العدد 619 صدر بتاريخ 8يوليو2019
أحد أهم التجارب المسرحية للأطفال فرسان تحدي الإعاقة التي تؤسس لفكرة (الدمج) هي تجربة “قصر ثقافة منشية ناصر” بالقاهرة التي سنطالع تفاصيله بعد تعريف “الدمج” تلك الكلمة صغيرة الحروف كبيرة القيمة التي تتردد اليوم في كل مكان من أرضنا المصرية لحث الجماهير علي نبذ العنصرية القائمة بين أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة مع باقي المجتمع، وقد أطلقت هذه الكلمة لعلها تفتح أبواب الحياة أمام أصدقائنا الفرسان فالكل يأمل أن يتم الجمع بين من نسميهم معاقين وسوف أصفهم ب”فرسان التحدي” وبين الجميع وفكرة الدمج نفسها عنصرية لأننا يفترض بنا أن نكون مندمجون بالفطرة منذ الأزل لأننا كلنا نعيش علي نفس الكوكب ولنا نفس الحق بالحياة ولذلك يجب أن تفتح الأبواب والنوافذ أمام كل الناس من دون تمييز أو استحواذ لدراسة وممارسة الفنون في كل مكان من دون قيد أو شرط ولذلك نناشد المسئولين عن أكاديميات الفنون في كل مكان فتح أبواب الدخول إلي جميع المعاهد والأقسام أمام أي إنسان للالتحاق بالأكاديمية طالما أنه يحمل المؤهلات اللازمة لذلك ولا تقل هو لا يسمع لأن بتهوفن صاحب أشهر سمفونيات الموسيقي بالعالم كان أصم لوم يكن يسمع ولا تقل هو لا يري أن لأن “طه حسين” العظيم عميد الأدب العربي كان كفيفا ورأي مالم يراه المبصرين لم يكن طه يري ولكن كانت له رؤية، وكذلك كان (عمار الشريعي) وكذلك كان (سيد مكاوي) وقد حرمت الأكاديمية من أن يكون هؤلاء العمالقة من خريجها ولكنهم علموا أنفسهم بأنفسهم خارج المؤسسات الأكاديمية في الفنون وأبهروا العالم كما أبهرنا المخرج (محمد فؤاد) بتجربته التي من تأليف (أحمد زحام) بعنوان “سندريلا المصرية” وهذا هو اللقاء الثالث الذي أرصده يجمع بينهما نفس المؤلف “زحام” ونفس المخرج “فؤاد” حيث سبق أن شاهدت لهما السيرك ثم التقيا في مسرحية من إبداع ذوي الهمم هي (كمان زغلول) وكان بطلها ضعيف البصر يمر بحالة نفسه لأنه يحب الموسيقي ولا يجد سبيلا إلي تعلمها فزارته في أحلامه طيور لطيفة أخبرته بأن (عمار الشريعي) كان كذلك ومع ذلك أصبح نجم مقدر علي الساحة الموسيقية والفنية وخلال ذلك تستعرض المسرحية حياة (عمار الشريعي) بطريقة لطيفة وقد استعان المخرج في تنفيذه لهذا العرض بفريق من ضعاف البصر وفرسان التحدي الذين اعتمد عليهم (فؤاد) تماماً في تجربته الحديثة (سندريلا المصرية) جبناً إلي جانب أقرانهم من الشباب تحت الثامنة عشر الذين اعتمد عليهم تماماً في صناعة تجربته مع الاستعانة ببعض (الأقزام) وهي فئة مهمشة أخري لا يعرف أصحابها أن كانوا ينتمون إلي جدول الإعاقة أم لا رغم أنهم هم أيضاً بحاجة إلي من يعينهم علي حياة لا تخلو من التنمر بالنظر أو باللسان نتيجة قلة الثقافة وانعدام الوعي لا أحد يترك الآخر في حاله كل هذه الخلفية جعلت هذا العرض يبدو ناضجاً في تلمس الأشياء واعياً لما يفعل أبطاله الذين يمارسون الحياة المسرحية ويتحركون في دنيا الدراما المسرحية بطريقتهم العادية فينفذون إلي القلوب وعن كيف يفعلون ذلك؟ نجيب كالتالي يبدأ بالبطل شاب جميل من خريجي كلية الإعلام شكله الخارجي طبيعي جداً وسيم لا يمكن أن تتصور أنه لا يري أو أنه ضعيف البصر إلي درجة كبيرة لذلك يوصف علمياً وطبياً بأنه كفيف ولكنك لن تعرف ذلك لأنه يتمادي في إخفاء نقطة ضعفه كما نفعل جميعاً لا أحد يحب أن يعرف الناس نقاط ضعفه ولذلك ينزعج أصحاب الإعاقة من الخدمات المجانية التي نحاول أن نقدمها لهم من دون أن يطلبونها فهم إن أرادوا مساعدة طلبوها بأنفسهم مثلهم في ذلك مثل الجميع وقد أحتال المخرج حيلة عبقرية لكي يبدأ بها العرض كي ينشأ التعارف الواجب بين المشاهد والمشهد فقد جعل بطله الكفيف يتحسس نسراً بارزاً في صدر المسرح هذا النسر هو رمز (حورس) ثمرة الأسطورة المصرية الشهيرة التي لا يعرفها للأسف أغلب شباب مصر تلك الأسطورة التي تؤكد أن المسرح نشأ في مصر قبل أي دولة بالعالم وهكذا عندما يتحمس البطل الذي يقوم في هذا العرض بدور الراوي الذي لا يكتفي بسرد الأحداث بأسلوبه الجيد ذي الإيقاع السريع ولكنه بالإضافة إلي ذلك يشارك في الأحداث الدرامية والمسرحية التي نحكي عنها هي سندريلا المصرية حيث فتاة مصرية يدخل عليها أباها ذات يوم بمفاجأة لا هي عروسة دمية ولا هي حلوي كما ظنت، ولكنه جاءها بزوجة أب إمراة جديدة جاءت لتحل محل أمها ولم تأت منفردة وإنما جاءت ومعها ابنتان وطالبتها بألا تنطق كلمة أمي لأنها أماً لفتتان جميلتان وهي كذلك أم دلوعة متصابية لا تريد أن تكبر عندما تناديها بأمي فما كان من سندريلا التي جعل المخرج لها وجهان بالعرض وجه تمثله فتاة عادية والوجه الأخر فتاة ضعيفة البصر ليؤكد علي رؤيته بأن ما يفعله المعاقين يفعله العاديون وأن كلاهما قد يقع تحت نفس الظروف ويمر بنفس المشكلات وإن هذه الخلفية إن كانت تدل علي شيء فإنها تدل علي حقيقة أن الكل سواء أمام الحياة الكل قد يفقد الأم أو الأب ويضطر إلي الحياة مع زوجة الأب وما دمنا سواء أمام الطبيعة لابد أن تتساوي فرصتنا في الحصول علي كل الأشياء وهذه الصرخة العالية من أصحاب الإعاقة تكفر في الحقيقة بالقوانين العقيمة التي تنظم حياتهم فتجعلهم في عدد الـ 5% للوظائف والتعيينات التي لا تتحقق علي أرض الواقع وإنما هم في هذه المسرحية يطالبون بحقهم بالعمل والعلم وكل الممارسات التي يفضلونها أو يختارونها من دون تميز، وقد قدمت هذه الدراما المسرحية جيدة الصنع علي كلمات من تأليف (أحمد زيدان) وموسيقي (أحمد صلاح) مع استعرضات “محمد فؤاد” وقد قام بتصميم وتنفيذ الديكور المبهر والملابس والمسكات (مجدي أنس) كل هؤلاء تحركوا نحو تحقيق هدف واحد هو فكرة العرض التي تؤكد علي أنه إن كان بعض الناس يحتاجون إلي عناية ودعم فإن كل الناس كذلك يحتاجون إلي عناية ورعاية في بعض الأحوال ولا شيء مختلف الكل واحد كلنا واحد كما أرادت هذه المسرحية الجميلة المدهشة التي تستحق أن تشاهد في كل مكان علي أرض مصر لكي تنشر رسالتها وتلقي بظلالها وثقافتها علي الجميع وهي أيضاً تستحق أن يلقي علي تحركها مزيداً من الضوء والرعاية لكي يعرف من خلالها عموم الناس ما هي المطالب الحقيقة لفرسان التحدي في هذه المرحلة الخطيرة من تقدم الإنسانية.