كوميديا البؤساء هل يصبح يوم البؤس عيدا

كوميديا البؤساء هل يصبح يوم البؤس عيدا

العدد 570 صدر بتاريخ 30يوليو2018

انتشرت في الآونة الأخيرة في الوسط المسرحي عملية تحويل عدد كبير من الروايات المأساوية والتراجيدية التي وجدت مكانها المرموق في تراث البشرية الأدبي، إلى شكل كوميدي ساخر وأشهر مثال على هذه الظاهرة مسرحيات مثل “إكليل الغار” التي تحولت إلى مسرحية الكوميديا ديلارتي “آرلكينو والإكليل” ومسرحية “روميو وجوليت” لشكسبير التي تحولت لمسرحية كوميديا ديلارتي على المسرح العائم بنفس الاسم، ورواية “البؤساء” لفيكتور هوجو التي تحولت إلى مسرحية “كوميديا البؤساء” على مسرح ميامي بوسط المدينة، هي مسرحية تأخذ مكانا في المهرجان القومي للمسرح في دورتة الجديدة، ومن خلال عنوانها يمكننا أن نرى العلاقة الواضحة بينها والرواية العالمية لفيكتور هوجو الرواية فرنسية الأصل التي أصدرت عام 1862 وهي رواية مأسوية تحكي قصة عدد من ذوي الأحوال المأساوية في الحياة أهمهم جان فالجان ذلك الرجل الذي حكم عليه بتسعة عشر عاما من السجن المشدد من أجل سرقته رغيف خبز، وتحكى الرواية عن أشخاص آخرين من ذوي الحياة المأسوية، ولكن مخرج المسرحية اختار شخصية جان فالجان ليبني على خطى هذا الخط الدرامي مسرحيتة، وقد بدأ الخط الدرامي الخاص بالمسرحية منذ خروج جان من السجن ووصوله للقب عمدة المدينة ثم رجوعه لأهل حيه الفقير ليذكرهم بنفسه، وهناك خاطان زمنيان للعرض: الأول هو خط الحاضر وهو حضور العمدة في يوم عيد البؤس إلى حيه القديم، والثاني هو خط الماضي وهو حكاية جان فالجان أو مادلين، وهو الاسم الثاني الذي أشير إليه في العرض للعمدة.
وهذا الاسم هو الذي تنكر من خلاله جان فالجان في الرواية الأصلية لفيكتور هوجو، ويفصل بين الخطين الماضي والمستقبل في العرض لوحة إلكترونية على المسرح عندما يظهر عليها عبارة «سنعود»، ففي هذا دلالة على أن ما سنراه على خشبة المسرح الآن هو في الخط الدرامي الذي يحدث في الزمن الماضي، أما عند ظهور عبارة “عدنا” تكون الدلالة أن ما يحدث الآن إنما يحدث في الخط الدرامي الحاصل في الزمن الحاضر والفارق بينهما يظهر للجمهور من خلال شاشة في عمق المسرح، فعند كتابة “سنعود” يكون ذلك إشارة على بدء الخط الزمني الماضي قبل دخول جان السجن، أما عندما يظهر على الشاشة “عدنا” فذلك دلالة على أن الخط الزمني الدرامي الذي يظهر على خشبة المسرح هو الخط الزمني الحاضر، واستخدام عبارات مثل “سنعود” و”عدنا” يعطي مرحا طفوليا للعرض؛ حيث إنها متداولة في قنوات الأطفال الكارتونية ومن السمات المحببة للأطفال أيضا عدم التقمص في أداء الشخصية التمثيلية وعدم التطويل في المشاهد الحزينة أو الدرامية وكانت تلك السمات جلية في العرض؛ مما يجعله موجه بشكل كبير للأطفال بجانب الفئات العمرية الناضجة بالطبع.
 صنع المخرج والدراماتورج خطا دراميا جديدا مبنيا على الخط الدرامي الأساسي للرواية الأصلية؛ حيث إنه تناول رجوع العمدة لحيه بعد خروجه من السجن، وتناول قصة دخوله للسجن وهروبه وابنته المتبناة بطريقة سردية ثم عاد إلى الخط الزمني الدرامي الماضي ليجسد لنا قصته في الحي وخلافه مع جميل وقصة حب مع شيري التي انتهت نهاية مأساوية بسبب إرهاب جميل لجان من فكرة الآلام التي قد يقع فيها بسبب الحب والهجر وبحديثه له عن قصة حبه التي أبقاها من جانب واحد حتى لا يتألم بسببها.
ويتجدد حب جان وشيري بعد مرور السنين ونجد هنا أن المخرج قد أبرز الخط الدرامي الرومانسي حتى لم يعد له خطوط درامية مؤثرة، وقد ظهر جان مرة ثانية في احتفال عيد البؤس وتلك التسمية تثير غرابة حيث نجد الأبطال يمرحون ويلعبون ويضحكون، إذن لماذا سمي بيوم البؤس؟ لم تكن هناك أي إجابة لهذا التساؤل خلال العرض.
كانت الملابس في العرض ملابس كرنفالية وذلك لإخراجه من حيز الزمان والمكان؛ حيث إن الملابس كانت لا تنتمي إلى عصر محدد أو بلدة محددة، وكذلك الحال في أسماء الشخصيات فنجد أن الاسم الوحيد الذي يربط المسرحية بالرواية هو اسم البطل جان، وقد استعان دراماتورج العرض بالاسم الثاني للبطل في الرواية وهو مادلين لإضفاء جو كوميدي وتأكيد حالة اللازمان واللامكان حيث أرفق اسم مدلين باسم محمد فضل ليصبح اسم البطل الرسمي مدلين محمد فضل وقد استخدم هذا الاسم كثيرا في العرض ليدعم وضع العرض الكوميدي ويؤكد النطاق اللازماني ومكاني.
أما الإضاءة فكانت موظفة لتخدم العرض وتنقلاته الزمنية، فنجد المخرج يستخدم «البلاك» للفصل والتنقل بين الخط الماضي الدرامي والخط الحاضر، وفي نهاية العرض نستطيع أن نرى الروح الجماعية جلية والتناغم بين أبطال العرض الذي أبرز عملا مختلفا يستطيع أن يخرج الضحكات من أكثر الأعمال ترجيدية حتى ولو احتفظ بفكرة النهاية السعيدة، ورغم اختلاف العرض بشكل كبير عن الرواية الأصلية لهوجو ووضعها لخطوط درامية جديدة، فإن ذلك أثرى فكرة كوميديا العرض إيجابيا بشكل كبير فقد أخرج العرض الضحك من رحم المأساة.


هالة راضي