ثلاثية ليمان

ثلاثية ليمان

العدد 812 صدر بتاريخ 20مارس2023

هكذا إسرائيل. ترتكب جرائمها الوحشية ضد الشعب الفلسطينى وتقتل أبناءه كما حدث فى حوارة وغيرها. وبعد ذلك تبدأ فى استدرار التعاطف والحديث عما يلاقيه اليهود “المساكين” من اساءات واعتداءات تحت المسمى المضلل “العداء للسامية”.
وطبيعى أن يكون المسرح إلى يتفاعل فيه الجمهور مع الممثلين فى مقدمة الادوات التى تستخدمها اسرائيل لتحقيق هذا الهدف باعتباره فنا من فنون التفاعل مع الجماهير من خلال التفاعل بين الممثلين والجمهور.   
سبق أن ذكرنا مثالا أو أكثر من عالم المسرح. واليوم نلتقى مع مثال جديد يتم عن طريق الاعلام الغربى الخاضع للنفوذ اليهودى. صاحبه هو الكاتب اليهودى ديفيز ريتش وهو كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية خبير فى الاتجاهات اليسارية المعادية للسامية وحاصل على الدكتوراه فى هذا الموضوع أو الأكذوبة بمعنى اصح.
فتحت الجارديان صفحاتها لهذا الكاتب للحديث عن ظاهرة العداء لليهود فى المسرح وكيف تنامت فى السنوات الأخيرة!!!.

ثلاثية ليمان
كان محور الحديث هو مسرحية “ثلاثية ليمان” التى بدا عرضها على احد مسارح لندن بعد جولة فى عدة مدن بريطانية مما اعتبره ريتش بمثابة عودة العداء للسامية إلى مسارح لندن.
فى البداية يعنرف ديفييز – وحتى يلبس أكاذيبه ثوب الموضوعية – بأنها مسرحية جيدة من الناحية الدرامية وحققت فى جولاتها نجاحا كبيرا. واشاد بها النقاد وحققت العلامة الكاملة فى كتابات نقدية عديدة.  كما فازت بعدة جوائز منها عدد من جوائز تونى المسرحية المرموقة فى الولايات المتحدة ولورانس أوليفيه فى بريطانيا..
لكن ذلك لا يمنع من الحديث عن مشاكل جوهرية فيها.  فهى تعزف على نفس الوتر الذى تعزف عليه الاعمال الفنية المعادية للسامية وهو الربط بين اليهود والمال – كانت اسرة ليمان من غلاة اليهود - وتصويرهم على انهم يسعون للحصول عليه باى ثمن ودون مراعاة اى اعتبارات انسانية أو أخلاقية. وقد  اختار المؤلف أسرة يهودية بالذات كما فعل غيره.  وهذا ما حدث مع شخصية “شايلوك” فى تاجر البندقية لشكسبير و”فاجين” فى قصة “أوليفر تويست“ لتشارلز ديكنز.

ليمان
تدور المسرحية حول بنك “ليمان برازرز” الذى تطور من مجرد متجر لبيع الاقمشة فى ولاية الاباما الامريكية انشأه ثلاثة اشقاء يهود هاجروا من المانيا إلى العالم الجديد  ليصبح من البنوك الرئيسة فى العالم قبل ان ينهار فى 2008 مع الازمة الاقتصادية العالمية. وتعتبر المسرحية ما حدث نتيجة لغياب الرقابة الكافية على البنوك .
والمؤسف كما يرى ريتش أن هذا العمل يعبر عن عداء عميق للسامية بذكاء. فهو يبدو فى الظاهر كمجرد عمل ينتقد سلبيات النظام الرأسمالى وما أدت إليه. لكن العرض لم يكتف  بالنغمة التقليدية التى تربط اليهود بالمال والسياسة دون مراعاة لأى اعتبار أخر، بل غاص بشكل أكثر عمقا فى اعماق الفكر الغربى ليدعم هذه الفكرة. وهذه النقطة تجاهلها كما يقول ريتش كل من كتب ومثل واخرج أو انتج هذه المسرحية وحتى النقاد الذن علقوا عليها.

لا يتهم ...ولكن
ويعود فيقول أنه لا يتهم أحدا من المشاركين فى الفيلم على الاطلاق بالعداء للسامية، لكن المسرحية جاءت كذلك “للأسف“. فهى  يعتبر اليهود  يتميزون بالطمع ويلجأون إلى الخداع ليسقط عدد كبير من الضحايا بعد أن يفقدوا بيوتهم وأموالهم. ويحرص العرض على إظهار الطابع اليهودى للاسرة مثل اصرار الممثل الذى جسد شخصية هنرى ليمان على الاشارة اكثر من مرة إلى انه “يهودى مختون”. وهناك عبارة باروخ هاشيم العبرية التى تترجم إلى العربية “بركة الرب” التى حرص أكثر من ممثل على ترديدها خلال المسرحية. وكانوا ايضا يرددون عبارات تلمودية إلى أخر المظاهر اليهودية التى حرص العرض على إبرازها إلى درجة استخدام الاسماء العبرية لشهور السنة وإبراز حرص الاباء على تعليم أبنائهم اللغة العبرية دون أن يكون لذلك علاقة بحركة النص.
وهناك تأكيد ماير ليمان على أنه مليونير يهودى وتأكيد شقيقه مانويل على انه من اغنى يهود نيويورك.
وحرص النص على التأكيد على ان اسرة ليمان مجرد مثال فكان معظم زملاء البطل فى المدرسة من اسر يهودية أنشأت بنوكا عالمية شهيرة فيما بعد. 
ويعبر ريتش عن ذلك قائلا أن المسرحية لا تدور حول بنوك انشأها يهود بل يهود انشأوا بنوكا يعشقون المال ومستعدون للحصول عليه من اى طريق وكأنهم وحدهم فى هذا العشق.

حريق القطن
كما تظهر المسرحي اليهود وكانهم لا يهتمون إلا بأنفسهم.كان ذلك فى مشهد احتراق حقول القطن –المحصول الرئيسى فى الاباما- عام 1853 عندما اصر مانويل على المضى قدما فى الاحتفال بعيد الهانوكا اليهودى فى متجره فى مونتجومرى عاصمة الولاية قائلا ..المهم ان اسرة ليمان لم تتأثر . وقال انها يمكن ان تستغل الكارثة فى تحقيق ارباح من خلال القيام بدور الوسيط بين المنتج والمستهلك وتقديم قروض بفائدة مرتفعة للمتضررين . وكان ذلك بداية تأسيس البنك 
وبعد حديث طويل وممل يقول ريتش أن آل ليمان لم يكونوا أول من قام بذلك بل سبقهم كثيرون من غير اليهود ..فلماذا ينتقد اليهود دون سواهم.  وما  بال هذه الصور النمطية تقصر هذه المفردات المسيئة على اليهود وتصنفهم كطفيليات اقتصادية يحققون ارباحا طائلة   من انشطة غير انتاجية لا تفيد البلاد التى يعيشون فيها. ولماذا يصورهم العمل كافراد لا يؤمنون بقيم المجتمع المسيحي مثل الحب والرحمة. ويقول ان مثل هذه الاعمال الفنية والادبية تسيئ إلى اليهود حتى ان استطلع رأى اجرته صحيفة جويش كرونيكل اظهر ان 34 % من الشباب البريطانى يعتقدون ان اليهود يمارسون سيطرة غير صحية على الجهاز المصرفى فى العالم. وهذا امر طبييعى بسبب اصرار هذه الاعمال على تصوير العلاقة بين اليهود والمال بشكل سئ .
ويعود فيلتمس العذر للمسرحية لان هناك من اليهود من تحدثوا عن ذلك مثل اليهودى كارل ماركس الذى كتب مقالا عام 1844  يقول فيه أن أوراق النقد صارت الإله الحقيقى الذى يسجد له اليهود. ومن المفارقات أن هذا العام هو نفسه الذى هاجر فيه الاخوة ليمان إلى الولايات المتحدة وهو المشهد الذى تبدأ به المسرحية.

نهاية
وتنتهى المسرحية بإفلاس بنك ليمان عام 2008 بعد أكثر من 150 سنة من تأسيسه فيتجمع أفراد الأسرة الثلاثة  ويؤدون صلاة الجنازة اليهودية المعروفة باسم الكاديش. 
وهو رغم ذلك لا يدعو إلى وقف هذه العروض أو توجيه اللوم للمشاركين فيها لانهم يتعاملون فقط مع قناعات مستقرة فى العالم. هنا يكيفر يتش  التعليق عليها وترك القرار النهائى فى ايدى المؤلف والمنتجى والمشاهدين. يجدها فقط  فرصة لإظهار التحيز الذى يتم التعامل به مع اليهود فى الأعمال الفنية. ويجب على مسئولى مثل هذه الأعمال الإشارة إلى انها تحوى مشاهد غير لائقة تسيئ إلى اليهود(هكذا يقول المعلق اليهودى ).

تحول
بقى أن نعرف أن المسرحية من تأليف الكاتب الايطالى ستيفانو ماسينى (47 سنة ) وهو غير يهودى.  وهى تصور  – بأسلوب كوميدى أحيانا - تحول الأشقاء الثلاثة من اسرة ليمان من يهود متدينين إلى يهود علمانيين وكيف تصاعدت اطماعهم المالية وخرجت عن السيطرة.
وقد عرضت المسرحية لاول مرة بالايطالية فى ايطاليا عام 2013 ثم عرضت بعدها فى عدة دول بعدة لغات فى مقدمتها الولايات المتحدة. وترجمت إلى 24 لغة.
 وفى كل عروضها كانت المسرحية ذات الفصول الثلاثة   تتبنى رؤية إخراجية واحدة  مبتكرة تم اتباعها فى كل العروض.  تعتمد على ان يجسد ممثل واحد كل شخصية من الشخصيات الثلاث من ابناء اسرة ليمان الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة   ويجسد نفس الممثل شخصية  ابن نفس الشخص وحفيده حتى نصل إلى مشهد النهاية. 
وفازت المسرحية بعدد من جوائز تونى الامريكية ولورانس أوليفييه البريطانية. وأعد لها المعالجة المسرحية البريطانية الكاتب المسرحى بن باور وأخرجها سام منديز. وكانت المعالجة المسرحية ضرورية لهذا النص المسرحى الذى تدور احداثه على مدار 169 عاما حتى يتم اختصاره إلى 3 فصول تحتاج نحو 3 ساعات بينما يحتاج النص الاصلى نحو خمس ساعات.
ورغم الانتقادات التى كالها المعلق اليهودى للمسرحية ، نجد معلقين غير يهود انتقدوها لأنها تغاضت عن دور اسرة ليمان فى تجارة العبيد وما حققته من ارباح من وراء هذه التجارة غير المشروعة.


ترجمة هشام عبد الرءوف