تغريدة البوم.. تعرية لمسالب الحرب

تغريدة البوم..  تعرية لمسالب الحرب

العدد 948 صدر بتاريخ 27أكتوبر2025

تحت رعاية وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو الثقافة وفى إطار الدورة الثامنة من مهرجان القاهرة الدولى للمونودراما فى الفترة من 2/10/2025 وإلى 6/10/2025، وشارك فيها تسعة عروض، منها أربعة عروض من الدول العربية، مصر، فلسطين، الأردن، العراق، وأما عروض الدول الأوربية من إيطاليا، إسبانيا، رومانيا، سلوفاكيا، وبولندا، فقد شملت الفاعليات بجانب العروض المسرحية، ثلاثة ورش تدريبية، ومن هذه الورش، ورشة مصمم الديكور المصرى حازم شبل بعنوان (تشكيل الفراغ فى المونودراما)، والثانية ورشة للفنان البولندى كرزيستوف روغاسيفيتش بعنوان (الجسد على المسرح)، والثالثة للفنان الكويتى نصار النصار، وضمن فاعليات المهرجان للاحتفاء بمئوية ميلاد عبقرى المسرح العالمى بيتر بروك (21 مارس 19325 – 2 يوليو 2022م) أقيمت ندوة يوم الأحد 5 أكتوبر الساعة 11 صباحًا بالمجلس الأعلى للثقافة وتحدث فيها المخرج المصرى عصام السيد، والكاتب السعودى فهد الحارثى، بالإضافة إلى بعض المتحدون الأجانب وأدار الندوة الدكتور محمود سعيد.
إضافة إلى سلسلة من العروض الخاصة بمنصة (أيام القاهرة لمونودراما الشاشة) التى تناولت العلاقة بين السينما والمسرح الفردى، وكذلك (أيام القاهرة للحكواتي)، وتم تقدمها يومى الجمعة والأحد 3 و 5 أكتوبر على مسرح (قبة الغورى)، و (أيام القاهرة لمونودراما الصعيد)، وتشمل بعض العروض التى يقدمها شباب الصعيد.
ومن عروض المهرجان قدمت فرقة تراتيل المسرح والفنون من المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، العرض المسرحى (تغريدة البوم) على خشبة مسرح الغد، تأليف (إياد الريمونى)، وسينوغرافيا وإخراج معتصم كلوب، ودراماتورج (نيرفانا الخطيب)، وإعداد موسيقى (مصطفى حجازى)، وتمثيل (محمد الشخاترة). 
تدور الفكرة الرئيسية حول الحرب فى أى مكان بالعالم ولم يحدد منطقة محددة، لكننا نستنج من خلال الحديث عن المُعلم أنه يتحدث عن الحرب فى منطقتنا العربية (وأنت أيها المعلم أما زلت تنادى بأهمية لغة الضاد) وتأثير تلك الحرب وما خلفته من آثار على الإنسان، ومنها اغتصاب النساء – حيث اغتصب المحتل ابنة مُعلمة – وإذلال الرجال، فقد كانت (صرخات مناجاتها قطعت حبال رجولتنا)، كما أن (كل الأمهات قد سيقت إلى سكنات المقاتلين للمتعة والخدمة).
تدور الاحداث حول مأساة رجل هرب من الحرب وقرر أن يسكن المقابر والتى بها جثث الموتى وبعض أشلاء من جثث الموتى نتيجة الحرب، فالجثث والأشلاء تحيطه من كل مكان، واعتبر هذا الرجل أن منطقة القبور منطقة آمنه عن المناطق الآهلة بالسكان والتى يسودها الدمار والخراب من جراء الحرب، ومن خلال الأحداث نرى أن نص العرض يتعرض لبعض القضايا ومنها قضية اغتراب المواطن ووحدته فى وطنه المحُتل، وكذلك قضية الحب المتمثل فى العلاقة بين الزوجين، ومشاعر فقدان الزوجة، والاخلاص بين الأصدقاء والوفاء والانتماء والمتمثل فى وفاء التلميذ لمُعلمه (أستاذه)، وقضايا السلطة وعلاقتها بالشعوب، وقد حمل العرض بٌعد فكرى وإنسانى، وبحث الإنسان عن ذاته، كما أظهر لنا العرض من خلال الأحداث أن أبسط الأمور وهو حق الإنسان فى الحياة لا قيمة لها، فليس من حق الإنسان أن يعيش فى وقت الحروب حتى ولو لم يكن مشاركًا فيها، فيظهر لنا إنسان مسالم يعيش مع زوجته وأبناءه يقبض علية ويوضع فى السجن ويذل ويطلب منه تقليد الحمار والقرد، وكل جريمته التى ارتكبها أنه رجل، ومن مواطنين البلدة التى سيطر عليها المحُتل، وفى نهاية الامر نؤكد مرة أخرى أن العرض حمل عمقًا فكريًا وبُعدًا إنسانيًا، وعالج قضايا الاغتراب والوحدة والبحث عن الذات، وقد أكد المخرج على ذلك بأسلوب يجمع بين الرمزية والبساطة البصرية.
كان الديكور عبارة عن مانيكانات مقطعة إلى أشلاء، علقت فى السوفيتا التى ظهرت أمام المتلقى، والتى تعبر عن ضرب هؤلاء الأشخاص بالمتفجرات أدت إلى تقطيعها إلى أشلاء، وعلى الجانب الأيمن والأيسر وضع النصف الأعلى لبعض المانيكانات، بشكل غير منظم وتشير هذه المانيكانات والأشلاء إلى الموتى فى المقبرة ونجد فى رقبة بعض المانيكانات حبال فى دلالة على إنهاء حياتهم بالإعدام شنقًا، ويتدلى من السوفيتا أيضا حبل كان يستخدمه الممثل أحيانًا ليوضح أنه مكبل بالقيود، والذى كبله بها المحتل، كما تتدلى سماعة تليفون يرد عليها فى بعض الأحيان، لتعبر عن اتصاله بالعالم الخارجى، كما استخدم سلم خشبى مزدوج ذو ضلفتين حملة الممثل وعبر به عن شخصية مُعلمه والد زوجته، كما عبر به عن زوجته وأظهر مدى حبه لها وخوفه عليها كما عبر به عن حالة زوجته أثناء الولادة، وقد أنجبت له توءم (ذكر وأنثى)، وبعض الكراسى الخشبية والتى وضعت فى العمق ليجلس عليها الممثل، ليعبر بها عن النساء التى كان يأخذها المحتل بالقوة من ذويها ويغتصب بعضهن أو يقمن بخدمتهم بعد أن يقوم بتعذيبهن مهما كان سن المرأة وكانت من بينهن أمرأه تعتنى بالأطفال الرضع وتسقيهم الحليب حتى تستمر حياتهم فكانت تقوم بدور الأم التى ترعى هؤلاء الأطفال، وقد كانت كل أسماء النساء مجهولة ولكنهم من نفس البلدة التى احتلها المغتصب الغاشم.
كانت الإضاءة تعبر على الحالة الدرامية وسيطر عليها اللون الأحمر فى أغلب الأوقات والمعبر عن سلطة الاحتلال القامعة للمواطن، ولكن فى بعض الأحيان كانت الإضاءة غير منضبط وذلك حيث ظروف عرض الليلة الواحدة وكذلك فى المهرجات من الممكن أن يقدم عرضان على نفس دار العرض ونعلم أن العرض الثانى يستلم قاعة العرض قبل تقديم العرض بساعات قليلة ومن المفترض أن ينتهى من كل تجهيزات العرض فى وقت قصير جدًا، وهو ما حدث مع ذلك العرض؛ حيث قدم العرض الاول فى تمام الخامسة مساءً، وبعد انتهاءه، بدأ عرض تغريدة البوم فى تجهيز القاعة ليبدأ العرض فى زمن لا يتجاوز الثلاث ساعات.
استخدم فى العرض موسيقى شاعرية تعزف بالناى وتبطن أثناء حديث الممثل عن جارة وصديقه العزيز الذى مات، وهو فى لحظات اشتياق إلية، وكانت المؤثرات الصوتية عبارة عن صوت البوم – وترتبط أصوات البومة أحيانًا بالخوف أو الشر فى بعض الثقافات، حيث كان يعتقد أن صوتها فى ثقافتنا العربية نذير شؤم، وقد أبطل الدين الإسلامى هذا الاعتقاد، وأمر بالدعاء عند سماع صوتها – كما استخدم صوت الرياح وهو يسترجع ذكرياته وهو يحكى عن مُعلمة الذى مات، وكذلك نسمع أصوات الانفجارات التى يستخدمها المُحتل، وتهز المدينة. 


جمال الفيشاوي