همام تمام رائد مسرح العربة الشعبية (الكارو)

همام تمام  رائد مسرح العربة الشعبية (الكارو)

العدد 861 صدر بتاريخ 26فبراير2024

يعد المسرح الشعبي هو الأكثر ارتباطا وتلاحما مع الجمهور. وتتعدد أشكاله وأنواعه في كل المجتمعات باختلاف ثقافات الجماعات الثابتة والمتغايرة. ومن ضمنها مسرح الشارع الذي يتنوع أسلوب تقديمه في كل بلد ومن مكان إلى آخر، وهو شكل من أشكال الأداء المسرحي  والعرض في الأماكن العامة الخارجية دون جمهور محدد  يمكن أن تكون هذه المساحات في أي مكان، بما في ذلك الميادين  والأسواق والجراجات والمقاهي والأزقة والموالد الشعبية أي أنها فضاءات خارجية حيث يوجد أعداد كبيرة من الناس. ولعل من أبرز أشكال المسرح الشعبي في المسرح العربي الأراجوز وخيال الظل. وفي مصر نشأت في السنوات السابقة منذ ثمانينيات القرن العشرين من ضمن أشكال مسرح الشارع فكرة مسرح العربة الشعبية (الكارو) حيث يمكن للقائمين به تدشين الديكور والإكسسوار وكل مهمات العرض على عربة متنقلة والتجول بها في أي مكان، ومن ثم إقامة العرض في الشارع او في المكان الذي يرتحل إليه أمام جمهور حقيقي ينفعل ويتفاعل معه. وقد تستخدم العربة كخشبة مسرح تدور عليها الأحداث أو جزء منها، أو يتم التشخيص أمامها واستخدامها كخلفية للديكور أو غير ذلك من الاستخدامات المتعددة. ويشبه هذا الشكل التراثي العربي للمسرح الشعبي المتمثل في خيال الظل والأراجوز. ويعتبر مسرح العربة الكارو من هذه الأشكال المتفردة والذي لم يتم استخدامه من قبل في مسرحنا العربي أو المصري منذ نشأته حتى ابتكره رائده المخرج المسرحي/ همام تمام، وأقام من خلاله عدة عروض في كافة ربوع مصر حتى تخطت أربعين عرضا تقريبا.
والمخرج/ همام تمام يعرفه الكثير من المسرحيين من أبناء جيله على مستوى جميع المحافظات لا سيما فناني الثقافة الجماهيرية، وهو عضو نقابة المهن التمثيلية في شعبتي التمثيل والإخراج. وقد بدأت علاقته بالمسرح في مدرسة إمبابة الثانوية، حيث قام بتكوين فريق المسرح بالمدرسة، حيث كان معه مجموعة من زملائه الفنانين مثل أحمد  الحجار وأحمد عبد الباري ومجدي عبيد وغيرهم.
وقد تخرج من معهد علوم اللاسلكي والبحار عام 1969، وهو حاصل على دراسات في معهد السينما عام 1986، وحصل على جائزة الدولة في عيد الفن عام 1980 في مجال المسرح. عمل في الثقافة الجماهيرية منذ عام 1972، وانتقل للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية عام 1996، ملتحقا بفرقة الغد التي انتقلت للبيت الفني للمسرح حتى خروجه للمعاش. وقد عمل محكما ومحاضرا مسرحيا في وزارة التربية والتعليم. ومثل مصر في العديد من المهرجانات المسرحية مثل: مهرجان الجزائر المسرحي، مهرجان لاهور بباكستان، مهرجان المحبة باللاذقية بسوريا، مهرجان العراق الدولي، مهرجان الدار البيضاء بالمغرب.
أول أعماله كممثل اشترك في عرض مسرحية “مأساة من دير ياسين” عام 1963 لفرقة من الهواة، كما اشترك في عرض “زمن الفهلوان” لفرقة أبو الهول المسرحية (فرقة الجيزة حاليا) من تأليف/ أحمد عبد المعطي حجازي، إخراج/ إبراهيم الدالي، أما أول عرض لمسرح الشارع والحديقة اشترك فيه فكان»العنكبوت» للكاتب/ محمد السيد سليمان عام 1968، وقدم لصالح نادي الجزيرة.
ثم التقى بالفنان المخرج/ عبد الرحمن الشافعي عام 1972 في قصر ثقافة الغوري في مسرحية «علي الزئبق” ليسري الجندي. ثم توالت أعماله معه كممثل في عروض “وادي الملح”، “عاشق المداحين”، و»منين أجيب ناس» وغيرها، وشارك بعدها في الكثير من الأعمال المسرحية مع عدد من كبار المخرجين، مثل: “البر الغربي”، و»سعد اليتيم»  إخراج/ ناجي كامل، “رسول من قرية تميرة” إخراج/ كمال ياسين، “حرب وسلام” إخراج/ محمد سالم، “فلوس فلوس” إخراج/ عبد الغفار عودة، و»ذات الهمة» إخراج/ عباس أحمد، “جحا وحماره” إخراج/ رؤوف الأسيوطي، “كرسي في الكلوب” إخراج/ ياسر صادق، “حياة عبد الرحمن الشرقاوي” للمسرح القومي، إخراج فهمي الخولي، وغيرها عشرات الأعمال.
كما اشترك في العديد من الأعمال الدرامية الإذاعية والبرامج وقد فاز بجائزة أحسن ممثل عام 1988 من إذاعة الشعب عن دوره في مسلسل الشعراني، إضافة لعمله في عدة مسلسلات تليفزيونية.
في الإخراج قام بإخراج عدد كبير من المسرحيات بالقاهرة والأقاليم وكما قام بتكوين عدد من الفرق المسرحية. حيث كون فرقة “قويسنا” وأخرج لها مسرحية “الباني طالع” تأليف/ فؤاد فرغلي، ثم مسرحية “الأرض والناس”، ثم مسرحية “ملاعيب أشعب” تأليف/ عباس أحمد.
كما كون فرقة “أهناسيا المسرحية” وأخرج لها مسرحية «الفلاح الفصيح» وعرضت في الجرن في مزارع أهناسيا.
وكون فرقة “الباجور” وأخرج لها مسرحية “جحا في المزاد” تأليف/ أحمد علام.
وكون فرقة «السلام»، وأخرج لها مسرحية “مولد وصاحبه غايب” للمؤلف/ سمير عبد الباقي. ثم أخرج لها من مسرح الشارع مسرحية “مولد يا عالم” التي عرضت في الشارع ثم في الحديقة.
كما كون فرقة “بولاق الدكرور” وأخرج لها مسرحية بلد السلطان” التي كانت تنتمي لعروض مسرح العربة الكارو وعرضت في شوارع بولاق الدكرور.
وأخرج لفرقة “البدرشين” من تجارب العربة الكارو مسرحية “حسن ونعيمة والأراجوز” تأليف/ عباس أحمد.
ولفرقة ببا أخرج مسرحية “عطا الله” عن عطيل لشكسبير، ومسرحية “هاملت”، ومسرحية “سعد اليتيم” لمحمود عبد الله.
ولفرقة «البراجيل» أخرج مسرحية “طبيب روح القلوب” للأديب الكبير/ نجيب محفوظ. ولفرقة «قها» مسرحية “شيكا بيكا والأراجوز”.
ولفرقة «بنها القومية» أخرج مسرحية “حكاية لكل بيت” تأليف/ حسن عبد الباري، وأشعار/ وفاء وجدي، وبطولة/ سامح الصريطي ولمياء الأمير.
كما أخرج عددا من المسرحيات لمسارح الدولة والقطاع الخاص، منها: «منين أجيب ناس» تأليف/ نجيب سرور، «أوبريت الشحاتين” تأليف/ عزت عبد الوهاب، مسرحية “الأراجوز” تأليف/ عربي أبو سنة، مسرحية “سعد اليتيم” تأليف/ محمود عبد الله، «عزيزة ويونس» تأليف/ عبد الغني داود، “العمدة هانم” تأليف/ أحمد هاشم، “الفاضي يعمل قاضي” تأليف/ درويش الأسيوطي، وغيرها إضافة لعدد كبير من العروض تلك التي أخرجها لقصور الثقافة في مختلف المحافظات كالجيزة والبدرشين والحوامدية ومركز ببا وأبوتيج بأسيوط وجرجا وسوهاج، أبنوب وقويسنا والمنوفية وقصر ثقافة البراجيل وقصر ثقافة صفط اللبن وإمبابة وغيرها من المدن .
أما الشكل الفني الذي يتم من خلاله تقديم مسرح العربة الكارو في الشارع، فهو من خلال تلك العربة الشعبية التي تأخذ موقعها في الشارع بين الجمهور تحمل الممثلين والراقصين ولاعبي السيرك الذين يقدمون فنونا وألعابا بهلوانية. ثم بعد ذلك تقدم الفرقة الاستعراض الخاص بالعربة الشعبية ثم تجهز العربة لتكون الديكور الخاص بالمسرحية وأحداثها ومشاهدها. والعربة بها برفان الأراجوز الذي يقدم من خلاله فنون وألعاب الأراجوز. كما تستخدم العربة ومحتوياتها في بقية مشاهد العرض المسرحي الغنائي الاستعراضي. كما توظف العربة كمسرح أو منصة مسرحية يجري عليها الأداء التمثيلي ثم في وضع آخر كخلفية للأحداث التي تجري. وهكذا يتم تغيير المشاهد بتغيير وضع العربة باعتبارها خشبة مسرح صغرى ثم في مرحلة أخرى من الأحداث يتم توظيف العربة كخلفية درامية للعرض المسرحي.
أما من حيث الموضوعات التي يقدمها مسرح العربة الشعبية، فغالبا تكون موضوعات تتعلق بالواقع الذي يعيشه الناس في حياتهم البسيطة، كما تتناول  الواقع السياسي والاقتصادي، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقات الطبقية والظلم الاجتماعي الواقع على المهمشين والبسطاء، والفساد الاجتماعي والسياسي.
فمثلا نجد في مسرحية «العمدة هانم» التي أخرجها لفرقة «أبو تيج» المسرحية في إطار الفرجة الشعبية من تأليف/ أحمد هاشم، أنها تدور حول زوجة أحد أثرياء صعيد مصر تقدم نفسها للترشيح لمنصب العمودية وتتعرض لهجوم ضاري من الأسرة وذوي العقول المتحجرة غير مصدقين لهذا الحدث ومعارضين له ولخلفيتها الثقافية، ومنكرين لقدرات المرأة الصعيدية على الصبر والاحتمال، ومواجهة الشدائد والمواقف الصعبة، التي بها استطاعت أن تواصل مشوارها والفوز بمنصب العمدة في قريتها. وتتعرض لمشاكل أخرى عديدة بينها حدة الثأر بين العائلات، والمستفيدين من منصب العمدية، التي غربت شمسها عنهم كرجال، وفجأة يتخلى عنها كل خفراء القرية، ومشايخها فتحاول تجنيد النساء في منصب شيخ الخفراء والخفر، ومشايخ القرية من خلال إطار كوميدي استعراضي، وقد استخدم المخرج/ همام تمام، الأراجوز والعربة الكارو ضمن مفردات المسرح الشعبي في طرح الأحداث.

وفي عرض “الفاضي يعمل قاضي» عمل «همام تمام» على إظهار الأشكال المتعددة للمسرح الشعبي كالحكايات الشعبية والسرد الشعبي والمعرفة التاريخية والسمر الفني. وتم تقديمه في فرقة «أبنوب» المسرحية بأسيوط، وطاف العرض قرى ومراكز أسيوط. كما قدم  في حديقة الحوض المرصود في حي «السيدة زينب»، من إعداد/ درويش الأسيوطي، وهو مأخوذ عن مسرحية «مجلس العدل» لتوفيق الحكيم، تناول فيه الواقع الذي يعيشه الناس من خلال طرح العديد من القضايا والمشكلات الآنية، مثل: القاضي والحاكم وأتباعه المنتفعون من الحكم، والظلم الذي يقع للمواطن عندما يمرض، ومشكلة التعليم وكيف يؤدي إهمالها إلى الخراب، ومشكلة الجماعات المتطرفة وكيف أدى الإهمال في مجال الثقافة إلى التطرف والإجرام أيضا. وقدم العرض من خلال شكل فانتازي كوميدي يحمل رسائل متعددة موجهة لضمير التاجر والمعلم والطبيب والمهندس موضحا أنه على كل شخص أن يراجع نفسه حتى نبني دولة، وبرغم أننا نملك حضارة سبعة آلاف عام إلا أن الحاكم الديكتاتور يعيدنا آلاف السنين إلى الوراء.
وفي عرض «بعزئيكا» قدم كثيرا من القضايا السياسية والاجتماعية الشائكة، منها استغلال نفوذ رئيس الجمهورية من قبل المحيطين به والمنتفعين، وقضية بيع المصانع والشركات، وتوريث الحكم، وحمل العرض رسالة كيف نحافظ على بلدنا وثرواتها وكيف لا نقع في أخطاء الماضي مرة أخرى، من خلال أحداثه التي تدور عن رجل يأتي لشراء سيرك فيقوم ببيع كل شيء في هذا السيرك، إلى أن يتبقى المهرج (الأراجوز) وزوجته وهما المثال على التراث في هذا العرض، وعندما يأتي لبيعهما يرفضان فيقوم بطردهما، فيبدآن في العمل بتوعية الناس، ويتم القبض عليهما بتهمة الفعل المشين، بعدها يقوم المهرج (الأراجوز) ببيع زوجته حتى يتبقى لسانها، التي تقول له كيف سنقول للناس الحقيقة بغير ألسنتنا؟ وعندما يطلب المهرج من الخواجة أن يسترد زوجته يرفض طلبه، وهو هنا يعبر عن المهرج المثقف الذي انجرف وراء الانفتاح  والأحزاب الوهمية، بعدها يقوم لاعبو السيرك والمهرجون بالثورة على صاحب السيرك.
كما ناقش مسرح العربة الكارو قضية البطولة الشعبية وعلاقة البطل الفرد بالجماهير وحدود هذه البطولة، مكانتها وواجباتها، كيف تصنع وكيف تحبط؟ وكيف تنهار في عالم متغير بزوايا حادة، في عرض “بلد السلطان”، تأليف/ محسن يوسف. وقدم العرض في شوارع حي بولاق الدكرور من خلال فرقة «زنين» المسرحية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وطاف العرض ليقدم بالمراكز الإصلاحية بالجيزة وبالواحات.
كما تناول مسرح العربة أفكار الظلم الاجتماعي والسياسي والطبقي وسيطرة أصحاب المصالح على مقدرات الشعوب، في عرض “ست الحسن”، تأليف/ أبو العلا السلاموني. وقدم في الصعيد كفرجة شعبية على العربة الكارو، بصحبة شاعر الربابة، وتدور أحداثه حول جندي فقد الذاكرة بعد حرب 73، ويقابل شاعرا يجوب البلاد ويخبره هذا الشاعر أنه فقد الذاكرة ويذهبان في رحلة بحث عن أهل هذا الجندي، وعند كل بلدة يخبرون الأهالي بأنه هذا الفارس حارب من أجل بلده، وفي إحدى البلدات تقابله أمه وتتعرف عليه، وتخبره بأنه ابنها. ويرى هذا الجندي ما حل بالبلاد من خراب من استبداد العمدة الظالم، ويرى أيضا أن كل من حارب غير موجود وأن المتواجدين هم الظالمون، الذين يتاجرون بالبلد ويدمرون الأراضي الزراعية وبرغم فقدانه الذاكرة وعدم تذكره أي شيء، إلا أنه يرفض أحوال بلده ويقف بجوار أهل البلدة. ويحثهم على الثورة ضد الظلم والطغيان.
وفي تناول موضوعي آخر التقط المخرج/ همام تمام لمسرح العربة أبعاد اختيار الحكاية الشعبية “حسن ونعيمة” وضياع الحلم لدى البسطاء من الناس وصراعهم الأبدي ضد الدخلاء ومستغلي أحلامهم البسيطة الذين يسعون إلى الخلاص عبر الحكاية التي تنتهي دائما نهاية مأساوية ميلودرامية يموت فيها البطل. وذلك في عرض “موال عن نعيمة وإيزيس” الذي قدم من خلال قصر ثقافة مدينة «بنها»، عبر صياغة واستلهام من مسرحية نجيب سرور “منين أجيب ناس”. في هذه المسرحية «إيزيس» لا تبحث عن أشلاء «أوزوريس»، إنما تبحث عن أشلاء «حسن»، فهي ترتدي جلبابا صعيديا ويعرفها الناس باسم «نعيمة»، وقد تمكنت من الاحتفاظ برأس «حسن» وبقى أن تبدأ رحلتها مع النيل لتجمع بقية أشلائه حتى تودعه بالأرض الطيبة ليستريح. والبطل هنا يتعدد اسمه فمرة هو «حسن» ومرة هو «أوزوريس»، وتنطلق  المواويل في ذلك تعبيرا عن  الأسطورة أو الحكاية الشعبية .
ويواظب المسرحي «همام تمام» على التنوع والتعدد في الموضوعات الجادة الهادفة للرعبة الشعبية، منطلقا إلى عالم السياسة الخارجية متناولا النظام العالمي وسيطرة الكيان الصهيوني على حياة ومقدرات شعوب العالم الثالث، وذلك في عرض “يا روح ما بعدك روح”، الذي قدمه من خلال قصر ثقافة «أسيوط». ويركز العرض على دور وسائل الإعلام الصهيونية في تغذية وتنمية جانب الخرافة والشائعات لدى الشعوب العربية، وهي تبيع لهم الأوهام في مقابل الجنة الموعودة التي يرسمها الساسة والقائمون على النظام العالمي الجديد الذي يرى العالم كله عبارة عن قطع من الشطرنج تحركها الأيدي القادرة في الاتجاه الذي تريده فضلا عن تصويرهم لدول العالم الثالث وحضارتها كأنها كذبة كبيرة يسخرون منها. ويبين العرض كيف تحول الواقع إلى مسرح كبير يحكمه مجموعة من المتآمرين واللصوص والمرتزقة وتجار الحرب والساسة. وذلك في تجربة اختلط فيها الشكل التجريبي بشكل عبثي لمسرح شكسبير مع رؤية عصرية للمسرح التقليدي المصري، في إطار كوميدي ساخر من خلال تيمة شعبية ترتبط بتراث الموالد في الريف المصري وما يجري فيها من تناقضات عبثية تنسحب في مضمونها السياسي على الواقع بأكمله.
وهكذا نجد أن المخرج همام تمام الرائد الأول لمسرح العربة الشعبية (العربة الكارو) انصب اهتمامه الأول كمخرج على الفرجة الشعبية في جميع عروضه واهتم بمسرح الشارع والحديقة والعربة الكارو، واستخدم فيها المفردات الشعبية بجميع أنواعها، حاملا فكره وفنه وأحلامه وشخصياته يجوب بها الأحياء الشعبية، مستلهما منها الفن الصادق الحقيقي من وإلى الناس، إيمانا منه بدور الفن في المجتمع، مقتحما الجمهور وذاهبا إليه بالعرض المسرحي في الشارع دون انتظار أن يذهب الجمهور إليه في علبة مسرحية.
هذه كانت بعض تجاربه في مسرح العربة الكارو، ومن الجدير بالذكر أن المخرج همام تمام له تجارب إخراجية عديدة بعيدا عن هذا الإطار قد ذكرنا بعضها في مقدمة هذه الدراسة، والتي كان من أهمها مسرحية “سعد اليتيم” من إنتاج مسرح الغد، وقد نالت نجاحا كبيرا وحظا وافرا من الشهرة والمتابعة النقدية والإعلامية، وسوف يكون لها مجال آخر للحديث عنها.
وأخيرا كان لنا هذا الحوار مع المخرج همام تمام لنتعرف أكثر على تفاصيل فكرة العربة الشعبية وأفكاره وأساليبه:
أولا ما هو مسرح العربة الكارو؟
أرى أن الفنان يستلهم أفكاره من الواقع الشعبي، كما أنه يستلهم أدواته الفنية من الحياة التي يعيشها للخروج من دائرة أدوات الفنان المعتادة والكلاسيكية. ومن هنا كان اهتمامي الأول كمخرج بمسرح الفرجة الشعبية في جميع عروضي. حيث أهتم بمسرح الشارع والحديقة والعربة الكارو. واستخدمت فيها المفردات الشعبية بجميع أنواعها. صممت هذه الفكرة خصيصاً لتلائم العروض ولتسمح بحرية حركة وتجوال ممثليه، أما الأدوات المسرحية فهي بسيطة ومستمدة من البيئة المصرية الصميمة. الديكور لا يتعدى بعض الستائر والكراسي الموظفة لمصلحة العمل، والإضاءة غالبيتها من الشموع والقناديل أثرية الطراز.
وكيف يتم تنفيذ ذلك؟
الفكرة أساسا تدور عن طريق العربة الكارو التي تتحرك لجذب المشاهدين وهي عبارة عن  عربة كارو تحمل الممثلين وأيضا الراقصين ولاعبي السيرك الذين يقدمون عليها فنونا وألعابا بهلوانية، كما تقوم الفرقة بالاستعراض الخاص بالعرض وبها برفان الأراجوز الذي يقدم فنون وألعاب الأراجوز، كما تستخدم العربة ومحتوياتها في مشاهد العرض المسرحي، الغنائي الاستعراضي، أيضا تستخدم كمسرح يتم التمثيل عليها، ثم توضع كخلفية للأحداث التي تدور ثم يتغير المشهد بتغير وضع العربة باعتبارها خشبة مسرح صغرى، وتوظيفها دراميا للعرض المسرحي من خلال استخدام المفردات الشعبية كالأراجوز وخيال الظل وألعاب السيرك لتحقيق الفرجة الشعبية الكوميدية.
لماذا اتجهت إلى مسرح الشارع والعربة الكارو بالتحديد؟
أولا أنا أؤمن بدور الفن في بناء الواقع وتطوير المجتمعات، لا سيما أني نشأت في منطقة شعبية، وأعرف جيداً كيف يقاسي البشر هناك تبعات الجهل والتخلف.
ثانيا يطلق مصطلح  العربة الكارو على العربات الخشبية التي تجرها الدواب. عندما نفكر في سبب تقديم هذا النوع للناس، هل لسبب مادي أم موضوعي أرغب في توصيله للجمهور؟ أم لأستفز المتفرج ومشاعره والحدوتة التي بداخله، وأنمي بداخله حاجة ومتعة ثقافية أو ليكون نواة لممثل أو كاتب أو شاعر أو ملحن أو أي مبدع كان؟ هذا ما كنت أضعه في خطتي عند النزول لأماكن العرض. مثل العرض الذي أقمته في البدرشين سنة 1982 (حسن ونعيمة)، تأليف/ عباس أحمد، فالعرض لم يكتب للشارع أو العربة الكارو وكان عرضا محفزا بالنسبة لي (وكان قد سبقه أربعة عروض) نحو الاستمرار في عروض الشارع، حيث أقمت العرض بعربة كارو يجرها حمار بالشارع وهو ما لم تعتده الجماهير في الريف، بأن ترى عرضا مسرحيا في الشارع، هم اعتادوا على الأراجوز أو الساحر أو غيره مما شابه.
ألم تجد في ذلك صعوبة مع مواجهة الجمهور؟
 بالطبع توقعت صعوبات كثيرة مثل الاستهجان أو النفور أو الاستهزاء من الجمهور، ولتحاشي ذلك وضعت نقطتين هامتين، فأقمت مكان للعرض وصممت خطة تحرك من خلال طلبة المدارس الإعدادية و الثانوية حيث استعنت بهم لجذب الجمهور وتنظيم حضوره ووجدت تعاونا كبيرا منهم. وكان الجمهور يمثل جميع الفئات والأعمار والأسر.
مع تطور العصر ووسائل المشاهدة الحديثة ما بين الإنترنت والفضائيات والمنصات، هل يجد هذا المسرح قبولا من المتلقي في الشارع؟
 بالطبع تغيرت الوسائل، وحتى تجذب الجمهور لمشاهدة العرض بالشارع أو المدرسة أو غيره، لا بد أن يشعر بك الناس أولا، فلا بد للمتفرج أن يحصل على قيمة ما من مشاهدة العرض. وكي يتجاوب معك لا بد أن تكون لديك أدواتك الساحرة التي تجذب الأسرة كاملة، مثلا في العربة الشعبية أو العربة الكارو لا يمكن أن تكون بدون ممثلين أو محرك مثل الأراجوز أو خيال الظل أو الساحر وغيره. مثلا في أيام ثورة يناير وما بعدها أخرجت عرض «ست الحسن» وقدمت موضوعا عن التوهان الذي كنا نعيشه، وهل كنا نحيا بشكل جدي وهل كنا مسيرين أم مخيرين. بالإضافة لموضوع آخر في عرض (بعزئيكا) والذي قدمته من خلال مسرح الغد بالبيت الفني للمسرح وتم عرضه بكل مكان في مصر، قدمت موضوعا استفزازيا للناس يدور حول اللعبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدور حولنا وهل 99% منها في يد مجهول لا نراه ولا نعرفه يتحكم فينا كي نرضخ لأصحاب المصالح السياسية؟
هل يندرج هذا تحت فكرة المسرح السياسي وتوجيه فكر المتلقي من خلال أدوات شعبية؟
 أنا لا أوجه الجمهور نحو رأي محدد، لكني أستفز تفكيره وملكاته، إن استفزاز الرأي يختلف عن استفزاز الملكات التي بداخلك، فاستفزاز الرأي أن أضعك كمتفرج في موقف وأضغط عليك حتى تدلي بالرأي الذي أريده، أما استفزاز الملكات التي بداخلك فهي أن أضعك في موقف ما وأداعبك حتى تغني أو تلقي نكتة أو تبدع  قصيدة أو بيت شعر أو قصة أو مسرحية، وكان هدفي مؤخرا أن أفجر طاقات وملكات الناس.
هل تعتمد على نصوص مخصصة للفكرة أو على إعداد خاص؟
إن الكتابة لمسرح “الكارو” تختلف كلياً عن مسرح العلبة ودائماً ما أراعي فيها التكثيف والبعد عن التفاصيل التي تكون ضرورية احياناً، ويزيد الأمر تعقيداً أنني أرفض الاقتباس من الأعمال الأدبية المصرية أو تعريب بعض المسرحيات العالمية، وأفعل كل شيء بنفسي الإخراج والكتابة والديكور والتمثيل أحياناً، وهذا ليس ذنبي فغالبا أجد عزوفاً من زملاء المهنة عن مشاركتي أعمالي، لأنها كلها مجانية.
هل يوجد منهج أو مدرسة مسرحية معينة يتم من خلالها طرح هذا اللون من المسرح الشعبي؟
إن  المخرج الذي يحاول أن يميز الأشكال المتعددة للمسرح الشعبي فإنه يجد بعض العناء في دلالات هذا المسرح خاصة ونحن المخرجين نجاري الباحثين والنقاد في عالمنا المسرحي متعدد المناهج والمدارس المسرحية. في حكايات الشعوب ذخائر مليئة بالأحداث مثل الحكايات الشعبية الطويلة ذات حلقات معروفة بالسرد الشعبي.
أما المسرح الشعبي الذي نحن بصدده اليوم هو من النوع الذي يقبل عليه الجمهور لارتباطه بالحكايات الخاصة ووجدان وروح الشعب الذي يجمع بين المعرفة والسحر الشفهي والسمر الفني، ولم يتغير هذا المذاق.
وهل ينجذب الجمهور فعلا لهذه العروض؟
 منذ أوائل الثمانينيات وأنا أعمل على مشروع العربة، أقمت حوالي 42 عرضا في ربوع مصر. ورغم التطور التكنولوجي فعندما تقدم فرجة شعبية بمعطياتها فإن الجمهور ينجذب من تلقاء نفسه لأنه يرى شكلا مختلفا، وحينها يستطيع الممثل  طرح أفكاره التي تغير وتنمي من سلوكيات الفرد في المجتمع، وهذا حدث معي في إصلاحية الجيزة (دار التربية) وقد أقمت فيها عروضا غيرت من سلوكيات  المقيمين بها. ولا بد أن يعود دور الريادة للثقافة الجماهيرية فدورها الحقيقي هو الانتشار في كل قرى وربوع مصر.
إذن تقصد أن هذه العروض ليست بغرض التسلية فقط ولكنها تفاعلية من أجل التغيير؟
بالفعل إن عروض العربة الكارو تتجاوز فعل المشاهدة إلى التغيير، ففي مسرحية “بعزئيكا”  نجد أهالي القرية المصرية الصغيرة الذين تأثروا بالمسرحية يسقطون نائبهم المحلي في الانتخابات لخراب ذمته، ونجد مسرحية أخرى تشعل الحماسة الوطنية والتظاهرات احتجاجاً على السياسات الصهيونية الوحشية ضد العرب.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏