عصفور وجرادة تلاميذ اليسر الابتدائية يطبقون نظرية اليسر في الأداء

عصفور وجرادة تلاميذ اليسر الابتدائية يطبقون نظرية اليسر في الأداء

العدد 555 صدر بتاريخ 16أبريل2018

أطفئت الأنوار استعدادا لبداية العرض المسرحي، واتجهت الأبصار نحو خشبة المسرح، ليتابع جمهور مسرح مدرسة السعيدية ما سيقدم على منصة العرض، لكن على غير العادة أضيئت أنوار الصالة بعد إطفائها، ثم فتح باب المسرح ليدخل منه إبراهيم سعد مرزوق، تلميذ مدرسة اليسر الابتدائية التي تقدم عرضها المسرحي "عصفور وجرادة"، ممثلة لإدارة جنوب الجيزة التعليمية ضمن مسابقة النشاط المسرحي. لم يكن إبراهيم هو الداخل، بل عصفورا، ماسح الأحذية ذا الشارب الصغير والوجه الباسم، فاشتبك مع الجمهور يطلب زبونا ليمسح له حذاءه، وعثر بالفعل على الزبون المطلوب، وهو من جمهور الجالسين، فسألة المتفرج اسمك إيه؟ فصاح عصفور: اسمي إبراهيم. أعلن عن شخصيته الحقيقية، لكنه بمجرد صعوده على خشبة المسرح تخلى عن «إبراهيم» تماما، وصار «عصفور» الذي أوحت له زوجته جرادة "مريم جمال محروس" أن يترك مهنة مسح الأحذية ليعمل منجما في السوق، هذا العمل الجديد الذي بنيت عليه الحبكة المسرحية، التي صاغها دراميا وحولها للعامية مخرج العرض "مصطفى حزين" عن قصة للكاتب يعقوب الشاروني.
تدور الأحداث في إطار الحكاية الشعبية التي تناسب مجموعة من الممثلين الذين تتراوح صفوفهم الدراسية بين الصف الأول الابتدائي والصف الخامس، حكاية مناسبة لخيالهم، تعطيهم الفرصة للتعبير عن حدوتة بسيطة، قريبة من القصص التي تحكيها لهم أمهاتهم بما تحوي من سلاطين وجواري، تجمع أحداثها بين الطرافة واستحضار فضول المتفرجين والسهولة التي تمكّن مجموعة من الأطفال يقفون على خشبة المسرح لأول مرة أن يتعايشوا مع قصتهم ويقدمونها بخفة وبراعة وبلا افتعال.
الصدفة المزوجة بالذكاء تحرك الحدث الدرامي، فيتمكن عصفور من التنبوء ببعض الأحداث التي تجعل السلطان "إسلام محمد أحمد" وزوجته السلطانة "رنا أشرف جمال" يقربانه منهما، ثم مراجعة عصفور لذاته التي تجعله يعترف للسلطان بحقيقته، ليقدم الحدث الدرامي قيمة مهمة للأطفال تتجاوز فكرة الصدق المنجي، إلى فكرة مراجعة الشخص لذاته عن طريق مراجعة تصرفاته وقول الحقيقة مهما كلفه الأمر من عواقب، فالحقيقة هي التي تنجي عصفور، بينما لا ينجي الزيف المنجمة الهندية "منة الله محمد خليل".
وإضافة إلى القيمة، حرص المخرج على إضفاء عنصر المتعة من خلال إعطاء الممثلين مساحة للارتجال المنظم لإضحاك الجمهور، وتقديم بعض الاستعراضات المبهجة المتسقة مع العرض، التي صاغتها راندة حمدي، على إيقاع أحمد السقا، مع حالة الدفء في ألوان الملابس المتقنة، التي دعمتها إكسسوارات سهلة وبسيطة، وفي تمازج جموع الممثلين على المسرح؛ مما يساعد التلاميذ على إدراك قيمة روح الجماعة من خلال الأداء الجماعي الذي يعرف خلاله كل ممثل موقعه على الخشبة، وكيف تكون الحركة المنظمة المتناغمة، بدءا من الاستعراضات التي قدمها التلاميذ: آلاء محمود سيد، وفرح أحمد سعيد، ودعاء أحمد مصطفى، وشهد ياسر عبد الرحمن، وهم تلاميذ في الصف الأول الابتدائي، ثم تناغم وقوف المجموعات على المسرح، وتوزيع أماكنهم، فتكونت مجموعة من العلاقات المنسجمة بين أشخاص كالوزير "محمد ياسر عبد الحميد" وكهرمانة "جويرية محمد إبراهيم"، والخادمة "أسماء خالد عبد العال". والمنجمون الأربعة: (منة الله محمد خليل، ويوسف حسين عبد العزيز، ونور الدين إيهاب، وحسن صابر حسن). وانتظام وقوف الحارسين خلف السلطان، وهما «أحمد عيد خلف»، و«محمد كمال حسني»، وكذلك علاقة الوصيفات بالسلطانة، وهن «مريم عبد الرحيم» و«تقى رأفت جمال» و«إنجي محمد عبد العزيز».
لكن هذا التناغم الجميل بين تلاميذ مدرسة اليسر وحضورهم العذب على خشبة المسرح بألوان ملابسهم المبهجة وروحهم المرحة، كان يحتاج إلى منظر خلفي متوافق مع الحميمية التي صنعها التلاميذ؛ فالمنظر الخلفي صورة مطبوعة لبيوت وقصور أجنبية تحيط بها الجبال، كانت هذه الأماكن منفصلة بصريا وربما موضوعيا عن الأحداث، بينما كان اختيار الأقفاص الملونة المصنوعة من الجريد موفقا في إكمال عناصر الصورة المسرحية، ومتناغما مع طبيعة الجو العام للأحداث رغم غرابة وجودها أمام المناظر المطبوعة، فاستخدام عناصر تشكيلية من البيئة يكون أجمل لو كانت الصورة المسرحية تستخدم عناصر بصرية منسجمة.
ويحسب لمخرج العرض مصطفى حزين أنه استطاع بهؤلاء التلاميذ الصغار الذين جاءوا من مدرسة حكومية في أقاصي حي المنيب، فأخرج منهم أفضل ما فيهم ودربهم جيدا ليظهروا بصورة لا تنافر فيها، في عرض متماسك وممتع ينم عن مواهب واعدة، وممثلين لديهم جرأة في مواجهة الجمهور، لا يرتبكون ويستطيعون نسج "إفيه" بمهارة وخفة، رغم أن بعضها لا يتناسب مع الأطفال، مثل:
-    انت تخطف مراته
-    يا عبيط، هو فيه حد في الأيام دي بيحب مراته؟
ورغم هذا خرج «إفيه» مثل هذا سلسا، كأن من يقوله ممثل محترف يمارس التمثيل ويتقنه.
إن ما قدمته مدرسة اليسر الابتدائية في هذا العرض المسرحي، مبشر جدا، ويؤكد فكرة أن في جيل الصغار الأمل، إن وجهنا طاقاته وأجدنا تدريبه واكتشفنا مهاراته، وهذه المهارات تنتج طالبا يستطيع أن يفيد بملكاته الإبداعية في أن يتميز دراسيا، فما أجمل أن تكون ناجحا في دراستك بفكر إنسان مبدع خلّاق.

بطاقة العرض
اسم العرض: عصفور وجرادة
جهة العرض: مدرسة اليسر الابتدائية المشتركة بالمنيب
عام الإنتاج: 2018
مخرج العرض: مصطفى حزين

 


حسن الحلوجي