عفريت السعادة البحث عن السحر في جامعة عين شمس

عفريت السعادة البحث عن السحر في جامعة عين شمس

العدد 560 صدر بتاريخ 21مايو2018

للسعادة مفاهيم مختلفة ومتغيرة، يفسرها كل وفقا لأهدافه ورغباته، ولكن على الرغم من أختلافتها فإن الجميع يسعى لتحقيقها، وعندما يعجز الإنسان عن الوصول لها يتمنى لو يعيش في عالم خيالي، أشبهه بالحلم الفانتازي، به أصحاب قدرات خارقة من الجن والعفاريت ليكونوا قادرين على جلب ما عجز الإنسان عن تحقيقه لذاته بين أقرانه من البشر.
من النزوع للبحث عن السعادة والتساؤل حول ماهيتها وكيفية الحفاظ، انطلق فريق تمثيل كلية العلوم بقيادة المخرج «عمر الشحات» في تشكيل عرض «عفريت السعادة» الذي شارك ضمن العروض المقدمة لمسابقة الكبري بجامعة عين شمس. حيث يعتمد العرض على نص مسرحية «حلم ليله صيف» لوليم شكسبير، التي تدور أحداثها حول أربعة عشاق تجمعهم عقدة غرامية يتسبب فيها ملك أثينا، فيضطر العشاق للبحث عن حيلة تبعدهم عن الدخيل الذي يقف حائلا أمام إتمام زواجهم، فيضطرون للهروب إلى الغابة التي يسكنها عالم الجن، «بيرون» ملك الجن، وخادمه «بك» وزوجة الملك «تيتانيا» ومجموعة من الجنيات، يحاول عالم الجن حل العقدة عن طريق السحر بقيادة «بيرون» ومساعدة «باك» له ويتسبب «باك» في تصاعد الحدث وزيادة العقدة بسبب بلاهته وسوء فهمه، ومن ثم تحل العقدة وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة عن طريق سحر بيرون وبك مرة أخرى وإتمام زواج العشاق الأربعة والعودة إلى أثينا.
لم يبتعد إعداد عمر الشحات للنص عن الحبكة الأساسية عند شكسبير، وإنما عمل على تغيير بنيته من حيث رسمه للشخصيات، فقام بتطوير رسم شخصية «باك» وحولها من شخصية ثانوية مساهمة في تصاعد الأحداث ومساعدة في إنهاء العقدة، إلى شخصية أساسية متحكمة في مصائر جميع الشخصيات ومسيطرة على الحدث بشكل كامل، بل لقد بنى على أساسها بقية شخصياته. ووظف ذلك عن طريق استخدامه للسحر بطريقة مغايرة لشكسبير، الذي قدم السحر كنوع من أنواع اللعب المسرحي لتغير الأحداث، بينما استخدمه الشحات كوسيله تخدم إعداده لشخصية (باك)، وجعل (باك) هو المتحكم الأول فيها، أي مالك لسحر السعادة وقادر على جلبه لكل من عجز عن الوصول له. وأضاف ملمحا جديدا لشخصية باك وهو (عشقه للتمثيل) وكأنه يضع الفن عن قصدية لربطه بمفهوم السعادة. وأنه من المسببات الأولى لها. كما كانت الشخصية أيضا متأثرة في رسمها بشخصية «الآرلكينو» في الكوميديا ديلارتي كشخصية ذكية ومتحكمة في أغلب عناصر الإضحاك المعتمدة على قدرات الممثل الخاصة الذي قام بدوره الممثل الشاب (فادي رأفت) وخروجه ودخوله من شخصية لأخرى ثم العودة إلى شخصيته الأساسية. لذلك كان باك بمثابة الركيزة الأساسية للعرض من حيث السياق الدرامي. وهذا على عكس ما قدمه شكسبير في نصه؛ حيث يبدأ الشحات عرضه بصراع بين بيرون وباك حول طرح تساؤل بينهما «من المخطئ في حق البشر؟»، وتوجيه هذا التساؤل مجهول الإجابة للجمهور بهدف كسر حائط الإيهام منذ بداية الحدث، ليكون هذا الجزء البسيط من مشاركة الجمهور، أحد أهم عوامل دفع العرض للجمهور للشعور بأنه جزء من العرض المسرحي ككل وجزء من الإشكالية المطروحة بحيث يبحث مع أقرانه البشر داخل العرض عن من المخطئ في حقه؟ ثم يأخذه في رحلة حول مسرحية “حلم ليلة صيف” يكون المتحكم الأول فيها هو «باك» والمخلص الوحيد لعقدتها أيضا هو باك، ثم يعود بالجمهور من جديد ويطرح عليه التساؤل نفسه الذي بدأ به العرض ليكون قد وظف الجمهور باعتباره مشاركا فعالا باحثا عن ما يبحث عنه بني البشر داخل العرض من البداية حتى النهاية، ويتضح له أن بيرون هو من أخطأ في حق البشر ليكون بذلك قد أسقط الخطأ عن عاتق «باك»، بل وقدمه كشخصية أكثر ذكاء مما كانت عليه عند شكسبير.
ثم لعب الشحات على مستويات متنوعة في عرضه، جميعها تخدم الحالة العامة للعرض، فعلى المستوى البصري قدم فضاء مسرحيا به مزيج من الألوان والمناظر الطبيعية، والإضاءة أيضا التي عملت على المزج السينوغرافي باستخدام ألوان تجذب عين الجمهور وتدخله في حالة من البهجة البصرية، واستكمالا لهذة الرؤية المبهجة رصع عرضه باستعراضات قائمة على رقصات للممثلين مليئة بالحركات الحيوية، ومن ثم قام باللعب على المستوى السمعي أيضا وصاحب هذه الاستعراضات أغنيات حية داخل المسرح بأصوات مفعمة بالحماس وموسيقى مؤداة بآلات إيقاعية متنوعة ليخلق حالة من البهجة السعادة مسرحيا على كل المستويات التي يستقبلها الجمهور أثناء مشاهدته للعرض، ويكون بذلك قد رسم لوحة تشكيلية مبهجة؛ حيث يطرح العرض رؤيته الخاصة عن الفن وذلك عبر كلمات أغنية استعراضه الأخير التي تحمل في معانيها أن المسرح هو الروح والحياة، ليضع المسرح والفن في وضعية مقاربة أولية كعفاريت للسعادة، فالعرض قام بطرح إشكالية متعلقة بحياة البشر، ويترك للجمهور حرية البحث عن سعادته كما يراها.


منار خالد