إشكاليات دراما الطفل

إشكاليات دراما الطفل

العدد 658 صدر بتاريخ 6أبريل2020

تعد قضية دراما الطفل قضية حيوية ينبغى عدم التهاون فيها أو التغاضى عنها لأنها الرافد الأساسى الذى سيغذى المسرح مستقبلاً بجمهوره الواعى وفنانيه القادرين على حمل عبئه ودفع تطوره فى خطى ثابتة وانه لا يجب الاهتمام بدراما الكبار وإغفال دراما الأطفال وإلا كنا كمن يحرث فى أرض بوار نهتم بسطحها ونترك أعماقها التى تضم الجذور وترعاها لتخرجها فيما بعد ثمراً وتكون النتيجة جدباً لا ينتج ولا يثمر ثم أن دراما الطفل  الاّن صارت جزء اً من العملية التعليمية والتربوية التى يقوم بها المجتمع لتقويم صغاره وتنشئتهم وفق قيم  ومبادىء محدودة ومتفق عليها  وهو فى النهاية وسيلة هامة تساعد على تطور المجتمع والأمر هنا يقودنا إلى كيف نقيم على أسس علمية مسرحاً للطفل ..نقول أن ذلك يتحدد  بأربع خطوات  هى :

 أولا /التخطيط :
 ويقصد بها وضع الخطوط العريضة التى  يسير عليها المسرح والتى لابد من توافقها مع القيم التربوية المتفق عليها مسبقاً فمن المعروف أن المثلث الإنسانى  يتكون من : العقل والبدن والوجدان ، لذلك يجب أن  يضع المخططون  فى حسبانهم تنمية العقل  ليكون سليماً وتنشئة البدن القوى بتشجيع الأطفال على الحركة ونبذ الكسل والخمول ثم ترقية المشاعر والوجدان عن طريق الترفيه والتسلية ويمكنا فى هذا الصدد أن نعتبر الترفيه هدفاً وليس كما يتصوره البعض مضيعة للوقت والتخطيط ومن هنا يجب أن يتولاه التربويون وعلماء النفس والمتخصصين فى المسرح ولا نترك للمبادرات الفردية لها الفرصة فى ذلك ، فمهما حسنت النوايا فهى معرضة للخطأ الذى يؤدى إلى اّثار سلبية

ثانيا /  التنفيذ:
ويقصد به الخطوات  العلمية التى تترجم الخطوط العريضة للخطة والتى تشمل تفاصيل تتضمنها العروض المسرحية المقدمة للطفل وإذا لم يشد الحدث انتباه الأطفال فإنهم سينشغلون فيما بينهم إما بالحوارات الجانبية او بتبادل الأيدى وبالتالى يصبح صعب السيطرة عليهم .. ومن يجب الإشارة إلى الشكل والمضمون  وهما وجهى العملة للعملية الدرامية
الشكل :  
فبعد تنفيذ الخطة  ومسرحتها نأتى إلى الشكل ، فيجب أن يراعى فيه مايأتى
ــ بالنسبة للغة المستخدمة لابد وأن تحمل جرساً محبباً للطفل وتصاغ ببساطة بعيدة عن التغريب وبعيدة عن المفردات التى أدخلت حديثاً إلى عالمنا وبلغة يفهمها بدون ضجر
ــ ان يمتزج الحوار بالحركة، فالحوار بمفرده يبعث على الملل إذا استغرق فترة زمنية طويلة ويبقى الخيار الأفضل هو أن  يمتزج الاثنان معاً ويتوافقا
ــ  أن تزيد الأحداث ويقل الحوار حتى تصبح الحركة مبررة وليست مفرغة من المعنى فكلما كانت الحركة مرتبطة بحدث  قلت أو تنعدم نسبة الملل التى يمكن أن يتسلل إلى الصغير وذلك حتى ينشغل طوال الوقت فى متابعة الحدث ومساره حتى يصل إلى نهايته
 
ومن الأمور التى تلعب دورا بارزاً فى دراما الطفل التى  تترجم إلى عمل مسرحى هى:
 أــ الأداء..فالأداء السليم المؤدى فى سلاسة وتلقائية  يلقى استحسانا من الأطفال وينال على إعجابهم ، وقد لوحظ ان المبالغة الكوميدية فى حركة الممثل تفجر طاقة الضحك لديهم
ب ــ الديكور ...كلما كان بسيطا فى تكويناته وغير معقد ومشوق بألوانه الجذابة ويتحقق فيه عنصر الإبهار ويشيع فى الطفل جو من البهجة  ويحمله على الشعور بالسعادة طيلة فترة العرض ،  ويجب أن يتحقق نفس الشىء بالنسبة للملابس بألوانها وتناسقها وتناغمها مع الديكور ، وإضافة لذلك فإن الألوان الداكنة إن لم يكن لها مبرر درامى ستحمل الطفل إلى عدم الراحة
ج ــ ا لإضاءة ... وهى تلعب دوراً رئيسياً فى إبراز جماليات  الديكور والملابس ويجب التقليل بقدر الإمكان من مشاهد الإظلام الكامل التى يلجأ إليها المخرجون كحيلة لتغيير الديكور فالظلام الدامس بالنسبة للطفل يثير بداخله الرعب لذلك يفضل استخدام وسائل أخرى  كدخول الديكور من الكواليس او من أعلى أو صعودها من أسفل  الأمر الذى يجعل الطفل يشعر بالإنبهار.

 المضمون:
 تظل قواعد الدراما المعروفة هى القاسم المشترك بين دراما الكبار ودراما الطفل وإن اختلفت عند دراما الطفل التى نجدها تتميز ببساطة الحبكة وعدم اللجوء إلى التعقيد  كالإفراط فى مشاهد flash back أو الخطوط الدرامية المتقاطعة والتى تحتاج إلى تركيز شديد وهى أمور أكبر من أن يستوعبها الطفل، فإذا تسلسلت  الأحداث فى سرد رتيب فقدت جاذبيتها للطفل وإذا تحولت الأحداث إلى صراع يجعله أكثر إثارة وتشوقاً وهنا تلعب اللغة مع الحركة والأداء أكبر الأثر فى إنحياز الأطفال إلى إحدى جانبى الصراع  ،شريطة أن لا يقدم الشر فى صورة محببة تدعو الأطفال إلى تقليدها وعلى ذلك يكون هو هذا  المضمون الذى نحرص عليه فمسرح الطفل هو خلق الأحداث التى تربط بين مفهوم التربية  ومفهوم القدوة دون مواعظ مباشرة والابتعاد عن المباشرة  ،والتبسيط هنا لا يعنى السذاجة فى عرض الأحداث وتشابكها..الأمر الذى يجعلها غير منطقية ولن تثير فى الطفل سوى الاستخفاف وعدم الاقتناع بما يقدم وهذا خطأ يقع فيه كتاب دراما الطفل حين يتصورون إنه بتبسيط الدراما يمكن أن يصل بالطفل سريعا الى عقل ووجدان الطفل

 ثالثا / المتابعة:
وهى عملية تتم طوال مراحل التنفيذ الى ان يكتمل ويصبح عرضا مسرحيا يشاهده الاطفال  ، والمتابعة يقصد بها مطابقة الخطة مع ما يجرى تنفيذه ورصد العقبات الطارئة والبحث عن حلول لها  والسلبيات التى ظهرت والتى ربما تحتاج الى تعديلات فى الخطة  وتقسيم العمل  الى مراحل وخطوات لا يعنى ذلك الجمود بل هى من المرونة بما يسمح لها بالنظر فيها على ضوء معطيات الواقع .


 رابعا / التقييم:
 ويتم ذلك بقياس رأى المشاهدين لتحديد مدى استجابتهم للعمل وما اذا كانت القيم المستهدفة فى الخطة قد تحققت أم لا  وهنا الأمر يختلف تماما  ففى  مسرح الكبار يحرص المشاهدون  للعمل الفنى على الاعتبارات الإنسانية من مجاملة للعاملين فيه خشية إحباطهم وتأثر علاقاتهم بهم ، أما جمهور المشاهدين من الاطفال فالامر يختلف تماما لانهم مازالوا فى سن التطهر الذى لم يلوث بعد.

ولتقييم  مسرحية الطفل هناك عدة أساليب
• تسجيل رد فعل الاطفال اثناء العرض لمعرفة اكثر المناطق التى نالت اعجابهم
• ادارة حوار مع الاطفال بعد انتهاء العرض لمعرفة انطباعهم عن العمل ككل ثم عن تفاصيله
• تصميم استمارة تحتوى على أسئلة بسيطة ويطلب من الأطفال الاجابة عليها وتشمل الإستمارة تفاصيل العمل  سواء من ناحية النص ومضمونه او من ناحية الشكل
وعملية التقييم هذه ستمكننا من تحديد مسار هذا المسرح ومدى تحقيق أهدافه وإذا سار المسرح وفقا للخطوات السابقة حتما سيحقق كل ماهو مرجو منه وانه ثمة نقطة أخيرة  وهى أن هذا مسرح  الطفل لا يتسلط عليه الأضواء مثل مسرح الكبار وأن العاملين فيه  لا ينالون نفس شهرة مسرح الكبار
إضافة إلى ذلك تدنى الميزانيات المرصودة له, وأن المجتمع مازال تحكمه النظرة الفوقية للأطفال وسيظل العاملون فى مسرح الطفل وكتاب دراما الطفل أشبه أو أقرب إلى أصحاب الرسالات ويكفى ان فنانيه صنعوا الضحكة والابتسامة للطفل وكلنا امل فى ان يحظى هذا المسرح نفس الاهتمام الذى يحظى عليه مسرح الكبار  وبنفس الاهتمام الذى يوليه النقاد لمسرح الكبار ورصد الإمكانيات المناسبة من ميزانيات ودور عرض وتحريك للعروض فى كافة بقاع الوطن ليشاهده كل الأطفال ليحدث الحراك المطلوب والهدف الأسمى


مجدى مرعى