جسر إلى الأبد ومقاومة الأكاذيب

جسر إلى الأبد   ومقاومة الأكاذيب

العدد 807 صدر بتاريخ 13فبراير2023

 يقال أنك لو أردت أن يصدق الناس كذبتك، لابد وأن تصدقها أنت أولا. بالضبط هى الفكرة التى دارت حولها مسرحية»جسر إلى الأبد، لغسان كنفانى» وهى المسرحية الثانية من مشروعه المسرحى مع»مسرحية الباب، والتى سبق وأن قدمنا عنها عرضا فى مجلة مسرحنا، والمسرحية بين أيدينا اليوم، ومسرحية القبعة والنبي».
فى المسرحية وقع»فارس” ضحية الكذبة التى كذبها على نفسه، توّهمها وجسدها فى شبح يدق بابه كل ليلة ويعده بموعد موته بعد أسبوعين. كذب الكذبة وصدّقها حتى أقنع بها»رجاء» التى حاول الانتحار تحت عجلات سيارتها لكنه لم يمت.
رجاء أيضا، لكن فى البداية فقط، صدّقت كذبته لكنها أفاقت وسعت وراء الحقيقة التى نقضت بها الكذبة وهدمتها من أساسها، ولم تستسلم.

رمزية مقاومة الأكاذيب.
بما أن المسرحية لغسان كنفانى فلن تخرج عن مشروعة للمقاومة، الرجل الذى ظل يقاوم حتى آخر رمق، حتى أستشهد. ربما تكون الكذبة فى مسرحية»جسر للأبد» هى إسقاط على ما حاول الكيان الصهيوني إقناع العالم بصحته وهو خير من يعلم بأنها كذبة، كذبة أن فلسطين وطنهم وأرضهم الموعودة. ورغم أن العالم بأسره يعرف أنهم مجرد عصابات أبادت أصحاب الأرض وأستولت على الوطن بالسلاح والمجازر، إلا أن الكثيرين صدّقوهم ربما لانهم، العصابات الصهيونية، أنفسهم صدّقوا ما رووجوا له من أكاذيب.
ربما أيضا هى أسقاط على الكذب الأكثر خسة عندما أدعوا أن اصحاب الأرض هم من باعوا أراضيهم، بملأ ارادتهم. لكن مهما طال الزمان فلن تطمس الحقيقة أو تنسى فكل يوم يولد مَن يشبه»رجاء” بطلة المسرحية، تصعق فى البداية بالاكاذيب لكنها لن تمل ولن تتوانى عن البحث عن الحقيقة وتجدها وفى هذا البحث بحد ذاته أسمى مقاومة، وتستقضي على الشبح.
 تدور أحداث المسرحية حول فارس الشاب الذى مات أبوه ومرضت أمه من كثرة الحزن عليه. تحوّل حالهم إلى الفقر فكان لزاما على الشاب السعى إلى مصدر رزق بعد تخرجه من الجامعة. لا يجد إلا عملا خارج البلاد، وهو الامر الذى عارضته الام تماما. لكنه قرر السفر دون علمها.
خرج يوم السفر صباحا، وخرجت الام لقضاء بعض احتياجات البيت. طوال شهرين لم يعلم فارس أى شيء عنها، ولما عاد لم يجدها، انهكه البحث عنها حتى تواطئت أفكاره مع حزنه عليها ليجسدا له شبحاً يقنعه أنه هو مًن قتلها.  
يقنعه الشبح أيضا بأنه سيموت بعد اسبوعين. لا يحتمل الانتظار فيحاول الانتحار. وكان الموت تحت عجلات سيارة»رجاء” هو الوسيلة.
بالمسرحية رمزية أخرى مهمة. الخاصة بوهم»رجاء» فرجاء تعيش فى مجتمع كاذب أو حتى منافق خاصة فيما يتعلق بالمشاعر الإنسانية. وجسدّها كنفانى عندما صوّر مشاهد عدم إقتناع أي شخص ممن حولها بما تحكيه سواء أصدقاء أو مُعلمون أو صديقات مقربات أو حتى الأب. وكان حري بهم حتى الافتراض بأنهم يصدقوها ويتأكدوا من الوقائع، لكن كان الاسهل بالنسبة لهم طردها خارج دوائرهم الاجتماعية كلاُ بطريقته، من طمع ومًن استهزاء، ومًن نعتها بالجنون أو الوهم أو الارهاق حتى الطبيب والاب الذى لم يفكر بالذهب معها للتأكد مما تقول على افتراض أن شيء حتى لو من باب المعجزة حدث معها.
ضربت شاب بسيارتها لم يمت، فقط جرح وألتأم جرحه فى دقيقة، وليؤكد لها أكثر جرح يده بمراءة مكسورة وجعلها تشاهد كيف يلتأم مزق الجرح فى التو. وهكذا صدّقته. ولما صدّقته عرفت كيف تبحث عن الحقيقة.
هى من أخرجته من الكذبة التى تواطئت أفكاره وحزنه وأقنعته بها. هو لم يقتل أمه ويعاقب بهذه الطريقة كما اقنعه الشبح. أمه ماتت قبل أن يسافر ولم تمت حزينة عليه أو شريدة. وما كشف زيف المؤامرة إلا هى رجاء التى صدّقته وأحبته. 


سماح ممدوح حسن