المسرح النسائى .. مسرح نصرة المرأة

المسرح النسائى ..  مسرح نصرة المرأة

العدد 738 صدر بتاريخ 18أكتوبر2021

هما مفهومين مختلفين سوف استعرضهما هنا كبداية فى موضوع أظنه شديد الالتباس والتعقيد أيضا، ولا يمكن على الإطلاق تسطيحه بجرة قلم بقرار إلغاء مصطلح أو مفهوم أو نوع من المسرح.
هذا النوع من المسرح تبلور منذ عقود على أرض الواقع وأصبح له تواجد وتأثير حقيقى. هو أيضا نوع مسرح متجدد ومتطور بانفتاح وذكاء.
ممارسين ومنظرين هذا المسرح عالميا يقومون منذ بدايته بشىء عظيم من وجهة نظرى المتواضعة وهو النقد الذاتى والتفاعل اليقظ مع كل المتغيرات الاجتماعية والسياسية والإنسانية والانتباه للمواكبة والتعاطى والحوار وهذه اظن من طبائع الdivine feminine. الflexibility، المرونة والاحتواء والقبول ودفع العجلة للأمام لصالح البشرية ذكر وأنثى، كما أتمني أن أوضح .
قبل أي شىء، اظن اننا وصلنا إلى نقطة فى التطور الحضارى والانسانى والوعى تحتم علينا الا نتعامل مع المسرح الفيمينيستى انه فى صراع مع الوان مسرح أخرى هو لم يكن ابدا كذلك، فصراعه الأصيل الممتد هو مع نظام باترياركى يقهر كل الضعفاء ذكر ام أنثى أو حتى البيئة والكوكب بكل من عليه . والنظر إليه على انه صراع بين انواع مسرح يجب إلغاء الاخر فيها (الاخر فيه مسرح الفيمينيست فى هى شكل من أشكال الفاشية اظن التى تمرد عليها النوع الأساس فى جوهره تمرد على الصوت الواحد للسردية 
لانه ببساطة، كل التيارات المسرحية تستطيع أن تحيا وتتطور جنبا إلى جنب وتثرى وتستفيد جدا من بعضها البعض وتثرى المسرح والإنسانية بشكل عام. لدفع الحضارة البشرية للأمام، واتساع عدسة الرؤية وعمقها.
منذ الاغريق، كانت هناك نظرة قد تكون احادية وشديدة النمطية فى اغلب الأحوال إلى المرأة فى المسرح وذلك حتى نهايات القرن الثامن عشر(طبعا هناك استثنائات) 
فكانت صورة المرأة فى غالبية النصوص هى المفعول بها، المغلوب على أمرها، أو الشريرة المدمرة المتأمرة، أو الغاوية للرجل، إلى آخر كل تلك التصنيفات والتنميطات التى كان كثير منها ساذج وبعضها مهين، ودائما من خلال سردية رجل. والنساء تأخرن كثيرا فى كتابة المسرح.
حدثت محاولات من هينريك ابسن ومن برنارد شو لتقديم صورة «للمرأة الجديدة،» ولكن أيضا من خلال تعطفهم عليها ووجهة نظرهم وطرحوا لصورة امرأة جديدة فاعلة ولكن من خلال ما يسمى بال male gaze أو النظرة الذكورية. «الطيبة» المتعاطفة، ولكنها ظلت نظرة محدودة يحكى فيها عن المرأة ولا تحكى هى.
كنوع من التدريب أو الدهشة أود من كل النساء اللاتى يقرئن رأيي هذا أن يكتبن مونولوج نورا فى بيت الدمية بنفسهن. قطعا سيكون مختلفا جدا وأكثر صدقا وعمقا عن وعى إبسن مع كامل احترامى لإبداع إبسن. وما قدمه هو أو غيره واطلق عليه من قبل نقاد عصرهم « مسرح المرأة.»
فقط فى أواخر الستينات أوائل السبيعنيات من القرن العشرين ومواكبة للحركات والثوارات الاجتماعية، أو للتطور الطبيعى والعضوى للوعى الإنسانى وهو الوصف الذى افضله، ظهر مصطلح مسرح نصرة المرأة أو ال feminist theatre، مسرح الذى تحكيه المرأة عن نفسها، وليس من خلال وسيط رجل (كاتب) من منطقه ومن وجهة نظره عن تلك المرأة حتى لو كان منصفا تجاهها، وبذل جهدا حقيقيا فى التعبير عنها.
فلماذا لا تعبر هى عن نفسها بنفسها بكتابة أو إلقاء أو ارتجال سرديتها هى؟ قد تبدو الإجابة بسيطة فعلا وهى «و لما لا؟» ولكن أليس من يملك حق السرد يملك أيضا القوة؟ . تلك هى المشكلة التى يشكلها مسرح الفيمينيست لكثير من نقاده اظن.
من يملك قوة الحكى يملك أو يقتنص شىء من القوة وهذا بدوره يغير تدريجيا منظومة القوة المتوارثة منذ الاقدمين واستقر عليها العالم ورسخت لها طبعا السردية الواحدة للباتريارك .
فى الموجة الثانية للحركة الفيمينيستية فى الستينات والسبعينات، ظهرت قصص النساء من خلال سردياتهن المغايرة التى قد لا يوافق عليها أو عليهن من أساسه المجتمع الباترياركى، فوجودهن أصلا فى الحياة، تلك الأصوات الشجاعة المتحدثة عن نفسها دون وساطة أو «فلترة» ذكورية تشكل تحديا لهيمنته على عالمه وعالمها الذى شكله وشكل قوانينه وأنماطه وفقا لإرادته هو ومصالحه هو، وفقا لوعيه عن ماهية المرأة والقالب الذى وضعها فيه.
وفقا ل hierarchy قوة قد نظمه المجتمع الباترياركى بعناية على مدار قرون طويلة، متناسيا أن حركة التاريخ دائما للأمام. وبعد الكلمة يأتى الفعل وتغيير موازين القوى وتغيير قوانين واهتزازات فى منظومة قوى مسيطرة وراسخة .و هنا تكمن الخطورة. والمسرح هو سيد ومنبر الكلمة، منبر التجمعات المجتمعية ال communal التى كانت دائما راصدة ومعبرة وفاعلة فى الحركة الاجتماعية. المسرح هو الحياة الروحية لأى مجتمع، وصوت الوعى وال لا وعى. ال subconscious 
فما بالك لو كان لهؤلاء النساء اللاتى يردن تغير موازين القوى الاجتماعية أيضا صوت ومنبر وتمكين لإبداعهن؟ شىء مخيف طبعا، لأنه مسرح بطبيعته فاضح للقهر الذكورى، فاضح للمجتمع أو أنظمة قائمة على سلب الآخرين حقوقهم، هو أيضا مسرح فاضح لعجز ما، لسوء فهم، لتنميط، فاضح لتهميش، فاضح لعنف نفسى وبدنى، فاضح لظلم اقتصادى، فاضح لرؤية قاصرة ومنطق محدود شكله المجتمع الباترياركى على حدود وعيه واحتياجاته ومصالحه هو واستكان إليه، واستكان إلى سرديته العالم كله .

هو مسرح فاضح لخلل فى العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهذا أظن هو لب الموضوع .
تخيلوا ببساطة شخص صامت لقرون، وتاركا الأخر يتحدث عنه من خلال منطقه ووعيه هو، وأيضا أولوياته هو التى دائما حتى فى افضل الأحوال تؤكد على هيمنته، على تفوقه على ذكاؤه، على عبقريته وانه المانح والمانع والمتحدث الرسمى والوحيد، هو الوحيد القادر على الفعل واتخاذ القرار ورسم السياسات والأنظمة والقوانين لتسيير شؤون البشرية. فجأة الشخص الصامت المرأة بعد قرون استطاعت أن تقتنص الميكروفون وقررت أن تتحدث عن نفسها بنفسها دون وساطتك. دون وجهة نظرك ولكن من وجهة نظرها . بروحها، عن عالمها الخارجى والداخلى، بمنطقها، أن تواجه العالم بنفسها وتأخذ مساحتها كاملة على المسرح بسرديتها هى للأحداث وأيضا أن تنتقد فعلك وسرديتك ومنهجك فى تسيير أمور البشرية، وان تلفت الأنظار إلى مظلوميات عديده تسبب فيها النظام الباترياركى، وذلك فقط من خلال سرد قصص... قصص مغايرة تماما لقصتك .

ليس من خلال نص كتبه رجل، ولكن نص كتبته هى.
شىء مقلق ومزعج جدا لمنظومة راسخة لديها سردية واحدة؟ أظنه كذلك. وذلك القلق أظن كان سببا أساسيا للسخرية الشديدة من هذا النوع من المسرح ومن نساؤه ورجاله لأنه مثل أي حركة تقدمية لا يعرف احد مداها لو تركت لحالها تتطور سوف تهدد الوضع القائم، أو ال status quo، ستهدد the structure of power، وليس فقط ال وضع القائم فى علاقات الرجل بالمرأة فهذا هو الجزء الهين، ولكن فى نظام عالمى قائم منذ بداية الحضارة، بنى على أرضية القاهر والمقهور.

نظام اجتماعى وسياسى واقتصادى بنى على structure of power محدد.
و من يملك القوة أو الهيمنة هو الذى يحدد نوع القصة وكيفية سردها، ويحدد من سيسرد القصة، وتوقيت سردها وطبعا وجهة نظر الحدث أو القصة التى دائما ستؤكد على جدوى هذا النظام العالمى أو المحلى أيا كان .
و المقهور هنا ليس المرأة وحدها على الإطلاق، فهى جزء من كل، هم الفقراء، والمضطهدين عرقيا، وجنسيا، واجتماعيا، وسياسيا واقتصاديا وطبقيا وجندريا وثقافيا وحضاريا.
هذا النوع من المسرح هو فتح باب للمقهورين وتمكينهم بدون لافتة «المقهورين» معلقة عليه، فتح باب لحوار المقهورين لسماعهم أصوات بعض،، ليتعرفوا على بعض لإطلاق أصواتهم، لاكتساب قوة الجماعة، لتنظيم نفسهم، لطرح سردية أخرى هى بطبيعة حالها أكثر صدقا وأكثر إنسانية ...سردية لو تراكمت وتكررت هى فاضحة لنظام عالمى اجتماعى وسياسيى واقتصادى، متوحش فى ماديته، واجوف إنسانيا ومجحف لثلاث أرباع البشرية .
هو مفهوم مسرح لو ترك لحاله لينمو ويتطور ويجمع كل المقهورين بداخله، وهو ما يحدث يضرب فى أساس تلك القوة المهيمنة وأسسها ويسلبها مقومات بقائها .
و من يملك الحق فى سرد، القصة، أي قصة، من وجهة نظر احادية، مع تكرارها تصبح هى الحقيقة الوحيدة، لأن كل الأصوات. الأخرى لا تحكى. المسرح الفيمينيستى كسر ذلك. فتعددت الأصوات ووجهات النظر. ولذا هو خطير جدا على كل الأوضاع القائمة. ولذا أظن يهاجم بضراوة.
فى عام 1989، أستاذة القانون فى الولايات المتحدة كيمبرلي كرينشو kimberle Crenshaw ابتدعت مصطلح intersectional feminism، أو الفيمينستية التقاطعية،اى المتقاطعة مع كل الأشكال والأنماط الأخرى من انعدام المساواة والتى قد تتواجد فى شخص واحد أو جماعة واحدة مثل المرأة السمراء الأفريقية الأصل فى الولايات المتحدة فهى يقع عليها ثلاث أنواع من انعدام العدالة الاجتماعية كونها مرأة وكونها أفريقية الأصل سمراء وأيضا فى معظم الأحوال كونها فقيرة اقتصاديا (و ده مثار بكثافة الآن فلا أدري من الذى قرر ولماذا أن الفيمينسيتية انتهت من الغرب وان المجتمع الباترياركى انتهى من الغرب، وهى الآن فى أوج فعلها والعكس هو الصحيح جدا الآن. فهى يعاد إحياؤها الآن وبكثافة على أرضية ومفهوم أوسع وأشمل لأنها نفسها كانت قد وقعت فى فخ تهميش الأخر عندما تجاهلت تقاطع كل تلك المظلوميات وأدركت حتمية التعبير عن كل تلك الطبقات والتقاطعات من انعدام العدالة الاجتماعية. وهناك شواهد كبيرة وكثيرة جدا على إعادة الأحياء ده منبعها الفيمنيستية التقاطعية. لم تعد الفيمنيستية تتحدث عن انعدام العدالة الجندرية فقط للمرأة البيضاء الأمريكية أو الأوروبية ولكن عن تقاطعها مع العرقية، والطبقية، والاقتصادية والثقافية والجنسية، وأيضا مع أصحاب ذوى الاحتياجات الخاصة واستحقاقهم فى المجتمعات من صوت مسموع وتمكين. وترسخ مفهوم ال intersectional feminism فى المسرح منذ بداية التسعينات وذلك كان التطور الطبيعى والعضوى والبديع لحركة أو مفهوم أساسه النبيل جدا المساواة والعدل ورؤية الأخر واستحقاقه وإنسانيته.
أظن هذه هى ال feminism فى أرقى وابدع صورها عندما خرجت من مفهوم ضيق (كان ضروريا فى وقته) إلى مفهوم اكبر بكثير وأشمل يحتوى البشرية كلها. مفهوم إنساني شامل. منذ بداية التسعينيات حتى الآن. وتضخ فيه دماء جديدة طوال الوقت لأنه منفتح على التطور والنمو وعلى شمول واحتواء الأخر المهمش اقتصاديا، عرقيا، جنسيا،ثقافيا إلى آخره.
و من هنا يأتى الرعب عند البعض من هذا التيار، فهو تيار لم تعد تستطيع السخرية منه على أنه حبة ستات مجانين بنضارات سميكة وشنبات معقدات من الرجال بيزعقوا فى الناس يمكن السخرية منهم وافقادهم أي مصداقية (ولم يكونوا ابدا تلك الصورة الكاريكيتيورية التى كرس لها النقد الباترياركى عن قصد. ولكن ما حدث ويحدث هو تطور هذا المسرح بوعى وثقافة ليشمل كل المقهورين. وتحقق الرعب الأول الحدسى منه عندما بدأ فى الستينات. فمن المضار من تيار يعطى صوتا لكل المقهورين؟
عندما ننظر إلى شىء ما يثير جدل ما، أظن انه يجب أن نسأل سوأل مهم :من المضار ومن المستفيد.؟
و هنا تحضرنى جملة رائعة من عرض مسرحى لفريق أمريكى اسمه» vibe «و هى :
«هناك سببان اساسين لعدم دعم البعض لمفهوم الفيمينسيتية وهما انهم لا يفهمون ما هى، أو يفهمون جيدا جدا ما هى .»
من الجمل عذرا التى اعتبرها كليشيه جدا فى نقد المسرح الفيمينيستى هى جملة ‹ليه مسرح عن المرأة؟ قدموا مسرح عن الإنسانية « عذرا أليست المرأة جزء من الإنسانية؟؟ وماذا اذا اختار البعض أن يقدموا مسرح عن هذا الجزء الهام جدا من الإنسانية فقط وان يتخصصوا ويتعمقوا فيهو فى سردياته التى قد تحوى تاريخ موازى خفى للبشرية، الا يثرى ذلك نظرتنا للتاريخ والحضارة والحاضر أيضا، الا تثرينا كمبدعين أو حتى بشر عاديين السرديات المتعددة ؟
هل طالب احد ابدا بالغاء مسرح الرقص الحديث مثلا؟ اذن لماذا المطالبة بالغاء المسرح الفيمينيستى (و كأن ذلك ممكن وهو مستحيل طبعا) من المضار؟ وهذا النوع من المسرح لم يطالب ابدا بالغاء أي نوع اخر. لان هذا المطلب فى حد ذاته، فاشى وعبثى جدا وقائم على قمع ونفى الاخر 0ممكن تختلف جدا مع طرحهم ولكن تطالب بالغاؤهم؟؟؟
هذه مطالبة بالغاء شكل من أشكال حرية التعبير وان يأتى هذا الطلب أو الطرح من مسرحيبن.. ده مخيف ومحير جدا .
لم اسمع ابدا عن نوع مسرح يريد إلغاء نوع مسرح اخر تحت حجة واهية أن تخصيص مسرح للمرأة مهين للمرأة!!! هل مسرح الطفل مهين للطفل ولا شكل من أشكال الاهتمام به، والاعتراف بأهمية الخوض فى عالمه وخياله واحقيته فى أن يجد ما يعبر عنه هو تحديدا ؟ هل مسرح الطفل يؤثر وجوده على انواع أخرى من المسرح؟ اظن الإجابة هى لا. اذن لماذا المطالبة بالغاء المسرح الفيمنيستى؟ لماذا هو مزعج جدا للبعض؟ ... أو مهدد لسرديتهم؟
طبعا هناك تجارب سيئة وساذجة وسخيفة فى مسرح الفيمينيست وهناك من اسائوا استغلاله، ومن استخدموه لجنى الأموال والتمويلات، ولكن أليست هناك تجارب رديئة جدا شديدة الردائة والابتذال فى كل الوان المسرح وتوجهاته؟ هل يعقل أن نطالب بالغاء لون من الوان المسرح بناء على بعض إنتاجه السىء ولا بنحكم على الأشياء من ارقاهم وافضلهم، وان نرسخ لجوهر هدفه النبيل ؟
فى اعتقادى كل البشرية السوية الحالمة الأملة فى عالم اكثر انسانية ورحمة وتحضر هى المستفيدة. وعلى المستوى الفنى المسرحى كلنا مستفيدين من تعدد الأصوات، تعدد السرديات، تعدد العوالم الداخلية والرؤى . تعدد المنطق، ووجهات النظر من عدسات مختلفة. فمن المضار؟
و اظن ما دفع ال feminist theatre أو المسرح المناصر للمرأة إلى هذا التطور الانسانى المهم والبديع فى العالم الان وخاصة فى السنوات الأخارى مع حركة me too ثم black lives matter على سبيل المثال، ليس قرار، ولكن الحياة نفسها ووجود كل تلك المظلوميات الحقيقية فيها بشكل مكثف وخانق، وخروجها على السطح بأصوات اصحابها وكان الباب منفتحا من خلال ذلك اللون من المسرح الذى تطور منذ بداية التسعينيات ليشمل كل المقهورين لانه أدرك انه جزء من كل، ومتفاعل وغير مترفع عن المهمشين جدا فاحتواهم بداخله .
لذا intersectional أو متقاطع مع كل المظلوميات أو أي عدم مساواة أخرى. مفهوم المسرح المناصر للمرأة تطور كثيرا وبعيدا فى الغرب منذ الستينات حتى الآن، تطور تطورا عضويا نابعا من فكرة إعطاء كل المقهورين نساء ورجال صوت وحضورا وتمكينا ابداعيا للكتابة والتمثيل والاخراج والموسيقى.
كل من لا تشملهم المؤسسات الرسمية أو التقليدية ولا تراهم أيضا. وان رأتهم فهى لا تريدهم لأنهم يحدثون خللا واضطرابا فى تماسك وصدق السردية الرسمية التى تم الترسيخ لها من قرون وتحفظ قوى المجتمع الباترياركى. فاى خلل فى تمسكها من سرديات مغايرة يضرب فى اساس النظام الباترياركى. وكل القائمين على المسرح التقليدى فى العالم كله ليسوا بلهاء، هم يدركون ويعون تلك الخطورة ويعتبرونها حرب وجود اظن .
لم ينادى ابدا ال feminist theatre بهدم أو إلغاء ماسبقه أو أي مسرح اخر مواكب ليه بكل توجهاته وألوانه أو تهميشه لان هذا الطلب يعبر عن منهج قمعى وشديد الفاشية غير متماشى أو متناغم مع مفهوم المسرح المناصر للمرأة وهو اصلا ثورة على الفاشية فى أساسا. ثورة على the single story. كما كتبت الكاتبة النيجيرية شيماماندا نيجوزى، صاحبة نص بديع اسمه «خطورة القصة أو السردية الواحدة» the dangers of the single story.
بل كانت ثورة هذا المسرح شديدة الرقى، انها صنعت طريقا موازيا لنفسها لصوتها جنبا إلى جنب مع كل الأصوات الأخرى أو الألوان الأخرى من المسرح. ولكنه صوت مزعج لانه قد يكون أكثر صدقا ومغاير للرواية الرسمية دائما..
المسرح النسوى مسرح باحث عن الديمقراطية، فلن ينادى ابدا بالغاء المسرح الغير نسوى كما يفعل اعداؤه أو نقاده.
صنع طريقا اخر واستقطب كل من لم يجدوا تمثيلا لهم فى مسرح لا يعبر عنهم ولا عن قصصهم أو مشاعرهم أو عالمهم .. بشكل مسالم جدا.
و ذلك ينقلنا إلى خصائص ال intersectional feminist theatre الذى ظهر مع الموجة الثالثة للحركة النسوية فى بداية التسعينات من القرن العشرين ومستمر بقوة وتطور حتى الآن وخاصة فى السنوات الأخارى.
مسرح نصرة المرأة أحدث تطورا فى الشكل والمضمون، ليس فقط فى النص ولكن فى العملية المسرحية نفسها.
فيما يخص المضمون:
_البحث فى الادوار الجنسية والجندرية مع عكسها أو السخرية منها احيانا.
_حكى سرديات عن شخصيات تاريخية نسائية وذكورية مؤثرة تم تهميشها تماما من قبل التأريخ والإبداع القائم عليه المجتمع الذكورى وكتابه.
_سرديات عن النساء اللاتى تم قهرهن من ثقافات عدة، وقهر ثقافتهم من الأساس، مثل السيدات من أصول أفريقية، ولاتينية أو سيدات السكان الأصليين للقارة الأمريكية. (و هذا يحدث بكثافة منذ بداية حركة black lives matter)
_نقد لأنظمة القوة فى العالم التى تقهر المرأة، وتقهر الأضعف المهمش.
فيما يخص الشكل:
المسرح الفيمنيستى الأكثر حداثة يتحدى كل القوالب التقليدية فى الشكل بداية من النص حتى العملية الإنتاجية للعرض المسرحى، فيما يخص بنية الحكاية، إلى عملية اختيار الممثلين وتوزيع الأدوار، إلى حتى طريقة إدارة البروفة وفى علاقة المخرج بالممثل.
_المسرح النسوى يتيح إمكانية أصوات كثيرة متقاطعة للحديث وسرد التجربة.
_بيرفض السلطة المطلقة للمخرج، والمخرج بيتيح للممثله والممثل ويمكنهم من إضافة ما يرونه هم فى العمل وان يأخذوا قرارات الحركة على المسرح وأيضا فى افضل قالب لتقديم القصة أو القصص .
_مسرح بيرفض التسلسل التقليدى للسرد وكثير من نصوصه صاحبة نهايات مفتوحة، وقصص دائرية، وسرد بلا تسلسل زمنى.
_هو مسرح يضع الشخصية النسائية فى محور الحدث وغالبا فى ensemble cast، أو بطولات جماعية مبتعدا عن بناء البطلة أو البطل الفرد.
هو مسرح انسانى جدا اكثر صور المسرح انسانية وتطورا واحتواء وانفتاح اظن. عندما يتحقق المسرح الفيمينيست بهذا المستوى والوعى والهم العام والشمولية يكون اساسيا وضروريا ومثاليا فى حركة تطور البشرية.
المسرح الفيمينيستى ليس فى صراع مع انواع أخرى مع المسرح، هو فى صراع مع انعدام كافة أشكال العدالة الإنسانية، وانعدام العدالة احد سبل تحققها، هو قمع الأصوات الأخرى لصالح صوت واحد.
تقول الكاتبة النيجيرية شيماماندا نيجوزى «أن خطورة القصة الواحدة، the single story، انها تسلب البشر كرامتهم، عبر التاريخ قد تم استخدام القصص فى سلب الحقوق، فى سلب الأوطان، فى سلب الهوية، فى تشويه الاخر، ولكن القصص أيضا يمكن استخدامها لإعطاء القوة للمقهورين، لالهام الضعفاء، لاضفاء صفات انسانية على من لا نعرفهم... القصص من الممكن أن تكسر كرامة الاخر وأيضا من الممكن أن تساعده على استعادتها. «
ختاما..... من المضار؟


معتزة صلاح عبدالصبور