غيرة الأب على ابنته حين يقترب موعد زفافها، هذه الغيرة التي تجعله يكره الشخص الذي سيأخذها منه مهما كانت درجة حبه لهذا الشخص الذي قد وافق هو شخصيًا على ارتباط ابنته به لما يتصف به من مزايا، حتى إذا كان هذا الشخص ابن شقيقه كما في هذا العرض، فقد أصبح بالنسبة له غريمه الذي سيأخذ منه أعز إنسان عليه في الكون «ابنته»، سوف يُحرم من وجودها في المنزل الذي تملؤه بهجة وشقاوة، فهي لم تفارقه منذ ولادتها ولم يستطع أن يتصور حياته بدونها، لكنه على استعداد أن يتحمل آلام افتقادها وبعدها عنه إذا اطمئن أنها لم تفشل في حياتها الزوجية ولن تعود إلى هذا المنزل مرة أخرى بعد هذا الفشل، لذلك يقرر أن يضعها هي وخطيبها في اختبارات في منتهى الصعوبة والقسوة ليتعلما منها أن الحياة الزوجية ليست حب وسعادة فحسب، بل مسئولية وصعاب وتحديات لابد أن يمرا بها وعلى قدر قوة حبهما وقدرتهما على التحمل سينجحان. ودائما ما يكون السؤال الذي يبدأ ب «ماذا لو» سؤالاً من الصعب الإجابة عليه إذا لم يخضع الموقف للتجربة، وهنا يكمن البعد الفلسفي للعرض، حيث يطرح سؤالاً غير مباشرًا هو ماذا يحدث لو تخلى كيوبيد عن جناحييه وهبط إلى الأرض وعاش بين سكانها من البشر كواحد منهم، هل سيكون بهيئته الطفولية ورومانسيته التي عرفته بها الأساطير القديمة، أجاب العرض على هذا التساؤل فظهر كيوبيد ذلك الأب الذي بلغ سن التقاعد عن العمل ويحمل هموم البشر محولاً رومانسيته إلى شخصية عقلانية يحاول أن يعبر بابنته إلى بر الأمان. هذه هي فكرة العرض المسرحي «خطة كيوبيد» إنتاج المسرح الحديث والذي يقدم بقاعة يوسف إدريس بمسرح السلام، تأليف وأشعار عبد الله الشاعر وإخراج أحمد فؤاد، بطولة عبد المنعم رياض، نوال سمير، كريم الحسيني، أمنية حسن، والذي يدور في إطار فنتازي كوميدي، فالأب هو كيوبيد إله الحب الذي يُلقي بسهامه في القلوب ليصيبها بالحب، لكنه كبر في السن واعتزل هذا العمل وامتهن مهنة أخرى وهي تقديم برنامج إذاعي يستثمر فيه خبرته في الحب والعلاقات العاطفية ليقدم نصائح للشباب لإنجاح هذه العلاقات. ومن خلال هذه الاختبارات تتولد كوميديا الموقف لتبرز مدى قدرة المخرج أحمد فؤاد وفريق العمل، على تجسيد قضيتان في منتهى الأهمية والخطورة أيضًا تعلق الأب بابنته التي ستتركه خلال أيام ومدى معاناة هذا الأب، وكيفية إنجاح العلاقة الزوجية والتغلب على المشكلات التي تواجه حديثي الزواج، بإطار كوميدي راق من دون أية تجاوزات، من خلال عرض مسرحي يليق بالأسرة وبالمسرح المصري. جسد الشخصيات: الفنان عبد المنعم رياض الذي جسد دور الأب الذي جعلنا نشعر بمدى وجعه وهو يضحكنا بحرفية عالية جدًا، مما يؤكد مدى قدرته على آداء الشخصيات المركبة والتوحد معها، فهذا الدور على الرغم من بساطته، فهو السهل الممتنع، وهو ليس بجديد على حجم موهبة عبد المنعم رياض الذي جسد شخصيات مختلفة تمامًا عن هذه الشخصية منها الطبيب في 101 عزل، سرحان الهلالي مدير المسرح في أفراح القبة.نوال سمير الأم التي تنفذ خطة زوجها بكل تفاصيلها على الرغم من إشفاقها على ابنتها وخطيبها وتخوفها من أن تأتي هذه الاختبارت بنتيجة عكسية وهو أن تؤدي إلى فشل العلاقة قبل أن تبدأ، فنجدها مكفهرة طوال الوقت متألمة وعلى الرغم من ذلك لديها قدرة هائلة على إضحاك الجمهور من دون بذل أي جهد.كريم الحسيني ابن العم والخطيب وزوج المستقبل الذي يحب خطيبته ويتحمل هذه الاختبارات من أجل الفوز بها، وقد جسد عدة مواقف ومشاعر مختلفة لشخصية واحدة تتعرض لضغوط، حتى بدا أنه يجسد عدة شخصيات بإطار تراجيكوميدي.أمنية حسن التي جسدت عدة شخصيات مختلفة من خلال استعراض تجارب صديقاتها في الزواج مما يثير مخاوفها، وقد قدمت هذه الشخصيات بجانب الشخصية الرئيسية بالبساطة نفسها التي اتسم بها آداء كل الممثلين الذين جعلونا ندخل التجربة معهم ونشعر بمخاوفهم ونخشى الفشل مثلهم تمامًا بينما نضحك من آدائهم.يصاحب الآداء موسيقى لايف للكمان للعازف تامر عبد المجيد، وإعداد موسيقي محمد عبد الله، حيث تعيش كل اللحظات والمفارقات التي تحدث مع أبطال العمل، مع الغناء والاستعراضات التي يقدمها الممثلون أيضًا بجانب الآداء التمثيلي مما زاد من حالة البهجة التي يحققها العرض. ويعد الديكور الذي صممه الفنان أحمد أمين من العوامل المهمة جدًا لنجاح العرض، فعلى الرغم من ظهور كيوبيد بهذه الهيئة إلا أن الديكور حرص على ألا يفقدنا الإحساس بوجود كيوبيد الرومانسي الحالم، فعل الحب المتجسد في هيئة ملاك، فجاء ديكور المنزل مبهج بألوانه وكثرة الزهور وشياكة وبساطة الأثاث والاكسسوارات، مع أزياء رباب البرنس التي جمعت بين جدية الموضوع وفنتازية الطرح، غلف كل ذلك إضاءة أبو بكر الشريف التي اعتدنا أن نسمع كلامها لا أن نراه فحسب، كل عناصر العرض اتحدت وتضافرت لتقديم عرض مسرحي ممتع بسيط هادف يحترم الجمهور ويمتعه في ذات الوقت متعة فكرية ولغوية وبصرية وسمعية.