يوجينيو باربا: وداعا للسلاح.. ولكنني سأستمر في الرقص

يوجينيو باربا: وداعا للسلاح.. ولكنني سأستمر في الرقص

العدد 611 صدر بتاريخ 13مايو2019

وصلتني رسالة من باربا بتاريخ 7 أبريل 2019
جوابا على ما كتبته له عن متابعتي لزيارته إلى شرم الشيخ كضيف شرف مع رفيقته الممثلة جوليا فارللي.
وكان رده لي:
عزيزي قاسم
سأستمر في الرقص وأنا أتبع إيقاعاتي.
بالحضن. أيوجينيو
وأرفق مع الرسالة نص كتبه حول تنحيه عن إدارة مسرح الأودين، فيما يلي ترجمتها من اللغة الإيطالية إلى العربية:
وداعا للسلاح
سأتنحى كليا عن مهمتي كمدير لمختبر المسرح الشمالي - اسكندنافي (نوردسك تياتروم لابوراتوريوم) من تاريخ 31 ديسمبر 2020. وستأخذ جوليا فارللي مهمة التنسيق الفني، ومسئولية الإدارة العامة من تاريخ 1 كانون الثاني 2012 ولحد أن يتم اختيار المدير من قبل المجلس الإداري.
كنا في سنة 1964 عبارة عن خمسة أشخاص، أنا وأربعة شباب ممن تم رفض قبولھم في مدرسة المسرح للدولة في أسلو في النرويج. وكان من بينهم تورجر وثال وإيلسا ماريا لوكفيك، وبقيا معي في تأسيس جمعية شراكة تقاسمنا فيها بناء الأرض التي ترجع لمن بناھا. وسمينا أنفسنا أودين، وھو اسم إله شمالي (من شمال أوروبا) يطلق العنان لقواه الغامضة ليدمر ويهب المعرفة.
كنا عبارة عن مجموعة مسرحية صغيرة من الهواة السذج الذين كان لديهم حب التطلع. كنا نحب السفر إلى مملكة الأموات - تاريخ المسرح. وكانت لدينا قناعة دفع المال من جيوبنا من أجل المسرح الذي نريد عمله.
وبدأنا خطواتنا الأولى بتمويل ذاتي، وسرنا في دربنا بصمت الرهبان وصرامتهم نحو معرفة شكلت لنا مكسبا في اختلافنا.
انتقلت فرقتنا في سنة 1966 إلى هولستبرو في الدنمارك. استقبل السياسيون هذه المجموعة من الممثلين الشباب الغرباء وغير المعروفين، وكان ذلك ھو شيء استثنائي في تاريخ أوروبا. وحصلت المجموعة على دعم جيل بعد جيل، على الرغم من رفض أهالي المدية بعناد، في بداية الأمر، وقد أفصحوا عن عدائهم لغرابة أسلوب ھذه المجموعة في طريقة عمل المسرح. وأصبحت مدينة هولستبرو، فيما بعد، موطنا لنا، ولد فيها أولادنا ودفن البعض منا فيها. ونمت أجنحتنا فنيا. وقمنا على مر السنين بتحويل مسرح المختبر إلى بيئة من المبادرات في مجال تقنيات الممثل وطرق توظيف حرفته في داخل الجماعات.
لا يمكن، وببساطة، أن نحصر المسرح في العرض الذي يتم دفع تذاكره. في حرفتنا أبعاد أخرى لقيمة لا تقدر بثمن، ولكنها تترك أثرها في العمق. قيمة تشكلت من نوعية العلاقات ومن نمو ثقافة مجتمع مصغر، ومن مختبر اجتماعي في بحث دائم، ومن الالتزام الروحاني بوعي سياسي معاند، ومن القدرة على تغذية قوانا النفسية بالضد من الروتين القاتل ومن زمننا الحالي.
وفتح مختبرنا الطريق للعديد من النشاطات: عروض في أماكن غير مألوفة وفي الشوارع، والبحث الخالص وبداغوجيا بديلة، استفتاءات اجتماعية، إصدار كتب ومجلات وأفلام، وتبادل لقاءات متواصلة مع المجاميع المسرحية من بقاع مختلفة من الكرة الأرضية، ومساهمات مع معلمين من تقاليد المسرح الأسيوي ومن أمريكا اللاتينية ومن الثقافة الأفرو برازيلية.
وقد أصبح بعض ممثلينا مخرجين ومرشدين لأجيال، وتفردوا في صياغة المخاطرة، مثل “جسر الرياح” مشروع ابن نجل رازموزين، وترانسيت فيستفال ومشروع “ماجدلينا” لجوليا فارللي بالمشاركة مع نساء أخريات، وأسبوع فيستفال الأودين لروبيرتا كاريري، والمختبر القرية لكات برتولد وبيركاب يانيس، والمدرسة الدولية لأنثروبولوجيا المسرح، إضافة إلى أرشيف المسرح كمقايضة ثقافية، وكذلك الفيستوكا أسبوع الاحتفال، الذي يكشف عن تنوع الثقافات التي ھمشت والقيام بمسرحتها في هولستبرو. وقد تجذر كل ذلك في التاريخ بعمق وها هو اليوم يتحدى الحاضر في هولستبرو.
وتحتوي بيئتنا العديد من النواة المستقلة التي يديرها مسرحيون وباحثون ومنتجو مشاريع، دخل نشاطهم في ذهنية وطريقة القيام بالمختبرات، والتحري، من خلال فن الممثل، عن علاقات وشروط جديدة لكي يحدث ما هو غير متوقع.
لقد حان الوقت لكي أسلم القيادة والمسئولية، وشرف أخذ مائة قرار يومي، لأولئك الذين سيعرفون ما ھو الجوھري فيما قمنا بتقطيره أنا ورفاقي على مدى 56 سنة، وكيف يجعلونه أن يبقى حيا.
كنت مديرا أراد أن يدخل بفعله في الواقع الذي كان يحيط بنا. وقد عملت بموجب الدوائر المائية، التي رميت الحجارة فيها، وكنت أعرف كيف أرميها، ولكن الدوائر قد اتسعت وتخلخلت الأشياء القريبة وتحركت من موضعها وأنتجت تيارات صغيرة غير مرئية.
ولكنني، لا أستطيع، أنا الذي رميت الحجارة، ولا أتوخى أن أقوم بتحديد مستقبل تلك التيارات.
أتابع رحلتي كالغيمة. وها أنا الآن أقوم بتحضير عملين مسرحيين جديدين مع ممثلي الأودين، وسأستمر في لقائي مع مجاميع المسرح الثالث، ولن أترك بحثي على مشارف ممرات الفضاء الداخلي للممثل للانتقال إلى الإدراك الحسي لإيماءته في الفضاء الذي يتقاسمه مع المتفرج.
ليس لي وريث ولا عندي إرث أتركه لأحد. لا يمكن توصيل تعاليمي ولا يمكن أن تنقرض، فهي تتبخر، ومن ثم تتساقط مثل المطر على رأس من لم يكن يتوقعها.


إبراهيم جلال

Ibrahim@gmeil.com