العدد 794 صدر بتاريخ 14نوفمبر2022
المسرح الجامعي هو المحطة الأولي فى رحلة الإبداع، فهو بمثابة المعمل الذي يخرج المواهب والساحة الفنية التي تشهد خروج العديد من المواهب ليصبحوا بعد ذلك من نجوم الصف الأول، وهو يعد مرحلة الشغف الأولي والورشة التعليمية والتثقيفية الكبيرة، خصصنا تلك المساحة لنتعرف على أراء وشهادات مخرجين كان لهم تجارب فى هذا المسرح، ونقاد قاموا بالتحكيم فى مسابقات المسرح الجامعي.
قال المخرج شادي الدالي :أنا ابن مسرح الجامعة ممثلاً ومخرجاً لفريق آتيليه المسرح بكلية الفنون الجميلة وهو من أهم فرق الجامعة و له تاريخ في مسابقات المسرح الجامعي، و تدربت على يد أساتذة كبار مثل الراحل حسن عبده و محمد عبد الخالق و د. ناجي شاكر، و بشكل عام المسرح الجامعي في مصر من أهم روافد الساحة الفنية على مر العصور وهو أول أشكال التميز في رأيي، فالموهبة الحقيقية في مسرح الجامعة تفرض نفسها بقوة تلقائياً، حيث يكفي أن تعلن رغبتك في لانضمام للفريق حتى تجد فرصة عريضة لعرض موهبتك، و تتلقى التدريب المطلوب، و ثاني أشكال التميز هي روح الفريق، حيث يتعاون كل الفريق بكل إخلاص للمنافسة بقوة على كأس الجامعة، مثلا. في فريق المسرح الجامعي حيث لا حسابات إنتاجية و لا تسويقية يسعى الجميع للتطور للأفضل و العمل في المتاح من الإمكانيات والظروف و هذا ينعكس إيجابا على الناتج الفني.
وتابع : كما يخرج للاحتراف عدد كبير ممن مارسوا المسرح داخل فرق المسرح بالجامعات المختلفة، و الأمثلة عديدة على نجوم كبار بدأوا من مسرح الجامعة: ممثلون ومخرجون و مؤلفون و مغنون و راقصون و مصممو سينوغرافيا، بالطبع هناك طبيعة خاصة لعروض المسرح الجامعي، كونها في الأساس نشاطا طلابيا يمارسه طالب بمنتهى الحرية بجانب الدراسة العلمية بالجامعة، فهو يكسب العملية كلها قدراً من الحرية هي ضرورية جداً لإنجاح العروض.
غير نمطية
الكاتب المسرحي أحمد سمير الفائز بجائزة التأليف بملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي قال: في ظني أن المسرح الجامعي أحد أهم أسلحة الردع المعنية بمواجهة القبح والإرهاب والأفكار الظلامية ولأنه معنى بمرحلة الشباب الجامعي، تلك الفترة الهامة في تشكيل وعي الأجيال، ورسم ملامح شخصياتهم فإن أهميته تأتي من هذه الدوافع ليفرض المسرح الجامعي نفسه كمرحلة هامة وضرورية ليس فقط على المستوى الفني وإنما على مستويات عديدة مختلفة، كما أن تلك المرحلة العمرية للشباب مرحلة مليئة بالتطلعات والرؤى والتجارب، إضافة إلى طاقات الشباب و أحلامه وطموحاته فإننا نجد أعمال الشباب وعروض المسرح الجامعي عروضا غير نمطية.. تعبر بصدق عن أفكارهم وفلسفتهم في الحياة وتحمل معاناتهم، وتطلعاتهم، ومن هنا يمكن أن نتلمس دور المسرح الجامعي ومبدعيه في تشكيل خريطة المسرح المصري بتجارب تحمل من التجريب الكثير والكثير على مستوى النصوص التي تحمل أفكارا بكرا، ربما لم يتطرق لها احد قبلهم أو على مستوى الإخراج الذي يبحث دائما عن اختلافه وتفرده وتميزه، وكذلك كافة عناصر العمل الإبداعي التي تحمل من روح الشباب روحها، لنجد اليوم خريطة مسرحية يشكل أغلب ملامحها عروض شبابية على رأسها المسرح الجامعي.
نأمل أن يظل محافظاً على خصوصيته
و قال الناقد أحمد هاشم: يعد المسرح الجامعي واحداً من أهم روافد المشهد المسرحي العام، إذ يعتبر معملا لتفريخ الفنانين سواء مؤلفين أو مخرجين أو ممثلين أو كافة العناصر المسرحية الأخرى، وربما هامش الحرية المتاح له أكبر من هوامش الحرية الأخرى المتاحة لعروض الروافد المسرحية الأخرى، كما لا نغفل أن الحماس الذى عادة ما يسيطر على الشباب العاملين فى المسرح الجامعي يجعله يتطرق إلى آفاق قد لا نلمسها فى المسارح الأخرى سواء فى مسرح الدولة أو مسرح القطاع الخاص؛ إذن فهو مسرح يتوافر فيه الحماس والأفق اللا محدود والجرأة بما يتطرق إليه من موضوعات، ومعالجات مختلفة مما يكسبه حيوية غير متاحة فى المسارح الأخرى.
وتابع هاشم: وعروض المسرح الجامعي في السنوات الأخيرة تشهد بذلك بما تحققه من نجاح لافت جعل بعض مسارح الدولة تسعى إلى استضافة البعض من تلك العروض اللافتة، حتى وصل الأمر إلى إقامة مهرجان دولي بالقاهرة للمسرح الجامعي وقد شاهدنا مؤخرا دورته الرابعة، تلك الخصوصية التى يتمتع بها المسرح الجامعى وفنانيه جعلته دائما ما يثرى الحركة المسرحية بالفنانين سواء على مستوى الإخراج أو التمثيل، إلا أن المشكل الحقيقي يتمثل فى خضوع بعض هؤلاء الفنانين للشروط الحاكمة للمسرح المحترف فيضيعون فى التقليدية وعدم التطوير، إلا أن الحركة المسرحية تشهد للبعض منهم أيضا بالقدرة على الحفاظ على تلك الخصوصية التى يتمتع بها المسرح الجامعي، والماضي القريب يرشدنا إلى اثنين من المخرجين (على سبيل المثال لا الحصر) أتيا من هذا المسرح الجامعي ولم يستسلما للاعتيادي والتقليدى والمستهلك و ظلت عروضهم فى المسرح المحترف يشهد لها الجميع بتلك الخصوصية سواء فى طرحها المختلف أو مستواها الجمالي والتقني، هذان المخرجان هما الراحل «محسن حلمى» و الفنان الكبير «عصام السيد» الذى تشهد له عروضه بتلك الخصوصية، ولعل أقرب مثال على ذلك هو عرضه الأخير «يا عزيز عيني» الذى قدم فى إفتاح الدورة الأخيرة للمهرجان القومي للمسرح المصري، ونأمل أن يظل المسرح الجامعى محافظا على خصوصيته تلك،ىوعلى ما هو متاح له من مكتسبات غير متوفرة فى مسرح المحترفين حتى يظل قائما بدوره فى إثراء المسرح المصري كما كان دائماً .
الدماء التي تضخ فى شرايين الإبداع المسرحي
المخرج سعيد منسي هو أيضا ابن المسرح الجامعي، وقد حقق العديد من النجاحات به وحصد العديد من الجوائز قال : مسرح الجامعة هو المعمل الذي يفرخ المبدعين على مستوي جمهورية مصر العربية، وأغلب كبار الفنانين كانت بدايتهم من مسرح الجامعة سواء نجوم السينما أو المسرح أو الموسيقي أو الفنون التشكيلية، وقد ساهم مسرح الجامعة فى تطوير شخصية الفنانين والمبدعين، ووضع البذرة الأولي فى المبدع.
وأضاف: يتمتع مسرح الجامعة بالترابط والحماس والشغف الذي يعطي روحا عظيمة للإبداع المسرحي، فهو بمثابة الدماء التي تضخ في شرايين الإبداع المسرحي في مصر، وهناك كثير من العروض المسرحية المهمة التي قدمت فى مسرح الجامعة، وحققت نجاحاً كبيراً وحققت طفرات واذكر منها عرض «روميو وجولييت» لمحمد الصغير الذي قدم فى الجامعة وحصد جائزة المهرجان القومي للمسرح وكان لونا جديدا علينا وساهم فى ثراء الحركة المسرحية فتحركت المياه الراكدة، وهناك أيضاً مخرج يعد من أبرز وأهم المخرجين وهو المخرج محمد جبر الذي قدم عرضا من أهم وأنجح أعماله المسرحية وهو عرض «1980 وانت طالع»، الذي اعتمد على طلبة جامعة ولم يكن عرضا من مسرح الجامعة، ولكن قوام العرض كان اغلبه من طلاب الجامعة، وكذلك المخرج تامر كرم الذي يعد من المخرجين المهمين جدا في المسرح المصري، وحقق نجاحات كبيرة في جامعة عين شمس، وانطلق منها لنجاحات أكبر فى مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص ..
وعن تجربته فى مسرح الجامعة قال:
كان لي العديد من التجارب فى مسرح الجامعة، وشاركت في أكثر من دورة للمهرجان القومي باسم الجامعة سواء جامعة المنصورة فقد شاركت بدورتين في المهرجان القومي للمسرح لفريق كلية الآداب جامعة المنصورة، بعرضي «البيت الذي شيده سويفت « وعرض «هاملث»، كما شاركت بعرض لفريق جامعة طنطا وهو»القروش الثلاثة» عام 2016، وحصلت على جائزة المهرجان، كما يعد مسرح الجامعة هو المعهد العالي للفنون المسرحية بمواهبه العديدة .
أربع سنوات و 8 أنواع من المخرجين
فيما قال المخرج محمد علام: المسرح الجامعي عبارة عن «النبتة» الأولى التي تزرع داخل المخرج وهو يعد تجربة الاحتراف الأولي، وذلك بعكس المسرح المدرسي فوعي وإدراك المخرج والممثل يتشكل ويترسخ في هذه المرحلة، فالطالب يقضي أربع سنوات يتعامل خلالها مع 8 أنواع من المخرجين من مدارس مختلفة فهناك من يتعامل بالمدرسة العبثية ومنها الكوميديا وجميعها خبرات يحتك بها الطالب أثناء المرحلة الجامعية فيكتسب خبرات ويصبح له إسهامات فيقدم ما يقرب من 12 عرضا مسرحيا خلال الأربع سنوات ويكتسب خبرة الوقوف على خشبة المسرح والتعامل مع الجمهور وتابع : المسرح الجامعي هي مرحلة الإعداد التي تخرج الطالب مكتسباً العديد من الخبرات فى المجال الإحترافي.
مسرح الجامعة يدعم فكرة التجريب
الكاتب والمخرج الشاب محمد السوري والحاصل على جائزة المهرجان القومي وجائزة الدولة التشجيعية اتفق على أهمية ودور المسرح الجامعي فى إثراء الحركة المسرحية المصرية ،وكذلك خروج كوكبة لامعه من النجوم للمجال الفني والمسرحي، أصبحوا نجوم الصف الأول، وقال: يمتاز مسرح الجامعة بدعمه لفكرة التجريب فهو مسرح بلا قيود، فالمخرج فى المسرح الجامعي ينطلق فى الخيال لآفاق رحبه ويساعده فريق العمل في ذلك، فالمخرج يخوض تجربة من المعرفة تجعله قادراً على تقديم أشكال مسرحية متميزة، ودائما تتمتع عروض الجامعة بطزاجة الأفكار والرؤي حتى وإن لم يكن بعضها على درجة كبيرة من التميز ولكن الرؤى والأفكار المستحدثة هي «شعار هذه العروض.
وتابع: «الرؤى المختلفة التي تخرج بالعروض المسرحية يكون منطلقها الأول هو مسرح الجامعة، وكذلك الأطروحات التي يقدمها المخرجون والمؤلفون من مسرح الجامعة؛ إذن فمسرح الجامعة له مساهمات كثيرة فى تطوير الحركة المسرحية فى مصر.
روشته لتطوير المسرح الجامعي وتطوير كوادره
الكاتب أحمد عبد الرازق أبو العلا شارك فى العديد من لجان التحكيم الخاصة بالمسرح الجامعي وضع روشته لتطوير هذا المسرح والعناصر القائمة عليه فقال : المسرح الجامعي يعد بمثابة ورشة حقيقية أفرزت العديد من المبدعين الموجودين على الساحة الفنية الأن، فهناك أجيال من كبار المخرجين هم خريجي المسرح الجامعي ومنهم المخرج عصام السيد، المخرج ناصر عبد المنعم، الفنانة عبلة كامل ،وسبب ازدهار هذا المسرح فى السنوات العشر الأخيرة؛ يرجع لكثرة عدد الجامعات وهو بدوره ادى إلى كثرة عدد العروض المسرحية فكل جامعة تضم مجموعة من الكليات تقدم عروضاً مسرحية فيصبح هناك كم من العروض المسرحية التي يتم تصفيتها وانتقاء أفضل هذه العروض لتصعد إلى المهرجانات الختامية، وهى مجموعة متميزة من العروض المسرحية عالية الجودة والتميز
وأضاف: بدأ المسرح الجامعي من خلال مساندة كبار المخرجين الذين ساهموا فى إخراج أجيال من المسرحيين وهناك ضرورة ملحة أن تقوم إدارات الشباب فى كل جامعة بتنظيم دورات تثقيفية و تدريبية للعناصر المسرحية حتي يتم دعم المسرح الجامعي، ولا يصبح معتمداً فقط على الفطرة والموهبة، فكما نعلم الموهبة ليست لدى كل المخرجين الشباب، وبالأخص فى عنصر التمثيل الذي يحتاج إلى إقامة ورش للممثلين لتدربيهم على فنون الإلقاء ومخارج الألفاظ، فمن خلال عملي فى لجان التحكيم كانت الملحوظة الأولي هي إخفاق بعض الممثلين فى تقدم نصوص باللغة العربية الفصحي، ومن ثم ابتعدت العروض الجامعية عن تقديم النصوص الفصحي، وهو أمر لابد التركيز عليه، وكذلك يجب أن يلعب المخرج دوراً هاماً في ذلك، وهو وكما يطلق عليه «المخرج المعلم» وهذا النوع من المخرجين يجب أن يتواجدوا فى جهتين تنتجان المسرح وهما «مسرح الثقافة الجماهيرية» و»مسرح الجامعة» ودوره هو تدريب الفريق على عناصر العمل المسرحي، وفى حالة عدم توافر مخرجاً من كبار المخرجين فى عملية التدريب فمن الممكن أن يتولى ذلك الامر أحد الطلاب المتفوقين، وهذه الدورات تساهم فى تقديم عملية مكتملة ومنتج مسرحي ناتج من تدريب وتعلم، وهو ما يجعل العروض الجامعية أقوى وكذلك هناك ضرورة لأن تتيح مسارح الدولة في الفترات التي لا تعمل بها تقديم عروض من المسرح الجامعي كما فعل مسرح الطليعة، على أن تقدم هذه العروض دون تذاكر لاستقطاب شرائح مختلفة من الجماهير لمسرح الدولة ، و ضروري أن تكون هناك شراكة بين وزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة متمثلة في البيت الفني للمسرح لتجوال العروض المتميزة من المسرح الجامعي، فالاكتفاء بمسابقات المسرح الجامعي وحدها لا يكفي، فمن الضروري الاهتمام بهذا الرافد من قبل الدولة متمثلة فى البيت الفني للمسرح.
أسبوع شباب الجامعات
فيما أشار المخرج محمد جبر بتأثر المسرح الجامعي فى العامين الأخيرين بجائحة كورونا التي أدت إلى إلغاء المسابقات وحدوث فجوة أثرت على الجيل المتواجد فى المسرح الجامعي خلال هذه الفترة، مشدداً على ضرورة إقامة أسبوع شباب الجامعات فى المحافظات، وهو مهرجان يجمع العروض المسرحية الجامعية كلها، حتي يتابع المخرجون إبداعات بعضهم البعض، خاصة أن المسابقات المسرحية فى الجامعة غير كافية، ويجب أن تحتك المواهب فى جميع عناصر العمل المسرحي ببعضها البعض ليحدث تطويرا للمسرح الجامعي .
إلتحاق عدد كبير من المخرجين بالمعهد العالي للفنون المسرحية
فيما ارتكز الكاتب محمود جمال الحديني إلى نقطة هامة وهى دور المسرح الجامعي فى تخريج عدد كبير من الكتاب المتميزين الذين بدأوا من المسرح الجامعي وقدموا العديد من الكتابات الهامة للساحة المسرحية، واتفق الحديني مع الكاتب محمد السوري فى رحابة مسرح الجامعة فى التجريب على جميع أشكال العروض المسرحية، مشيراً إلى إثبات المسرح الجامعي جدارته فى مهرجانات كبرى مثل المهرجان القومي للمسرح، وكذلك دوره فى التحاق العديد من المخرجين والممثلين بالمعهد العالي للفنون المسرحية ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر المخرج تامر كرم، المخرج مازن الغرباوي، المخرج محمد علام وغيرهم .