العدد 654 صدر بتاريخ 9مارس2020
على الرغم من تميز الإبداع الذي يتعرض لمشكلات المرأة في مجال الرواية والقصة القصيرة، وتعدده، فإن الأمر يختلف في المسرح، فلا تزال الكتابة عن المرأة فيه تعانى من السطحية في التناول، و في أغلب الأحيان يتم تناول قضايا المرأة بشكل هامشي لا يكشف بعمق عن مشكلاتها وتحدياتها، فإما أنها تناقش قضاياها من منظور ذكوري وإما يتم تناولها في ظل مناقشة قضايا أخرى. البعض يرجع فقر الكتابة عن المرأة لندرة كتابة المرأة ذاتها، وأن كل التراث العالمي هو تراث ذكوري. في هذه المساحة نحاول التعرف أكثر على هذا الموضوع .
قالت المخرجة عبير على: هناك عدد كبير من الكاتبات في الرواية والقصة القصيرة، يكتبن ما يعرف بأدب السيرة الذاتية، ولكن المشكلة فى المسرح تتمثل فى أننا نعمل على ميراث كتابة ذكورية، فالتراث المسرحى العالمي تراث ذكوري، وبالتالى نسبة قليلة من التجارب النسوية هي ما تمت ترجمتها فى المنطقة العربية، اضافت:
أغلب الذين يكتبون فى الكتابة الحديثة رجالا، و الكاتبات قليلات، وعندما يتصدين للكتابة المسرحية لا يكتبن عن قضايا المرأة.
تابعت: “ تجربة المسرح المجتمعي استطاعت أن تقدم عروضا مسرحية تناقش قضايا المرأة على الرغم من انتقاد البعض لهذا النوع من المسرح، لأنه يعتمد على المباشرة في مناقشة القضايا، إلا أنه استطاع أن يطرح عدة قضايا هامة تخص العنف ضد المرأة والتمييز، وهناك تجربة هامة وهو مشروع “نواة “ وهو ذات جودة فنية عالية .
الكاتبة صفاء البيلى اتفقت حول أن الكاتبات فى الرواية والقصة القصيرة عددهن أكبر مقارنة بالمسرح، مشيرة إلى ان الرواية أو القصة القصيرة بها مساحة سردية أكبر، فيما يعرف بأدب السيرة الذاتية، فنشعر عند قراءة القصة القصيرة أو الرواية بجزء به شخصية الكاتبة، والأمر مماثل عندما يقوم كاتب رجل بكتابة رواية عن المرأة، فنجده يكتب عن شخصيات فى حياته، مثل زوجته أو أخته أو غيرهما، أما بالنسبة للمسرح فالزمان والمكان محددان، لذلك تتكدس موضوعات كثيرة فى بقعة صغيرة.
وتابعت البيلي : أصبح ينظر لكتابات المرأة والأدب والمسرح النسوي على أنهم جزءا من كل، وذلك لوجود موضوعات أكثر شمولا، و قضايا إنسانية كبرى تدخل بينها قضايا المرأة وتصبح جزء لا يتجزأ منها.
وعن تجربتها التي ستقدمها قريبا على مسرح الغد قالت “ أنا بصدد تقديم عرض مسرحي بقاعة مسرح الغد، وهو عن المرأة و قضاياها منذ الميلاد وحتى والوفاة يشمل جميع القضايا الإنسانية العالقة بها، من الحب والانتماء والهوية ... ألخ
وعن الكتابات الخاصة بالمرأة والتي كتبها رجال
قالت: “ الكتاب الرجال يتناولون قضايا المرأة من وجهة نظرهم فقط، وعندما يتعرض الرجل والمرأة لقهر ما فإن كل منهما يرى أنه الأكثر تأثرا ومعاناة من الاخر، ولكنى أرى فى النهاية أنها جميعها حالات إنسانية، ومن عايشها يستطيع أن يكتب عنها، ودائما يتم التعامل مع قضايا المرأة فى المسرح على أنها قضايا هامشية تناقش فى ظل قضايا أخرى، وفى اعتقادى أن قضايا المرأة لا تخرج عن قضايا الرجل، لأننا عندما نناقش الحرية مثلا فنحن نعني حرية الرجل وحرية المرأة وكذلك حرية التعبير.
فيما قالت الكتابة رشا عبد المنعم: “ المسرح المعنى بقضايا المرأة فى مصر قليل للغاية وبصفتي مدير مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، ومن واقع تجربتى عندما طرحنا استمارات التقديم للمهرجان وتقدم لنا مجموعة من العروض، فى حاضنة نهاد صليحة وهى عروض معنية بالشباب الذين يقدمون هذا النوع من المسرح ،كان يغلب على بعض هذه العروض فكرة الخطاب، فهناك عدد من العروض التى تتصدى لقضايا المرأة، خطابها غير داعم للمرأة لأنها تتعامل بشكل سطحي ولأنها لازالت متأثرة بالأفكار القديمة المنحازة ضد المرأة، ولذلك كنا كإدارة مهرجان منشغلين بتمكين هذا النوع من العروض، وأن لا نكتفي بعمل مهرجان وآمنا بضرورة وجود حاضنة تحتضن المشاريع التي تقدم هذه النوعية . أضافت :
أتمنى أن تستمر هذه الحاضنة، كما أن أهمية المهرجان ترجع إلى أنه يطلعنا على جميع التجارب الهامة التي تحدث فى مجال مسرح المرأة فى العالم.
وتابعت عبد المنعم “ أغلب المهرجانات الخاصة بمسرح المرأة هي على المستوى المحلى وكان تركيزها على الإنتاج أكثر من الموضوعات المقدمة، بمعنى أنها تقام لصانعات عروض المرأة وليست للعروض التي تناقش قضايا ومشكلات المرأة بغض النظر عن صانعيها رجل أو إمراة، وفى مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة الأمر يختلف، فنحن نعمل على الخطاب الداعم للمرأة سواء كان من ينتجه رجلا أو إمراة، وإذا كان هناك عرض غير داعم أو خطاب ذكوري فلا نسمح له بالمشاركة، وبصفتي أيضا كاتبة أرى أنه لا تزال هناك مشكلة فى تمكين المبدعات وفى توثيق أعمالهم. للكاتب شعبان يوسف كتاب هام بعنوان “لماذا تموت المبدعات كمدا” تحدث في جزء منه عن المسرح وضرب مثالا بمجموعة من المبدعات ، وهو ناقد أدبي وليس مسرحي، هناك قصور شديد فى الجزء التاريخي الخاص بالمبدعات.
قضايا الإنسان
الفنانة سلوى محمد على قالت “لا أفضل الأساليب الموجهة والمباشرة في طرح قضايا المرأة، وذلك لأنها لا تخدمها إنما تسيء لها، فعندما نناقش مشكلات المرأة بتشنج فإننا نضر بقضيتها ، وسأضرب مثالا من السينما و هو فيلم “أريد حلا” الذي أسهم في تغيير قانون الأحوال الشخصية، لأنه ناقش علاقة المرأة بالرجل بشكل جيد، و حقق نجاحا كبيرا ، وقدمته الفنانة فاتن حمامة.
وأضافت : من الضروري عند تقديم عروض تناقش قضايا المرأة أن تقدم بفنية عالية، وهناك مثال مهم أشير إليه وهو عندما قدم أرستوفان “برلمان النساء” في كوميديا مختلفة، ناقش فيها مشكلة المرأة والحكم، فمن الضروري عدم طرح قضايا المرأة بشكل خطابي، نحن بحاجة لعروض مسرحية تناقش قضايا الإنسان بشكل عام سواء رجل أو إمراة وهو ما يحقق مبدأ المساواة
الرأي ذاته اتفقت معه المخرجة مروة رضوان وقالت إن قضايا الإنسان لا تتجزأ وإن فصل مشكلات وقضايا المرأة خارج الإطار العام للقضايا الإنسانية فى عرض مسرحي يجعل الأمر عنصريا، فقضايا الرجل والمرأة لا ينفصلان عن بعضهما البعض، من المهم عدم فصل قضايا المرأة عن القضايا المجتمعية والإنسانية بشكل عام، أضافت: “من الضروري عند طرح قضية خاصة بالمرأة أن يتم تناولها بشكل فنى مختلف وبمهارة فنية وإبداعية.
الراكور السينمائي
فيما قالت الكاتبة منال مغربي: رغم ما وصلنا إليه من تقدم ملحوظ فى الفن إلا أننا نواجه عجزا كبيرا في التعبير عن قضايا المرأة في المسرح، فبرغم وجود العديد من الكاتبات إلا أن الغالبية العظمى منهم يفضلن اللجوء لموضوعات أخرى غير قضايا المرأة، وما يتم تناوله يكون أشبه بالراكور السينمائي، فمنذ الخمسينيات وحتى اليوم لازالنا نناقش قضايا مثل الختان أو التحرر أو غيرها من الموضوعات التي تم تناولها لسنوات طويلة، وعلى الرغم من كل ما وصلنا إليه من قوانين وتغير فى أفكارنا فلم تحصل المرأة على مكانتها التي تستحقها.
أضافت: أتمنى رؤية عمل يطرح المرأة بشكل واقعي، ويوضح معاناتها الحقيقة التي تثبت أنها قوية، فدائما تقدم المرأة في الأعمال المسرحية بوصفها مقهورة على أمرها، وكل ما نحتاجه هو موضوعات تبرز فكرة أن المرأة كيان فعال.
د. دينا أمين أشارت إلى أنه دائما ما يكون تركيز الكتاب على الموضوعات السياسية ولذلك تعانى الكتابة للمسرح في العموم من عدم كشف المشاكل الاجتماعية والنفسية، وهو ما ينطبق على الصوت النسوي والكتابة عن المرأة، وللأسف الشديد هناك منظور محدد للغاية للكتابة عن المرأة يتمثل فى الحكى أو الموروثات الشعبية، وهو ما يمثل إهانة لإبداع المرأة. وأضافت: وفى رأيي الخاص إن المشكلات الخاصة فى الكتابة عن المرأة تعكس مشكلة كتابة المسرح فى مصر بشكل عام.
*قضايا المرأة من منظور محايد
المخرج محمد الطايع قدم عدة تجارب تناقش قضايا المرأة ومنها عرض “ نساء شكسبير” ، “ كعب عالى “ ، “تمرد” وقد قال الطايع “ هناك العديد من الكاتبات اللواتي يكتبن عن قضايا المرأة وأيضا كتاب رجال منهم سامح عثمان وعز درويش وغيرهما، ومن واقع تجربتى فقد قدمت العديد من العروض المسرحية التي ناقشت قضايا المرأة واعتمدت فى هذه التجارب على طرح صور واقعية ، على سبيل المثال تجربة عرض “كلام فى سرى “ تأليف عز درويش، وقد قمنا كفريق عمل بعقد عدة جلسات مع أبطال العمل وكنا دائما نتناقش فى مشكلات وقضايا وهموم المرأة بكافة أشكالها، وكان الناتج هو منتج فني يحمل وجهة نظر أنثوية، ولكن كتبه رجل، وكذلك الأمر فى عرض “كعب عالى” الذى ناقش موضوعات هامة تخص حرية المرأة وقضاياها المعاصرة ، فدائما أحرص على عرض قضايا المرأة بوجهة نظر محايدة، بعيدا عن النزعة الذكورية، كما قدمت عام 1999 عرض “كارو” الذى ناقش علاقة آدم وحواء، وكنت أحاول من خلاله كسر مقولة أن حواء هى من تسببت فى طرد آدم من الجنة.