نزوة حينما يصبح الرقص وسيلة للتعبير

نزوة حينما يصبح الرقص وسيلة للتعبير

العدد 555 صدر بتاريخ 16أبريل2018

ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، دورته الثالثة دورة الفنان "محمد صبحي"، تقدم دولة تونس عرض "نزوة" كوريجرافي أشرف بالحاج مبارك.
من خلال الاستعانة بتقنيات السينما يبدأ العرض، تستقر شاشة في خلفية منطقة التمثيل، تقدم مشهدا مصورا، المكان فيه عبارة عن غابة، ومجموعة من البشر يبحثون عن شيء ما، في فزع يبدو على تعبيراتهم، تنتقل حالة الفزع من تلك الغابة بين الأشجار إلى منطقة التمثيل.
يبدو المؤدون في حالة من الاستسلام والإنهاك على إثر البحث الدائم، وبغربال في يد أحد المؤدين تبدأ رحلة البحث من جديد، حيث يأخذ المؤدون في تتابع هذا الغربال، وبحركة دالة على الغربلة ومحاولة إسقاط ما لا يرغبون، يتكتل الممثلون أمام مستخدم الغربال في ترقب، محاولين القيام بذات المحاولة من الغربلة.
ثمة نوع من التواصل يحاول صنعه المؤدون مع الأرض ذاتها، على اعتبار أن بني البشر جزء من هذه الأرض، وإذا ما فقد التواصل، يخرون على الأرض منهزمين، هنا يبدأ الطقس حيث تدخل امرأة حاملة بين يديها بخورا، وتبدأ في إلقاء بعض من التعاويذ السحرية محاولة، تخليصهم من فكرة الانهزام واليأس.
عبر الرقص الحديث يعبر المؤدون عن الأفكار، وما يتعلق بها من نغمات إحساسية وعن طريق حركات الجسد، يتم التعبير عن ما يعتمل في أعماق المؤدي من مشاعر في حدود إمكانياته، هنا يستعمل الجسد كأداة والحركة كوسيلة منظمة لتوصيل الأفكار.
العرض يكيف ذلك التقليد الشعبي «"البخور" في إطار العمل المسرحي الراقص، ليظفر هذا التناسج عن شكل جمالي، أقرب إلى تجسيد الرموز الموحية بالغيبيات التي تسيطر على عالم اللاوعي عند البشر، وهكذا تنبع الحركة عن الفكرة ويصدر الفعل عن الانفعال، ينقل العرض أدق الخبرات والتجارب الإنسانية من خلال الحركة.
ليس الأهم هنا هو نقل معنى المشهد بالكلمات، وإنما استكشاف مساحات جديدة ممكنة، وربما مستحيلة من الحركة استجابة لأية مطالب تفرضها المُخيلة الخلاقة على الجسد الإنساني.
ولأن الأصل هو الحرية والبحث عن الحقيقة، يقدم العرض نموذجا لامرأة محاطة بخيوط تُكبلها وكأنها شبكة عنكبوت، تحاول التخلص منها، وما إن تتخلص من هذه الشبكة التي يمكن أن نراها ذاتية، فإنها تصطدم بالآخر الراغب في تكبيلها، فيحاول أحد المؤدين السيطرة عليها وصولا لحالة من الانتهاك الجسدي، وقد أصبحت في يده «كالماريونيت» يحركها مثل ما يريد.
يبدأ العرض في التركيز على فكرة سلعية الجسد بالنسبة للمرأة، حيث يظهر نموذج لرجل آخر يحاول أن يجعل المرأة ترتدي ثيابا معينة، وبعد صراع تقبل وترتديها، حيث يتحول الاهتمام بالنسبة إليها إلى فكرة "تحرير الجسد" بمعنى أن يصبح لها سلطة على جسدها، بعيدا عن ما يقمعها سواء كان قاعدة اجتماعية أو أخلاقية أو سلطة، ذلك المعنى الذي يطلق عليه فوكو "جسمي ملكي" أي أن يصبح لها حق استعماله وفق إرادتها، وهكذا تنخرط المرأة، فيما كانت ترفض من تواصل جسدي في البداية، فهي الآن تفعل ما كانت ترفض، ولكن وفق إرادتها، فقد أصبح جسدها سلعة تخصها هي.
وهكذا يصبح الجسد موضوعا رئيسيا للعرض والاستهلاك، ولأن المسرحية تقدم نماذج مختلفة للمرأة، تجده نموذجا لامرأة تتبنى وجهة نظر الرجال، حيث تدخل شخصية الأم تنطق بأغنية تراثية، مؤكدة على مكانة المرأة، بينما فعلها يحط من شأنها، حيث تقول "سعدي سعدي بنتي خير من ألف ولد" في حين أنها تجبر ابنتها على ارتداء قطعة ملابس تغطي بها جسدها المتحرر.
يجسد العرض تلك الحالة التي تحياها الأم، فيتبدى في تعبيرها أن ما يسيطر عليها هو خضوعها لـ"شهوتها الجنسية"، التي تفرض عليها تبني وجهة نظر الرجال في التعامل مع المرأة، وهكذا تقبل الأم بما يفرضه الرجال حتى ولو على حساب ابنتها.
وإمعانا في فكرة المظهر يقدم بعض الراقصين حركات راقصة مرتدين بدل رسمية محاولين إبراز أهمية المظهر الخارجي، ومن ذلك إلى امرأة تعزف على الكمان وهي من أقرب الآلات إلى النفس البشرية، ويحاول الراقص صنع حالة من التفاعل بين ما تصدره هذه الآلة من نغم، وصولا لحالة التواصل واكتشاف الذات.
في هذا الإطار يتم التفاعل بين زوجين من الراقصين تأكيد على فكرة أن أصل التواصل الإنساني "رجل وامرأة".
تستمر رحلة البحث من جديد من قِبل الراقصين، ختاما بالتأكيد على مجتمع الميديا واستلاب الوعي "مجتمع الصورة" حيث يتجمع الممثلون على خشبة المسرح في مجموعة أماكن يلتقطون صورة سيلفي.
في تأكيد على فكرة "المحاكاة التامة" تلك الفكرة التي طرحها بودريار، بما يعني أن أصبحت النماذج المحاكية تشكل العالم، وتتجاوز التمثيلات وتلتهمها، وأصبحت الصورة لها الأسبقية على الأشياء ذاتها.
عرض نزوة يمتلئ بالكثير من التفاصيل ويقدم صورة للإنسان في رحلة بحثه الدائمة، معتمدا في ذلك على الأداء الحركي الراقص.
الأداء نورهان بوزيان، نزلي فريال قلال، مريم الصياح، شرف الدين التوريتي، مهدي بالحاج، أشرف بن الحاج مبارك،
عازف كمان: نضال المختار، صوت: كرانة الصيادي، إضاءة: محمد علي خليفة، ملابس: سليم الفقيه.

بطاقة العرض
اسم العرض: نزوة
جهة الإنتاج: وزارة الشؤون الثقافية – تونس
عام الإنتاج: 2017
تصميم: أشرف بالحاج مبارك


داليا همام