ظل الحكايات.. وإبراهيم الحسينى

ظل الحكايات.. وإبراهيم الحسينى

العدد 647 صدر بتاريخ 20يناير2020

يعتبر المسرح هو الوعاء الفنى القادر على احتواء كل الفنون الأخرى وهذا أمر بديهي ولكنه أيضاً يحتوى على قدرة خاصة فى تمازج الأزمنة والأمكنة فيصبح أمامنا حالة مسرحية (زمكانية) والحسينى مسرحجى جذبه المسرح الى منطقة العشق والهيام والجنون به حتى أنه تخلى عن غواية الكتابة للتليفزيون وهى الأكثر نفعاً وربحاً وشهرة.. ولكن للعشق ضحاياه .. نعم أقر واعترف بأن ابراهيم الحسينى أحد ضحايا المسرح الحقيقى الجاد .. ربما لأنه جاء فى عهد الأنفاس الأخيرة للمسرح.. لكنه أصر وأكد على موهبته وسافرت أعماله الى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وتم مناقشتها ودراستها هناك.. وبالطبع كان ذلك بعد عرضها .
ابراهيم الحسينى شاعر من طراز رفيع لكنه يختبأ خلف النص الدرامي المسرحي ويصبح شعره جزءاً من العمل .. ولنعد الى ظل الحكايات.
ظل الحكايات مسرحية تناقش قضايا ميتافيزيقية لذلك لجأ المؤلف الى خلطة سحرية تجمع بين المسرح والفلسفة اليونانية القديمة وبين التجربة المعاصرة أو الحياة المعاصرة للفرد.. فأنت أمام عرض مسرحى يلعب على عدة مستويات الماضى والحاضر ويتداخل الحلم بين الواقع واللاواقع والفانتازيا.. هى تركيبة مسرحية تجريبية اكرر تجريبية.. لأنها لا تخضع لمقاييس النص الكلاسيكى العادى الأرسطى المألوف أو الى مسرح العلبة الإيطالي .. هو نص يحتوى على مناقشة قضايا الوجود .. الموت .. الحياة .. وسر الوجود والهروب من المحتوم والمقدر .. فالعمل لا يمكن تلخيصه لأن هذه النصوص التجريبية لا تلخص مثل النصوص التقليدية بل هى تأول .. والتأويل هنا مباح بل شرعي وليس ضعفاً فى المتلقى ولا الكاتب ولا المخرج إنه يسمح لك بالقدرة على المشاركة الذهنية والفكرية واستحضار ما تبقى فى داخلك من ثقافة وقراءة ومعرفة ..
إن ذكاء المؤلف ابراهيم الحسينى فى هذا النص أنه استخدم الأغانى باللهجة المصرية بينما النص باللغة العربية الفصحى إذ أنه يقدم لك :
 • مزيجاً من العصور المختلفة .
 • مزيجاً من الفلسفات الفكرية عن الوجود، عن الألهة.
 • مزيجاً بين الفصحة والعامية.
 • مزيجاً بين الأسطورة والواقع .
كل هذا يجعلنا أمام نص يستحق الوقفة والتحليل والإشادة .. حيث قدم هذا العمل مخرجاً متميزاً هو الفنان عادل بركات .. وعادل بركات مخرج استثنائى مثل المؤلف المبدع ابراهيم الحسينى فاللقاء متميز فنياً والفرقة التى قدمت العرض هى فرقة مسرح الغد التى يقودها الفنان سامح مجاهد ورغم ان العرض فقير فى الإنتاج فهو غنياً بالأدوات الفنية والفكر ونحن أمام عرض مؤلف له باع طويل ومخرج له فكر خاص قليل الانتاج لظروف المسرح وليس تقصيراً منه.
فقد نجح المخرج فى تقديم عرض مسرحى متميز من مجموعة من الممثلين بطولة الفنان رامى الطمبارى فى دور منصور وكان متمكناً فى الأداء والحركة وتجسيد فكر المؤلف ورؤية المخرج .. أما الفنان محمود الزيات الذى أدهشنى فى تطوره الخطير حيث أصبح يذكرنا بعبد الله غيث على المسرح فقد قام محمود الزيات بعدة ادوار دور العجوز – دور حفار القبور- ملاحظ العدالة – الحكيم.. إن الزيات ممثل كبير الموهبة يحتاج الى فرصة على الشاشة الفضية أو الشاشة الصغرى.
كما قامت الفنانة عبير الطوخى فى دور سلمى ليل وأجادت فيما رسم لها وكذلك الفنان خالد محاديرى فى دور سالم وكان موفقاً فى التعامل مع الشخصية وأشيد بالمجموعة التى قامت بأدوار مثل أسامة جميل فى دور همام وقزم 2 وقناع ومحمود خلفاوى فى دور القزم وقناع وغادة صفوت فى دور طيف سلمى وقناع، وعلى أيمن فى دور ظل منصور، كما يجب تحية ديكور وأزياء الفنان محمد فتحى الذى بذل جهداً مميزاً فى عرض مميز.. وكذلك الفنان فتحى مرزوق مصمم العرائس والماسكات وكذلك الرؤية السينمائية للفنان طارق شرف.. وكذلك الموسيىقى والألحان للفنان صلاح مصطفى ..
وأحيي الفنان سامح مجاهد مدير عام مسرح الغد على هذا العرض الجميل .. لأن المسرح هو الجمال الحيى المطلق فى الفنون وأحب أن أنوه أن مدة العرض طويلة وكان يجب حذف نصف ساعة منه فمثل هذه العروض التجريبية لا تحتاج الى وقت طويل فالأفضل ان تكون من 45 الى 50 دقيقة .
إن ابراهيم الحسينى يؤكد يوماً بعد يوم فى نصوصه المسرحية أنه عاشق متفان فى عشقه للمسرح ويملك ادواته ولغته محملاً بشعر وهاجس جمالى ليس له حدود.
وعادل بركات المخرج الفنان الذى اذا رأيت أسمه على (أفيش) مسرح لابد أنك ستدخل المسرح فوراً وتشاهد عرضاً متميزاً.


السيد حافظ