ملائكة الشوارع في المؤسسة

ملائكة الشوارع في المؤسسة

العدد 810 صدر بتاريخ 6مارس2023

في السنوات الأخيرة انتشر مفهوم التربية الإيجابية، وهو مقصود منه التربية وتعليم الأبناء دون اللجوء للضرب والقسوة والعنف، ومن أهم الأفلام السينمائية التي ضربت لنا مثالًا في هذا المفهوم كان “إمبراطورية ميم”، والحقيقة أن العرض الذي صادفني بمسابقة إبداع في دورتها الحادية عشرة، وهو عرض (المؤسسة) لمنتخب جامعة عين شمس للمسرح الغنائي، وهو من تأليف محمد السوري وإخراج محمود طنطاوي. 
كان العرض عبارة عن كولاج بين فيلم إمبراطورية ميم وفيلم ملائكة الشوارع وإن كان هناك أعمال أخرى لا أستطيع الربط وتذكرها فقط لما كنا نعانيه كمتلقين ومتفرجين في مسرح وزارة الشباب والرياضة وهي أشياء لا يمكن المرور والحديث عن العرض دون ذكرها، أولها هي جودة الصوت السيئة للميكرفونات والمسرح، وثانيها هو اقتطاع عدد كبير جدًّا من مقاعد الجمهور فقط لأجل عيون الكاميرات والشاشات التي تمت إضافتها هذا العام، ما يجعلك كتمفرج متضررًا وتمر بتجربة مشاهدة غير مريحة وظالمة للعمل المسرحي وللشباب الذين يعملون لأشهر كي يقدموا عرضًا غرضهم منه أن تتم رؤيتهم وسماعهم قبل الفوز. 
يبدأ العرض ببحث المدير وسكرتيرته عن المُدرس رشاد، يجدونه مربوط الأيدي ومكمم الفم وبعد المشهد الكوميدي وهروب أستاذ رشاد نكتشف أنها مشاغبة أولاد وبنات المؤسسة معه، وعليه يجلب صاحب المؤسسة (صبحي) ومديرها أستاذًا جديدًا، ويكون الأستاذ الجديد منهجه هو القسوة في التربية وعدم التهاون، وهنا نتعرف على شخصيات الأولاد والبنات منهم: نيتشه، والفتاتان المقربتان كالتوأم، والمهتمة بشعرها ولا شيء سواه، وكُفتة الذي يحب حنان، وحنان التي أخذ دورها مساحته وحيزًا أكبر من زملائها لمجرد أن الأستاذ رشاد أخطأ ونادى عليها باسم مريم بدلًا من اسمها، وعليه تعتقد أن هذا هو اسمها بالفعل، بل وأن أستاذ رشاد يمكن أن يكون أباها، وتتبع شعورها ما يجعلها تهرب من المؤسسة لتبحث عنه ظنًّا منها أنها ستجده، وهنا يعثر عليها أفراد عصابة أو شحاذون، المراد أنهم ثلاثي شرير ولكنه مضحك، وحاله بائس لا يختلف عن حال (حنان/مريم) وأبناء المؤسسة كثيرًا. 
إلى هنا الخطوط الدرامية واضحة بمجرد أن يتم اختطاف كُفتة من قِبل الإدارة ويتضح أن أستاذ رشاد نفسه كان موجودًا بنفس المكان، وهي أفعال لا يوجد لها مبرر، بل والأدهى الموضوع الأساسي الذي يريد العرض الحديث عنه لا يبرز سوى بالاستعراضات الختامية في العرض، فعلى مدار العرض لم نرَ عصا أو أسلوب المدير المهين أو قسوته الفظة كلها كانت إشارات من الأغاني الختامية فقط، على عكس أن مشاعر كُفتة ومشهد الحب كان واضحًا بكل تفاصيله سواء   الاستعراض أو الإضاءة أو حتى عبر الكلمة المنطوقة في الأغاني، ظللنا متتبعين مأساة (حنان/مريم) والحنان الذي افتقدته في حياتها ولكنه موجود في اسمها كعلامة بارزة تضاهي ظهور شمس الشتاء، وهو ما سقط سهوًا في كتابة محمد السوري أنه جعل المتفرج يتتبع خط مأساة حنان وهل أستاذ رشاد أبوها أم لا وهو خط موجود بفيلم ملائكة الشوارع فبعد خروج فاطمة -قامت بدورها آثار الحكيم-  من الإصلاحية لتعيش مع أمها، تبدأ بالبحث عن أبيها الدكتور -قام بدوره شكري سرحان- في حين سيطر على الفيلم حب شاب الإصلاحية الذي يحب فاطمة -قام بدوره ممدوح عبد العليم- ويعادله كُفتة في العرض المسرحي في حبه وبراءته. 
أما عن ديكور العرض فكان عبارة عن مستوى أعلى يمثل الدور الأول بالمؤسسة، ومن الجانبين سلالم، والمنتصف السفلي لهذا المستوى كان مغلقًا بباب شبكي، ما يجعل المتلقي يتساءل حول أهمية هذا الجزء الشبكي، ولكن تتم الإشارة طوال العرض لهذا الجزء بعبارة تتذكرها (حنان/مريم) أخبرها بها أستاذ رشاد قبل اختفائه، وهي أنها يجب أن تبحث في الأساس فالدور الأول ليس هو أول دور، وهي عبارة يُحمّلها المؤلف أكثر من المعنى الظاهري المقصود به المكان أسفل الدور الأول، وإنما معنى ضمني مقصود به أن شخصية الإنسان يكون لها أساس، كالمبنى وأي معمار بالطبع توضع الأعمدة ويتم البناء بعد تهيئة ووضع الأساس، الأساس لأي إنسان هو طفولته، نشأته، وتربيته. 
لذا كان طبيعيًّا حين تخرج حنان من المؤسسة لتواجه العالم الخارجي أن تتصادف مع عصابة الشحاذين، ولكنهم أصبحوا معاونين لها، كما لو كان العرض يخلق عالمًا موازيًا بريئًا لا تمسه الشرور، لن تتأذى حنان بالعالم الخارجي، للدرجة التي جعلت من صمم الديكور لا يفرد مساحة تخص العصابة، فيكفيهم (بوف) واحد، فظهرت المشاهد بها مزج للعالمين، عالم المؤسسة والعالم الخارجي الخاص بالعصابة، ولكن عوضنا عن كل هذا استعراضات العرض التي صممها أحمد عادل أرشميدس، على ألحان وموسيقى رفيق يوسف، وأشعار محمد فوزي. 
صحيح أن الكلمة في هذا العرض تم ظلمها، سواء بالكتابة، أو بالصوت غير المسموع بوضوح أحيانًا، إلا أن المخرج نجح باجتهاده في ضبط فريق مفعم بالحيوية ليظهروا بهذا التجانس والصدق، ظهروا كالإخوة في مؤسسة لم تجعلهم إخوة أو أبناء، على الرغم من أن الزي الموحد للأولاد وهو عبارة عن بنطال أزرق وتيشرت بني اللون ويقابله زي موحد للفتيات حيث تنورة بنية اللون واسعة لحرية الحركة وكنزة حمراء، كما لو كانوا طلابًا بمدرسة، إلا أن المنديل حول رقبتهم يجعلهم أفراد كشافة، فكرة توحيد الزي سواء كانت نابعة من مصممة الملابس هناء النجدي، أو من مخرج العرض محمود طنطاوي، هي فكرة محيرة فهي لم تجعلنا نفهم ماذا تكون المؤسسة بالضبط هل هي هيئة حكومية، ملجأ أيتام، إصلاحية، مدرسة، أم هي كل مؤسسة معنية بالتربية قبل التعليم. 
ولكن في النهاية يُحسب للفريق ما أمتعونا به سواء بحسهم الكوميدي الطبيعي غير المفتعل، بل وتناغمهم مع الموسيقى والغناء وتقديم الاستعراضات، دون أن نشعر بنشاذ، بل على العكس بعضهم كانت أجسادهم تنطق بأنه راقص أو قام بهذا من قبل، ليس مجرد تمرينات مكثفة واجتهاد، فالليونة والتناغم لا تأتي من عرض واحد، هذا ما يبثونه حتى وإن كان خاطئًا وهي أول تجربة لهم. 
 


سارة أشرف