حسانين وعيوشة برنسيس وبرنسيسة

حسانين وعيوشة برنسيس وبرنسيسة

العدد 838 صدر بتاريخ 18سبتمبر2023

استمر الريحاني في عروضه الناجحة المعتمدة على قصص «ألف ليلة وليلة»، والتي تخلى فيها عن شخصية «كشكش بك»، ومنها مسرحيته الجديدة «أيام العز» الذي بدأ عرضها في الإجبسيانة أواخر يوليو 1923، بطولة الريحاني وبديعة مصابني، وكتب النص الريحاني مع بديع خيري. وعلى الرغم من وجود الريحاني في العرض بشخصية أخرى غير شخصية كشكش بك، وبهيئة أخرى غير هيئة كشكش بك، إلا أن بعض الإعلانات الصحفية كانت تذكر أن العرض بطولة كشكش بك جذباً للجمهور، وهذا مثال من إعلانات مجلة «الكشكول المصور» عندما قالت تحت عنوان «تياترو الإجبسيانة .. جوق نجيب الريحاني»: «يمثل ابتداء من اليوم و الأيام التالية رواية «أيام العز» الجديدة، ويقوم بالدور المهم كشكش بك الذي فاز على أقرانه بالبراعة في هذا الفن، والممثلة الذائعة الصيت بديعة مصابني .. كل يوم خميس وجمعة وأحد حفلة نهارية الساعة 6 كل يوم ثلاث حفلة نهارية خصوصية للسيدات فقط».
ومسرحية «أيام العز» تدور أحداثها في منزل الشيخ بكر الذي اشترى الجارية «ليلى» من أجل تزويجها لابنه «نور الدين»، إلا أن الشرطة تأتي إلى منزل الشيخ وتطالبه بإرسال الجارية إلى قصر السلطان، لأنه كان يريدها قبل أن يشتريها الشيخ! وبالفعل ذهب الشيخ إلى السلطان وأعطاه الجارية، فقام السلطان بإعطاء الجارية مع صندوق من الجواهر إلى قاضي القضاة! وكان «نور الدين» مولعاً بحب «حورية» ابنة القاضي. وفي يوم كان نور يحلق ذقنه وكان الحلاق «خميس» في عجلة من أمره، فلما سأله نور عن سبب استعجاله، أخبره بأنه ذاهب إلى القاضي كي يحلق له. فرأى نور أن تلك فرصة ذهبية لكي يرى حبيبته – ابنة القاضي - فاتفق مع خميس الحلاق بأن يكون صبيه في هذه الزيارة مقابل مائة دينار. وذهب الاثنان إلى منزل القاضي، الذي كان غير موجود، فقابل نور حبيبته «حورية» ابنة القاضي، وقابل الحلاق حبيبته «ليلى» الجارية، فيحضر القاضي فجأة ويتم القبض على نور وخميس بتهمة وجودهما في «الحرملك» وسرقة صندوق المجوهرات .. وهذه السرقة تمت بالفعل على يد لصوص آخرين، ولم يقم بها نور وخميس!! وبعد مواقف كوميدية كثيرة، ينجح نور وخميس في الهرب إلى الجبل حيث يختبئ اللصوص والمطاريد، ويُصادف أن لصوص صندوق المجوهرات كانوا ضمن سكان الجبل، وينجح نور وخميس في الحصول على صندوق المجوهرات والعودة به إلى القاضي والسلطان، لتنتهي المسرحية بزواج نور من حورية، وخميس من ليلى.
هذه المسرحية نجحت – كما نجحت سابقتها – فعرضها الريحاني في موسم الصيف في تياترو الهمبرا بالإسكندرية بجانب مسرحيتي «الليالي الملاح والشاطر حسن»، كما أعلنت ذلك جريدة «الأهرام» في منتصف أغسطس 1923. وفي أكتوبر عرضها الريحاني في المنيا والفيوم. وظلت مسرحية «أيام العز» ناجحة كلما أعاد الريحاني تمثيلها بوصفها إحدى عروضه الناجحة ضمن ريبرتوار الفرقة.

مسرحية البرنسيس
ظل الريحاني يُمثل في مسرح الإجبسيانة غير المسقوف فترة قصيرة بعد ذلك، وأمام نجاحه اتفق مع أشهر مُلاك المسارح في هذه الفترة، وهو الحاج «مصطفى حفني» على تجديد مسرح الإجبسيانة، الذي هدمه وأعاد بناءه بصورة لائقة ومسقوفة، وأطلق عليه اسم مسرح «برنتانيا الجديد» - وهو الإجبسيانة سابقاً – وتم افتتاحه في ديسمبر 1923 بمسرحية «البرنسيس»، وأعلنت الصحف عن هذا الحدث، وبالأخص مجلة «الكشكول» التي قالت:
«ابتداء موسم التمثيل العربي يوم الأربعاء 5 ديسمبر سنة 1923 – والأيام التالية على مرسح «تياترو برنتانيا الجديد» بشارع عماد الدين إدارة الحاج مصطفى حفني تليفون 4561 الكائن في محل «تياترو الإجبسيانة سابقاً» بعد هدمه جميعه وبنائه على الطراز الحديث، حتى أصبح يليق بتشريف العائلات الكريمة .. افتتاح جديد بنوع جديد .. يفتتح التمثيل جوق نجيب الريحاني بتمثيل رواية «البرنسيس» من نوع - الفرنكوآراب – المحبوب وهي من نوع جديد لم يظهر على المراسح العربية. وسيكون لظهورها شأن يذكر في عالم التمثيل الأدبي الفكاهي، تأليف حضرة بديع أفندي خيري ونجيب أفندي الريحاني .. يمثل أهم أدوارها حضرات: الأستاذ نجيب الريحاني، بديعة مصابني، أمين عطا الله، أبريز استاتي .. مناظر وملابس جديدة وأوركستر .. نظام جديد لتشريف العائلات المصرية». ومن خلال بقية الإعلانات علمنا أن المسرحية من ثلاثة فصول، ومُلحن أغانيها «داود حسني»، وأن بديعة مصابني ستلقي وصلة غناء وطرب على تخت مؤلف من أشهر الموسيقيين في الفصل الثاني، والتذاكر تُباع يومياً من محل خالد أفندي محمد بالصاغة الصغرى، ومن مطبعة السلام بشارع فرنسا ومن شباك التياترو.
وباطلاعنا على مخطوطة المسرحية وجدنا العرض يبدأ بمقدمة تُمهد الموضوع للجمهور، حيث تُفتح الستارة على منظر قصر هائل وفي حديقته نافورة تتلألأ أنوارها وفجأة تُطفأ ويتصاعد منها دخان أحمر تظهر من خلاله «جِنيّة» تغني قائلة: مسكين يا بني آدم، لا الغنى بيريحك ولا الفقر بيعجبك. فقير يحسد الغني على ماله، وغني بيحسد الفقير على حاله .. في الحياة نتمنى الموت .. وفي الموت نتمنى الحياة .. ليلك نهارك تبكي .. تبقى السعادة في إيديك، وطمع الدنيا يخفيها عن عنيك .. وتجلب لنفسك التعاسة، وتسب الزمان اللي جار عليك .. اتنين من الإنس، راجل ومراته عايشين في دنيتهم أسعد من الملوك .. الضحك ما يفارقش شفايفهم .. عيوشة وحسانين .. عيوشة بتحب حسانين .. وحسانين بيحب عيوشة .. وربنا بيحب الاتنين .. مقتنعين برزقهم .. كتير كويس قليل كويس .. عيوشة جميلة وبنت حلال .. وحسانين طيب وعلى نياته، وعُمر الاتنين لا كشروا ولا زعلوا .. يا خسارة انتهت السعادة وابتدأت التعاسة .. مسكينة يا عيوشة .. غلبان يا حسانين .. ح تدخلوا القصر ده .. وانتوا بتضحكوا .. وتخرجوا منه وأنتوا بتعيطوا .. عزّ من قنع وذلّ من طمع .. مكتوب على بني آدم: يَزوّل هَنَاك .. ويزيد شقاك .. ولا ترتاح في دنياك». 
وبعد هذه المقدمة تبدأ أحداث المسرحية، فنتعرف على الأسطى «حسانين» المُغني وزوجته «عيوشة» بنت المعلم أحمد الدُكش الطرشجي، عندما تسوقهما الأقدار إلى قصر البرنسيس فتُبهر عيوشة به وتقارن بين عيشتها وعيشة أصحاب القصر، فيدور هذا الحوار بينها وبين زوجها حسانين: «عيوشة»: اللي زي دول، عندهم غزلان وطواويس وبلابل ونسانيس. «حسانين»: وإحنا عندنا فيران وعِرسْ وعقارب وتعابين. «عيوشة»: ما بنربيش إحنا فيهم ديوك رومي وفراخ ووز وبط. «حسانين»: لأ .. بنربي ناموس وأكلان وبق وبراغيت. «عيوشة»: بقى يعني ما بيتميزوش عنّا بحاجة أبداً؟ «حسانين»: أبداً .. الفرق الوحيد بينا وبينهم إنهم هم ما بيرضهمش الكثير. وإحنا بيرضينا القليل. بياكلوا وز وبط وبيشتكوا من عُسر الهضم. وإحنا ناكل مِشْ وفسيخ وبنشتكي من يُسر الهضم. هم بيصيفوا في أوروبا، وإحنا بنصيف ع السطح.
ورغم ذلك تتمرد عيوشة على عيشتها، خصوصاً بعد أن يُعجب بها البرنسيس صاحب القصر، كما أعجبت البرنسيسة «لوليت» بحسانين. وأمام أُبهة عيشة الأمراء، تحدث مواقف كوميدية كثيرة بسبب تصادم الطبقتين الشعبية والأرستقراطية، وأمام ذلك يقدم البرنسيس عيوشة بوصفها برنسيسة من دولة منقوليا تزور مصر في سياحة، وكذلك قالت الأميرة لوليت إن حسانين برنسيس أيضاً، وهذا ما جعل المواقف الكوميدية تزداد بصورة ملحوظة. وفي نهاية العرض يقتنع حسانين وعيوشة بأن حياتهما الأولى كانت الأفضل وهي الأبقى فيتخليا عن الأكاذيب وعن عيشة الأمراء الخالية من الصدق والحياة الطبيعية، ويعودان إلى حياتهما الأولى.
وهناك أغانٍ كثيرة موجودة في مخطوطة المسرحية، منها هذه الأغنية بين حسانين وعيوشة، وتقول كلماتها: «يا واش يا واش يا مرجيحة .. ما تخضهاش يا مرجيحة .. هيلا هيلا هُوبا .. هيلا هيلا هُبا .. هزّي حِبالك لبسلامتها .. بس أوعَك تقطمي رقبتها .. دي رقبتها ألماظية .. وشِفّتها مشمشيّة .. والسِنان حلاوة حُمُصيّة .. والوِدان حلاوة سِمْسِميّة .. والجنان حلاوة عَبّاسيّة .. جسمك نُصّه مهلبية .. ونصه التاني حلاوة طحينية .. عيوشة الله على بطتها .. وعلى هبالتها وعلى عبطتها» .. إلخ.
والجدير بالذكر أن عنوان المسرحية – كما جاء على غلاف المخطوطة – هو «البرنسيسة» وليس «البرنسيس» - وهذه المسرحية أصبحت من المسرحيات الناجحة جماهيراً، فجعلها الريحاني ضمن ريبرتواره يعرضها كل فترة .. وهذا ما حدث في مارس 1924 وأعلنت عنه جريدة «المحروسة»، قائلة: «جوق نجيب الريحاني بتياترو برنتانيا، ابتداء من اليوم والأيام التالية .. يمثل الجوق باستعداد عظيم رواية «البرنسيس» .. كل يوم أحد وجمعة حفلة ماتينيه الساعة 6، وكل يوم ثلاثاء حفلة نهارية للسيدات». وفي أبريل قالت الجريدة في إعلان آخر: «جوق الريحاني في شهر رمضان يوالي التمثيل يومياً ابتداء من يوم الثلاثاء 8 أبريل والأيام التالية بتمثيل رواية «البرنسيس» وهي الرواية المحبوبة التي حازت الاستحسان العام. يمثل أهم أدوارها حضرة الأستاذ نجيب الريحاني والست بديعة مصابني في تياترو برنتانيا». ونشرت الجريدة طوال عشرة أيام إعلاناً، قالت فيه: «نجيب الريحاني يمثل ثلاث حفلات بتياترو الكونكورديا ابتداء من الجمعة 4 أبريل لغاية الأحد 6 منه الساعة 9 مساءً. الليلة الأولى «الليالي الملاح»، والثانية «الفلوس»، والثالثة «البرنسيس». التذاكر بمطبعة السلام وخالد أفندي بالصاغة». 
ومسرحية «الفلوس» المذكورة في الإعلان السابق، مثلها الريحاني في أواخر فبراير 1924، وللأسف لم أجد شيئاً منشوراً عنها أعلم منه موضوعها أو فكرتها – وفقاً لما بين يدي من وثائق ومقالات معاصرة لفترة عرضها – ومن المحتمل أنها من نوعية العروض السابقة. والإعلانات المنشورة تقول إنها بطولة الريحاني وبديعة مصابني، وتم تمثيلها في تياترو برنتانيا.
مسرحية مجلس الأنس
هذه المسرحية تحديداً كانت مرحلة فاصلة في تاريخ مسرح الريحاني، كونها بداية ظهور النقد الفني – أو التطبيقي – المصاحب لعروض الريحاني. فحتى الآن لم نجد نقداً فنياً أو أدبياً لعروض فرقة نجيب الريحاني، أو لنصوصها المكتوبة بالاشتراك بين بديع خيري والريحاني، إذا استثنينا المقالات الثلاث المنشورة عن مسرحية «الليالي الملاح» في جريدة «المقطم» بقلم ناقدها الفني، وهو زكي طليمات كما أوضحنا من قبل.
ومسرحية «مجلس الأنس» عرضها الريحاني في منتصف أبريل 1924 وقام ببطولتها مع بديعة مصابني، وفي بعض الحفلات كان يشترك بالعزف بين فصولها أمير الكمنجة «سامي الشوا». وموضوع المسرحية أن أستاذاً في الموسيقى كان يستخدم مهنته لتصيد قلوب فتيات العائلات الغنية من خلال دروس الموسيقى الخصوصية. وعندما اكتشفت ذلك زوجته، أرادت أن تلقنه درساً من أجل الثأر لكرامتها، فعاملته بالمثل، حيث أوهمته بأن لها علاقات كثيرة مع عُشاق لها، كانت تُحيي لهم مجالس أنس في بيتها انتقاماً من زوجها وأفعاله. وبعد مواقف كوميدية كثيرة ومتنوعة، يعرف الزوج خطأه كما تعرف الزوجة واجباتها نحو زوجها، ويقرر الزوجان التخلص من هذا الماضي البغيض من أجل بداية جديدة كلها سعادة وهناء.
شاء القدر أن تُمثل هذه المسرحية وقت ظهور المجلات الفنية وانتشارها بكثرة في مصر، ومنها مجلة «التمثيل»، حيث كتب فيها «عدلي جرجس» مقالة – في أواخر أبريل 1924 – عنوانها «مجلس الأنس على مسرح برنتانيا»، انتقد فيها المؤلف بديع خيري قائلاً: الفكرة جميلة وكان في استطاعة المؤلف لو أنه كان كاتباً بالمعنى الصحيح أن يستخرج منها كوميدية مصرية محلية أخلاقية مضحكة للغاية. ولكنه ويا للأسف اعتمد كما يعتمد دوماً في جميع رواياته على مجرد المفاجآت والتنكيت والمفارقات .. فليس في الرواية أية شخصية قريبة من الحياة اليومية. وأنك لتشعر وأنت تشهد التمثيل أن المؤلف أو المقتبس بديع خيري لا يحاول مطلقاً رسم أية شخصية ولا إعطاء أية صبغة حقيقية أو شبه حقيقية من أخلاقنا وعاداتنا. وأنه لا يتوخى إلا إضحاك الناس فقط بأية وسيلة كانت!
ويضرب الناقد أمثلة منها: عدم معقولية وجود أستاذ موسيقى كبطل المسرحية، ولو وجد لا يمكن لأي باشا السماح له بدخول بيته. وإذا افترضنا وكانت هذه الشخصية وسواها من الشخصيات صادقة حقيقية لامتنع الضحك بالمرة لأن بديع خيري من المؤلفين الذين يطلبون إضحاك الناس بكل الوسائل والضروب والطرق المخالفة للحياة تماماً والمناقضة لها كل المناقضة .. إذ هم ليسوا من البراعة والتفوق والقدرة على التأليف بحيث يمكنهم إضحاك الجمهور برسم أخلاق وعادات واقعية حقيقية فتراهم يعمدون إلى المغالاة التي لا بد يقهقه الناس لها لأنها مجرد مغالاة.
ثم اتجه الناقد إلى التمثيل فمدح الريحاني وبديعة بصورة متوقعة، ولكن الجديد والذي يحدث لأول مرة أننا قرأنا رأياً نقدياً لممثلي العرض الآخرين، قائلاً: «ولقد أعجبنا أيضاً على وجه خاص بطريقة «فريد صبري» في تمثيله دور الباشا إلقاءً وشكلاً، وكذلك «أحمد نجيب» في دور شوكت بك، فإنه لم يشعرنا مطلقاً بوطأة جسمه لما كان عليه من الخفة والظرف هو وبقية «الشلة». ولقد أجاد «محمد كمال المصري» تمثيل دور الناياتي؟».
واختتم الناقد كلمته بملحوظة قال فيها: «يا عزيزي نجيب «كلام في سرك»: إن ألحان الرواية في منتهى السخافة، ولقد مِلتُ نحو صديقي «إبراهيم المصري» لأقول له هذه الملاحظة، فوجدته نائماً، وقد وقع طربوشه على نظارته. وسُمع له - أي إبراهيم - نوعٌ من الشِخير كان يَتبعُ الوحدة تماماً .. وأصارحك بأنه أطربني أكثر مما أطربتني ألحان دواد حسني في روايتكم».
 


سيد علي إسماعيل