مكان الأداء.. والمؤثرات المسرحية (3)

 مكان الأداء..  والمؤثرات المسرحية (3)

العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021

الإلحاح علي معرفة المتفرجين لمواقفهم الزمنية المكانية يدعم تحديد الهوية وإعادة تحديدها داخل العروض الفردية . ان معرفة المتفرجين بالمكان الذي كانوا فيه تشكل أساس تقديرات المدة التي استغرقتها الشخصية . يعمل ذلك ضمن أداء فردي ذي مدى تقليدي لأن الوقت الذي تكون فيه أي شخصية بعيدا عن الأنظار ولا يتم تتبعه وقت قصير نسبيا .
ولكن ليس من الواضح لماذا يجب أن تعمل هذه المناشدة علي دعم إعادة التعرف علي الهوية عبر العروض وأنواع الأداء المسرحي، والتغيرات في القصة، وما إلى ذلك . وعندما توجد فجوة كبيرة في الزمن أو المكان منذ المشاهدة الأصلية، فمن غير المعقول الاعتقاد بأن أي متفرج يتتبع موقع أي شخصية . فليس هناك منطقة بحث معقولة تعند علي أنواع التقديرات التي تعمل داخل العروض الفردية . فربما لا يعرف المتفرجون، بالمعنى الملائم، أين هم في هذه الأثناء .
الطبيعة الخاصة للاستخدامات العادية للمساحة المادية :
هناك ثلاث طرق لتوجيه أنفسنا تضيف إلى استيعاب مكان تمركز الذات الى مكان عدم تمركز الذات . أولا، في أغلب الظروف اليومية فان مكان عدم تمركز الذات هو ببساطة المكان العام الذي تحدده الخرائط الإدراكية للعلاقات المكانية الموضوعية بين الأشياء . ويمكن التفكير في هذا بطريقتين . تتطابق كل منها مع طريقة امتلاك الناس لفهم لتلك العلاقات المكانية الموضوعية . ويمكن توضيح كل منهما بطريقة يمكننا من خلالها تحديد الاتجاهات . الأولى تحدث بالإشارة إلى البوصلة أو عناوين الشوارع : « من هنا يمكنك أن تتجه شمالا بطول خمسة مباني ثم تتجه غربا علي شارع لارمي، والعنوان هو 1702 شارع لارمي . والطريقة الثانية هي تحديد المسار : « من هنا تذهب في هذا المسار عبر سور الألومنيوم الطويل حتى ينتهي ثم تنعطف الي الى اليسار قبل كنيسة لوثرن، ستجد البار أمامك علي اليمين، ابحث عن كلب أحمر ضخم علي سطح المبنى” . إننا نعتمد علي معرفة أين نحن في التعرف علي الأشياء ( كما في حالة البار ) بالإشارة إلى مكان التمركز المدرج في خريطة إدراكنا للمكان العام بأحد هاتين الطريقتين .
ثانيا، في بعض الظروف، قد يكون الفاصل الزمني والمسافة كبيرين جدا بحيث لا يمكننا تحديد مكاننا في الفاصل الزمني . في مثل هذه الظروف، نعتمد بثقل علي الإلمام بقوائم الخصائص . ومع ذلك، نظل نفعل ذلك فيما يتعلق بالموقع المكاني الذي نتذكره، كما هو الحال عندما نحاول تحديد ما اذا المسار الذي نتتبعه الي منزل صديقنا هو المسار الصحيح في مدينة زرناها منذ بضعة سنين . في مثل هذه الظروف نتأكد أن مسارا بعينه هو المسار الذي اتخذته من قبل لأنه يدفعك لتذكر الملامح، أو ترفض طريقا بعينه لأنه غير مألوف لأنه يفشل في أن يدفعك إلى تذكر الملامح أو أن ملامحه مغايرة ولا تضمن التعرف .
ينطوي النوع الثالث من الظروف علي التمييز أنواع الأماكن والمواقع . ونلح علي نوع المواقع التي نتواجد فيها عندما يحدث التعرف بشكل مستقل عن معرفتنا بالمكان الذي كنا فيه في فترة زمنية، بغض النظر عن المدة . فمثلا، أستطيع أن أتعرف علي مذياعي في منزلي حتى لو كان هناك آلاف تشبهه في مكان ما وحتى لو لم أكن في البيت لبعض الوقت . بالمقارنة، هناك أنواع مواقع تعطل القدرات الإدراكية . فإذا ظهر مذياعي في عرض الشرطة للبضائع المسروقة، إذا استخدمنا أحد أمثلة ( ايفانز) فليس من المحتمل أن أتعرف علي مذياعي من بين كل الموجودين في العالم . في هذا النوع من المواقع، بعد أن فقدت مسار مكان وجود الراديو، وليس لدي قصة متماسكة عن المكان الذي كنت فيه لتحكيها والتي من شأنها دعم الادعاء عن مكان البحث الملائم، ولا يمكنك استخدام التقنيات التي لديك في الحالات الأخرى . والصورة المهمة في هذا النوع من الظروف، حتى لو كانت واضحة تماما، هي كالتالي : المعلومات عن أنواع الأماكن التي تساعد علي الإدراك هي معلومات لاحقة، فهي ليست الشيء الذي نعرفه بدون بعض التجربة .
وأي تعريف ملائم لمكان الأداء يجب أن يشملهما ولكنه أيضا يسمح لنا أن نميز بين الرقص العروض المسرحية، ورياضات المتفرجين، والنزهات الجماعية، والطقوس الدينية . ولتحقيق هذه الرغبة يجب أن يستتبع التعريف أن أماكن العروض هي استخدامات خاصة للمكان الفعلي، لكل أنواع هذه العروض التي تحدث في مواقع مادية معينة . وتبعا لذلك . فانني أتابع خط التفكير الذي اقترحه أوجستو بوال وبيتر بروك وهوليس هيوستون، واقترح أن نعرّف مكان الأداء كالتالي :
 بشكل عام، مكان الأداء مساحة مراقبة نشطة (أ) يتم خلقه  في المكان الفعلي من خلال أفعال بعـض الأشخــاص الذين من خلال هذه الأفعال، لا يصبحون فقط إما مؤدين أو متفرجين ولكن أيضا يحولون آخرين الي مؤدين ومتفرجين، (ب) بحيث أن ما يشاهده المتفرجون مهما كان تتم مشاهدته في هذا المكــان أثناء الوقت الذي تحكم فيه تلك الأفعال سلوك الأطراف المشاركة فيه .
لا يلتقط هذا التعريف أي شيء مميز عن المكان المسرحي، ولكنه يسمح بمساحة للتفكير في المكان المسرحي باعتباره نوعا من مكان الأداء بشكل عام. فحقيقة أن شيئا ما هو مكان مسرحي فقط أذا كان نوعا من مكان الأداء، يتعلق بابتكار مساحة مشاهدة فعالة، لا يستتبع وجود أي شيء ذي قيمة خاصة في الأداء الحي الذي لا يمكن أن يوجد في أشكال الأداء الأخرى . فربما تكون هناك بعض القيمة المضافة بواسطة الحيوية : ولكن هذا ليس مؤكدا، ولا يؤدي أي عامل هذا الدور في المسائل التي نناقشها .
 المهم هو أن حقيقة أن يكون شيء ما هو مكان أداء اذا ارتبط بخلق مكان مشاهدة فعالة فانه يستتبع أن تكون أماكن الأداء، بما في ذلك الأماكن المسرحية، هي أنواع الأماكن المناظرة بالضبط لأنواع مكان عدم تمركز الذات – بمعنى استخدامات المكان الفعلي مثل البيوت ومعارض الشرطة والملاعب، التي يمكن أن يندرج تحتها مكان تمركز ذات المتفرج . وتؤكد هذه الحقيقة أن أماكن الأداء تؤدي نوع الأدوار الصحيحة – مثل مناطق البحث الملائمة – لضمان التعرف علي الشخصيات في حالات يقاطع الأداء . ومثل هذه الأماكن سوف تكون أماكن عدم تمركز بالطريقة الصحيحة لأنها سوف تكون محددة ليس فقط بالنسبة للمتفرجين الذين يعرفون أماكنهم، ولكن بالنسبة إلى معلوماتهم عن نوع المكان الذي كانوا فيه عندما حدثت المشاهدة الأولى . ويكون الأمر كذلك، لأن المتفرجين ميزوا « هيدا « أصلا في مكان مسرحي، ويمكنهم أن يميزوها ثانية عندما يشاهدون عرضا مسرحيا جديدا من أي نوع في استخدام مماثل لنفس المكان .
 يوضح هذا التناول بحدة لماذا لا يمكن أن تكون قائمة المشاهدة هي القصة الأساسية . لأنك، لو قابلت شخصا في الشارع يذكرك ب «هيدا « فلن يمكنك أن تعتقد أنك تعرفت عليها . ولن يقنعك أي مقدار من الخصائص اللاحقة والجديدة والتأكيدية الواضحة في سلوك هذا الشخص بعكس ذلك . فنحن نفهم أن الشارع هو نوع المكان الخاطئ الذي يمكن أن نقابل فيه « هيدا « . تماما مثلما يعطل معرض الشرطة للبضائع المسروقة قدرتك علي التعرف علي مذياعك، فالشارع بشكل نموذجي هو نوع المكان الذي يعطل تعرفنا علي الشخصيات المسرحية .
 للتأكيد، قبل أن نتعلم كيف نحدد أماكن عدم تمركز الذات التي تضمن ما هي إعادة تحديد هوية الشيء، فان الأمر متروك لافتراضاتك، فعلي سبيل المثال يمكنك تحديد مذياعك في عرض الشرطة للبضائع المسروقة . ولا بد أن نعلم أن مكان عدم تمركز الذات، حيث بغض النظر عن أنه يمكننا استيعاب مكان تمركز الذات فيه، فلا زلنا غير قادرين علي التقاط المذياع الذي نعرفه من قبل أي مذياعنا . وفي المقابل اذا علمت أن المكان الذي رأيت فيه « هيدا « أصلا هو مكان مسرحي، فعندئذ ستكون لديك سيطرة علي هذا النوع من الأماكن التي تشارك في إعادة تحديد الهوية . وحتى لو كانت هناك حالات مثيرة للجدل في هذا الشأن، ففي معظم الحالات لن نتوقع التعرف علي هيدا مرة أخرى إلا في هذا النوع من المكان، أي في المكان المعتاد المستخدم بهذه الطريقة
 يوضح هذا التناول أيضا بشكل حاد أن فكرة النوع الخاص للمكان – حيث يُفهم بأنه « شبيه « أو «خيالي « أو غير مطابق بطريقة أخرى للمكان الفعلي العادي المستخدم بطريقة معينة متعارف عليها – هو ببساطة غير معقول باعتباره دعوة لتقديم منطقة بحث يعتمد عليها المتفرج في تحديد الشيء الذي يفكر فيه . لأنه لا يوجد مسار فعلي للمتفرج لكي يتابع الشيء عند تحديد منطقة البحث ذات الصلة إذا كان أحد الأماكن التي يجب أن يعرفها ليس المكان الفعلي. وتقوم إعادة التعرف علي نفس الأدوات والصور والأفعال والأفراد على تقويم غير مجازي لحقيقة أن المشاهدات الأصلية التي نشأت فيها علاقات الملاحظة كانت في مكان عادي فعل ولذلك أهيب هنا باقتصاد في الفكر . فالمكان المسرحي هو ما يعمل باعتباره نوعا من مكان عدم تمركز الذات الذي يستوعب فيه المتفرجون مواقع تمركز ذواتهم عندما يميزون بشكل إيضاحي من أو ما الذي يفكرون فيه في كل الحالات : حالات العروض السردية الخيالية، والعروض السردية غير الخيالية، والعروض المسرحية غير السردية . والتفسير عام، ويخدم كل تعّرف وتمييز.
خامسا : بعض فوائد الاعتبارات التي ندافع عنها في هذا المقال :
بشكل فردي أو جماعي، تشير هذه الاعتبارات الي كيفية شرح عدة ظواهر ذات اهتمام عميق ودائم لمنظري المسرح . علاوة على أنهم يفعلون ذلك دون أن يتورطوا في المشاكل التي تعصف بنظريات سيميوطيقا وفينومينولوجيا المسرح .
خامسا (أ) التركيز المزدوج والانزلاق :
تذهب إلى المسرح لتشاهد عرضا بعنوان « هيدا جابلر « وهو عرض مسرحي سردي من النوع المألوف تماما . وأثناء مشاهدة المشاهد الأولي، تجد نفسك في انتظار ظهور الشخصية الرئيسية .وعندما تظهر فعلا، رغم ذلك، تضطرب علي الفور . تقودك التبادلات بين الشخصيات الأخرى بالفعل علي أساس توقعات محددة تتعلق بالعديد من خصائص «هيدا « . ولا تصاب بالاحباط تماما : علي سبيل المثال، سلوكها الجسدي متسلط . ولكن، بمجرد أن تفتح فهمها للكلام، تصاب بصدمة . فلا يمكنك أن تحول عينيك عن الفجوة التي أحدثتها أسنانها الأمامية المفقودة . اللثغة التي تسببها الفجوة بين الأسنان تصر في أذنيك . وبعد فترة تستنتج أن ما صدمك هي ملامح المؤدي وليس خصائص « هيدا” . وبعد مزيد من الوقت ربما تنساها . أو ربما تظل تلاحظ ملامح الممثلة بين حين وآخر، ولكنها ربما تكون مجرد الهاءات عرضية عن سرد المسرحية .
ملامح المؤدين هي أي شيء عن المؤدي يمكن أن ينجذب اليه انتباه المتفرج . وربما يتضمن هذا ما يرتديه، والشامة في رقبته، والرنين المسطح في صوته، ورفع الحاجب، وتدلي الكتفين، وضعه الملتوي . أي ملامح مكررة بانتظام يمكن تأملها بشكل منفصل، التركيز في ذاته، ودعونا نشير إلى المعنى الذي يصل كثير من المتفرجين، من لفت انتباههم الي كل خصائص الشيء الذي يتطور في الأداء والى ملامح المؤدين بأنها « التركيز المزدوج» . ودعونا علاوة علي ذلك نشير الى المعنى الذي يمكن أن يصل المتفرجين، وهم يجدون انتباههم يتقهقر ويتقدم بينهم، باعتباره إحساسا بالانزلاق .
ظاهرتي التركيز المزدوج والانزلاق تتوافقان مع نموذج الملامح البارزة لتفسير التلاقي عند نفس سمات المؤدين المعروضة كسمات للأشياء في العرض . وهي مؤثرات متوقعة لأن نموذج بروز الملامح يعتمد صراحة علي حقيقة حضور المتفرجين أمام أجسام وأصوات المؤدين . ومع تبني هذا النموذج نسعى إلى شرح الملامح المرتبطة بسمات الشيء التي يتم أداؤه وما هو ليس كذلك، تسليما بأن هناك المزيد من ملامح المؤدي التي يشاهدها المتفرجون أكثر مما يخطط المؤدون حتى يكون ملحوظا عند تطوير وتنفيذ العرض .
تشتهر أجسام المؤدين وأصواتهم بأنها تشتت الانتباه. فعند الحضور أمام المؤدي ربما يجد المتفرج نفسه في حالة تركيز غير عادي علي يديه الغريبتين . ولذلك ربما يفقد متابعة العرض . ولكنه بدلا من ذلك، ربما يلاحظ كيف انعكست الإحداث في المسرحية علي حركات وسكنات تلك اليدين . أو ربما لا يعي اتجاه انتباهه، مع أنه ما يزال يتابع تطور الشيء . وقد يشاهد متفرج آخر أي ميزات أخرى تحدث بانتظام وقد كان المؤدون قد خططوا أن يلاحظها المتفرجون ويتابعونها .
تسمح لنا حقيقة أن التركيز المزدوج والانزلاق متوقعين في نموذج الملامح البارزة أن نستخدمه أولا لتوضيح ظاهرتين مهمتين .
أحداهما « قوة المؤدي «، وهي مجموعة من الظواهر جذبت انتباها كبيرا في أدبيات الدراسات الفلسفية والمسرحية . ومثل هذه الظاهرة هي التأثير الذي يسميه أرون ميسكين و جوناثان واينبرج، إتباعا لستانلي كافيل، « قوة النجم» . وقوة النجم، كما يصفها ميسكين وواينبرج، هي التأثير الذي يحدث عندما تحمل هوية النجم السينمائي ثقلا بارزا، ربما أكبر من ثقل الشخصية التي يصورها في أي فيلم . ويشير ميسكين وواينبرج الى هذا التأثير بأنه « الازدواجية النفسية « ويؤكدا أنها « لا تعدو كونها مجرد عرض جانبي أو مراوغة إدراكية، لأن صناع السينما يعتمدون عليه ويستغلونه .
ظاهرة « قوة المؤدي « الأخرى هي التأثير الذي يسميه مارفن كارلسون « ظل الأدوار السابقة» في تلقي الأدوار الأخيرة . وهذا التأثير هو جزء من هالة الشهرة . وهو أوسع لأنه ينطبق علي كل من العروض السينمائية والمسرحية . وهو أوسع أيضا لأنه تأثير يستغله كثير من المؤدين الذين ليسوا نجوم مألوفين للمتفرجين من العروض السابقة أيضا . ولكن كما يؤكد ميسكين وواينبرج، مجرد عرض جانبي للعرض السينمائي والمسرحي .
يتم توقع قوة المؤدي علي أساس نموذج الملامح البارزة . إذ يعتمد المؤدي في المسرحية علي حقيقة أن المتلقين سوف يهتمون بملامحه لكي يكتسبوا معلومات عن الشخصية التي يؤديها . وربما تكون ملامحه ملحة لأنه نجم، أو لأنه مألوف من خلال لقاءات مسرحية سابقة، أو لأن مظهره أو سلوكه فقط ملفت للنظر . فإذا كانت ملامحه ملحة، لأي سبب، عندئذ في بعض ممارسات الأداء يمكن أن يكون حكيما في استغلال اهتمام المتفرج بملامحه من أجل تشغيل مضخة بروز الملمح .
الظاهرة المضادة لقوة المؤدي هي « قوة الشخصية «، وهي حقيقة مألوفة مفادها أن بعض العروض مدهشة للغاية لدرجة أنه حتى أولئك الذين يعرفون بشكل أفضل ينسبون خصائص الشخصية للمؤدي . ومرة أخرى، لا بد أن تكون هذه الظاهرة متوقعة في نموذج الملامح البارزة . ولذلك، فان خصائص الشخصية، في أي أداء، تتطابق مع ملامح المؤدي . علاوة علي ذلك، فان فكرة «معرفة ما هو أفضل» قابلة للتفسير علي الأساس الذي تبنيناه في تحديد موضوع الأداء وإعادة تحديده . تتعلق قوة الشخصية بأخطاء في إعادة التحديد التي تحدث عندما يواجه المتفرجون المتلقون خارج المسرح . وهناك سؤالان لابد من إجابتهما . الأول، لماذا لا نتوقع رؤية «هيدا « في مركز التسوق الأسبوع القادم ؟ والثاني، لماذا لا نر «هيدا” عادة في مركز التسوق ؟ إجابة السؤال الأول لا يمكن أن تكون نفس إجابة السؤال الثاني لأننا في هذه المناسبة نميل بالفعل الي التفكير في أننا نرى «هيدا” في مركز التسوق في النهاية . ومعنى ذلك أن : حتى يعلم المتفرج أن المكان المسرحي هو نوع المكان الذي يمكنه التعرف علي أفراد بعينهم، وأن مركز التسوق ليس المجال الملائم للبحث عن هؤلاء الأفراد، فقد يتوقع المتفرجون أن الشخص الذي يميزونه في مركز التسوق يتمتع بخصائص الشخصية التي شاهدوها، فمن المحتمل أن هناك خطأ .
القضايا المتعلقة بمادية وسائل الأداء :
يمكن أن تلقي حقيقة أن التركيز المزدوج والانزلاق متوقعين في نموذج الملامح البارزة الضوء علي أمرين نظريين لهما علاقة بمادية الملامح المقدمة للمؤدين، ولاسيما المسائل المتعلقة بمادية جسم المؤدي .
الأول، أصبحت مادية جسم المؤدي موضوعا مهيمنا في الدراما الحداثية ونظريات الحداثة المسرحية . وفي ملحوظة اقتبست بشكل موسع يزعم هربرت بلو أن المسرح من بين كل فنون الأداء يصيب أغلب المبادئ الأخلاقية بالعطن . وينكر هوليس هيوستون أن هناك الكثير من الأمور الأخرى الممكنة في المسرح غير الفجوة المستمرة بين الأداء المادي والفكر المعروض . ويعرف ستانتون جارنر الجماليات الحداثية للمسرح كالتالي : « لجعل المسرح يحل محل الواقع بل يصبح هو الواقع نفسه «
يصف نموذج الملامح البارزة للفهم الأساسي الحقيقة التي تكمن وراء مناقشات صور الحركة الحداثية في المسرح . إذا حصل المتفرجون علي الخصائص التي يفهمونها بمشاهدة ملامح المؤدين، فلا يوجد سبب أن تلك الحقيقة لا يمكن أن تصبح موضوع الحركة في تاريخ المسرح . وإذا كانت الحركة هي الحركة التي تركز علي الوسيلة التي ينجز بها الشكل الفني تأثيره، كما يقال أحيانا عن الحداثة، فليس من المستغرب إذن أن نجد حقيقة جسم المؤدي يتجلي عموما في موضوعا وممارسات الحركة .
والثاني، ذو الصلة، هو أنه منذ بدأت الممارسة المسرحية الحداثية ونظريتها التركيز علي الحركة ووسائل الأداء الأخرى، أصبحت مادية جسم المؤدي ووسائل الأداء الأخرى نقطة حاسمة في الانقسام بين نظريات السيميوطيقا والفينومينولوجيا في المسرح . فطبقا للبعض، تميز مادية جسم الممثل حدود ما يمكن تحليله في اطار السيميوطيقا، في إطار العلامات والمعاني . لأن الأجسام في بعض العروض لا يبدو أنها تعني شيئا آخر بل إنها شيء في ذاتها . ومعالجة الأشياء المادية مثل الأدوات، باعتبارها علامات لا يجعلنا فقط من الصعب أن نقول ما هو الشيء المادي وما هو الشيء غير المادي ولكنه أيضا يجعل متعة أن نجد فيها أشياء مادية أمر غير قابل للتفسير . وطبقا لآخرين، ان مادية جسم المؤدي، بينما هي تحد للتحليل السيميوطيقي، ليست نظرية سيميوطيقية أكثر تعقيدا لايمكنها أن تتعامل معها . ولذلك يجب أن نتبنى مقاربة سيميولوجية لأن لاشيء لا يمكن أن يكون ذاته بمجرد وجوده علي خشبة المسرح، الذي هو مكان انتاج المعاني . والحجة المعيارية لهذه الرؤية هي أنه، لأن أي شيء يمكن أن يكون أداة لأي شيء آخر في الأداء المسرحي، عندئذ يجب أن يتصرف أي شيء باعتباره علامة عندما يظهر في الأداء المسرحي .
يقدم نموذج الملامح البارزة توضيحا بطريقتين هنا . أولا، في حين أنه ربما يستحيل أن تظهر جميع ملامح شيء معين بارزة أمام المتفرجين بجميع خصائصه الفعلية، فان هذا لا يعني أنه ليس من المستحيل أن نجد شيئا لا يبرز في ملامحه بعض خصائصه في مناسبة ما . ولأسباب أسلوبية، يمكن أن تسعى الفرقة المسرحية إلى استدعاء الانتباه إلى حقيقة أنهم يستخدمون لعب من البلاستيك كمسدسات في عرضهم . وسوف يفعلون هذا بمساعدة المتفرجين أن يركزوا علي ملامح معينة في أدواتهم – تلك الملامح معروضة بنفس الخصائص التي يملكها الشيء نفسه . ثانيا، عندما نسأل ما هي ملامح المؤدي، أو جزء من المشهد أو خشبة المسرح أو الخاصية المعروضة لنموذج ما أو الخصائص المميزة للموضوع المعروض – لوسيط أو غرفة أو مسدس فلا يوجد شيء أساسي من حيث المبدأ لما يمكن أن تكون عليه هذه الخصائص . وأيا ما كانت القيود الموجودة فان أساليب الأداء هي التي تفرضها .
في النهاية، هذه ليست مسألة كون الأشياء علي خشبة المسرح علامات ومعاني، وبالتالي تصبح غير قادرة أن تكون ذاتها . وليست أيضا عن ولا يتعلق الأمر أيضا بحدود ما يمكن أن يكون علامة علي أساس أن الشيء هو ذاته علي خشبة المسرح في بعض العروض . فهذه، بدلا من ذلك، مسألة تتعلق بالأساليب المسرحية والاستخدامات المحددة للمواد . وإذا كانت هناك حدود لهذه الاستخدامات، فسوف يكون ذلك اكتشافا جديدا في ممارسات المسرح التاريخية، وليس من فلسفته.
 ما يلفت الانتباه في هذا النقاش يتعلق بحقيقة أن المتفرجين يفهمون ما يفهمونه من خلال مشاهدتهم للمؤدين والمشاهد والأدوات . ويمكن أن يبدو هذا غريبا في بعض أساليب الأداء . ولكن ليس في كل العروض بالتأكيد . وهذه ليست، مثلا، مسألة أشياء حقيقية تخترق الإيهام المشترك في كل العروض، كما يقول برت أوستاتس . ولكن السبب في أن الأداء المسرحي لا ينطوي بشكل كبير علي أوهام حول أجسام المؤدين لا علاقة له بالأجسام باعتبارها « علامات « كما تقول آن أوبرسفيلد . ويتطلب تفسير نموذج الملامح البارزة للفهم الأساسي معلومات مشتركة بين المتفرجين بأنهم في عرض مسرحي . ومن المستحيل امتلاك المعلومات المطلوبة لتفسير التلاقي عند نفس الملامح والخصائص – معلومات أننا في المسرح مع آخرين – وفي نفس الوقت للدخول في ايهام أننا لسنا كذلك .
خامسا (ج) قضايا حول الحضور :
وكميزة إضافية للتحليل الخاص بالتعرف علي الأشياء في الأداء المسرحي وإعادة التعرف عليها الذي قدمته للتو، هو أنه يساعدنا في تحديد شعور الناس بدقة «بوجود شخصيات وأشياء أخرى في الأداء المسرحي « ولكن دون الالتزام «بميتافيزيقا الحضور الزائفة « .
ففي معنى الوجود غير المثير للجدل، أنني إذا كنت في حضورك، (أ) يمكنني أن أراك وأسمعك إذا نظرت في اتجاهك أو أدرت راسي نحو الأصوات التي تصدرها، (ب) سيكون هناك مكان قريب جدا يمكنك أن تذهب إليه بحيث لا يمكنني رؤيتك أو سماعك لو نظرت أو استدرت في اتجاهك، (ج) هناك مكان قريب جدا يمكنني الذهاب إليه بحيث لا يمكنني رؤيتك أو سماعك حتى لو نظرت أو استدرت في الاتجاه الملائم . وهذا يوحي بمعنى أننا في حضور الشخصيات عندما نشاهد العروض المسرحية .
تظل المفاهيم المادية المتعلقة بوصف معنى الحضور أمام آخر هي نفسها التي تتعلق بوصف التحديد التوضيحي والإدراك القائم علي التعرف علي الشخصيات والأشياء الأخرى في العروض المسرحية . ويتعلق كلاهما بالاستجابة قبل الإدراكية للأصوات والمناظر التي تحفز استجابات الكائن الحي التوجيهية . ويتعلق كلاهما بمتابعة الشيء في المكان علي امتداد الزمن، ونفس أنواع فقدان الاتصال، ونفس وسائل إعادة إقامة الاتصال .
يسمح لنا هذا السرد أن نشرح لماذا يقل حضور المتفرجين أمام الشخصيات والأحداث عند قراءة الأدب الروائي والأدب الدرامي . هناك شيء خاص بشأن تلاقي المتفرجين مع الشخصيات والأحداث في المسرحيات، هو أنهم يتواجدون الى حد ما في حضور الشخصيات والأحداث بطريقة تختلف عن معظم أشكال الفن الأخرى القادرة علي تقديم السرديات . فلا يهم مدى القرب الذي نشعر به بالنسبة لشخصيات الرواية، فلن نكون بلا شك في حضور تلك الشخصية . وبالنسبة للاعتبارات المقدمة في هذه المقالة، فان ذلك ببساطة لأنه لن تحدث ردود الفعل الجسدية تجاه الشخصيات في السرديات، ولكنها بالطبع حاسمة في المسرح . وبالمثل، إذا انفعل المتفرج بدنيا علي حركة في الأفلام، فانه بلا شك ليس موجودا في حضور هذه الحركة . وهذا لأنه ليس لديه إحساس متابعة الحركة لحظة بلحظة في مساحة مادية يوجد هو فيها أيضا . وفي هذا الاعتبار تشترك العروض المسرحية في ملمح مهم مع عروض الرقص .
هذا التحليل للتعرف علي الأشياء وإعادة التعرف عليها في العرض المسرحي يتطلب أن يعلم المتفرجون أن المكان المسرحي هو استخدام مكان فعلي يضمن مناطق البحث التي يستطيع أن يميز فيها المتفرجون الشخصيات والأشياء الأخرى التي تعرفوا عليها من قبل . ولكن هذا جزء من مما يجب أن للذهاب الي المسرح . ولا يستتبع التزاما بممارسات الأداء التي تسعى إلى تطوير التعرف علي الشخصيات أو الأحداث مع المؤدين . فوجودنا في حضورهم، بالمعنى الذي شرحناه هنا، ربما هو ما يجعل هذا التعرف ممكنا، ولكنه لا يجعله حتميا أو مرغوبا فيه .
............................................................................................
• نشرت هذه المقالة مجلة Journal of Dramatic Theory and Criticism –spring 2007- pages 21-47
• لقد سبق أن قدمت مسرحنا العديد من الدراسات للأستاذ جيمس هاملتون في أعدادها السابقة .. وسبق التعريف لنا به عدة مرات .


ترجمة أحمد عبد الفتاح