«الساعة الرابعة».. واختلاف الآداء بين الشارقة والقاهرة

«الساعة الرابعة».. واختلاف الآداء بين الشارقة والقاهرة

العدد 632 صدر بتاريخ 7أكتوبر2019

لم تكن المرة الأولى التي أشاهد فيها عرض “الساعة الرابعة” لفرقة المسرح الحديث التابع لجمعية الشارقة للفنون الشعبية تأليف طلال محمود وإخراج إبراهيم سالم، وهو مأخوذ عن مسرحية للكاتب الفرنسي لوران بافي، بعنوان (تك تك)، الذي قُدم خلال فعاليات الدورة السادسة والعشرون لمهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي –الذي انتهى بالأمس القريب- على خشبة المسرح العائم الكبير، حيث سبق أن شاهدته بمعهد الشارقة للفنون المسرحية خلال فعاليات الدورة التاسعة والعشرون لمهرجان أيام الشارقة المسرحية التي عقدت في شهر مارس الماضي، وللحق فإن العرض لم يبهرني في هذه النسخة كما أبهرني حين شاهدته في الشارقة، ولم يكن السبب في ذلك أنني شاهدته، ولكن لأن آداء الممثلين لم يكن بالقوة نفسها ودرجة الإقناع والتوحد مع الشخصيات كما شاهدتها هناك، فربما حدث ذلك بسبب شعور الممثلين بالاغتراب عن وطنهم أو تخوفهم من مواجهة لجنة التحكيم، لا أدري السبب الحقيقي كما أنني وجدتهم يستخدمون الأقنعة لإخفاء وجوههم والتي شعرت أنها مقحمة ولم تضف للعمل أي شئ.
تدور أحداث العرض في غرفة انتظار عيادة طبيب نفسي هو الدكتور نادر حيث وجود خمسة شخصيات كل منها تعاني من مشكلة ما، وينتظر كل منهم دوره مع ذلك الطبيب، أهم ما يميز هذه الغرفة هو الساعة المعلقة في عمق المسرح وأريكتين وكرسيين.
هذه الشخصيات هي: رجل خمسيني تقريبًا يسمى جليل ويجسد شخصيته الفنان محمد جمعة، مصاب بوسواس قهري ويظهر ذلك بوضوح من ملامحه وجمله الحوارية في كل المشاهد تقريبًا منذ بداية العرض، يشك بأنه ترك موقد الغاز مثلاً في شقته مشتعلاً وأن شقته قد تكون احترقت، ويتردد بين ذلك وانتظاره للدكتور نادر، الشخصية الأخرى هي محام يدعى فؤاد ويجسد شخصيته الفنان فيصل علي، وهو مصاب بعادة الشتم فلا يستطيع أن يتحدث دون شتائم وهو يُحمل عمله مسئولية ذلك فيقول في حوار مع ارجل المصاب بالوسواس إن عمله علَمه أن يشتم، ونراه طيلة العرض وهو يحاول أن يضبط تلك الشتائم دون جدوى، الشخصية الثالثة هي السيدة يارا وتجسد شخصيتها الفنانة آلاء شاكر، وهي مصابة بفوبيا خاصة، فهي لا تستطيع أن تلمس أي شخص أو أي شيء إلا وتجري إلى الحمام لغسل يديها ونجدها من حين لأخر تنظفهما بسائل التنظيف وبالمناديل المعقمة التي تحملها في حقيبة صغيرة تلازمها طيلة العرض ولا تحوي سوى ذلك، والشخصية الرابعة هي منال وتجسد شحصيتها الفنانة نفين ماضي وهي فتاة صغيرة السن مصابة بدورها بمرض ينعكس في تكرارها للجمل وللأسئلة وللأجوبة بشكل دائم وفي كل حديث معها وهي تحاول التغلب على ذلك بأن تغني كل ما تريد قوله دون تكرار، والشخصية الخامسة هي فتى لا يستطيع أن يسير على الأرض المستوية العادية فيضطر للتقافز فوق المقاعد ويسمى سامي ويجسد شخصيته الفنان عبد الله محمد، ويبدو من تفصيلات شخصيته التي يكشفها العرض أنه مدمن على أجهزة الكومبيوتر ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام، بالإضافة إلى الممرضة أسمهان التي جسدت شخصيتها الفنانة نور الصباح.
تدور الحوارات بينهم في قالب كوميدي راق جدًا وآداء تمثيلي رائع، كما أن العرض يحمل عمق فكري من خلال الجمل الحوارية بين هذه الشخصيات منها: ما هو مفهوم الحياة عندكم؟ ماهو الشيء الذي يمكن أن يخرجنا مما نحن فيه؟ ماذا يحدث لو اعتبر كل واحد منا أن مرضه هو قوة خارقة، وشيء يميزه عن بقية الناس؟ تنتهي هذه الأسئلة باقتناع كل شخصية أن بإمكانها أن تتغلب على أزمتها ومرضها النفسي من غير الحاجة وتنسحب الشخصيات الأربع ليبقى المحامي الذي يكتشف المتفرجون في نهاية العرض أنه كان هو الدكتور نادر متخفياً في شخصية المحامي، وأراد بأسلوبه المتفرد أن يعالج مرضاه دون أن يشعرهم بأنه هو الطبيب، وهو ما لم يدهش الجمهور في القاهرة كما حدث في الشارقة وقد كان الجميع متوقع أن يكون هذا الشخص هو الطبيب الذي ينتظرونه، فافتقد العرض لعنصر المفاجأة أو الدهشة، فكما سبق وأشرت فإن آداء الممثلين لم يكن بنفس القدر والتمكن الذي رأيته في الشارقة.
 ولا شك أن كل العناصر المتمثلة في بساطة الملابس والديكور الذي صممهما مخرج العرض الفنان إبراهيم سالم، والإضاءة التي صممها الفنان محمد جمال، وموسيقى موسى البلوشي، تكاملت مع الآداء التمثيلي لقراءة الأبعاد النفسية لكل شخصية فقدمت لنا وجبة فنية متكاملة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
ولا شك أن العرض نجح في تسليط الضوء على قضايا هامة تعاني منها مجتمعاتنا العربية بحرفية شديدة جدَا أهمها على الإطلاق قضية التنسامح والتعايش بين الأديان.


نور الهدى عبد المنعم