فرقة الأراجوز المصري.. وجماليات مسرح العرائس

فرقة الأراجوز المصري..   وجماليات مسرح العرائس

العدد 745 صدر بتاريخ 6ديسمبر2021

تكونت فرقة الأراجوز المصري عام 1991 بغرض تحديث الحدوتة التراثية لفن الأراجوز وتقديمه على المسرح باستخدام عناصر التمثيل المتعارف عليها ممزوجة باستخدام الدمى والأقنعة. مثل “عرائس القفاز”، باعتبار أن الأراجوز كفن شعبي يهتم أكثر من غيره بمناقشة القضايا الاجتماعية ـ رغم عدم وجود نص مكتوب تتم من خلاله عملية توثيق لهذا الفن الرفيع، وإن وجدت تجارب توثيقية فهي لفنون موازية له مثل “خيال الظل” كتمثيليات “ابن دانيال” التي جمعها مخطوط تراثي شهير، وربما يرجع غياب هذا الجانب التوثيقي لفكرة الأراجوز نظرا لأن الحواديت تورث من لاعبيه بشكل أقرب إلى الشفاهية، وربما يعد هذا السبب عائقا في تطوير الفكرة ذاتها.
أما عن فكرة تحريك العرائش فهناك أدلة كثيرة على وجودها في مصر القديمة والدليل على ذلك وجود عروسة بخيط من أسفل هي “عروسة العجان” الموجودة بمتحف “اللوفر” بفرنسا.
أما الأراجوز فرغم الاختلافات العلمية الكثيرة حول مكان نشأته إلا أن كثيرا من الدراسات أكدت أن كلمة “أراجوز” مشتقة من كلمة “قراقوز” التركية وتعني العين السوداء، أو “الميدان الكبير” وبعض الدراسات تشير إلى أنها تحريف لاسم الحاكم الظالم “قراقوش” ومن هنا تبرز أهمية طبيعته الساخرة والمفارقة.
***
أما عن الإطار التنظيمي لفرقة “الأراجوز المصري” فقد قام بتأسيسها كل من ناصر عبد التواب وعماد عبد العليم، وحمدي القليوبي، ومحمد منير، وسعيد عبد التواب وصلاح محمود، ومحمد مبارك، وعلاء عيد.
وقد جاء عرضها الأول “المواطن مصري” 1991 من إعداد وإخراج ناصر عبد التواب معتمدا على “حدوتة الأراجوز والجزار” من خلال المزج بين التمثيل البشري والتمثيل العرائسي “التحبيظ” القائم على “التشخيص داخل التشخيص” بمناقشة قضية مهمة وهي وضعية المثقف في المجتمع ـ الآن ـ من خلال شخصية “الأراجوز المثقف” المهموم بقضايا الوطن من خلال استخدام تقنيات سينمائية مثل عرض شريط من فيلم “الناصر صلاح الدين” إخراج يوسف شاهين، حيث ينشغل الأراجوز بسؤال مهم يتردد في ثنايا الحدث الدرامي للفيلم وهو “كيف حال العرب يا حسام؟” وفي تلك الأثناء يبرز دور الزوجة والتي يحاول “الجزار” أن يساومها على شرفها فيسألها قائلا: “ما حالك يا كشكشويوز” وهو اسم الأراجوزة وحين تحكي له كيف أن الجزار حاول معاكستها أكثر من مرة، يصيح الأراجوز قائلا: “لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم”.
فتقول له: خدله سكينة معاك؟
فيرد عليها بهدوء: لا.. أنا ها أناقشه.
وهنا تكمن عقدة النص المسرحي من خلال هذا السؤال الوجودي عميق المغزى، ومتشعب الدلالة الراصد لحال المثقفين القابعين في دائرة التنظير دون الخروج إلى دائرة الفعل والتنفيذ.

أما العرض الثاني فقدمت من خلاله الفرقة الجزء الثاني من “المواطن مصري”، تأليف محمد منير وإخراج ناصر عبد التواب وتدور أحداثه حول فرقة مسرحية، قرر أحد ممثليها في إحدى ليالي العرض ترك المسرح الذي رأى أنه “مسرح سري” لا يهم الناس العاديين
وقد ناقش العرض– في إطار كوميدي ساخر- عدة قضايا مهمة منها قضية “الحرية” الفردية في ظل واقع مادي متغير، وقد بدأت أحداثه بطرح قضية خلافية تطرأ بين الأراجوز وحماته يكون من نتيجتها وقوع معركة بينهما فينزل ليحضر عصاه فيكتشف أنها مكسورة لأنه نسى للحظة أنه أراجوز، وعاش طيلة حياته على مبدأ “العيش جنب الحيط” مؤثرا السلامة، وهنا تكتشف الحماة ضعف الأراجوز فتقرر طرده بعد أن ضربته ضربا مبرحا وخلعت لسانه، وهي عملية ذات بعد تراثي عميق الدلالة، فاللسان يمثل قيمة الأمانة، على اعتبار أن لسان الأراجوز ينطق بحال الناس
وحين يخرج للحياة بطبيعة بشرية توهم أنه في حرية، وفي تلك الأثناء يصطدم بالممثل الذي خرج في بداية العرض ليتلاقيا في توجيه النظر إلى السماء، ويدخل عليهما أحد ممثلي الفرقة فيجدهما يرددان كلمة “حرية” فيؤكد لهما أنهما لو ملكا قرارهما فإنهما بذلك يكونان قد امتلكا ناصية “الحرية”.  
كما ناقش العرض عدة قضايا اجتماعية مثل الفساد، وطرح ذلك عبر عدة مشاهد منها مشهد ذهاب الأراجوز إلى هيئة الإسكان الشعبي في مشهد به كثير من المفارقة الدرامية بعد أن هدم منزله ليأخذ كشكا لإيوائه هو وأسرته فيفاجأ بأنه لا يحصل عليه، وإنما تأخذه امرأة قامت بعلاقة غير شريفة مع الموظف المختص.
وكذلك مشهد كوميدي آخر حين يخرج الأراجوز للتنزه مع زوجته على الكورنيش فيحتضنها فيقبض عليه بدعوى أن هذا فعل فاضح في الطريق العام ويندمج الممثل الذي يقوم بدور الضابط فينزل إلى صالة العرض سائلا الجمهور “أين بطاقاتكم” ـ ويظل الاندماج حتى ينبهه زملاؤه الممثلون على خشبة المسرح صائحين فيه “حرية.. حرية”، ونظرا لأنه سلطوي يكره هذه الكلمة يقوم بمطاردتهم، فيتركوا المسرح خاليا مثلما بدأوا.
وهذه الفكرة قائمة على ما يسمى بـ”مسرح الساعة” أو “مسرح الشوك” الذي ظهر في لبنان عام 1966.
أما العرض الثالث “وشك للحيط”، ناقش فكرة تحول الزمن والتغييرات الاجتماعية من خلال نص مسرحي يدور حول صاحب “عربة الأراجوز” الذي يكتشف أن الأراجوز في هذا الزمن قد فقد أهميته فقرر أن يستبدل به افتتاح شركة لإنتاج الكاسيت، واستحضر لذلك مجموعة من مطربي “الميكروباص”.
وجاء العرض الرابع “الأرشفجي” لصلاح عبد السيد، وهي نص كلاسيكي واقعي من خلال طرح شخصية “الأرشفجي” وعمل ربط لها مع شخصية الأراجوز فهو موظف مطحون يسكن غرفة موحشة رطبة ما يؤدي به في النهاية للإصابة بانسداد في الشعب الهوائية، وتأتي “الكحة” المصاحبة لأداء الممثل ما هي إلا اعتراض منه على الأشياء التي يرفضها.
وقد قامت الحبكة الدرامية على تيمة “الحلم” الذي يجاذبه طرف كابوسي لمناقشة قضية “الفساد الوظيفي” بإبراز شخصية “النمس باشا” الموظف الكبير المرتشي الذي يستغل موقعه الوظيفي في إبرام صفقات مشبوهة مع العملاء.
وقدمت الفرقة بعد ذلك “دراما شعرية من أشعار فؤاد حداد” تحت عنوان “التسالي بالمزاج والقهر” إعداد الشاعر سيد سلامة.
ثم قدمت بعد ذلك مجموعة من عروض تنتمي لمسرح الطفل لها طابع تعليمي مثل مسرحية “الكتاب صديقي” والتي قدمت في شكل المسرح الغنائي للتأكيد على أهمية القراءة في نهضة المجتمع.
أما عرض «رحلة ورد» فيدور حول فكرة الصراع بين الخير والشر، بين التسامح والكره،وقدم العرض على خشبة مسرح قصر ثقافة عمال شبرا الخيمة.
وقد قدمت الفرقة بعد ذلك مجموعة من العروض الأخرى في أماكن مختلفة.


عيد عبد الحليم