ابن حزم» وجاءت فكرته بطرح إقامة معارضة عربية للأوبريت الأوروبي وتم تقديمه بديكور عربي في قصر الغوري للتراث، بالاتكاء على الشكل الغنائي الاستعراضي كبديل عن الحوار الأوبريتي والاستعاضة بمعارضة غنائية من ورغم أن الكتاب في نصه الأصلي كان يناقش ثلاثية “الحب ـ الموت ـ السلوى” التي تلخص دراما الحياة في قرطبة الأندلسية في شكل أقرب إلى المرثية. أشعار الكتاب نفسه وبالتيمة الاستعراضية.
بالإضافة إلى ذلك تعددت المشاهد التي ناقشت المسكوت عنه في الجانب الذاتي من حياة ابن حزم وقرطبة بشكل أعم، وقد لعبت موسيقى عادل الجمل دورا كبيرا في تكثيف الحالة الدرامية التي جاءت في إطار أقرب إلى الملحمية.
شارك في بطولة العرض سناء المصري وشادي الدالي ومها العوضي وهبة محمد ونجلاء يونس ومها أبو بكر وأحمد عبد النعيم.
أما عرض “الموت عشقا” فهو عبارة عن قصة لها طابع غريب تستمد آليات الحكي الأسطوري من كتاب “الف ليلة وليلة” حيث تتعدد الأصوات الدرامية التي تقدم الحكاية من وجهات نظر مختلفة بإبراز نسبية الرؤية.
وقد قام ببطولتها مها العوضي ومروة حسين ونجلاء يونس ومها أبو بكر وهبة محمد وصابر فوزي وأيمن صبحي وأحمد عبد النعيم، ألحان عادل الجمل وغناء إلهام عبد العظيم وتم عرضه على مسرح الهناجر ديسمبر 2000.
ومن الفرق التي عملت على مسرحة الأدب “فرقة الضوء” حيث اعتمدت فرقة “الضوء” بالأساس على صياغة نصوصها من مصادر مختلفة.. فلا تعتمد فقط على النصوص المسرحية وإنما تعمل على تكوين موضوعات عروضها من الشعر.. والكاريكاتير مثلما قدمت على المسرح الكوميدي عرض “سلم لي على ..”” عام 1996 ويهتم مخرج الفرقة ومؤسسها طارق سعيد بتدريب الممثلين على الأداء البسيط التلقائي ليكونوا دائما جاهزين لتقديم الأسلوب المناسب للعرض البسيط.. فيخرج أداؤهم تلقائيا متسقا مع الكتابة السلسة البسيطة طارحا الأفكار بعمق، وهي طريقة لعل أول من ابتدعها في العصر الحديث هو المسرحي العالمي “بيتر بروك” لهذا.. نجد أن الممثل المدرب الحاضر في فرقة “الضوء” هو العنصر الأساسي.. بعده يأتي الجمهور كركن أهم في التجربة المسرحية.. فالممثل هو سفير “الضوء” في العمل المسرحي.. يحل بداخله فكرا يحترم عقل المتفرج ويعزف بأدواته الفنية على أوتار عقله وإحساسه وعينه، ومن هنا نجد أن كل تجربة من تجارب “الضوء” مختلفة تماما باختلاف الجمهور بل يتنوع ويختلف باختلاف ظروف مكان عرضه.
ومن تلك الفرق التي اعتمدت على نصوص أدبية مختلفة في عروضها فرقة المسحراتي التي عملت في بدايتها على مسرحة نصوص شعرية للشاعر فؤاد حداد.
بدأت في عام 1988 بعرض “الشاطر حسن” تأليف الشاعرين فؤاد حداد ومتولي عبداللطيف وقد عرض في عدة أماكن منها نادي الوفاء ومعرض القاهرة الدولي للكتاب وقصر ثقافة الإسماعيلية، وقد اعتمد العرض على توظيف الحكاية الشعبية في إطار واقعي بلغة شعرية تحمل قدرا كبيرا من الدلالات. أما العرض الثاني “رؤية عن الشاطر حسن” تأليف سعيد شعيب 1989، فقد تم عرضه على المسرح العائم الصغير ونادي الوفاء ونادي منف وقد لعب على نفس تيمة العرض الأول مع التوسع في رقعة النص المسرحي وجعله أكثر واقعية أما عرض “أشباح مصرية” 1990 فهو عبارة عن كتابة جماعية لإعادة صياغة نص “الأشباح” لابسن حاولت من خلاله الفرقة تقديم رؤية مصرية معاصرة للنص الذي جاء مضفرا بآليات من الحكي الشعبي والنكتة اليومية معتمدا على صيغ رمزية للمقاومة سواء كانت مقاومة الذات للذات أو مقاومة للأخر فيما يمكن أن نسميه “المقاومة بالسخرية”.
وكذلك ما قدمته “فرقة الغجر المسرحية” ومنها عرض “أريد أن أقتل” تأليف توفيق الحكيم والذي جاء ليصور ثورة الفتاة على الإطار التقليدي الذي يضعها فيه المجتمع، وهو نص كتبه الحكيم للرد على من اتهمه بالعداء للمرأة، وقد تم تقديمه بتمويل ذاتي، وقد اشتركت به الفرقة في المهرجان المستقل الأول للكوميديا في المركز الثقافي الروسي، ومهرجان جدايل/ شهرازاد الأولى في بيت زينب خاتون بدعم من صندوق التنمية الثقافية.
وكذلك قدمت الفرقة سهرة مسرحية في إطار المسرح الغنائي مستلهمة من أشعار فؤاد حداد وإخراج عزة الحسيني، اشتركت بها في المنتدى الدولي الثاني للفنون بمحكى القلعة بدعم من الهيئة المصرية العام للكتاب في أغسطس 2003.
كما قدمت فرقة سعد الدين وهبة عرض “حديث سليمان” وهو عبارة عن مسرحة لنص شعري تحت نفس الاسم للشاعر حلمي سالم، و قدم في عام 2002 وهو عرض وثائقي  عن قضية الجندي سليمان خاطر ، وهو عبارة عن نص شعري حداثي للشاعر حلمي سالم من ديون “سيرة بيروت”  تم تضفيره مع نص التحقيقات العسكرية لقضية سليمان خاطر في مقاطع للراوي مأخوذة من أشعار الشاعر الكبير عبد الرحمن الأنبودي، وقد أشاد كثير من النقاد بهذا المزج ودقته، يقول سليمان خاطر في القصيدة: “سأسمي العابر سيرة أجيالي واسمي الوطن جنوني، فيسأله المحقق: هل سبق لك أن أصبت بمرض نفسي أو عصبي؟ فيجيب الراوي” تعالى أقولك بس خليك شهم وأسمع لظرف المعاني الحلوة يا مسكين.. عالمنا ده اللي عشقناه وهم، أنا وأنت طلعنا عيانين”.
وقدمت فرفقة “المعبد” المسرحية عرض أما العرض الثاني “أوديب الرئيس” 1996 فكان عبارة عن معالجة لأسطورة “أوديب” بتضفير مجموعة من النصوص هي “أوديب” لسوفاكليس و”برمثيوس” لاسخليوس و”الماكينة الجهنمية” لكوكتو و”أنا اللي قتلت الوحش” لعلي سالم. •    وقد ناقش العرض كذلك فكرة إحلال المدن بعضها في بعض على اعتبار الوحدة المكانية والإنسانية وقد استفاد العرض على المستوى التقني من أدوات الفيديو والمزج الواقعي في إطار وثائقي، وتم عرضه على مسرح الجامعة الأمريكية، وكان من بطولة عمرو واكد وساري النجار، وكان هذا العرض نهاية للمرحة الأولى من عمر الفرقة حيث توقفت ـ بعده ـ لمدة عامين بعد أن انفصل عنها الكثير من أعضائها.
أما فرقة القافلة لمسرح المرأة والتي بدأت نشاطها عام 1992، كان أول عرض لها نصا عن حياة الكاتبة المشهورة “فرجينيا وولف” ترجمته الناقدة سناء صليحة، تأكيدا على الفكرة التي دعت إلي تأسيسها وهي طرح أهم مشاكل وقضايا المرأة في محاولة للبحث عن هوية غير مقولبة من خلال استخدام لغة مسرحية.
وقد تم عرض هذا العمل على خشبة المسرح القومي بقاعة عبدالرحيم الزرقاني، وكان وراء هذا العرض الفنان محمود الحديني الذي وقف مشجعا للتجربة التي قام بها مجموعة من الشباب حديثي التخرج.
ثم بدأت الفرقة في عمل ورشة لكتابة نص مسرحي مأخوذ عن قصة “بنات قمة” لكارل تشرشل وكأنت التجربة عبارة عن تمصير النص الذي يناقش قضايا نسائية من خلال ست شخصيات منها الشخصية الملكية ومارجريت تاتشر وأثناء إقامة الورشة تم اختيار شخصيات من الشرق الأوسط ـ في مرحلة لتعريب النص ـ فتم اختيار شخصية هدى شعراوي وشخصية فرعونية وأخرى قبطية وشخصية “انيس الجليس” من ألف ليلة وليلة وتم إعادة كتابة المسرحية مع المحافظة على التكوين النفسي والبنيوي لنص كارل تشرشل ورغم أن المقابلة بين الشخصيات ـ في النص الأصلي ـ كانت على منضدة أما في النص المصري فكانت المقابلة في الصحراء.
وقد شارك بالتمثيل في هذا العرض كل من سلوى محمد علي ورشا عياد ومايسة زكي ونورا أمين وعايدة الأيوبي وأريج إبراهيم وهايدي عبد الغني.
بعد ذلك قامت الفرقة بعرض “إيقاعات من الذاكرة” عن نص للكاتب الفرنسي “برنارد كولتس” وهو نص “الواحدة في حقول القطن” وقام بترجمته كل من إيف جلاس وعفت يحيى وهو عبارة عن علاقات فلسفية مركزة في طبيعة البيع والشراء.


عيد عبد الحليم