رحل خفيفا كما عاش خفيفا.. الشاعر والمثقف الكبير .. سعد عبد الرحمن وداعا

 رحل خفيفا كما عاش خفيفا..  الشاعر والمثقف الكبير .. سعد عبد الرحمن وداعا

العدد 811 صدر بتاريخ 13مارس2023

ليس من قبيل العادة أن يجمع الناس على رجل مهما بلغ شأنه، لكن سرادقات العزاء التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل المحافظات، أكدت  التوافق  على محبة الشاعر سعد عبد الرحمن رحمه الله. هو علم من أعلام الأدب والثقافة في مصر، ولد الشاعر سعد عبد الرحمن بقرية نجع سبع مركز أسيوط في 3 يناير 1954, وانتقل مع والديه عام 1958 إلى قرية موشا جنوب مدينة أسيوط حيث حصل على الشهادتين الابتدائية والإعدادية ليلتحق بعد ذلك بمدرسة ناصر الثانوية بأسيوط ثم كلية التربية التي تخرج فيها عام 1979 .
للشاعر سعد عبد الرحمن العديد من الإصدارات منها 3 دواوين شعر «حدائق الجمر» و«النفخ في الرماد» و«المجد للشهداء، وكتاب بحثي بعنوان «التعليم المصري في نصف قرن»، وله عدة أعمال مخطوطة منها «نزيف الكمان» و«إشكالية المنهج في علم الأدب» و«مقالات متنوعة» و«وصف القصور في شعر البحتري»، كما له العديد من الكتب التي أعدها وقدم لها تتجاوز عشرين إصدارًا متنوعًا بين أعمال فكرية وبحثية ومجالات التاريخ والاجتماع وفضلا عن الآداب والشعر. عبد الرحمن تولى رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة وعدة مناصب أخرى. وقد خصصنا هذه المساحة لاصدقائه ورفقاء دربه ليقربونا منه

 سعد عبد الرحمن الذي أعرفه
قال الكاتب أحمد زحام «لم يكن سعد عبد الرحمن مجرد رئيس، فقد كان أخا ورفيقا لمسيرة حياة استمرت منذ أن وطأت قدماه ارض القاهرة، وشاركته في جزء من حياته الوظيفية في إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة في ظل ثورة الموظفين على رؤسائهم في المؤسسات الحكومية إبان ثورة 25 يناير، وتلك كانت أصعب مراحل حياتنا الوظيفية، ويشهد له في تلك الفترة أنه قام بتوظيف عديد من الشباب في الجهاز، في ظل التناقص الرهيب لموظفي الإدارات المختلفة لخروج كثيرين من قدامى الموظفين إلى المعاش على مستوى الفروع الثقافية والإدارات المركزية، وأشهد أنه كان نظيف اليد، كثير العطاء لمن حوله، لم يطمع في مال ومكافآت غير مستحقة، ويطبق القانون على الجميع، إحدى المديرات أتت من عمرة وأحضرت المصحف الشريف له ولي ولعدد من الزملاء، فرفض أخذ الهدية، وطلب مني إرجاعها، لأن لجنة التجديد لها قد قاربت على الانعقاد، فلا يؤثر ذلك على قراره في التجديد لها من عدمه.
 تابع: الذي لا يعرفه البعض من الذين اختلفوا معه حول المسرح داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة أنه رأى أن ما يقدم من إنتاج وعروض لا يحقق الهدف المرجو منه، فقدم مشروعا إلى وزير الثقافة في ذلك الوقت بزيادة الميزانيات لتقدم العروض طوال العام، وليس بعدد محدود وكفى، ولكن تغيير الوزراء كل فترة أضاع ما قدمه وذهب هباء. كان يهوى القراءة ويعشقها، كان أول ما يفعله تفقد المكتبات،  في إحدى المرات التي كنا نتفقد فيها  أحد الفروع الثقافية، أحذ من مكتبة كتابين على سبيل الاستعارة، وبعد  مرور  حوالي شهر ذهبنا إلى المكتبة ذاتها ليعيدهما بنفسه، هذا هو سعد عبد الرحمن الذي أعرفه.

عاشق التراث العربي
فيما تحدث الكاتب عبده الزراع فقال : الشاعر الراحل سعد عبد الرحمن أحد أهم الوجوه النيرة في حياتنا الثقافية، وأحد أبرز قيادات وزارة الثقافة، إذ تدرج فى المناصب الوظيفية من مدير قصر ثقافة أسيوط إلى أن أصبح رئيسا للهيئة العامة لقصور الثقافة، في فترة كانت الأصعب في تاريخ الهيئة مع ثورة يناير وما بعدها، واستطاع أن يصل بالهيئة إلى بر الأمان، وأذكر أنه وقت أن أطيح بنا كقيادات كنا نتبوأ مواقع ثقافية مهمة كمدراء عموم، وذلك فى منتصف عام 2013, بإيعاز من التيار الدينى الذي كان قد تربع على سدة الحكم، وكنت أنا واحداً من الذين أطيح بهم بعدما كنت مديراً عاماً لفرع ثقافة الجيزة، أطاحوا بنا ليأتوا بالأهل والعشيرة، وكان لهم ما أرادوا.. فابتكر عبد الرحمن -وقتها- فكرة خارج الصندوق وهى إصدار قرار إدارى بإنشاء مجالس تحرير مجلتى الثقافة الجديدة وقطر الندى، كى تستوعب المدراء المبعدين من وظائفهم، على أن يتناوبوا رئاسة تحرير المجلات بشكل دورى كل عامين، وقد أصبحت رئيسا لمجلس تحرير مجلة قطر الندى التى تصدرها الهيئة للأطفال، والكاتب حمدى أبو جليل رئيسا لمجلس تحرير الثقافة الجديدة، في فترة من أزهى عصور إصدار هاتين المجلتين، محافظا لنا بهذا الوضع على إراقة ماء وجوهنا، وقد كان هذا الوضع الجديد مرضيا لنا كأبناء الهيئة التى تربينا فيها.. فلم يخذلنا ولم يتركنا لمصائرنا بل وضعنا في المكان اللائق بنا.
 وأضاف «علاقتى بالراحل تمتد من منتصف التسعينات حينما التقيت به لأول مرة بقصر ثقافة أسيوط وكان يعمل وقتها أمينا عاما لإقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي، وكانت قد أوفدتني الإدارة العامة للثقافة العامة بالهيئة لمناقشة لائحة نوادى الأدب الجديدة مع أدباء محافظة أسيوط، وقت أن كان الكاتب الكبير محمد السيد عيد مديرا عاما للثقافة العامة.. ومنذ أن التقيته بوجهه البشوش المبتسم، ونبل شخصيته تصادقنا.. وظلت علاقتنا طيبة حتى بعد أن انتقل إلى القاهرة للعمل مديرا للإدارة العامة للثقافة العامة، ثم رئيسا للإدارة المركزية للشؤون الثقافية، ثم رئيسا للهيئة..
ظل عبد الرحمن وفيا لأصدقائه من الأدباء والمثقفين.. ونبيلا في كل مواقفة الإنسانية.. علاوة على أنه أحد المثقفين الحقيقيين الذين يغوصون حتى آذانهم في التراث العربي يستخرج منه اللؤلؤ المخبوء ويقدمه في كتب مفيدة ورائعة، كما أنه رحمه الله كان حفاظة لعيون الشعر العربي.. ولا تغيب عنه شاردة ولا واردة في الثقافة العربية.. ومكتبته عامرة بزخائر الكتب في شتى المجالات، بل يحتفظ فيها بطبعات نادرة، قدم منها كثيرا للطباعة في سلسلة الزخائر وقت أن كان رئيسا للهيئة.. وكان يقدم بانتظام على صفحته بوستات دورية تحت عنوان (فائدة لغوية) يقدم فيها أخطاء شائعة في اللغة تخفى على الكثيرين من الأدباء، وقد صدر له عدة دواوين شعرية، وبعد الكتب الثقافية، آخرها كتاب (الموسيقى في حياة العقاد) الذي صدر مؤخراً في المجلس الأعلى للثقافة.. رحم الله الشاعر الكبير والإنسان النبيل الأصيل سعد عبد الرحمن الذي رحل خفيفا كما عاش خفيفا.. لكن أثره الثقافي والإنساني سيظل طويلا.. فالسيرة أطول من العمر.

 سعد قيمة وقامه كبيرة
الكاتب والمخرج والشاعر نعيم الأسيوطي قال: بدأت علاقتي به عندما كان مدرساً للغة العربية بمدرسة القناطر الإعدادية بأسيوط وبدأت أعرض عليه ما أكتبه من كلمات كنت اطلق عليها شعرا .. بدأ يوجهني لقراءة أعمال بيرم التونسي والأبنودي وآخرين إلى أن التحقت بنادي الأدب بقصر ثقافة أسيوط. لم أستمر في كتابة الشعر ولا القصة فاقترح علي قراءة مسرح توفيق الحكيم وكتبت أولى مسرحياتي ذات الفصل الواحد في عام 84 ثم طلب مني التقدم لمسابقة المسرح بفرع ثقافة أسيوط عام 85 وحصلت على المركز الأول عامي 85، 86 واستمررت في كتابة المسرح الحواري إلى أن اتفقت مع صديقي الكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن على دراسة مذهب العبث والرمز وقراءة معظم الأعمال التي كتبت مسرحيا ومن هنا بدأت كتابة مسرح الدراما الحركية وأعتبره مشروعي الأهم وكانت أولى مسرحياتي نص شموع وعرضت ما أكتبه على أعضاء نادي الأدب باسيوط
وتابع: «ساعدني بقوة الأستاذ سعد وتحمس للمشروع وقدمني للمخرج المرحوم عبده طه وفرقة صدفا المسرحية وتم عرض مسرحية شموع في مهرجان نوادي المسرح بالإسماعيلية عام 97 وحصلنا على المركز الأول ومثلت مصر في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في نفس العام وكذلك عرضت في معرض الكتاب بأسيوط واستضاف لها كبار نقاد المسرح على مستوى الجمهورية وقدمني للجمهور ككاتب مسرحي متميز. ما فعله معي الأستاذ يفعله مع الجميع شعراء وأدباء وفناني مسرح، الأستاذ سعد قيمة وقامة كبيرة وإنسان نادر الوجود مخلص ومحب وعفيف النفس ولم يكذب أو ينافق يوما، رحم الله عمي وأستاذي ومثلي الأعلى في الحياة .

صديقي الأقرب إلى قلبي
الكاتب المسرحي والشاعر درويش الأسيوطي قال: حتى بداية عقد السبعينات من القرن العشرين، لم يكن في أسيوط من المقيمين بها من يذكر إذا ذكر الشعر، فكل من أحس بموهبته من الشعراء هجرها إلى مصر ( القاهرة ). ولذلك حينما أسند إلى الإشراف على الصفحة الأدبية بمجلة ( صوت الجماهير ) التي كان يصدرها شباب( الاتحاد الاشتراكي ). كان أول ما فكرت فيه أن أجمع من عرفت عنهم كتابة الشعر أو القصة من طلاب الجامعة، وبالفعل تجمع ما يعد على أصابع اليد الواحدة من المبدعين. وفكرنا أن نزيد من المتجمعين باكتشاف الأصوات الجديدة من الشباب. فأعلنا بالمجلة عن مسابقة في الشعر بين طلاب المدارس الثانوية. وتقدم للمسابقة عدد قليل من طلاب المدارس الثانوية العامة والفنية. وسعدنا أن وجدنا بين هؤلاء مواهب حقيقية مبشرة. وكنت على رأس المحكمين في هذه المسابقة، ولفتت انتباهي قصيدة شعرية لطالب في الصف الثاني الثانوي، كأن القصيدة بوزنها وتراكيبها اللغوية، كتبت في العصر العباسي الأول .. ولا أكتمكم أن بعض ألفاظ القصيدة لم تكن في معجمي اللغوي وقتها، أي أن مستوى القصيدة الفني أعلى من مستوى رئيس لجنة المحكمين وهو أنا .. ولم يدر بخلدي أن هناك في مصر طالب بالصف الثاني الثانوي يستطيع الكتابة بهذه البلاغة .. فقلت لنفسي : لعله نقلها من كتاب لم أصل إليه .. أو كتبها له شاعر مجيد لا أعرفه .. فاستبعدت القصيدة من المسابقة، وأعلنت النتيجة وفاز بالمركز الأول الشاعر جمال محمد على فرغلي. وظننت أن الأمر انتهى، لكن البريد حمل إلى المجلة قصيدة من ذلك الطالب يسبنا فيها، والمدهش أن القصيدة كانت على نفس المستوى الفني للقصيدة المستبعدة من المسابقة، وكان الصبي الشاعر هو سعد عبد الرحمن أحمد عمر .. الذي صار صديقي الأقرب إلى قلبي.
وتابع قائلاً: في أول لقاء لنا وقد صار من طلاب كلية التربية عرفني بنفسه، فتذكرت ما حدث واعتذار المجلة له .. فأعدت الاعتذار، ومن يومها .. لم أنشر قصيدة قبل أن أطمئن إلى سلامتها من حيث اللغة والعروض بعرضها على ( سعد عبد الرحمن ). ظل سعد عبد الرحمن مرجعي اللغوي الذي أطمئن إليه، ولم يدر بخلدي إنه سيسبقني إلى الرحيل.. وكنت أقول لمن حولي .. سأوصي بما تبقى من كتبي دون نشر إلى صديقي سعد عبد الرحمن ليتولى نشرها بعد رحيلي .. رحم الله أخي سعد وأثابه بما قدم لي ولكم.

ابن أصول
الشاعر والكاتب يسري حسان قال «سعد عبد الرحمن واحداً من أبناء الهيئة العامة لقصور الثقافة المخلصين والمهمين بدأ السلم من أوله متدرجاً فى عدة وظائف حتي وصل لرئاسة الهيئة وكان قيادة محترمة وواعية، والأهم نظيفة اليد فلم يعرف عن سعد عبد الرحمن أى خروج عن مقتضيات الواجب الوظيفي لصالح جهة أو طرف أو شىء من هذا القبيل، كل من تعامل معه أدرك أنه إنساناً راقياً ونبيلاً أو كما يقولون «أبن أصول « لم تغيره المناصب وظل هذا الرجل البسيط المتواضع المخلص في عمله والساعي إلى تطويره بشكل دائم. وتابع « على المستوي الثقافي كان سعد عبد الرحمن شاعراً مبدعاً ورصيناً قدم العديد من الأعمال وظهرت موهبته في فترة باكرة من حياته ربما إنتاجه الشعري سيكون أكبر لولا انشغاله بالإدارة لكنه حتي في هذا الانشغال كان يلعب دوراً لا يقل أهمية عن دوره كشاعر. عقب تقاعده عن العمل أصدر كتبا مهمة ربما الوقت الذي أيتح له بعد التقاعد مكنه من إنجاز هذه الأعمال المهمة ربما لو منحه القدر مزيدا من العمر لأخرج لنا المزيد من الكنوز التي احتفظ بها، وبرحيل سعد عبد الرحمن تفقد الثقافة المصرية واحداً من أنبل أبنائها المخلصين .

درة تاج الثقافة المصرية
مدير عام إدارة الفنون جامعة أسيوط المخرج محمد جمعة قال «بدأت علاقتي بأستاذي مع بداية التسعينات. أكثر من ثلاثين عاماً من المحبة والصداقة والتلمذة مع رجل مبدع من طراز فريد علي كل المستويات الإنسانية والثقافية، وأثناء عملي معه والقرب منه كان الفخر يعتريني وأنا أنال ثقة ومحبة هذا الرجل نبيل المعشر رقيق الإحساس دمث الخلق الذي يكره الكذب والمراوغة ويشع من عيونه الصدق وتنطق نظراته وسكناته بالحياء الجم والأدب الأنيق.
 وتابع» كان يدهشني احترامه لمعارضيه وحرصه علي عدم غيبتهم،  فهو بالغ الرقة في ثنائه سريع التسامح في غضبه وانفعاله الشديد، عاشق متبتل في محراب المعرفة والثقافة والبحث والاطلاع مغرم بأصول اللغة العربية ومتيم بعيون الشعر العربي والأدب العقادي الأثير، كنت أشعر بأن روحه هائمة بين دفتي كتاب فالكتاب بالنسبة له الغرام الوحيد وهو مصدر الإلهام والبهجة،  كل المكتبات في بلدنا في قراها ومراكزها يعرفها ويحفظ محتوياتها كما يعرف أبناءه وتلاميذه ومحبيه، كان سعيه دؤوباً لدعمها وتدعيمها ولا يدخر جهداً في طرق أبواب المسئولين عنها لتحقق رسالتها في التنوير والإثراء الثقافي والمعرفي
 تابع: أبداً لم تختلف أحاديث أستاذي أسلوباً ومنهجاً ومبادئ في جميع لقاءاته ومنتدياته او حتي بيننا في سامر المساء فهو في جميع الحالات ذاته لا يتجمل او يتلون، ثابتاً علي أيدلوجيته وقناعته مؤمنا بربه واثقاً في فكره ونفسه، كان لحديثه بيننا سحراً مؤنساً عذبا يتسرسب رويداً رويداً ليروي الأوصال ويستقر في النخاع قبل العقل والفؤاد، عشقه للشعر كتابة وتنقيباً كان بمثابة حالة ارتقاء بديعية لتكثيف واعادة اكتشاف مفردات اللغة وفقه الكلمات، كان الشعر وسيلته المحببة للتعبير والبوح بالوجع والفضفضة بما تحمله النفس من كدمات ورغم رحيل الجسد الفاني سيظل سعد عبد الرحمن المثقف والشاعر الحقيقي الذي صدق مع الله في كل تصرفاته وصدق مع نفسه بعطائه وإبداعاته ليصبح درة التاج في جبين الثقافة المصرية وتظل روحه هائمة في كل أروقة المكتبات العربية تبحث عن عاشق متيم مثله ليعيد إليها سيرتها الأولي. طيب الله ثراك يا أستاذي الحبيب وأسكنك جنات النعيم .

  مثقف عضوي انشغل بالحياة الثقافية العامة
وقال الشاعر والباحث مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية: يعد الشاعر الكبير سعد عبد الرحمن واحداً من الرموز الثقافية البارزة التي تكونت من خلال معرفة عميقة بالتراث العربي، بدأ حياته حافظاً للقرآن الكريم وهو ما أمده بحصيلة لغوية مهمة وعظيمة ثم قارئاً للكتب الثقافية والأدبية وكتب التراث الشعري وكان ميراثه المحفوظ من الشعر واسعاً بشكل كبير، وقد تعرف على أقرانه من الشعراء وهم عزت الطيري ومصطفى رجب في الجامعة حينما التحق بكلية التربية جامعة أسيوط وعمل في بداية حياته مدرساً ثم فيما بعد انتقل للثقافة الجماهيرية التي شكلت جزاً كبيراً من حياته، وربما هي التي أعاقت تجربته ولكنه استطاع أن ينتج مجموعة من الإبداعات التي تترواح بين ديوان الشعر الفصيح والدراسات وبين الكتب التراثية.
أضاف:  تجربة سعد عبد الرحمن متعددة ومتنوعة ما بين الشعر والدراسة وكتابة المقالات وهو من اللغويين البارعين وكانت تجربته في الثقافة الجماهيرية شديدة التميز بدأت من خلال عمله في نوادى الأدب ثم التحاقه بثقافة أسيوط ثم أصبح أمين عام الإقليم ثم مجيئه للقاهرة حينما تولى الإدارة العامة للثقافة العامة ومنها للشئون الثقافية ثم رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة وكانت الفترة التي تولي فيها رئاسة الهيئة من أصعب الفترات، وقد استطاع أن يقدم فيها جهداً رائعاً يحسب له على المستويين الإدراي والثقافي، سعد عبد الرحمن من المثقفين العضويين الذين انشغلوا بالحياة الثقافية العامة وحاول قدر الإمكان أن يقدم خبراته وعصارة إبداعه لهذا العمل وللثقافة الجماهيرية التي يعشقها ويؤمن بدورها.

إنجازاته
المخرج محسن العزب قال: فجعت الجماعة الثقافية المصرية برحيله وقد تمتع بسمعة طيبة حققها بلقائه  والاحتكاك به عن قرب، وبشعره ومن خلال كشفه لعيون التراث العربي الذاخر،، وعندما شرفت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسته لها، شهدت في عهده الكثير من الإنجازات على مستوى الجمهورية، كما أن وجوده على منصة الفيسبوك كان مؤثرا وذا قيمة معرفية كبرى، رحمات الله الواسعات عليك أخي الشاعر المثقف المصري العضوي الكبير سعدعبدالرحمن.

 يتابع بروفات العروض  باهتمام شديد
أوضح المخرج خالد أبو ضيف أن لقاءه الأول بالشاعر الكبير سعد عبد الرحمن كان في عام 1996 حيث كان المخرج يقدم فعالية ختام نشاط الأطفال وكان الشاعر سعد عبد الرحمن آنذاك موظفا في إدارة الثقافة العامة بأسيوط ويتابع البروفات بشغف واهتمام شديد حتي أنه كان يقوم بتوزيع الحلوى على الأطفال وتشجيعهم، وكذلك عندما كان مدير إدارة الثقافة العامة كان يتابع أيضا البروفات، كان يشاهدها حتي بعد ساعات العمل الرسمية وكان دائما يناقش فريق العمل علاوة على حضور اجتماعات وبروفات الفرقة القومية بأسيوط وكان إنساناً نبيلاً وداعما رحم الله الشاعر الكبير سعد عبد الرحمن .

موازنه دقيقة
فيما قال د. حسام عطا : ينضج الرجال في الصعيد مبكراً وكان الأستاذ صلاح شريت مديراً لثقافة أسيوط، أطال الله عمره، يجمع من حوله من مثقفي أسيوط الذي كان يري أنهم ذخيرة المستقبل، وكانت رؤيته صائبة، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ سعد عبد الرحمن ودكتورة فوزية أبوالنجا وكانت آنذاك من رواد نادي أدب أسيوط وكذلك الأستاذ سعد عبد الرحمن في زمالته مع الأستاذ درويش الأسيوطي. كانوا شباباً فى مقتبل العمر ولأن الصعيد ينضج رجاله مبكراً فقد عرفتهم في مطلع مراهقتي حيث جمعتني بهم الجلسات واللقاءات الأدبية التي كانت تطوف بنا في عوالم الشعر والمسرح. يكبرني الأستاذ سعد بعقد ويشرفني أن أقول أني أنتسب لجيل سعد عبد الرحمن ودرويش الأسيوطي، كان بمثابة الأخ الكبير الذي يبتسم ويحتمل ويشرح ويجتهد ويأتي بالكتب ويتدخل لحل المشكلات، يسقي الذين دخلوا عالم الأبداع والثقافة في أسيوط من نبع صاف.
وتابع : تم تعيين الأستاذ سعد عبد الرحمن أخصائياً ثقافياً بقصر ثقافة أسيوط وتولى مسئولية نادي الأدب وكان من أدبه المفرط يعهد لصديق عمره درويش الأسيوطي بإدارة الجلسات بينما هو المختص الفعلي. تزوج من الدكتورة فوزية أبو النجا وأثمر هذا الزواج عن ابنتين هما ريم وسمر، وقد شاركت ابنته سمر معي في عرض مسرحي بعنوان «نسمة سلام « لفرقة مسرح الأطفال بأسيوط وهي طفلة صغيرة أهداني إليها والدها الذي كان يؤمن أن المسرح والشعر والأدب بوتقة واحدة تسهم في رقي الإنسان.. أذكر هذه العلاقة التي صنعت منا عائلة واحدة لنتجاوز حدود الزمالة في العمل والاحتفالات  الثقافية والإبداعية المشتركة.  
وأضاف: كان سعد عبد الرحمن يؤمن بأن المثقف يجب أن يكون على يسار الواقع، ولكنه وازن موازنة دقيقة بين أراءه وكتاباته وسلوكه وبين مساره الوظيفي الذي حرص أن يكون متزناً طوال عمره، إلى أن ترأس الهيئة العامة لقصور الثقافة وكانت أزهى الفترات، فقد استعادت الهيئة هيبتها أودوارها الفعالة وعادت إلى عمق الجمهور المصري وإلى الأطراف البعيدة. حرص سعد عبد الرحمن وهو رئيساً للهيئة على تجديد البنية التحتية وأنجز عدداً من المباني الهامة أذكر منها تجديده لقصر ثقافة أسيوط الذي أصبح صرحا مهيئاً لاستقبال الأعمال الفنية الكبرى ودوراً هاماً للعروض الفنية والمسرحية كما أنشأ عددا من قصور الثقافة في الأطراف مثل قصر ثقافة البداري الذي حرص على متابعته بعد أن ترك الهيئة ليفتتحه مع الراحل الصديق العزيز د. سيد خطاب .

وطني عظيم
وقال  الفنان جلال العشري: فجعت بخبر وفاته، فقد تعاملت معه بشكل مباشر وهو رجل وطني عظيم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، كانت معرفتي الأولي به في اسيوط عام 1982م، وكنت آنذاك أشاهد مسرحية «قطة بسبع ترواح» لرشدي إبراهيم. التقيت به عند محطة القطار وبدأت علاقتي به التي استمرت حتي عدت إلى القاهرة، ولم تجمعنا لقاءات أخرى حتي عام 2011 م، وفي هذا العام قدمت عرضاً مسرحياً حضره وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي ومعه الأستاذ سعد عبد الرحمن الذي كان رئيساً للهيئة آنذاك، ودار بيني وبين وزير الثقافة حواراً، شرحت له مشاكلي وتدخل الاستاذ سعد عبد الرحمن وأصدر قرارا بتعيني لفرقة السامر ولا أنسي دور الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا الذي ساهم في توطيد العلاقة بيني وبينه.
وتابع: سعد عبد الرحمن رجل صعيدي نظيف اليد لا يتباري مع أحد بثقافته وقد حببني في اللغة العربية وعندما واجهتني مشاكل عديدة في السامر ومنها مشكلة الأجور، وقد نظر الراحل سعد عبد الرحمن للأمر بأهمية، وقمت بعمل لائحة جديدة للفرقة ووافق عليها وهي اللائحة التي لايزال يعمل عليها المسرح حتى الأن، كما أصدر قراراً بعودة فرقة مسرح السامر إلى مقرها الأصلي، وعودة الفرقة إلى مركزيتها .

 حاضر في المشهد الثقافي بأسيوط رغم وجوده بالقاهرة
فيما قال الشاعر والكاتب د. سيد عبد الرازق إن تناول شخصية (الأستاذ) كما يلقبه أدباء أسيوط من زاوية الشعر كونه شاعرا كبيرا، أو إداريا ثقافيا ناجحا تبوأ رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة في فترة هي الأصعب في تاريخ البلاد الحديث، يعد تناولا ضيقا، فالأستاذ كان مثقفا عضويا فاعلا في الحياة الثقافية المصرية بشكل عام وفي أسيوط بشكل خاص، كان مؤرخا للحركة الثقافية عاصر جيل الرواد، وجيل والوسط، وجيل الشباب، استطاع أن يتكيف مع الجميع وأن يحس كل منهم نحوه إحساس المثقف النجيب، ثم الأستاذ المعلم، لم يقف تاريخ سعد عبد الرحمن عند تأسيس العديد من الكيانات الثقافية الحكومية أو عبر المجتمع المدني، أو دعم جهة ثقافية ما من مكتبه الخاصة أو بإصدارات الأدباء عبر الهيئة، وإنما نزل إلى ميدان الأدب فاعلا ومؤسسا ومؤرخا، بل وأعاد إحياء العديد من المنشآت الثقافية وإعادتها لواجهة الوجود حين أسس صالون مكتبة المركز الثقافي الإسلامي التي أصبحت مكتبة مصر العامة بأسيوط، فيما بعد وكنت شاهدا على ذلك. قدم كتبا تحمل قيمة أدبية فذة، وأقام دورات تدريبية لعلوم اللغة أفاد منها الأدباء كبيرهم وصغيرهم، وتعد صفحته الشخصية بجانب منشوراته كنزا معرفيا ذاخرا، إضافة لامتلاكه روح دعابة فذة يملك بها القلوب واعتزازا بمصريته وثقافته جعلته يقف في وجه العديد من المحاولات الرامية للنيل منها.
تابع:  كان حاضرا بقوة في المشهد الثقافي بأسيوط رغم وجوده بالقاهرة، فكان رئيسا لمجلس إدارة جمعية رواد قصر ثقافة أسيوط، وعضوا بنادي أدب أسيوط، وقام بتسجيل حلقات عديدة عن تاريخ الأدب والمكتبات، وأسهم بدوره في إصدار العديد من مؤلفات الكتاب التي لولاه لم نكن نسمع عنها يوما، كما أعاد إصدار عيون من الأدب العربي لتكون في متناول الناشئة، وكان مناقشا حاذقا ملما بأساليب الفصاحة قلما يجود الزمان بمثله، رحم الله الأستاذ.


رنا رأفت