العدد 526 صدر بتاريخ 25سبتمبر2017
من تأليف سامح عثمان، وإخراج محمد موسى قدم نادى مسرح دمياط الجديدة، ضمن فاعليات المهرجان الختامى لنوادى المسرح، عرض “القطة العميا”، والذى دار حول الأحلام التى يصعب تحقيقها رغم بساطتها ومحدوديتها.
بدأ العرض من وسط المسرح بأحد الشباب الذى التفت حول عنقه قطعة كبيرة من القماش لتغطى كامل جسده، وفى مشهد مكرر، تخرج منه مجموعة من الشباب ليبدأ كل منهم في البحث عن حلمه، فواحدة تحلم بدمية، وآخر يحلم بفتاة رقيقة، وثالثة تحلم بنصف رغيف خبز، ورابع يحلم بسيف مش بينور، وخامس يحلم بكتاب بجد، بينما الأخير يحلم بأي شيء والسلام.
يمضى العرض فتتدفق الصور التى تحمل بين طياتها الكثير من المعاناة والهموم التى يلخصها العمل في مشاهد مكثفة يتطرق كل منها إلى مشكلة ما، لدرجة تشعر معها أن سامح عثمان كان قادرا على أن يختصر مصر بهمومها وأحلامها وضياعها وأحزانها في دقائق معدودة.
كما أنه أيضا كان ذكيا في اختيار اسم العرض “القطة العميا” فهو من ناحية يشير إلى المهمشين في المجتمع، ومن ناحية أخرى يمثل اسم اللعبة القديمة التى كان الصغار يمارسونها في الشوارع والحارات والتى تعتمد على أن يتكفل أحد الأطفال بمهمة الإمساك بأى من الأطفال المشاركين في اللعبة ليضمن لنفسه الخلاص ويكون الأخير هو المكلف بالجرى وراء الأخرين، تماما كما ظل أبطال العرض في حالة جرى ولهاث خلف أحلامهم وأمانيهم التى تصطدم دائما بحوائط عدة تغلفها العادات والتقاليد البالية إضافة إلى السلطة والتسلط والرغبة في كبح جماح الحلم لأغراض شتى.
ويتنقل سامح في سبيل تحقيق ذلك الغرض بين العصر الحديث بمفرداته الدخيلة والكثير من القصص الشعبية، وصولاً الى قصص الأنبياء، والكتب المقدسة، وبين كل مأساة وأخرى يختتم المشهد بجملة”انتم عايزين ايه بالظبط؟”، وكأن السؤال بلا جواب، وبلا قيمة طالما أن الأحلام ـ إجابة السؤال - معلقة في فضاء الواقع الأكثر قسوة.
والواقع أن فريق العمل الذى يضم محمد سلامة، إسلام جمال، أحمد شرف، محمد التوابتي، محمد موسى، آية سالم، أمينة عيسى، بذل مجهودا كبيرا منذ بداية العرض وحتى نهايته، غير أن هذا الجهد كان بحاجة إلى تنظيم أكبر خصوصا وأن فريق التمثيل ورغم اجتهاده الكبير إلا أنه بدا جليا للجميع أنه بحاجة إلى مزيد من التدريب والتجريب لاكتساب الخبرات كونهم يتنقلون بين أكثر من حالة على مدار الأحداث، الأمر الذى تسبب فى إحداث مجموعة من الصدمات الانفاعلية التى زادت عليها الصدمات الضوئية بفعل التنقل بين أكثر من لون بشكل مفاجىء ودون مبرر، وشخصيا أعتقد أن العرض قد يحقق نجاحا أكبر فى حال تدرب فريق التمثيل على الشخصيات بدرجة أكبر وبوعى وفهم أبعد من مجرد اختصار دورهم فى “الجرى وسط الفراغ” وتنفيذ تعليمات المخرج دون أن تشعر بوجود روح، أو تناغم بينهم وبين بعضهم البعض، أو حتى تواصل مع الجمهور فى الصالة.
مخرج العرض هو الأخر بذل مجهودا كبيرا وقدم فى بداية العمل الكثير من الصور المدهشة باستخدام الكشافات والبانوراما وتقنيات الظل والنور، غير أنه بمرور الوقت وحتى نهاية العمل استسلم للصور التقليدية والتى ساهمت إلى جانب التمثيل فى زيادة جرعة الملل فى الصالة رغم أن زمن العرض لا يتجاوز الـ30 دقيقة.
الموسيقى لكريم خليل كانت متنوعة بدرجة كبيرة وبدت فى لحظات كثيرة متضادة بشكل كبير، وإن كانت تخدم الحالة فى كل مشهد، فجميعها خرج عن الإطار والنسق الواحد، المتحد، ورغم أن اعتماد المخرج على بعض المقطوعات الموسيقية جاء كنوع من الإفيه لخدمة اللحظات الكوميدية فى بعض الأحيان، وعلى استحياء شديد، إلا أن الممثلين أنفسهم أفسدوا تلك اللحظات بفضل عدم تدريبهم عليها بشكل كافى وطبعا خرجت الموتيفة عن إطارها المرسوم لها من البداية وبدت وكأنها مجرد خلفية والسلام.
الإضاءة التى وضعها حسن النجار تنوعت بين ألوان الأحمر والأزرق والأصفر، وتبين من الخطة الموضوعة على مدار العرض أن المخرج اعتمد على أن يفسر كل حالة بلون، ورغم أنه نفذ خطته بشكل جيد جدا فى بداية العرض إلا أن الأمر بدا بعد ذلك عشوائيا وهو أيضا ما أفقد الجمهور حلاوة الاستمتاع بالصور البصرية التى شكلها المخرج من بداية العرض.
وعن الديكور الذى وضعه إسلام جمال فقد كان بسيطا إلى أقصى حد، خلفية تمتد من خلالها ستائر من التل الأبيض بشكل متقاطع على شكل “X”، فى دلالة على تقاطع أحلام هؤلاء البسطاء والذين يمتدون من الشمال إلى الجنوب، وكذلك للتدليل على أن الوضع مازال يعانى الأخطاء الفجة التى تحول دون تحقيق هؤلاء لأحلامهم وطموحاتهم.
وختاما يمكن القول أن المتعة الأهم فى تلك الليلة كانت فى الرسائل الضمنية التى أراد مؤلف العمل ومخرجه إيصالها إلى الجمهور من أقرب الطرق وبأقل قدر من التكاليف، ولأهمية تلك الرسائل كننا ننتظر أن نرى إبداعا أكبر من أبطال العرض خصوصا وأنهم خامات جيدة، وموهوبون فعلا وأتوقع شخصيا أن يسهم تدريبهم فىطفرة كبيرة خلال تجاربهم المقبلة.