المسرح المتجول في السودان

المسرح المتجول في السودان

العدد 735 صدر بتاريخ 27سبتمبر2021

ارتبط المسرح السوداني في طور نشأته الأولى بالحركة المسرحية المصرية، وإن تأخر ظهور العروض المكتملة إلى منتصف العشرينيات من القرن الماضي بظهور «جماعة الخرجين» والتي قدمت مجموعة من المسرحيات التي عبرت عن الواقع السوداني في ظل الاحتلال.
كما ظهر في تلك الفترة الناقد عرفات محمد عبد الله والذي دعا إلى قيام مسرح سوداني، وقد التقط منه الفنان خالد أبو الروس هذا التوجه، فكتب في إحدى مقدمات مسرحياته:
«عندما كان المسرح يقدم الروايات الأجنبية مثل تاجر البندقية والفارس الأسود وصلاح الدين، دار بخلدي أن أضع «رواية» سودانية لحما ودما، ولم يطل بي التفكير حتى استهديت بقصة «تاجوج والمحلق».
ومنذ تلك اللحظة عرفت السودان تكوين الفرق المسرحية المختلفة، وظهرت المرأة السودانية على خشبة المسرح في عام 1946، حيث قام الفنان «ميسرة السراج» بتكوين فرقة تمثيلية تحت شعار «أعطني قرشا أعطيك مسرحا».
بعد ذلك ظهر جيل كامل من المسرحيين تبلورت أفكارهم من خلال نيض الشارع السوداني خاصة بعد «الثورة الشعبية»، فظهرت أنماط مسرحية جديدة، مثل المسرح الجامعي ومسرح الطفل والذي ازدهر – بشكل لافت – في منتصف السبعينيات، خاصة بعد إنشاء أول مسرح سوداني يقام على أحدث الوسائل والتقنيات الفنية وهو «مسرح الصداقة السودانية الصينية».
وقد ظهر خلال تلك الفترة مجموعة من الأسماء التي أسست لمفاهيم مغايرة في بنية العمل المسرحي في السودان، أمثال الفاضل سعيد الذي اعتمد على فكرة «التأليف الجماعي» من خلال ورش فنية، على أن يتم استكماله عن طريق الارتجال.
وقد بدأ مسرح الشارع في السودان على يد المخرج «عزالدين كوجاك»صاحب تجربة «مسرح الكارو» عام 1984، كمحاولة لنقل خشبة المسرح إلى أماكن توجد فيها الجماهير لكسر هاجس الإمكانيات.
وقد قدم «كوجاك» أول عروضه عام 1987 في سوق السمك بمنطقة «وادي مدني»، ثم توالت عروضه في مناطق «بنطون رفاعة» و «بنطون المتمة».
كما شارك «كوجاك» في تأسيس «فرقة المسرح المتجول» والتي قدمت مجموعة من العروض منها «الدفن في مقابر الحكومة» والذي قدم في ميدان «البوسطة» في مدينة «أم درمان» و «سوق ستة».

جماعة «كوتو» المسرحية:
مع منتصف الثمانينيات ظهر توجه جديد في المسرح السوداني ينحو منحى «التمسرح» بالعودة إلى تقديم عروض تنتمي إلى الشارع باللجوء إلى حيل فنية تتذرع بالتراث واستعادة فنون الارتجال كالأراجوز والحكواتي والحكاية الشعبية,
وظل هذا التوجه مستمرا إلى أن ظهرت فرقة «جماعة كوتو المسرحية» والتي أسسها عام 1994 كل من ديريه ألفريد والسماني لوال واستيفن أوشيلا بمدينة الخرطوم، واعتمدت الفرقة على مستوى النص على ما يمكن أن يسمى بالنص المفتوح المرتبط بالقاموس الشعبي، ومن ثم يأتي العرض معتمدا على التنفيذ الجماعي من خلال البطولة الجماعية، وهو مسرح غنائي بامتياز موسيقاه مأخوذة من الموروث الشعبي، ويتم الغناء والأداء من خلال الكورس، وأحيانا في إطار فردي وهو قليل جدا.
أما على مستوى اللغة فإن «اللغة المستخدمة عند الفرقة هي لغات ست من لغات جنوب السودان قابلة للزيادة وهي لغة الدينكا ولغة الشلك ولغة النوير ولغة اللاتوكا ولغة الباربا ولغة الزاندي بالإضافة إلى لغة عربيي جوبا التي هي مزيج من العربية وبعض لغات الجنوب».
وتستهدف الجماعة جمهور النازحين ولكن هذا لا ينفي أن الجماعة لها جمهور وسط طلاب الجامعات ووسط المثقفين عامة، وهو جمهور معرض دائما للمشاركة في العرض لأن يكون جزءا من العرض فإذا كان الفضاء الذي يتحرك فيه العرض أصلا مفتوحا، وإذا كانت طبيعة ما يقدم تتيح مجالا للمشاركة في عروض غير تقليدية فماذا يفعل الجمهور؟.
مسرح «كوتو» هو مسرح يلتحم بالجماعة الشعبية مستخدما مفرداتها اليومية والحياتية كالعصي والكشكوش والدرقة، وهو مسرح ذو بعد اجتماعي للتخفيف عن الفقراء فقد تم توظيف العروض لأهداف التعليم والتوعية بمبادئ حقوق الإنسان من خلال عدة عروض، كان أولها عرض «كواتو» إخراج السماني لوال، ثم عرض «الصوت» المأخوذ عن رواية «الصوت» لكابريا أوكارا، ثم مسرحية «البئر الصامتة» تأليف وإخراج محمد عبد الرحيم قرني، ومسرحية «قمر اطلع» إخراج استيفن أوشيلا، وعرض «الجراد» تأليف مصطفى أحمد خليفة وإخراج السماني لوال وغيرها من العروض. 


عيد عبد الحليم