احتباس العسل بين قدرات الإعاقة وإعاقة القادرين

احتباس العسل بين قدرات الإعاقة وإعاقة القادرين

العدد 788 صدر بتاريخ 3أكتوبر2022

ضمن مسابقة العروض القصيرة المزعم إقامتها بمسرح زكي طليمات بمقر فرقة الطليعة ضمن فاعليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي لدورته التاسعة والعشرون، قمت بمشاهدة عرض لفرقة خاصة بعنوان «احتباس العسل»، جسدت فيه المؤلفة / نهى صبحي ملحمة «هيلين كيلر»، تلك الأديبة الأمريكية التي حصلت على جائزة نوبل في الأدب وعلى لقب سفيرة المكفوفين وهي صماء بكماء منذ الطفولة، عانت في حياتها الكثير والكثير نتيجة الشعور بالوحدة والعزلة وعدم الرؤية أو السمع نتيجة مرضها في التاسعة عشر شهرا من عمرها وأفترض أطباء الأطفال بأنها مصابة بالحمى القرمزية أو التهاب الرأس، مما أثر كثيرا على طريقة نطقها للكلام، فأصبح عالمها وحيد، ما هو إلا عالم مظلم أحادي اللون، اللون الأسود الذي افقدها الأمل ورؤية الأشياء أو حتى تخيلها، بل وتمكن هو منها عوضا عنه؛ ففقدت خلاله الإحساس أو حتى الشعور بالجنس الأخر رغم محاولاتها في تجاوز ذلك إلا أنها فقدت الشغف في ذلك الشعور نتيجة كون هؤلاء الرجال معاقين على حد تعبير المؤلفة .
ولم تغفل المؤلفة دور الآنسة «آن سوليفان» المعلمة التي وهبت «هيلين» حياتها من أجل تعليمها الأمل والحياة والطموح والأحلام، فقد كانت عامل قوي ومؤثر في الدعم النفسي لها، مما أدت بهيلين إلى الارتقاء بأسلوبها من أسلوب وحشي همجي غير إنساني إلى أسلوب آدمي واعي يمكن الاحتذاء به، وليس هذا فحسب إلا أن أصبحت هيلين نموذجا للتحدي وللمرآة العاملة وقوة الإرادة وإثبات الذات، لكون أن لديها ما يجعلها أن تتحدث بفخر وعزة لتجعل من إعاقتها ما يميزها عن الكثير من المبصرين الذين لديهم العديد والعديد من الفرص التي لم يستطيعون من اقتناصها على خلافها التي  خلقت من نفسها فرصة لأن تصبح هي .
تلك الأمور التي تجلت لنا بوضوح من خلال العرض؛ حيث تمكن من توصيله المخرج «أحمد أمين» بقوة عبر توظيف عناصر عرضه على أكمل وأتم وجه، ولكنه من وجهة نظري قد أخفق تماما في استخدام شاشات الليد المستخدمة كخلفية للعرض ليترجم خلالها مشاعر وأحلام وآلام هيلين التي جسدته لنا الفنانة «رجوى حامد» بقوة رغم ضعف توظيف الوسيط البصري، فقد نتج هذا الخفاق نتيجة أننا قد تعايشنا بالفعل أزمة وحدة تلك الفتاة ومدى معاناتها للعيش، ولكن كانت الشاشة دخيلة أعتقد أنها كانت على خلاف صالح العرض . وعلى الرغم من هذا إلا أنني بالفعل خرجت وأشعر بشعور تلك الفتاة نتيجة قوة الأداء التمثيلي والتعايش التام الذي طغى على روح العرض ككل حتى وإن كان هناك فضاءات مغايرة عما هو مراد إيضاحه وتجليه . 
أما بالنسبة لباقي الموتيفات الديكورية فأستطيع القول أنه قد نجح في توصيل الحقبة الزمنية التي كانت تعيشها شخصية «هيلين كيلر» منذ عام 1880 إلى عام 1968 ميلاديا، تلك الحقبة التاريخية التي جعلت من المخرج ضرورة الالتزام بتجسيدها، ذلك الأمر الذي يؤكد مرة ثانية على مدى إخفاق اختيار شاشات الليد لكونها لم تستكشف حينها بعد على الإطلاق، بل أنه آثر على إبراز عنصر الإبهار أكثر من التركيز على العامل الزمني للعرض الذي فرضه تجسيده لتلك الشخصية التاريخية .
أما عن المؤثرات الصوتية ... فقد نجحت في إتمام تعايشنا الكامل للحالة، بل إن مواضعها بالنسبة للعرض ملائمة تماما وكذلك اختيار موضع السكوت هو أيضا ملائم تماما رغم طوله في أغلب الوقت . ذلك السكوت أو الصمت – على حد التعبير الأدق – هو ما يشعر به كل أصم، فالصمت هو صوت الصمم .


نهاد السيد