«كازينو» السباعي اغتيال لموهبة أم سوء فهم

«كازينو» السباعي اغتيال لموهبة أم سوء فهم

العدد 722 صدر بتاريخ 28يونيو2021

منذ عدة سنوات تعرفت على الشاب/ محمد السباعي من خلال مشاركته بالمهرجانات المسرحية لجامعة طنطا كمؤلف ومخرج لفريق المسرح بكلية التربية النوعية.
الحقيقة أن المؤلف هو ما استوقفنا بشدة؛ لدرجة أنه استحدث من أجله جائزة لأحسن تأليف. فالسباعي كمؤلف بالرغم من حداثة عمره التي ربما ما كنت هي سبب تألقه فيما يكتب. من أجدر من رأيت في الحديث بشكل فني جيد دون افتعال عن مشاكل الشباب وخاصة المرحلة العمرية ما بين العشرين والخمسة والعشرين. ربما لأنه منهم ويستوعب مشاكلهم أيضا. وتجلت قدرته في التعبير عن تلك المشاكل بشكل جديد يفهمه الجميع شبابا و كهولا.
وحين واجهته بالسؤال حينها. لماذا يصر على إخراج ما كتبه بنفسه رغم أنه لا يمتلك قدرة إخراجية تتناسب مع كتاباته؟ فكانت إجابته ببساطة تتلخص في أنه يقوم بالإخراج؛ لأنه لم يجد مخرجا متحمسا لعمله.
وكان من الطبيعي أن يندرج السباعي في فرق الثقافة الجماهيرية. وبالتبعية جذبه مشروع نوادي المسرح؛ وهنا للمرة الثانية يجد نفسه مطالبا بأن يقوم بالإخراج حتى ترى أعماله النور. وقد كان.
وطبيعي ان   نصوصه الجيدة والمختلفة عن السائد قد ضمنت له أن يحكم على أعماله بالجودة لحد كبير . ولكن للأسف يبدو أن البعض لم يقف جيدا عند سبب الجودة المتمثلة في النص المكتوب والمنطوق، لا التعامل التفعيلي والإخراجي لهذا المتن باللغات المختلفة التي يستوجبها أي عرض مسرحي. فجودة عروض السباعي في تلك الفترة تعود لما كتبه لا لما أخرجه.
المشكلة انه تبعا للنفس الأمارة بالسوء. يبدو أن السباعي استمرأ حديث البعض عنه بأنه مخرج مسرحي. وهو لا يمتلك هذه الموهبة في الوقت الحاضر على الأقل، فلم يحاول التركيز عل ما حباه الله به ولو مؤقتا على الأقل. والمشكلة الأكبر أنه نتيجة بروع السباعي في الكتابة والتعبير عن الحاضر قدم العام الماضي عرضا يتحدث بشكل غير مباشر عن الوباء وربطه ببعض الأمور الاجتماعية الأخرة لدرجة أنه أبهر البعض زيفا بالعمل ككل فتم ترشيحه ليمثل الثقافة الجماهيرية بالمهرجان القومي الماضي.
وهنا وجد السباعي نفسه مدافعا عن مسرح الثقافة الجماهيرية . فلم يتوقف عند ما أبهر البعض بل حاول التجويد في العمل عن طريق ما يتقنه وهو الإخراج. فقام ببعض التعديلات والإضافات في لغات العرض الغير منطوقة. وقد جانبه الصواب لحد كبير في هذا الأمر. لدرجة أن بعض من جاؤوا لمشاهدة التجربة النهائية لهذا العرض قبل أن يذهب للقومي صرحوا جهارا بأنه يجب أن تتم استعادة ما أنفق على هذا العرض. وعبثا حاول بعض من سبقوه ولهم شأن في الثقافة الجماهيرية الآن، أن يردوا العرض لصورته الأولى ولكن هيهات.
وكان من الطبعي بصرف النظر عن المنتج النهائي. وأنه مادام السباعي قد وصل لمرحلة القومي ، أن تتم ترقيته أو يتم ترقية التعامل معه عن طريق الاعتراف به كمخرج شبه محترف!!!؟؟؟ . وأن يتم تكليفه بالعمل كمخرج في فرقة قصر ثقافة غزل المحلة في عروض أطلق عليها اسم (عروض التجارب النوعية)؛ وهي من المفترض عروض لها خصوصيتها وفلسفتها، ولكن ليس هنا مناقشة هذا الأمر.
المهم أنه عندما ذهبت لمشاهدة العرض الذي يحمل اسم ( كازينو) وتحمل لافتاته اسم السباعي كمؤلف ومخرج لهذا العرض، ذهبت وأنا متيقن من أحد الحسنيين؛ وطامع في الثاني. متأكد أنني على الأقل سأشاهد نصا مسرحيا جديدا وجيدا من السباعي كعادته، وطامع في أن يكون السباعي قد تمكن من بعض أدوات الإخراج المسرحي بمساعدة بعض المخضرمين الذين يمتلأ بهم مطبوع العرض.
ولكنني حين المشاهدة وبعدها تملكني الكثير من التساؤلات والغضب. فالعروض ليس نصا للسباعي وإنما هو معالجة غير جيدة على الإطلاق لرواية (الوردة والتاج) الشهيرة . والتي كان لها بعض المعالجات على صعيد المسرح المصري في الآونة الأخيرة/ أشهرها كانت تحمل اسم( روح) من إنتاج مسرح الطليعة وإخراج باسم قناوي, باختصار كنا أمام معالجة أقل ما يطلق عليها هو مشروع تعليمي لكيفية إفساد منتج درامي جيد عن طريق المعالجة. تلك المعالجة إلي شملت كل المشاهد الميلودرامية في الأفلام المصرية القديمة ولكن دون رابط أو داع؛ مع عدم وجود الوعي الكافي بالزمن أو الأزمان التي تستوجبها الأحداث سواء عن طريق الاسترجاع أو معالجة الحدث في حينه؛  كما أن عناصر إخراجه المساعدة من ديكور وموسيقى وإضاءة لم تكن على أي مستوى. تقريبا كل ما كان هناك هو محاولة إرضاء الجميع بأن يكون له دورا ما. فلست أفهم كيف تكون هناك موسيقى مختارة قام بها/ الفيشاوي. وألحان لحسام غازي . ثم صوت طبول من الخارج بطريقة فجة لكي تصاحب غناء ليس له مبرر ولا داعي. ولست أفهم كيف يقوم مندوب الموت بالتعاطف لحد البكاء مع الشخصيات في هذه المعالجة_ مع أن هذا الأمر لو نفذ بصورة جيدة دون الالتفات لمرجع ما . فلربما يكون جيدا _ ولا أفهم كيف يكون هناك ممثلة موجودة أمام الجمهور على مستوى الصالة لأكثر من عشرين دقيقة دون حراك ومغطاة فقط . ولم أفهم ما الغرض من كل هذا الديكور الممتد عاليا بصورة مبالغ فيها عن طريق الجدران. إلا لو كان الغرض هو تأمين مخزون كاف من الأخشاب للفرقة في العروض القادمة. ولم أفهم كيف تقوم هذه الممثلة برقص الغرض منه إمتاع المتواجدين في الكازينو. بل لم أفهم كيف اختيرت هي وغيرها في أدوارهم أساسا، مع أنه لا الكتابة ولا الفعل الإخراجي يمكن أن يبرر أن تكون هناك أثلبة للشخصيات؛ أو قيام الضد بالشي. مع أنه من المفترض أنه يمتلك ميزة لا يملكها غيره . ألا وهي الكتابة طبقا للمثلين المتواجدين معه بالطبع. أي تفصيل الدور طبقا للمؤدي الذي معه. وهو يعرف مسبقا هؤلاء الممثلين فقد كانوا في الأغلب فريقه السابق في الكلية أو في مشاريع النوادي ويعرف خبراتهم جيدا . ولكنه للأسف غير قادر على الأقل في هذه المرحلة على التوجيه أو التعليم أو حتى فرض سيطرته. فالكل يتعامل بالحب كما يقولون
وحينما استنكرت هذا. وتساءلت لماذا لم يقم بإخراج نص من نصوصه هو دون الاعتماد على نص درامي آخر؟ فوجئت بالإجابة التي تتلخص أنه كان هناك رفضا من القائمين على الأمر من أن يقوم بإخراج نص من تأليفه التام!! أي أنهم جردوا السباعي من أهم ما يميزه ووضعوه أمام ما لا يعايشه أو يجيده أو يمتلك الخبرة الكافية للتعبير عنه من خلال أطره المرجعية.
لعلي هنا لا أستطيع لوم السباعي على هذا الذي قدم. ولكن اللوم على من لم يدركوا أين تكون موهبته الأساسية . وتعاملوا على أن كل من يبرع في شيء ما خاص بالمسرح عليه أن يكون مخرجا ولو قسرا طبقا للنظم واللوائح. وحتى لو كان هذا فأعتقد أن الظروف التي مرت بها في العام الماضي . والتي منعت إدارة المسرح عن تقديم الورشة التدريبية لمن برعوا بمشروع نوادي المسرح . وتعليمهم الأسس في العملية الدرامية في كافة المجالات . ما دامت هذه الورش فد تأجلت فلربما كان الأجدى تأجيل الدفع بهؤلاء النابهين إلى أن يتم الأمر وينالوا التدريب الكافي طبقا لما كان عليه الأمر من قبل. كما أنني لا أعفي السباعي بصورة تامة فكان عليه الدفاع عن موهبته بأي شكل..كان عليه مادام مجبرا على الإخراج أن يكون الإخراج لما يؤلفه هو لا مملى عليه. وفي النهاية هل سيعود السباعي إلي ما كان عليه مؤلف مسرحي واعد بشكل ممتاز . أم سيلتهمه وهم المخرج المسرحي الغير متواجد أساسا على الأقل في هذه المرحلة.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏