فرقة عبد اللطيف جمجوم

فرقة عبد اللطيف جمجوم

العدد 804 صدر بتاريخ 23يناير2023

منذ بداية هذه السلسلة وأنا أتحدث عن أعلام ثلاثة، جهودهم كتبت تاريخ مسارح روض الفرج! تحدثت عنهم، وهم: يوسف عز الدين، وعلي الكسار، وفوزي منيب – والآن جاء الدور على الفنان «عبد اللطيف جمجوم»!! وربما البعض يعترض على كونه فناناً يتساوى مع الأعلام الثلاثة السابقة، وأنا أتفق – مؤقتاً – مع هذا الاعتراض حتى أنتهي من تأريخ نشاط هذا الفنان في روض الفرج، وسأترك الحكم للقارئ: هل يستحق جمجوم أن يكون فناناً ضمن أعلام روض الفرج ولو في ترتيب النشاط، كونه أقلّ نشاطاً وتأثيراً من الثلاثة السابقين أم لا؟؟ علماً بأنني وضعت في الاعتبار تاريخ الرجل قبل أن يظهر في روض الفرج، وأيضاً وضعت في اعتباري .. أن حياته انتهت على خشبة المسرح!!
بدايات جمجوم
بناءً على ما بين يدي من وثائق ومقالات، أقول: إن عبد اللطيف جمجوم بدأ ظهوره عام 1920 عندما كان ممثلاً في فرقة «كميل شامبير» بكازينو دي باريس بشارع قنطرة الدكة، ومن عروضه مسرحية «الصبر طيب»، ومسرحية «عجايب». وفي عام 1922 انتقل إلى فرقة نجيب الريحاني بتياترو الإجبسيانة، ومثل معها مسرحيات: الحلاق الفيلسوف، وريا وسكينة، وأفوتك ليه. وفي عام 1924 كوّن جمجوم فرقة مسرحية خاصة به وتحمل اسمه، ومن أهم أفرادها زوجته «شفيقة جمجوم»، وأحمد محرم، وحسين المليجي، وأديل محسن. وبدأت الفرقة عملها في تياترو «البلفي» بالإسكندرية في إبريل 1925، ثم انتقلت إلى كازينو «كامب شيراز»، ومنه إلى مسرح «زيزينيا». وفي بداية عام 1926 انضم جمجوم إلى فرقة نجيب الريحاني مرة أخرى، ومثل مسرحية «قنصل الوز». وبعد شهرين انضم إلى فرقة مسرح «دار التمثيل العربي» تحت إدارة فيكتور شوارتز، ومحمد شكري، ومثل مسرحية «ناظر المحطة».
ونشرت مجلة «التياترو» صورة لجمجوم، وكتبت تعريفاً له، قالت فيه: عبد اللطيف أفندي جمجوم، هو من نوابغ ممثلي الفرنكو أراب الذين امتازوا فيه. تخرج من مدرسة الأستاذ عزيز أفندي عيد، ومن ثم انضم إلى فرقة الريحاني، وكان ممثلاً كبيراً بها، وهو الوحيد الذي يقلد الريحاني في تمثيل دور «كش كش» أتم تقليد مع كثرة من يقلدونه فيه. وكثيراً ما رأيناه بطلاً لفرقة مستقلة كان يمثل الدور الأول فيها كش كش بك. ففي سنة1920 كان على رأس فرقة أرسلها الريحاني إلى الإسكندرية، لتمثل فيها. وفي سنة 1921 أخذ مركز الريحاني في مسرح الريحاني نفسه بمصر، وفي سنة 1923 كان يرأس فرقة الإسكندرية بمسرح الكونكورديا بمشاركة محمد أفندي شكري، وكلود أفندي ريكانو، وفوزي أفندي منيب. وفي سنة 1924 رأيناه يدير فرقة بروض الفرج بمسرح مونت كارلو، والآن سمعنا أنه نزل الإسكندرية ويمثل في مسرح كازينو زيزينيا بالرمل.
في روض الفرج
 لم أجد ما يفيد بأن عبد اللطيف جمجوم بدأ ظهوره في روض الفرج عام 1924، ولكن ما لدي يؤكد أن هذا الظهور وبقوة بدأ عام 1926، وكان ظهوراً سيء الحظ، لأنه كان في كازينو ليلاس الذي هاجمه الناقد «محمود طاهر العربي» ناقد مجلة «ألف صنف وصنف»!! وسبب الهجوم أن الناقد شعر بالانزعاج من امتلاك الأروام لكازينوهات روض الفرج، ويعدّهم من الغزاة المستعمرين!! وكفى بنا أن ننقل جزءاً من هذا المعنى، نشره الناقد في يونية 1926، قائلاً: أزعج الخواجة يني ما ذكرته عن كازينو ليلاس فأرعد وأزبد وأوعد وهدد .. وليس يني أحسن من متشو ولا متشو أفضل من خريستو كلهم جلب الحبايب، اجتمعت الغايات واتفقت المشارب، استعمروا روض الفرج، واحتلوه ثم جعلوه مستعمرة رومية! وللأروام في خططهم الاستعمارية سياسية خاصة تختلف عن السياسة الإنجليزية التي عرفناها، لأنها تعتمد على قوات من الجرسونات، وثكنات من البارات، ومحلات اللهو والملذات، وممثلين وقناصل من المغنيات والممثلات!!
وفي عدد تالٍ بدأ الناقد في الهجوم على فرقة جمجوم، ويُشهر بصاحبها الذي تزوج من «عزيزة زمبلك» الممثلة في الفرقة، وأهمل زوجته «شفيقة جمجوم»، لا لشيء إلا لأنها تمثل في كازينو ليلاس!! ومثال على ذلك قال الناقد: كازينو ليلاس بؤرة الشر في روض الفرج، وأنه جدير بعناية خاصة، ورقابة شديدة من حضرة مأمور قسم شبرا ليقف هؤلاء الأروام عند حدهم ونذكرهم إذا كانوا يجهلون أن امتيازاتهم الدولية لن تحول دون تطهير بلادنا من جراثيمهم، وأن القانون المصري يستطيع إقصاءهم إلى حيث كانوا، قبل أن يقذف بهم القدر المشؤوم إلى مصر الأسيفة. لا أدرى ولا المُنجم يدري من أين جمع صاحب هذا المحل فرقة من الحثالة سماهن ممثلات، وهن بعيدات عن ذلك بُعد الأرض عن السموات! وليت شعري هل تكون مثل عزيزة «الزمبلك» ممثلة، وهي لا تملك وقف جسمها عن الرعشة والحركة بشكل غاية في الفُحش؟! أنا لا أنكر على «عبد اللطيف جمجوم» كفاءته كشاب له مستقبل قد يكون باهراً. كذلك لا أبخس بعضاً ممن حوله، ولكنه على أي حال لا يملك في الأمر شيئاً، لأن مدير المحل لا يريد أن يدفع إلا أبخس الأجور.
 وفي عدد آخر من المجلة أكمل الناقد هجومه، تحت عنوان «جمجوم الزمبلك»، قائلاً: «أما جمجوم فهو الممثل المعروف في روض الفرج، كان يتقن تمثيل دور كشكش في كازينو ليلاس، وقد ذاع اسمه وشاع أخيراً وأصبح لا ينطق به اللسان إلا بالسخرية والامتهان! أما «الزمبلك» فهي عزيزة الزمبلك إحدى نساء هذه الفرقة، ولا أقول إحدى ممثلاتها ضناً بكرامة التمثيل أن تهان. وقد سموها الزمبلك لكثرة حركاتها على المسرح. أما الآن وهذا الزمبلك قد أعتمد على ذلك الترس فلم يبق إلا أن تدور بها الساعة، ولكنها ساعة نجس وشؤم. ولست أدرى لماذا سرت هذه العدوى الشريرة بين الممثلين ومديري الفرق منهم على الأخص هذه الأيام. وكيف سولت نفس ذلك الأحمق المأفون أن يترك السيدة «شفيقة» زوجته وأولاده منها ثلاث، ثم يهيم على وجهه مع فتاة، يكفي للدلالة على شخصها أن تدنس لسانك بذكر اسمها!! إنهم يقولون إنها تمتلك مائتي جنيه، جمعتها من عرق رجليها! وأنه طمعاً في ثروتها هذه قد تزوجها وهجر حليلته وأولاده! وغداً يفيق من سكرته فيعض بنان الندم». ورغم ذلك استمرت الإعلانات تُنشر لفرقة جمجوم في كازينو ليلاس، ومن المجلات التي نشرت الإعلانات «ألف صنف» التي يهاجم ناقدها الفرقة!! ومثال لإعلاناتها: «فرقة الأستاذ عبد اللطيف جمجوم بمسرح وكازينو ليلاس بروض الفرج يوالى التمثيل يومياً وتطرب الحضور السيدة شفيقة المصرية».
وبعد شهر عاد الناقد للهجوم، قائلاً في منتصف يوليو 1926: كلامي الآن على فرقة كازينو ليلاس .. كان عبد اللطيف أفندي جمجوم مديراً لهذه الفرقة، فلما خلفها هارباً بإحدى ممثلاتها، أخذ الخواجة يني صاحب هذا الكازينو يبحث بمعاونة الخواجة متشو مساعده النشط عن مدير آخر يرأس هذه الفرقة. وأخيراً وبعد البحث الطويل وفق إلى الممثل القدير والكوميدي الخفيف الظل «شرفنطح» أو «محمد كمال المصري»، وهو رجل كفء يحبه الجمهور كثيراً ويعجب به، وله شخصية بارزة يقلدها الكثير - فلا يبدعون اتقانها تماماً - من مميزاته أنه وهو يضحك الناس كأحسن «بلياتشو»، لا يفتر ثغره بالضحك، ولا يبدو على وجهه غير مظهر الجد في إضحاكه. ملأ بشخصيته وباسمه المعروف الفراغ الذي أحدثه تخلي عبد اللطيف أفندي جمجوم عن العمل. وأستطيع أن أقول إن الجمهور قد ارتاح كثيراً إلى شرفنطح بك وخفة ظله ورقته، عن عبد اللطيف أفندي جمجوم. وقد حدث على أثر ذلك تغييرات في أفراد هذه الفرقة. فإن «عزيزة الزمبلك» تركت العمل مع زوجها جمجوم فارتاح الناس أو العقلاء منهم، ومن مشاهدة امرأة كانت تمتاز بتيار كهربائي يجري مع دمها فتهتز له كل أعضاء جسمها اهتزازات عنيفة مخجلة تتقزز لها الأنفس.
وقبل أن ينتهي موسم صيف 1926، عاد جمجوم بقوة بعد أن كوّن مع «فاطمة قدري» فرقة مسرحية عملت في كازينو سان أستفانو، وعاد فيها جمجوم لتمثيل شخصية «كشكش بك». وأهم إعلان نُشر في منتصف أغسطس 1926، يقول: «كازينو مونت كارلو بروض الفرج في الهواء الطلق» الدخول مجاناً «فرقة عبد اللطيف جمجوم» تقدم الروايات كما ظهرت، ولأول مرة باستعداد عظيم إدارة محمد شكري، كل يوم رواية جديدة، يوم السبت 13 أغسطس الساعة 6 مساء «حَمَار وحلاوة» وهي الرواية التي حازت رضاء الجمهور، يمثل دور كش كش بك «عبد اللطيف جمجوم»، يشترك في تمثيلها 40 ممثل وممثلة: عبد الحليم القلعاوي، محمود التوني، حسين فهمي، عبد العزيز الخلعي، محمد وافي، محمود لطفي، محمود حسن، زكي إبراهيم. المنولوجست المشهور «حسين المليجي»، الممثل النابغة «فؤاد الجزايرلي» الذي حاز رضاء الجمهور. الآنسة تمام، الآنسة دلال، عزيزة توفيق، الآنسة عزيزة علي، قدرية، زكية توفيق، زكية محمد، أمينة محمود. فرقة الملحنين رئاسة محمد حسني، فرقة الأوركسترا بتروا جزوا.
اختفى جمجوم عن روض الفرج لمدة أربع سنوات، وعاد إلى الظهور في صيف 1930 بكازينو مونت كارلو مع المغنية «نعيمة المصرية» بالإضافة إلى المطرب سيد شطا والمطربة حياة صبري! وقامت مجلة «المجلة الفنية» في إبريل 1940 بإعلان توضيحي قالت فيه: «كازينو مونت كارلو بروض الفرج» يبتدأ العمل في هذا الكازينو في يوم الخميس 17 أبريل وهو ينقسم إلى قسمين. القسم الخارجي للغناء وتعمل به المغنية المعروفة السيدة نعيمة المصرية والمطرب المحبوب الأستاذ سيد أفندي شطا على تخت آلات يجمع مشاهير الموسيقيين كعبده أفندي قطر العواد وغيره. والقسم الداخلي للتمثيل والطرب المسرحي وقد ألقت إدارة الكازينو فرقة تمثيلية على رأسها المعروف عبد اللطيف أفندي جمجوم والمطرية المحبوبة السيدة حياة صبري والأختين «نينا وماري» وغيرهم. وأول عرض مسرحي قدمه جمجوم كان بعنوان «العقد اللولي».
واستمر العمل على هذه الصورة في صيف 1931 ولكن تحت اسم «فرقة حياة صبري وجمجوم» في كازينو ليلاس بروض الفرج. واستمرت الفرقة حتى عام 1932 حيث قدمت مسرحية «أنا وأنت» تأليف الريحاني وبديع خيري. أما مسرحية «العشرة الطيبة» فكتب عنها «متفرج» كلمة في مجلة «الصباح» تحت عنوان «العشرة الطيبة بكازينو ليلاس»، قال فيها: ذهبت إلى مصيف روض الفرج يوم الجمعة الماضي فرأيت «يافطة» على باب كازينو ليلاس كُتب عليها «هذا المساء العشرة الطيبة». وأردت أن أحضر هذه الرواية لسماع ألحانها القيمة التي وضعها المرحوم الشيخ سيد درويش. ولثقتي أن السيدة حياة صبري تلميذته لا بد أن تكون قد بذلت المستحيل لإخراج هذه الرواية على صحتها وتمامها، ولكني كنت حسن النية في هذا الاعتقاد الخطأ! حيث رأيت المهازل تتمثل بين نشاز الأغاني ولخبطة الموسيقى! وخيل لي أنني في سيرك نُصب بالخيام مما جعلني أسخط على من أشار على هذه الفرقة بتمثيل رواية كهذه لها قيمتها الأدبية والفنية، ولملحنها العظيم آثار خالدة. [توقيع] «متفرج».
ومجلة الصباح أيضاً نشرت إعلاناً في منتصف يوليو 1932، جاء فيه: كازينو ليلاس بروض الفرج «فرقة حياة صبري وجمجوم» تقدم باستعداد كبير ومناظر فخمة، كل يوم رواية جديدة، تقوم بأهم أدوارها من كبار الممثلين والممثلات، وفي مقدمتهم المطربة الفنانة السيدة حياة صبري، موزيكهول فاخر عظيم شامل لفرقة راقصات بين الطرب البديع منولوجات المنلوجست المحبوب الأستاذ حسين وفتحية المليجي، المشروبات نقية، الدخول مجاناً، أحسن تسلية صيفية.
وفي العام التالي 1933 حدث تغيير مهم، وهو أن عبد اللطيف جمجوم انفصل عن حياة صبري، وكوّن كل منهما فرقة خاصة به. فحياة اشتغلت في كازينو إفكاروس بروض الفرج!! وهو كازينو ظهر مؤخراً نافس الكازينوهات الثلاثة الشهيرة – مونت كارلو، وسان أستفانو، وليلاس – ولكن من الواضح أن إفكاروس كان أقرب إلى الحديقة أكثر منه إلى الكازينو المغلق!! ومن إعلانات صيف 1933 في جريدة «أبو الهول» هذا الإعلان ونصه يقول: «حديقة حياة صبري» .. افتتحت المطربة المعروفة حياة صبري حديقتها الجديدة بكازينو إفكاروس بروض الفرج، وعلاوة على وصلات الطرب التي غنتها بين الإعجاب والاستحسان ضمت إليها المطربة الناشئة عصمت محمد، والراقصة روحية محمد، وبعض الراقصات الأفرنجيات. وكان الإقبال عليها لا بأس به كما أقامت الحديقة حفلة صباحية يوم الأحد الماضي.
أما جمجوم فهجر روض الفرج وعاد إلى فرقته الأصلية، فرقة نجيب الريحاني وظل بها ممثلاً حتى نوفمبر 1938، عندما قام بدور المحامي في مسرحية «الدنيا على كف عفريت»، حيث أبدع جمجوم في دوره، وتعالى صوته أمام الجمهور وهو يترافع، وفجأة شعر بقوة خفية تسحب روحه فبدأ يتلعثم في الكلام، وظن الجمهور أنه يمثل دور المحامي المتلعثم ليزيد من جرعة الكوميديا والضحك عند الجمهور، وحاول بقدر المستطاع التحامل على نفسه، حتى خرج وراء الكواليس، فهرع إليه نجيب الريحاني محاولاً إسعافه، ولكن روحه كانت ذهبت إلى بارئها!!


سيد علي إسماعيل