سيد الإمام يحتفل بصدمة الابتذال.. في مسرحنا

سيد الإمام يحتفل بصدمة الابتذال.. في مسرحنا

العدد 551 صدر بتاريخ 19مارس2018

أقيم بمقر جريدة “مسرحنا” الاثنين 12 مارس الحالي، حفل توقيع الكتاب الجديد «صدمة الابتذال» الصادر مؤخرا ضمن إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة، للدكتور سيد الإمام، وبهذه المناسبة أقيمت ندوة حول الكتاب تحدث فيها د. رشا خيري، د. مصطفى سليم، والناقد باسم عادل، وأدارها الناقد مجدي الحمزاوي. وحضرها من المسرحيين د. محمد سمير الخطيب، د. علاء عبد العزيز، الناقدة أمل ممدوح، والناقد أحمد الحناوي، والكاتب الصحفي ماهر حسن، والفنان هاني النابلسي، والشاعر أحمد زيدان، وعدد آخر من المهتمين.
ويعد هذا الكتاب الحلقة الثالثة من حلقات سلسلة الكتب التي ترجمها الدكتور سيد الإمام ضمن مشروعه لسد الفجوة التي تعاني منها المكتبة العربية في ترجمة المسرح، الذي يتتبع فيه الإمام مراحل تطور الطبقة البرجوازية في قالبها الدرامي.. وهو ما عده النقاد مرجعا مهما لكل باحث في التاريخ أو الأدب أو الاجتماع، وكذلك في الاقتصاد والسياسة.. يتناول المشروع أيضا سبل العلاج المجتمعي عن طريق الصدمة في إطار درامي.


الناقد مجدي الحمزاوي أبدى إعجابه الشديد بالمشروع الذي أقامه الدكتور الإمام عبر ترجماته، خاصة في ظل ما أسماه بـ”الضائقة الثقافية” التي نمر بها، مشيرا إلى أن هذا الكتاب يعد قراءة مهمة لنظرية “الملهاة التهكمية”. وتساءل الحمزاوي لفتح النقاش: هل على المترجم أن يكون ساعي بريد، عليه ترجمة كل إشارة بشكل حرفي، رغم أن الإشارة الواحدة لها أكثر من ترجمة؟ موضحا أن هناك فرقا كبيرا بين الهجاء والتهكم.
د. رشا خيري أشارت إلى أن الكتاب يغطي مساحة معتبرة مما يتم تدريسه، واختلفت مع د. الإمام حول ترجمته “الملهاة التهكمية”، وقالت إن من الأفضل أن تترجم إلى «الهجاء»، مؤكدة أن المعنيين ليسا مترادفين، وأن الهجاء شكل وجنس أدبي له سماته. أضافت: هناك مشكلة تواجه الكثير من الطلبة الذين يقومون بعمل أبحاث، وهي أنهم - في الكثير من الأحيان - يتخبطون في تحديد المعاني والسمات، موضحة أن المصطلح الإنجليزي يكون واحدا بينما تتعدد ترجماته. أشارت أيضا إلى أن الهجاء له مجموعة من السمات التي تحدد متى يكون العمل الفني هجاء، فالهجاء – بحسب تعريفها - سخرية هجومية، يتضح من لهجته وفق المعيار الأخلاقي الذي يتخذه المؤلف، مؤكدة أن المعيار الأخلاقي مهم في الحكم على الهجاء، من الناحية الفنية.
أضافت خيري: إن عنوان مسرحية «تتمسكن حتى تتمكن» مثلا، ترجمته تنطوي على الحيلة وهي إحدى المشكلات التي تواجه الترجمة، حيث من الممكن أن تعطي إيحاءات ليست مطلوبة، وهي من المسرحيات المهمة، ليس فقط لأنها تنتمي إلى الكوميديا الهجائية، ولكن أيضا لأنها تبلور نظرية جولدين سميث، وقد اعتبرها النقاد تطبيقا عمليا على النظرية.
د. مصطفى سليم أعرب عن سعادته الكبيرة لحضور مناقشة كتاب للدكتور سيد الإمام، الذي يدين له هو وجيله بالفضل، معتبرا محاضراته رحلة في المعرفة. وأشار سليم إلى أنه مهما حاول المترجم التزام الموضوعية فسيكون هناك خيانة في ترجمة بعض الكلمات، مؤكدا أن الكلمة ابنة الزمان والثقافة والمكان، وتتغير من ثقافة إلى أخرى ومن زمان إلى آخر. وعن مصطلح الهجاء، قال: «الهجاء» فن عربي أصيل موروث، مثل ما كان يحدث بين الفرزدق وجرير، مؤكدا أن استخدام مصطلح الهجاء دقيق لغويا وغير دقيق ثقافيا، وأنه استخدم في المسرحية بالعقلية الغربية، وهو يختلف، مشيرا إلى وجود فروق بين المهارة الفنية في إظهار السلوك في الشخصيات الدرامية، وبين هجاء الفرزدق وجرير.
ووصف سليم كتاب «صدمة الابتذال» بأنه رحلة استرجع فيها أجمل ذكريات العمر وأجمل فترة دراسية درس فيها مع جيله التحولات السياسية والاجتماعية والصناعية، في القرن الثامن عشر، وقد تحولت الأخلاق إلى بضاعة، واغترب الفكر عن الواقع. أضاف: الكتاب في الجزء الأول منه يجعلنا نضع أيدينا على آليات مرحلة كاملة تعد أرضية لفهم الربع الأخير من القرن الثامن عشر في أوروبا؛ حيث يبرز صورة كاملة لمجتمع السوق، ويشرح وضع الطبقة الجديدة البرجوازية وسلوكياتها التي تحاول أن تتشبه بها، على غرار الطبقة المنهارة “الأرستقراطية”.
أشار سليم أيضا إلى أنه استحضر عند قراءته لـ«صدمة الابتذال» شخصية كشكش بيه الذي انتقل من مرحلة الفقر إلى الغنى، كما تعرف على الكاتب جولدن سميث ونظريته. وقرأ سليم جزءا من الكتاب، وهو «الآباء العقلاء واختبار الصدق»، موضحا أنه يلقي الضوء ويناقش منظومة القيم والمبادئ من خلال حوار الآباء والأبناء ونظرة كل منها للقيم باختلاف منظور كل من الجيلين. أشار أيضا إلى أن دكتور سيد الإمام استطاع إبراز نبض المجتمع وتحولات المجتمع البرجوازي، والتركيبات التي أفرزها، والتي هي نفسها ما أفرزته الدراما، مضيفا: فهو لم يرصد حالة فنية فقط بل قام برصد حالة مجتمع بتغيراتها في منظومة القيم.
وذكر د. مصطفى سليم: الجملة التي تقول «أقر بأن ربة الملهاة تحتضر» معلقا: لقد شعرت عند قراءتها أنني سأبكي، مع أنها في الحقيقة سخرية، مشيرا إلى أن الكاتب يأخذنا إلى منطقة التهكم دون أن نشعر، وأن الكاتب تمرد على «الملهاة العاطفية» البعيدة عن الواقع بـ”الملهاة التهكمية”، فمن خلال المونولوج البسيط لربة الملهاة كشف لنا عن موقع “الملهاة التهكمية”، إذا ما تم مقارنتها بـ”الملهاة العاطفية”، وقد تم استعراض ذلك ببساطة وخفة ظل وجدية في الوقت نفسه.
الناقد باسم عادل تحدث عن أزمة العناوين في كتب الدكتور سيد الإمام، مشيرا إلى صعوبتها بالنسبة للقارئ العادي، وأنها أقرب إلى المتخصصين، متمنيا أن تصل كتب الإمام للجميع، خصوصا أنها ليست هندسية أو طبية، إنما تتبع العلوم الإنسانية، ومن حق الجميع أن يستقوا من هذه الثقافة الإنسانية. أشار باسم أيضا إلى ما أسماه «سنة التدافع» تطبيقا على المسرحية، مشيرا إلى أن التدافع يخلق نوعا من الصراع. أضاف: إن مشروع الدكتور سيد الإمام الذي يعمل عليه بإصداراته أو داخل قاعات الدرس مهموم دائما بفترة القرن الثامن عشر، وصعود الطبقة البرجوازية، فهو يدرس نظرية الدراما من خلال هذا التاريخ الدرامي، وينظر إلى الأمور نظرة شمولية، وبأكثر من فلسفة اجتماعية، وذلك من خلال التحليل وقراءة التاريخ وإسقاطاته على الواقع، فيما يخص الطبقة البرجوازية، وبداية عصر النهضة حيث تصل الطبقة البرجوازية إلى أوجها في منتصف القرن الثامن عشر، وفي غضون تلك الفترة يحدث ما يسمى بحركة التدافع، والصراع بين الطبقة الأرستقراطية والبرجوازية، التي تقوم بترسيخ قيمها، ومن الطبيعي أن يكون هناك منظرون يشيدون بها، مع ظهور مجموعة من القيم، تنتمي إلى الفلسفة النفعية واقتصادات السوق، التي تقوم بالدفاع عن أفكارها وقيمها في مقابل هدم الطبقة الأرستقراطية، وعلى ذلك تم استبدال الملهاة الدامعة بـ”الملهاة التهكمية”. تابع: تحولنا من فكرة تصدير الفضيلة إلى الاقتصاد الحر، فبدأ الفن يحكمه قضية العرض والطلب وأصبح الموضوع أقرب إلى السلعة، ارتباطا بالقيم التي بدأت في طرحها الطبقة البرجوازية.
وأوضح باسم أن فكرة التدافع تتضح في بداية النص (البلورة)؛ حيث هدم الأفكار ونقضها، وعمل إزاحة للأفكار التي تم نقضها، فهناك تهكم على شكل معين في الملهاة الدامعة باستخدام “الأكليشيهات” ما يجعل فكرة التدافع مستمرة، فهناك صراع بين الجيل الجديد والقديم وهناك مقاومة من الجيل الجديد، وهذا يتضح من خلال شخصيات العرض المسرحي “الأب والأم وجيل الأبناء”، فهناك صراع في منظومة القيم لدى الجيل القديم والجيل الجديد، الأب والأم لديهما أفكار مختلفة مرتبطة بالفروسية والطبقة، ينظرون إلى الزواج من زاوية المصلحة، في مقابل النظرة المختلفة من الأبناء، وذلك وفقا للمفارقات المطروحة.
ماهر حسن، رئيس القسم الثقافي بالمصري اليوم، قال: منذ فترة طويلة لم يعد هناك هذا النموذج المثقف الواعي المتفاعل مع القاعدة المجتمعية، الذي يمثله د. سيد الإمام، الذي يبني جسرا ثقافيا وتعليميا بين النخبة والشارع، وهذا ما يجب أن يكون، فلا ينبغي أن يقتصر علم النخبة ويكون حكرا عليهم من دون العامة، ولا بد من ترميم الجسور وخلق لغة خطاب مبسطة للوصول للقاعدة الجماهيرية، فاللغة هي أهم العناصر للوصول للهدف وتبسيط اللغة وعناوين الكتب الذي يرمم الجسور، مضيفا: هذا بالإضافة إلى أن الترجمة لا بد أن يكون بها روح المترجم وشخصيته، فهناك فرق بين الترجمة الحرفية وهدف الكاتب المنتمي لثقافته، الذي يتوافق مع الثقافة التي ينقل إليها.. تابع ماهر حسن: د. سيد الإمام مهموم بمصريته حتى أثناء ترجمة نصوص شديدة التخصص، فهو يقوم على ترميم تلك الجسور ودائما ما يختار قضايا مهمة نافعة لمجتمعنا وثقافتنا.

الترجمة ليس لها مقياس ثابت
د. سيد الإمام أعرب عن سعادته بحالة الجدل التي أثارها الكتاب، منوها بأن هذا دليل على الثراء الفكري الذي ساد المناقشة.
أشار د. الإمام إلى أنه أثناء اختيار هذا الشكل من الترجمة، فإنه يراعي الثقافة التي ينقل إليها ولهجتها، وكذلك الثقافة المترجم عنها ولهجتها، والهدف المُترجم من أجله، مستدركا: غير أن الترجمة ليس لها مقياس ثابت، وهنا يكون المقياس هو هدف المترجم، الهدف هو المحرك الأساسي للترجمة، وليس الترجمة الحرفية، لأن استيعاب المصطلح وبلورته إيجابيا داخل الثقافة المنقول إليها أهم من الترجمة الحرفية التي قد تُخل بالهدف.
أضاف: أوليفر سميث هدفه التهكم لا الهجاء، التهكم الإصلاحي لأنه كان صحفيا وكان يكتب صورة قلمية عن المجتمع فيها رصد للحانات وروادها، ولم يتحدث عن الطبقة البرجوازية العليا ولكن كان مهتما بأمر العمال (الطبقة البرجوازية الدنيا) ومن غير المعقول أن يهجو جمهوره. فهو كصحفي يحتاج زيادة تلك القاعدة، ولكنه كان يتهكم من السلوكيات بغرض الإصلاح، أما عن الهجاء فهو لغة عدائية تصل للسُباب وهي غير مستحبة في الحوار الذي يحمل هدفا بناء، فقضية التهكم تحمل الإزاحة والاستقطاب، أما الهجاء فهو إزاحة عدائية فقط.
سبب اختيار عنوان “صدمة الابتذال”
أوضح د. سيد الإمام أن هناك فرقا بين الملم باللغة الأدبية والملم باللغة الأدبية، والقالب المترجم منه وإليه، لذا فإنه يراعي المتلقي وثقافته، وفي ضوء هذا فإنه يظن أن اختيار العنوان كان موفقا، حيث إن ما قصده «أوليفر سمث» بانعكاس المرآة على مجتمعنا هو “المسكنة” في لهجتنا وثقافتنا العربية، مشيرا إلى أنه رغم اختلاف الثقافات فإن الإنسان هو الإنسان.
سد الفجوة هو الهدف الأساسي للمشروع
وذكر د. الإمام أن لديه جنونا بفكرة المرايات، وتطبيق المنقول في ضوء المرآة العربية والمصرية، لذا فإن سد الفجوة هو كل ما يشغله لإنجاز ذلك المشروع. أضاف: رغم المجهود المبذول في اختيار العنوان فإنه لا يُشغله منه إلا ربطه بالمضمون، مشيرا إلى أن الفضيلة الغائبة هي الوصول إلى “الجمهور” الذي لا بد من الوصول إليه عن طريقة دراسة تطور تركيبته الثقافية، ولا بد من جذبه لأنه الحكم الحقيقي. وفي هذا الصدد يكون مبدأ “العقلانية” الذي طالما تغنينا به وتغنى به الغرب من قبل. أشار إلى أن المفهوم تأسس في القرن الثالث عشر، وكانت تعني به أوروبا دمج القيم بالسوق وتسليعها، وفي المقابل ظهرت الفلسفة النفعية وهذه هي “صدمة الابتذال”، وقد أشار لهذا المفهوم د. صلاح قنصوه في نظرية “القيمة في الفكر المعاصر”.
وختم د. سيد الإمام الندوة بتأكيده على أنه سوف يظل يلاحق هذا الإطار النظري، متمنيا أن يُمارس قريبا، لأنه شتان بين التطبيق والنظرية.
أما عن بقية حلقات هذا المشروع، فقد أشار د. الإمام إلى عدد من الكتب التي في الطريق منها “انتحار طبقة”، “الفضيلة الغائبة”، “الميلودراما”، و”الرومانسية”.


رنا رأفت - شيماء ربيع