العدد 538 صدر بتاريخ 18ديسمبر2017
أعتقد أنه ينبغي على علماء علم الاجتماع بكافة فروعه الالتفات الي مايقدمه هواة مصر . خصيصا من الشباب في مجال المسرح الجامعي. فإذا سلمنا أن من يمارس هذا الفن كنوع من أنواع الهواية هو مشروع قائد في المستقبل أو شخصية مؤثرة فيمن حولها. فبناء عليه يمكن التنبؤ بالوضع الثقافي والفكري المستقبلي عند خروج هذا الكم من الشباب الذين يمثلونه لوضع التشغيل العام ومن ثم محاولة التمكين وفرض رأيهم الذي كونوه إبان فترة الدراسة. ولم يلتفت أحد لهذا الرأي أو التوجيه سابقا . ومن ثم عملية المفاجأة وعدم التصديق إذا كان الأمر جيدا . أم إذا كان يحمل نبتة من نبتات التطرف والهم الأحادي . فساعتها نحاول فقط التصدي ومحاولة فرض الرأي الآخر عليهم دون الدخول في عمليات المناقشة والتقويم التي ربما فات أوانها.
هذا الكلمات المبتسرة أعتقدت أنه لابد منها قبل الحديث عن العرض المسرحي الذي شاركت به كلية التربية جامعة طنطا في المهرجان المسرحي الطلابي الأخير. العرض يحمل اسم ( بمصرخكم)!! ولكنه في الوقت هو ابتسار لنص الشيطان مرة أخرى للكاتب الأسباني إليخاندرو كاسونا. وإن كان مطبوع العرض يقول عن هذا الابتسار - ولي عنق النص- أنه ( إعداد عن كاسونا) للمخرج والمعد محمد مجدي عباس!!.
أعتفد أن عنوان ( بمصرخكم) قد يتوقف عنده البعض ولا يعرف لماذا هذا الاسم . ولكن بالعودة لحديث الشيطان مع أبناء آدم يوم القيامة كما أخبرت الكتب المقدسة خاصة القرآن تعرف المدلول. ومن ثم الاتجاه الذي سار عليه وإليه المخرج والمعد . فقد حذف من نص كاسونا كل إشارة كان الممكن أن تفهم على ضرورة الفن والثقافة واكتفى بالمسيات والإشارات فقط . ثم ملأ الفجوات بكلماته والتي تحاول فقط محاكمة الشيطان الماثل أمامنا طوال العرض . بالإضاقة الى أنه قدم الشيطان نادما هائما، تائبا في بعض الأوقات.
نص العرض كان هو هذه العصابة المكونة من بعض المغفلين. ثم الطالب الذي يظهر له الشيطان ويحاول أن يغريه ولكنه يرفض. ثم ابنة الملك اللاهية العابثة لتي تحاول أن تلتقي بزعيم قطاع الطرق أو العصابة . ولكنها تلتقي بالشاب؛ الذي يقع في حبها؛ وتنصرف الفتاة. فيأتي الشيطان ثانية، فيطلب منه الشاب ان يساعده في الحصول على ابنة الملك وسيكون طوعا له؟!. يدخل الشيطان القصر في وظيفة مربي الأميرة الجديد . تخبره الأميرة أنها تريد قتل الشيطان. فيخبرها بأن قتل الشيطان لابد ان يكون بخنجر الشيطان ذاته . وهذا الخنجر موجود مع ذاك الشاب. الذي أصبح زعيما للعصابة. تذهب إليه الأميرة . ولكن الشيطان كان قد وضع شيئا بشراب الشاب بحاول أن يعتدي على الأميرة. ولكنه كان يفيق لحظات ويدخل في صراع مع نفسه . فيقوم باستدعاء تابع الأميرة وهو في لحظة من تلك ويطلب منه أن يقوم بتقييده . ثم يذهب لإحضار الملك. يحضر الملك وتكون النهاية حيث خطبة طويلة نخبرنا عن مصير الشيطان ومن يسير في ركابه وقبلا محاسبة الشيطان ذاته من الشيطان الكبير.
أي أن التدخل في النص كان فقط لمجرد إيصال النهاية الميتافيزيقية للشيطان وتكونيه .. الخ. دغم من الرسالة الواضحة والصريحة بأن الحب ومحاولة الوصول للحبيب هو رجس من الشيطان نفسه وعمل من أفعاله!! ولكي تدرك ماحدث للنص الأصلي فأننا نذكرك فقط بأن العصابة أو قاطعي الطريق عند كاسونا هم مجموعة من الشباب تهتم بالفن والثقافة لا الشر والأجرام . لذا لم يكن غريبا أن يصبح الطالب زعيما لهم. وإدراك أن طلب الأميرة بقتل الشيطان كان نابعا من تفشي المصائب في البلدة . وتفصير ذلك بأنه من عمل الشيطان ، لذا طالبت بقتله. أي قتل سبب المصائب من فقر وجوع ومرض .. الخ. لذا فعند كاسونا سترى أنه يقرر أن تكون الأميرة / الحكم مقترنة بالشاب المثقف الفنان حتى يتم قتل الشيطان أو نتيجة لقتل الشيطان/ الكوارث/ الفقر/ المرض...الخ. كما أن الشيطان الحديث أو شيطان عصرنا كما يقدمه كاسونا هو مجرد شيطان صغير خائب يتلخص همخ الأكبر في محاولة إخفاء ذيله. وهذا أيضا له مدلولوه علاوة على ماسيصدره في حنايا النص من بعض المواقف الكوميدية من خلال المعالجة لتقديمه.
ولعل اطلاع أي مخرج على تاريخ كاسونا واضطهاده إبان فترة حكم الجنرال فرانكو لأسبانيا ؛ تسهم في الفهم الواعي للمراد .
المثير للانتباه أن نص كاسونا قدم خلال العام لعشرات المرات من خلال الهواة . وأغلب التثديمات كانت من خلال عروض جامعية وبعض عروض نوادي المسرح في الثقافة الجماهيرية التي تقوم في الأساس حاضراعلى مجموعة من الشباب الجامعي. والمثير أكثر أن كل التقديمات –إلا فيما ندر - قد أزاحت جانبا العملية السياسية والإجتماعية التي أرادها كاسونا وكيفية التغلب على الكوارث والمرض .. الخ . وأبدلته فقط بقضية الشيطان والإنسان في معناها المتيافيزيقي دون محاولة للفهم أو التفسير.
المثير أكثر أن محمد مجدي عباس يحمل من صفات الفنان الكثير . سواء كان بتعامله المباشر في عملية تحريك الممثلين على خشبة المسرح أو التحكم في كيفية الأداء الجمعي والفردي. كما أن تعامله مع عناصر الإخراج المساعدة المتمثلة في الديكور والإضاءة والموسيقى كانت جيدة . فأحمد الحداد مصمم الديكور تعامل مع قلة الإمكانات بوعي وحاول أن يعوض الفقر المادي بغنى فكري ونجح كثيرا في هذا . خاصة في المشاهد غير التقليدية مثل مشاهد الغابة على سبيل المثال. أما الإضاءة التي صممخا محمد فجل فقد كانت غير اعتيادية بالنسبة لعروض المهرجان . واستعان بمنابع ضوئية في كافة أرجاء متوازي المستطيلات الذي يمثل الفضاء المسرحي . فهناك بجانب الإضاءة التي تأتي من من أمام الخشبة بكل أنواها ، الإضاءة الجانبية العلوية والأرضية . كما أنه تعامل تعاملا جدي مع الإضاءة التي تأتي من ألجزء الخلفي لأعلى مساحة التمثيل . والتي كنا قد توجسنا منها شرا حينما رأيناها . ولكنه وظفها جيدا . من خلال التحكم في الزاوية . فكانت المنابع تنير بشكل لا يزعج عيون المشاهد مع أنها أمامه مباشرة . وقدمت تعاملا أيضائيا جديدا على مستوى مسرح الهواة في مصر . وأعتقد أنه من عندياته وتفكيره . فأنا أجزم أنه لم يشاهد العروض القليلة التي قامت بهذا التوظيف على مستوى الاحتراف سواء في الفرق الكبرى أو الفرق الزائرة . ولعلي لا أكون مبالغا بأن الإضاءة بنسبة كبيرة وبنسبة معقولة من الديكور في بعض المشاعد قد ساهما في عملية المردود النهائي للعرض. وهذا لا يعيب المخرج بل هو له . فقد فعل المطلوب واستعان بعناصر لها رؤية لا مجرد منفذين. كما أن موسيقى حليم نبيل كانت مواكبة.
كما أن الأداء التمثيلي جاء بصورة جيدة خاصة من خلود مصطفى شبل/ ابنة الملك، ويوسف دياب/ الطالب، ومحمد العبد/ كاسكابيل التابع. مع عدم إغفال بقية الفريق وهم ابراهيم كامل ومحمد ياسر، ابراهيم نافع، على عيد، منار حمدي،مصطفى فلوكس، محمود الجميعي. والطفلتان ملك محمود سعد وإيمان غازي . وطبيعي ان الاختيار والتوظيف يحسب للمخرج أيضا.
هنا تكون المقابلة بين الفنان ورجل الدين. فنحن نقبل أن يكون محمد مجدي فنانا ملتزما له قضاياه الفكرية الاجتماعية والسياسية والدينية . ويقدمها من خلال أعماله على خشبة المسرح . ولكنه يجب أن يعرف أن هناك فارقا كبيرا في التعامل مع خشبة المسرح ومع المنبر الوعظي، حتى وأن اتحدت القضية والهدف.
ربما عليه أن يدرك أن هذا التعامل مع النص جعله يأخذ موقفا من نفسه هو . فهو كمحمد مجدي المخرج يمثل نموذجا جيدا للمثقف الفنان الذي أراده كاسونا ونفاه هو!!. ربما عليه أن يعيد التفكير في التقديمات القادمة لهذا العرض ويخرج بشكل أكبر توائما معه هو ذاته ومع الوسيط الذي من خلاله ينقل قضيته . لأنه لو ترك هذا الأمر على المدى الوسيط ربما سيفقد الفنان المثقف ولا يبقى منه إلا عدو الشيطان . وهنا عليه أن نذكره أن الملك ورجال البلاط في النص كانوا من أعداء الشيطان . ولكنهم كانوا السبب في الفقر والكوارث والمرض. وربما هناك الكثيرون الذين يتصايحون بعدائهم للشيطان وماهم في الحقيقة إلا أداة له وهم لا يعلمون