العدد 787 صدر بتاريخ 26سبتمبر2022
منذ أن أطلقوا عليه لقب «أبو الفنون».. ظلّ المسرح وفياً لهذه التسمية مستمدّا منها كيانه الفني وبعده الاجتماعي وعمقه الإنساني باعتباره جامعا لتفاصيل الفنون متمسكاً بتلابيبها.. فالممثل والنص، اللذان يتعامل معهما مخرجوا ما بعد الدراما على أنهما فاقدين لشرعيتهما القديمة، ظلا لفترة طويلة هما صناع الفارق.. باعتبارهما أدوات المخرج الذي إن تميز فبفضلهما..
غير أن الكفة في مسرح اليوم، بتعدد أشكاله ومسمياته، مالت إلى جانب المخرج بصلاحيات واسعة في عروض اعتمدت على التكوينات البصرية والتي هي في طروحاتها الأصيلة، لا تتجاهل حق الممثل ولا تغضب صفحات النص.. إن تكاسل بعض المخرجين وعشقهم لاستعراض عضلاتهم بخنق الممثل والنص وجعلهما في مرتبة أدنى.. يتجاهلون عمداً وبنية مبيتة أن أية مشهدية لا تبنى إلا على كتفي النص والممثل.. ولا يقاد العرض الناجح إلا بأذرعهما الطويلة والقوية.. فكما أن العين تبصر الجمال.. كذلك الأذن هي باحثة عن سماع حوار بليغ متماسك يؤديه ممثل عظيم.
إن قيام العرض المسرحي على خلق المعادلات البصرية الموضوعية عبر الجوقة أو «الكيروغراف» أو الإضاءة.. كل ذلك توفيق يحسب للمخرج شرط أن يكون عادلاً في منح عناصر العرض الأخرى حقهم دون تفرقة أو تمييز أو غبن.. فمخرج أدمى مقلتي نص حيّ.. وقطّع أوصاله ثم جاء بعدها ليحييه باللصق.. أو مخرج قزّم الممثل وألقاه كقطعة ديكور جامدة.. إن مثل ذلك المخرج قد أعلن الحرب على النّص.. وهو بمثابة إبلاغ رسمي لكل ممثل يرغب في الاشتغال معه أنه سيكون جزءاً من منظومة العرض وأداة من أدوات لا الأداة الأهم التي لا يقوم العرض الا بها !!
هذه الإشكالية هي سبب تفاقم ظاهرة المخرج المؤلف في العديد من العروض المسرحية، فهو يرسم لعرضه مشهديته الخاصة حين يكتب نصه منقوصا وفقاً لتلك المشهدية، وبذلك تكون له الحرية في إتمام ذلك النقصان بأدواته الإخراجية، فيتخلص من اقتتالات مع مؤلف يريد لنصه أن يكون بارّا به، ومع ممثل يمنّي نفسه بالعودة إلى المسرح الشكسبيري مرة أخرى!
فمن باب أولى أن يبحث ذلك المخرج عن نص وممثل يناسبان تخييلاته البصرية.. كما فعل عدد من مخرجي المسرح حينما أقدموا على كتابة نصوصهم المسرحية أو أعدوا نصوصا عربية وعالمية بعد أن أيقنوا أن ضالتهم لا يمكن العثور عليها في نصوص يتوجب عليهم هدمها ثم إعادة بنائها.. وفي كل هدم وبناء يسقط ضحايا !