نسخة عربية من أروع المسرحيات العالمية للأطفال

نسخة عربية  من أروع المسرحيات العالمية للأطفال

العدد 883 صدر بتاريخ 29يوليو2024

أصدرت سلسلة «من المسرح العالمي» الصادرة عن المجلس القومي للثقافة والفنون بالكويت مجموعة من مسرحيات الأطفال من تأليف (ليون أوستينوف) أحد ألمع كتاب مسرح الطفل الروس وصفتها بأنها من روائع المسرح العالمي ومرجع ذلك ربما تقدم تجربة مسرح الطفل في الاتحاد السوفيتي عن غيره من بلدان العالم حيث انتبهت قيادتها منذ وقت طويل لما لمسرح الطفل من أهمية تربوية وفنية وثقافية وساندت أنشطته بكل ما تطلبه من دعم أدي إلي جودة وتقدم وتطور مسرح الطفل الروسي، وسيظل تاريخ مسرح الطفل يحتفظ بحقيقة أن روسيا كانت رائدة في مجال إنشاء مؤسسة تعليمية أو «أكاديمية للفنون» تختص بالطفل وتضم فنانين، وعلماء نفس واجتماع، وأخصائيين في تربية وتعليم الأطفال، ومؤلفين، وخبراء في الصحة والتغذية لبحث الاحتياجات المسرحية لذلك المتلقي الصغير الذي لم ينتبه إلي صفاء روحه وبراءته وعدم قدرته علي استيعاب ما يستوعبه الكبار إلا منذ أقل من قرن من الزمان بينما ترجع علاقة المسرح بالإنسان إلي آلاف الأعوام، وعلي ذلك ظل مسرح الطفل أحد تقاليد الدراما الروسية إلي حد أن ألزم القانون السوفيتي المدن التي لا يوجد بها مسارح للأطفال أن تقدم فرق الكبار بها عدد معين من عروضها للأطفال لكي ينالوا حظهم من التمتع بمشاهدة المسرح.
وقد ترجمت النصوص المسرحية التي يشملها هذا الإصدار ترجمة أدبية راقية وبلغة مسرحية بسيطة قريبة من مستوي الطفل العربي من دون أن تتجاهل قدراته أو تغفل ذكاؤه لذا تعد وجبة درامية شهية للقراءة جاهزة للتنفيذ والعرض فوق منصات مسارحنا العربية التي ينبغي عليها أن تفسح المجال لتقديم مثل هذه العروض العالمية للأطفال كي تدعم الأنشطة المسرحية الموجهة للطفل علي الصعيد العربي بالخبرة المتراكمة في هذا المجال عوضا عن النصوص التي تعرض بالفعل والتي تفتقد إلي المهارة والخبرة.
المسرحية الأولي بعنوان (نصفا جزيرة) وأبطالها ثلاث موسيقيين قرروا توحيد نصفا الجزيرة تضامنا مع صديقهم «الطبل» الذي لا يستطيع أن يترك جزيرته منفصلة إلى الأبد إلي نصف يغني بالعكس والنصف الثاني يغني أغنية واحدة يفرضها الملك، والتحدي الذي يؤرقهم أن يغني كل من على نصفا الجزيرة الأغنية الشعبية للجزيرة قبل أن تغرب الشمس وإلا ظلوا منفصلين إلى الأبد، وقد ترتب علي قبول التحدي مواجهة مع الحظ الذي انحرف عن مساره فصار حظا سيئا، وهذا توظيف مبهر لأنه يجسد ما هو معنوي، ويداعب العقول بالمرح مع الحظ ومجادلة الآلات الموسيقية والطبول.
يتسلل الموسيقيون الثلاثة (الكمان والطبل والساكسفون) إلي نصف الجزيرة حيث أعدم الملك شعبه ولم يبقي حيا إلا أقارب يخشي إن أعدم بعضهم أن يغضب الآخرون، ويحتال الموسيقيين للغناء فيعود الحب والاتحاد إلي هذا النصف من الجزيرة، وعندما يتجهون إلي النصف الآخر يتربص بهم الحظ ويسرق آلالات العزف ورغم ذلك يواصلون التحدي ويصدحون بالغناء الشعبي سريع الانتشار فتغرد الجزيرة وتتحد من جديد.
المسرحية التالية بالكتاب بعنوان (بياض الثلج والأقزام السبعة) وفيها جعل (ليون أوستينوف) للأقزام السبعة أسماء أيام الأسبوع من (السبت) إلي الجمعة والتزم بالصراع التراثي بين (الملكة) الجميلة الشريرة والأميرة (بياض الثلج) ذات الستة عشر ربيعاً التي تستحق العرش لكن الملكة الحالية زوجة أباها الراحل تحول بينهما إلى أن يظهر (الأمير الأسير) الذي يأسر وحده إثر معركة بينها وبين مملكته، ويختفي شعبه من شباب وأطفال فتبحث عنهم الملكة زوجة الأب لتقتلهم حرصا علي إجهاض مستقبل أعداءها لأنها تعلم أن هؤلاء الأولاد سيكبرون ويصيروا جنداً يحاربون وهذا التطور المتوقع يخيفها لأنها كمنتصر في المعركة تتوقع أن روح الإنتقام التي تملأ قلوب هؤلاء المهزومون سوف تمنحهم طاقة وقوة لا يجب تجاهلها، ولذلك تضغط علي الأمير كي يرشد عنهم، ولكن تحرره (بياض الثلج) التي تتحول بهذا العمل إلى عدو للملكة التي تصدر الأوامر بإعدامها، ويكلف الصياد بإعدام الأميرة (بياض الثلج) إلا أن قلبه لم يطاوعه ويقبل اقتراح الغراب بأن يسلم قلب (ثعلب) للملكة بدلا من قلب الأميرة الجميلة التي ترافق الأقزام السبعة في رحلة هروب وحرب على الظلم تنتهي بانتصار الأميرة والأقزام الذين يرددون حكمة تقول: (أن أهم ما في الحياة أن لا نتصالح أبداً مع الشر) وهكذا تضمر المسرحية في سياقها دعوة إلي عدم الاستسلام للهزيمة ومحاربة الشر مهما بلغت سطوته.
المسرحية الثالثة في الكتاب هي (الأميرة المسحورة) وتجري أحداثها بين عالم الإنسان وعالم النحل، والنبات وكذلك الجماد الذي يمثله في النص «السلاح» الذي اتفق مع الجندي الذي يحمله إن هو قتل بالرصاصة الأولي أن يقتل هو نفسه بالرصاصة الثانية وقد أخبر السلاح الجندي الملازم له بذلك عندما قرر أن يساعد التاجر في الوصول إلي داره بمملكة العسل التي تحتوي ملايين النحلات والتي يحرم ملكها الدخان ويمنع إشعال النار كي لا يضر العسل الذي يدر عليه مال وفير، وهو للأسف يأمر الناس بذلك بينما يخرج يوميا في ساعة محددة إلي حدود المملكة ليطهو ما طاب له من طعام ويأكل وحده، ولما كان التاجر يعلم بذلك فهو يدعو الجندي صاحبه إلي ما تبقي من طعام الملك إلا أن الجندي يضطر مجددا إلي أداء واجبه الإنساني والتدخل لإنقاذ الملك من «الشقيقتان قاطعات الطرق» اللاتي تطمعن بالملك، ويفرح الملك بالتخلص منهن ويقرر أن يلبي للجندي جميع مطالبه إلا أن تقدم أحداث المسرحية يمنع تنفيذ ذلك إذ يقرر الملك أن يتزوج من إبنة التاجر التي أخفي أمرها وحبسها عن الناس خوفا عليها من النبوأة التي تقضي بموتها مع أول قبلة إن هي غامرت وتزوجت وازداد الأمر تعقيدا عندما أحبت الفتاة الجندي الذي اقترح أن يكون اقترانه بها في بلاد آخري كي لا تتأثر بتلك النبواءت ولا تحل بها تلك اللعنات.
عند ذلك يزورهم الملك ويطلبها للزواج غير آبه بكل ما قيل عما يتهددها من خطر وعندما يعرف عن قوة سلاح الجندي يوافق علي اقتراح مساعده (تروتين) أن يلجأ إلي الشقيقات قاطعات الطريق لقتل الجندي مقابل أن يؤول إليهما العرش بعد وفاته طبيعيا ويؤكدا علي ذلك فيدعون الجندي لشراب العسل ويتفقون مع التاجر أن يسهل لهم مؤامرة قتله عندما ينام وحالما يقدمون علي ذلك توقظه النباتات فيقتل الملك ومن معه بالرصاصة الأولي لأجل إنقاذ حياة الفتاة الجميلة التي أحبها ومن ثم يطلب منه السلاح أن يضع نفسه أمام فوهته ليقتل بالرصاصة الثانية كما اتفقا ويلتزم الجندي الشجاع باتفاقه ويسلم نفسه للموت وتنطلق الرصاصة لكن تستقبلها بدلا منه الأميرة الجميلة البائسة التي ناضل من أجلها وتنتهي بذلك هذه المسرحية المحملة بدلالات ورموز، والتي تعكس آلالام إنسانية وتكتظ بأفكار شديدة العمق والأهمية لم تكن مدرجة في ممارسات مسرح طفل التقليدية في مراحله السابقة التي كانت تخشي علي براءة الطفولة من خشونة المعارك إلا أنها صارت حاليا قبس من الواقع في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها حيث النوافذ المفتوحة وانتشار الألعاب الإلكترونية القائمة أغلبها علي المعارك والتي تبدو هذه الدراما في حضورها مقبولة لمخاطبة وتوعية الأطفال لا سيما في مراحلهم الأولي من أخطار المعارك ووحشية الأسلحة التي تجعل حياة من يستخدمها علي المحك إذ جاءت لتؤذي من يعبث بها، ومن مميزات هذه المسرحيات أيضا أنها معالجة بصورة مرحة ومبهجة، وأن اللغة المسرحية التي كتبت تشاكس أذهان الأطفال وتنقلهم تدريجيا من موقع التلقي السلبي إلى موقع المفكر والناقد الذي يدرك ما يعانيه الأهل من عنت وظلم وقهر يرجع أحيانا إلي السلبية وعدم المشاركة الإيجابية الفعالة في اختيار من يقود الركب في هذا الضباب، ولذا يجب أن يقدم أدب الأطفال لوناً من المعرفة الواعية التي تصل هؤلاء الأبناء بالحياة وتهيئ لهم فرصة التعرف علي كافة جوانبها إذ لم يعد الطفل مجرد مشاهد للمآسي التي يمر بها العالم وإنما أصبح في قلب الحدث عائش في قلب المعارك كما هم الأطفال في فلسطين وسوريا واليمن وغيرها من البلاد المكلومة وكذلك الحال عندما داهمت عالمنا الكورونا بكل ما ترتب عليها من مشكلات سياسية واقتصادية، وكان لازما علي الطفل نفسه أن يشارك في المعارك إما بالتزام تعليمات التوعية الصحية في المعركة مع الممرضات أو بتحمل متاعب الهجرة والترحال ونقص الأطعمة والمشروبات في حالة الحروب وغيرها من مشكلات ولذلك لم يعد ممكنا إبعاد الطفل عن كل هذه المخاطر والملمات، وقد وجب إحاطته علما بما يحدث لكي يقوم بدوره وهكذا يصبح أدب الأطفال وسيط تربوي يتيح للأطفال فرصة تكوين إجابات علي كثير من الأسئلة والاستفسارات التي تراودهم، وهذا النص وما سبقه من مسرحيات قام بنقلها إلي لغتنا العربية الأكاديمي المسرحي السوري (عجاج الحفيري) بلغة مسرحية تلامس مع الحاضر وتستشف المستقبل وتقر الماضي والتراث الشعبي كونه البنية الأساسية التي انطلقت منها هذه المسرحيات التي ننصح صناع مسرح الطفل العربي بقراءتها والعزف علي منوالها لإنتاج أعمال أدبية مسرحية تثري مسرح الطفل العربي وتدفعه إلي التقدم إلي المستقبل بنصوص جيدة تخلو من أخطاء البداية وتبدأ من حيث انتهي الآخرين.


محمود كحيلة