العدد 844 صدر بتاريخ 30أكتوبر2023
لأن التحليل الفينومينولوجي لا يعالج قراءة العلامات كعملية ترجمة بسيطة، فمن المرجح أن نسمح لحقيقة أن المعنى يوجد في حضور الأجسام والعناصر الدرامية في ذاتها . انه يسعى إلى جذب الانتباه إلى هذا الحضور من خلال وصف تأثير هذا الحضور على المتلقي بشكل مثير للذكريات قدر الإمكان . فمثلا يكتب بانيل كامب عن الفينومينولوجيا عند برت أوستاتس : “ يوجد معيار الكتابة الفينومينولوجية، علاوة على دليل جدارتها في الكتابات التي تعطل التوقعات، كتابة بأسلوب شاعري .فالكتابة الفينومينولوجية الشاعرية مثل كتابة ستاتس يمكنها أن تمر بدون المشاركة بعمق في النظرية الفينومينولوجية بالمعنى الفلسفي الصارم . فكتابه “ توقعات كبيرة في غرف صغيرة “ (1985) هو مثال لهذا . وهو كتاب فينومينولوجي في أنه وصفي بشكل تعبيري ومختص بموضوع المسرح نفسه, ولكن ليس بمعنى الانغماس في نظريات الإدراك والمعرفة المتجسدين، كما تفعل الكتابات الفينومينولوجيا اللاحقة . ورغم ذلك، يمكن وصف تناول ستاتس بأنه رد فعل لهيمنة التحليل السيميوطيقي، وعدم دمويته، وتأكيد ملائم على صفة التجربة المسرحية الزائلة . ويمكن أن نجادل أيضا بأن صيغ التحليل المستخدمة في علم المسرح في حاجة إلى أن تعكس إيهامية التجربة المسرحية لكي تكون قابلة للتصديق .
ورغم ذلك، تستطيع الفينومينولوجيا أن تصنع المزيد لعلم المسرح . فبدلا من محاولة اعادة ابتكار التجربة، يمكنها أن تدرس بنيات التجربة، أي، كيف تُصنع التجربة أو كيف تظهر . وكتاب ستانتون جارنر “ المساحات الجسدية Bodied Spaces “ يفعل ذلك بنجاح كبير، وينغمس بعمق في الفينومينولوجيا الفلسفية، ولاسيما فينومينولوجيا ادموند هوسرل وموريس ميرلوبونتي . ويركز جارنر وجينز روزيت أيضا، وهو مؤلف كتاب “فينومينولوجيا المسارح Phenomenologie des Theaters“ على العمليات الجسدية للإدراك وبالتالي يهدف إلى اجابة أسئلة أساسية عن كيفية فهم الأشياء التي تحدث على خشبة المسرح, ولماذا تمارس عملية الفهم هذه كفعالية ممتعة أو ذات مغزى . وسوف نراجع العديد من أفكارهما فيما بعد في هذه الأطروحة .
ورغم ذلك، لم يناقش ستاتس ولا جارنر الفراغات المادية لمباني المسارح بتفصيل كبير . فقد استبعد ذلك منهج جارنر الأساسي، الذي اتخذ من النص الدرامي للمسرحية نقطة انطلاق له، بحيث أنه عندما يقدم تحليلا فينومينولوجي للبنية المكانية، فانها تكوّن بنية العالم الأوسع لنص بعينه . وهذا يعني وهذا يعني أن الوصف الوحيد والموسع والفينومينولوجي بحق هو ما جاء في نص ماكس هيرمان “ التجربة المسرحية للفراغ «The Theatrical Experience of Space عام 1931 . ورغم أنه لم يصفه بأنه فينومينولوجيا، فانه يظل أحد أبرز التحليلات الفينومينولوجية في الفراغ المسرحي .
فينومينولوجيا فراغ المسرح عند ماكس هيرمان
الملخص الأكثر ايجازا لنص هيرمان وتقويمه لأهميته الدائمة هو ملخص كريستوفر بالم، الذي كتب يقول :
قدم هيرمان ثلاث ملاحظات وفروق مترابطة أصبحت حاسمة لفهمنا لديناميات المسرح المكانية . الأولى هي أن الفــراغ المسرحي يأتي إلى الوجود من خلال فعل الحركة الانسانية.
الثانية هي أن الفراغ المسرحي هو نتيجة تحول جمالي :
الفـراغ المادي لخشبـة المسـرح لن يتطابق مع الفـراغ الـذي يؤدي عليـه الممثلون . والثالثة هي أن التحـول من مجالنــا (المجال المادي والفعلي) إلى المجال الجمالى أو الاصطناعي يمكن وصفه في إطار تجريبي فقط .
التناول الموصوف هنا هو بالممارسة تناول فينومينولوجي وان لم يسمى كذلك، لأن هيرمان يركز على البنيات الإدراكية الكامنة التي تجعل التحولات المكانية لخشبة المسرح ممكنة، بدلا من تفسير نتائج مثل هذه التحولات . فالفراغات التي تصفها ليست جزءا من فراغ موضوعي مطلق ؛ أي أنه لا يمكن تفسيرها دون أن نأخذ في اعتبارنا التجارب المنفصلة المعاشة للمؤدين والمتفرجين بشكل منفصل . ويفعل هيرمان ذلك في نصه، علاوة على إعادة تتبع التخيل المكاني للكاتب المسرحي باعتباره مصمم التحول المكاني الذي سوف يتم تنفيذه .
ومع ذلك، فان أهم شيء والأكثر جذرية في رؤية هيرمان هو أن أساس أو أصل التحول الجمالى لخشبة المسرح لا يكمن في فراغ المسرح نفسه ولا في النص الدرامي ولكن في المساحة المشتركة لخشبة المسرح والقاعة، أو على التحديد ما يحدث في خشبة المسرح المشتركة هذه . وبالتالي يميز قابلية تحول فراغ خشبة المسرح لكي يصبح موضوعا لعلم النفس : أنه شيء يحدث بين المؤدين والمشاهدين, مع الكاتب المسرحي (أو المخرج ) كنوع من المساعد أو الساحر . وبتحليل كيفية مساعدة الحضور والجهد الإدراكي للمتفرجين فضلا عن أنه يزعج عملية تحول الفراغ المادي إلى فراغ خيالي، ومجازي، يصل هيرمان إلى نتيجة مفادها، كما توضح فيشر ليشت، أنه أدائي بشكل مؤثر : يأتي الإيهام إلى الوجود من خلال الناس الذين يعيشونه ويصدقونه “ .
يفضي إلى التجربة المكانية للمؤدي وكل مساعيه هي المشاهد أيضا، على الرغم من أننا نفترض وجود الحائط الرابع المفقود في المساحة الداخلية، ويجب أن استبداله بحضور العديد مـن الأشخاص إنشاء الإيهام المحتمل : فالممثل لا يكاد يرى هؤلاء الناس بل يشعـر بهم فقـط، وهذا الشعـور هو مصدر حيـوي للطاقة من أجل فنه بقدر ما هو مصدر حيوي للتحول المكاني الذي يؤثر عليه .
يتعلق الجزء الثاني المهم في نص هيرمان بموقف الشخصية الدرامية داخل العالم المكاني للمسرحية كما يتم تمثيله على خشبة المسرح . مبدئيا، يتحول وصف كيفية ارتباط الشخصيات بالظرف الاجتماعية الاقتصادية وتأثرها بهما ( التي تؤثر بطريقة حقيقية على بيئتهم المكانية المحيطة ) إلى تقويم فلسفي لتأثير مختلف أنواع الفراغ على الناس عموما وعلى الممثلين خصوصا :
يعتمد كل أنسان، في عالمه الداخلي، على المساحة التي يجد نفسه فيها : تختلف طريقتنا في المشي والإيماء والكلام في الأماكـن الخارجيـة العامـة عما هي عليه في الأماكن المغلقة، وتعتمد أيضا بشكل أكبر على الخصائص المحددة لهذه الأماكن المفتوحة أو المغلقة . ويترتب على ذلك في فن الممثل أنه يجب أن تكون المساحـة التي تجـد فيها الشخصية نفسها في لحظة معينة متضمنة بالفعــل في حركات وطريقة كلام الممثل .
عمارة المسرح والممارسة الاجتماعية التاريخية
ما يفعله هيرمان في هذا الجزء هو أن يبدأ أولا بتنظير العلاقة بين الفضاء والفعالية الاجتماعية . فكل من الشخصية الدرامية والممثل المؤدي يعملان داخل مساحة اجتماعية معينة . وتنتج أفعالهما وتتشكل في نفس الوقت من خلال هذا الفراغ . الفراغ في هذا التصور، يتم تأمله باعتباره مجال القوى التي يوضع فيها الفرد، والتي تملي عليه حركاته واختياراته أو على الأقل تؤثر فيهما . وكما يتضح من كتابات هيرمان، فانه يعتبر الممثلين قادرين على احياء الآثار المكانية لمواقف معينة – مثل طريقة الكلام المعينة أو المشي في المناظر الطبيعية المفتوحة مثلما يفعلون ذلك في غرف مغلقة في المقابل - والقدرة على إعادة ابتكار هذه المواقف على خشبة المسرح . وبالتالي يطلب منهم أن يكونوا مستقلين عن الفراغ، أو مسيطرين عليه، بطريقة تختلف عن غير الممثلين . اذ يبدو وكأنهم يعتمدون على الفراغ طوال حياتهم .
وقد تطور مفهوم الفراغ كمجال القوى الناتجة اجتماعيا، الذي صاغه هنري لوفيفر في كتابه “إنتاج الفراغ The Production of space “، لكي يصبح أحد أهم الخطابات المكانية المؤثرة والسائدة اليوم . وفهم لوفيفر للفراغ هو أنه يستخدم أولا بطرق معينة وأنه من خلال هذا الاستخدام يكتسب هوية كفراغ معين . ويسمي استخدام الفراغ “ الممارسة المكانية spatial practice”، التي تتيح لنا أن نقول أن تلك الممارسة المكانية تنتج الفراغ . فالنوم في غرفة، مثلا، هو ممارسة مكانية تنتج فراغ غرفة النوم . ويقول لوفيفر :
تخفي الممارسة الاجتماعية المكانية فضاء ذلك المجتمع ؛ وتطرحه وتفترضه مسبقا في تفاعل ديالكتيكي، وتنتجه ببطء وفي ثبات, لأنها تسيطر عليه وتستولي عليه، ومن وجهة النظر التحليلية، يتم الكشف عن الممارسة المكانية للمجتمع من خلال حل رموز فضائه .
ولأغراض التحليل المعماري، فان هذا يعني أن تُفهم المباني على أنها قادرة على توضيح تفاصيل الممارسات المكانية للمجتمع الذي بناها، علاوة على أن المجتمع هو الذي يستمر في استخدامها . ولذلك لا يتم بناؤها فقط بواسطة المعماريين الأفراد, ولكن يتم انتاجها من خلال المجتمع بأكمله، أو المجتمع الذي يشكل المعماري جزءا منه .
بسبب هذا التأكيد المتزايد على النشاط الجماعي والممارسة المجتمعية، يصبح الموقف النفسي للفرد – وهو بؤرة التركيز في نص هيرمان – مستوعب في تحليل الأنماط الاجتماعية الأوسع . ورغم ذلك، فان ميزة مفهوم الفراغ الناتج اجتماعيا هي أنه يمكن المنظرين من توضيح العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المشاركة في تكوين مباني المسرح وفضاءات الأداء واستخدامها المستمر . ويستخدم ديفيد ويلز مثلا اطار لوفيفر لتحليل أشكال وهندسة خشبات المسرح التاريخية وفضاء القاعات ويكتشف آثار الأداء الماضي والحالي وممارسات المشاهدة . والمثال على كيف تعكس الفضاءات المعمارية البنيات الاجتماعية والتسلسلات خلال تخطيطها وتصميمها هو كيفية تنظيم تدفق وسلوك الناس . فمثلا بعض مسارح الحي الغربي من العصر الفيكتوري لا يزال بها مداخل منفصلة للأروقة العليا، والتي كانت وظيفتها الأصلية لأبعاد أولئك الذين يمكنهم شراء المقاعد الرخيصة عن البهو الرئيسي وبعيدا عن الطبقات العليا وتأنقهم . فالشعور بالمرور خلال هذه الممرات المتعرجة للوصول إلى أطراف المسرح، وقدرة المعماري على توجيه وفرض الأعراف الاجتماعية مسألة واضحة اليوم رغم ذلك .
وفي تصنيف ماكولي للوظيفة المكانية يتضمن التصنيف الرئيسي “ الواقع الاجتماعي The social Reality” الأماكن المادية للأداء كما توجد في الفضاء الأوسع للمجتمع . وهذا أيضا ليس أيضا سوى كيفية تعريفه اجتماعيا . ولكي نفهم كيف تظهر الفضاءات في الإدراك الفردي، فمن الحيوي أن نأخذ في اعتبارنا المفهوم الاجتماعي الثقافي وممارساته التي تنتج هذه الفضاءات .
دوائر ضيقة صاخبة مقابل خطوط الرؤية المثالية : الدراسات العملية لعمارة المسرح
يغطي الجزء الأخير الأدبيات التي سوف تناقش مساحات مباني المسارح المدية كما يصفها أولئك الذين يعملون فيها أو مسئولين عن تصميمها بشكل ما : المعماريين والمستشارين والفنانين الذين يعملون فيها . وبشكل أسلوبي، فان هذه رحلة داخل طريقة مختلفة في الكتابة والتفكير: أقل أكاديمية، وأكثر عملية، وبشكل عاطفي أن لم تكن مقنعة دائما، وذات نتائج ملموسة . تشكل مشهد المسرح بطريقة حقيقية فعلا . لقد جاءت مباني المسرح فعلا إلى الوجود نتيجة كثير من هذه النصوص، والتي هي غالبا توثيق لعملية تصميم مبنى بعينه وعندئذ تؤثر في المزيد من المشروعات . ووصف هؤلاء الممارسين مفيد لأن لديهم غالبا فهما عمليا للكيفية التي تؤثر من خلالها البنيات والعناصر المعمارية في المشاهدين والمؤدين في تجربة مباشرو ومعاشة . ولأنهم يريدون بناء مسارح جيدة، فانهم يهتمون بكيفية تأثير مختلف أجزاء المبنى على التجربة المسرحية، بطريقة يمكن ألا يفهمها علماء المسرح .
انهم يشاركون، عموما، في مباني المسرح بمعنى مادي وتقني، ويسألون كيف تؤدي المسارح تقنيا، وما هي وظيفتها التاريخية وسمعتها وكيف يؤثر هذا في علاقتهم بالمشاهدين اليوم، وكيف يمكن إصلاحها، وما هي السوابق التاريخية الموجودة في المسارح المثالية من حيث النسب المعمارية ومواد وعناصر التصميم. ويبدو أن السؤال الأساسي هو : كيف يجب أن تُبنى المسارح على أفضل وجه لتلبية احتياجات المتخصصين والمشاهدين ؟ وأضم الخط الأدبي هذا بسبب قربه من تجربة المتخصصين والمشاهدين لمباني مسارحهم، وقدرتها على التقاط الكيفية التي يتحدث بها الممثلون والمخرجون عن الفضاءات والمباني التي يعملون فيها . ولأن مناقشاتهم تركز على الأشكال المكانية الأخرى التي يشغلها المسرح، وعن مزايا ومشكلات هذه الأشكال المختلفة أو الأنواع المختلفة من المسارح، وهو عرض جانبي في هذا الجزء، فانها تجميع للملخص الأساسي لمختلف أنواع أشكال خشبة المسرح، وتغطي مساحات قوس خشبة المسرح ( مقدمة خشبة المسرح ) من مختلف الأشكال، علاوة على مجموعة متنوعة من أنواع تداخل خشبات المسرح مع القاعة .
فمن هؤلاء الناس، هؤلاء المعماريين والمستشارين؟ . وكانت نقطة البداية المهمة في هذه الدراسة هي كتاب ايان ماكنتوش “العمارة والممثل والجمهور Architecture, Actor, and Audience “، الذي يدافع فيه عن المنهج الذي يتمحور حول الإنسان في عمارة المسرح . والكتاب، المكتوب من منظور معماري ممارس ومستشار لديه خلفية في الانتاج المسرحي، يؤكد على أهمية بعض الخصائص المعمارية مثل الهندسة والمقاييس والأبعاد العمودية والحجم والكثافة لخلق تجارب مسرحية حميمية . ويوضح كيف صارع المعماريون بداية من فيتروفيوس Vitruvius وصولا إلى اروين بسكاتور مع مهمة بناء المسارح التي تساعد في عملية مشاركة المشاهدين وتقدم تجربة جاعية وحميمية وذات معنى . ويوجد هنا ارتباط بالتجسيد ( رغم عدم اقراره)، وبالعمارة التي يتم تفعيلها من خلال الجسم . ويقترح ماكنتوش أنه يجب أن يتعلم المعماريون من سوابقهم التاريخية، وينظرون إلى المسارح لعاملة ونمذجة تصميماتهم الجديدة عليها . وكمعماري مسرحي، فقد طور أسلوبا شخصيا قويا، يرقى تقريبا إلى “ مدرسة للقيم “ في المجال . وهذه المدرسة غير الرسمية، التي اعتمدت على تراث تايرون جوتري على سبيل المثال وتضم أيضا فرانسيس ريد ومايكل هولدن، قدسيطرت على العمارة المسرحية في بريطانيا خلال النصف الثاني من العشرين والآن يقوم بتنفيذها جيل جديد من مؤسسات الاستشارات المسرحية مثل ثياتر بروجيكتس وشاركول بلو .
ويمكن تلخيص المبادئ أو القيم الأساسية لهذه المدرسة كالتالي : يجب أن يقدم المسرح تجربة مشاركة في مساحة واحدة بين المؤدين والمشاهدين، ويجب أن تتميز هذه المساحة الواحدة بالحميمية والمنحنيات والعمودية والزخرفة . ووفقا لماكنتوش فان الآلهة الزائفة للتوظيف هي الحجم ( أي المسارح الكبيرة جدا ) وخطوط الرؤية المثالية والقدرة على التكيف والمرونة والتأكيد على قطع الديكور الكبيرة . وهم في رأيه الآلهة الزائفة للعمارة في المسرح التجاري على وجه خاص، وقضى أغلب مشواره المهني يجادل بأن المسارح التجارية الواسعة مصممة لتقديم خطوط رؤية للغالبية العظمى من الناس الذين يجب أن يفشلوا في النهاية في تحقيق ما يشرعون في فعله، أي تقديم تجربة مسرحية مكثفة . ويعتقد أن تأثير الحميمية المبتكرة من خلال مساحة مركزة تم انشائها على أساس المبادئ المذكورة أعلاه – مساحة واحدة وحميمية ومنحنيات وعمودية وزخرفة – تفوق بكثير عيب أن جميع المقاعد ليست متساوية في رؤية خشبة المسرح .
أن ما يفعله ماكنتوش وزملاؤه، في كتبهم وفي مؤتمرات الصناعة مثل المؤتمر الدولي لهندسة المسرح والعمارة (الذي يعقد كل أربع سنوات)، هو معالجة الأسئلة التي تطرقنا اليها في مقدمة هذه الأطروحة : كيف يمكننا أن نفهم قابلية فضاء المسرح للأداء والتعبير عنها ؟ وما الذي يجعل المسرح جيدا لمشاهدة الأداء والاستماع اليه ؟ وكيف يمكن أن يعزز الفراغ تجربة وجودنا في المسرح ؟ وأود أن أضيف سؤالا آخر لهذه القائمة : ما الذي يجعل المسرح يبدو كمسرح ؟ وهذا السؤال مقتبس من العبارات المقتبسة في افتتاحية هذا الفصل – المفهوم الفينومينولوجي المصغر للفضاء المسرحي الذي قدمته جرترود شتاين . فما قالته عما جعلها تشعر وكأنها كانت في مسرح يحمل تشابها ملفتا للنظر مع قائمة ماكنتوش : اذ تحدث عن المساحة واحدة والعمودية والمنحنيات والزخرفة – وتحدثت هي عن الارتفاع والبريق والاضاءة والحركة . وكما ستوضح المقاطع التالية، فان المساحة الواحدة والمنحنيات يؤديان إلى الحركة، والعمودية تؤدي إلى الارتفاع، والزخارف تؤدي إلى الضوء والبريق . وسوف أستخدم عناصر شتاين لبناء هذه النظرة العامة للدراسات العملية لعمارة المسرح . وبذلك سوف أسأل، أولا كيف يمكن ابتكار هذه الانطباعات كما وصفتها من خلال الوسائل المعمارية، ثانيا، لماذا يكون جيدا، أو حتى مهما للارتفاع، وجود الضوء والبريق والحركة في مباني المسرح .
... « مثل السيرك ... الكثير من الارتفاع في الهواء» ....
تتحدث شتاين عن فضاء المسرح كما تتذكره بأنه مثل السيرك، بارتفاع كبير في الهواء . الشكل المكاني المرتبط بشكل السيرك هو المدرج الدائري مثل شكل الطبلة . ولعل أحد سمات هذا شكل المسرح الدائري الشبيه بالطبلة هو أن له مساحة داخلية موحدة يشارك فيها المؤدون والمشاهدون على حد سواء . ولكن يرى كل مشاهد، فيجب وضع المشاهدين خارج الدائرة، بينما يشغل المؤدون الفراغ في المنتصف أو في أحد أطراف الدائرة . أن ما تصفه شتاين بشكل أساسي، هو أساس ما يسمى “ مسرح المرجل cauldron theater”، وهو الشكل الذي يؤيده ايان ماكنتوش ومستشاري المسرح الآخرين . فمثلا يقول مايكل هولدن “ ما أسميه مسرح المرجل هو ثلاث طبقات شديدة الانحدار ومرتبة رأسيا في دائرة كاملة تقريبا، مما يخلق احساسا بالالتفاف الكامل “ .
....................................................................................
- ليزا ماري بوللر تعمل أستاذا للمسرح بجامعة ميونخ
- هذه المقالة هي الفصل الأول من كتابها «theater architecture as embodied space» 2015.