جولة فى شارع المسرح البريطانى

 جولة فى شارع المسرح البريطانى

العدد 792 صدر بتاريخ 31أكتوبر2022

على مسرح مقاطعة نوتنجهام شاير الإنجليزية أثناء عرض مسرحية “الليلة 9” وفى الليلة السادسة من عرضها فوجئ الجمهور بمخرجة المسرحية اماندا هوكستابل تخرج عليهم.
دعت هوكستابل أي أطباء أو من لديهم خبرة فى الخدمات الإسعافية بين الجمهور لإسعاف الممثلة جوزيفين ميلفيل(61 سنة) التى كانت تجسد شخصية العمة ماجى فى المسرحية، حتى وصول الإسعاف التى تم الاتصال بها حيث أصيبت بأزمة قلبية مفاجئة. 
 وكان ذلك بعد دقائق قليلة من تجسيد أحد مشاهدها فى المسرحية وخروجها إلى الكواليس. وقالت المخرجة أنها أصيبت بأزمة قلبية حادة. وكان هناك بعض الأطباء والمسعفين بين الجمهور فاندفعوا إلى غرفتها فى الكواليس وتعاونوا مع رجال الإسعاف الذين وصلوا. لكن ميلفيل لقيت قدرها المحتوم وفارقت الحياة رغم محاولات إسعافها. 
وسادت حالة من الوجوم والذهول بسبب الوفاة المفاجئة لنجمتهم المحبوبة التى طالما أمتعت جماهيرها بأعمال درامية عديدة ليس فى المسرح فقط بل فى السينما والتليفزيون كما هو الحال مع حلقات ايستندر التى جسدت فيها شخصية تيسا باركر وكانت بداية موعدها مع الشهرة. وكانت تظهر فى بعض البرامج الحوارية مثل البرنامج الحوارى (توك شو )”المرأة المنطلقة” الذى قدمه التليفزيون التجارى فى مطلع القرن لمدة عامين. 

الإبداع الرئيسى
ويظل المسرح أهم قنوات إبداعها. ولها أعمال مسرحية أخرى خلاف هذه المسرحية مثل مسرحية “الفاتورة والضحية». وكان أخر أدوارها قبل “الليلة 9” مطلع العام الحالى مسرحية “الشجاعة “ التى قامت ببطولتها النجمة الشابة ايلا هندرسون التى أصرت على استحداث دور لها رغم أنها أصلا من مسرحيات الممثل الواحد. ولم تعرض هذه المسرحية على أي مسرح بل تم تصويرها بالفيديو وبثها على الإنترنت ليشاهدها من يريد بمقابل.
وأعلنت الفرقة وقف عرض المسرحية إلى اجل غير مسمى حدادا على وفاتها والى حين العثور على بطلة أخرى تقوم بنفس الدور.
وتعود أصول ميلفيل إلى منطقة الكاريبى وإلى أفريقيا أولا. وكانت تحيط حياتها الشخصية بستار صارم من السرية إلى حد أن التعليقات التى نشرت فى رثائها لم تذكر أي معلومات عن زوجها وأبنائها.
هذا رغم أنها كانت أيضا عارضة أزياء ومنتجة ومخرجة وناشطة اجتماعية.

أول مسرحية
ونعود إلى مسرحية “الليلة 9” لإلقاء الأضواء عليها. المسرحية من تأليف الكاتبة المسرحية البريطانية ناتاشا جوردون ذات الأصول الكاريبية والأفريقية مثل ميلفيل (من جاميكا ). وعملت معظم حياتها فى التمثيل ثم تفرغت للكتابة المسرحية وكانت “الليلة 9 أولي مسرحياتها.
وفازت مسرحية “الليلة 9 “ بجائزة افضل مسرحية واعدة لرابطة النقاد المسرحيين فى بريطانيا فى نفس عام صدورها وتقديمها على المسرح الوطنى فى لندن بمشاركة مجموعة من الممثلين تختلف تماما عمن جسدوا شخصيات العرض على مسرح ليدز فى عرضها الثانى. وقامت الممثلة سيسيليا نوبل بتجسيد شخصية العمة ماجى التى كانت ميلفيل تجسدها. وعرضت بعد ذلك فى ليدز ونوتنجهام شاير حيث توفيت ميلفيل.
وتعالج المسرحية التى تدور أحداثها فى جاميكا (ثالث كبرى جزر الكاريبى) الحياة الاجتماعية فى تلك الجزر بما تتضمنه من صراعات وتناقضات ومفارقات. ويستمر عرض المسرحية ساعة و45 دقيقة متواصلة 
ويتم ذلك من خلال طقوس متبعة فى هذه المنطقة فى التعامل مع حالات الوفاة تستمر 9 أيام. وتختار الكاتبة أسرة جلوريا السيدة العجوز التى تتدهور حالتها ثم تموت وتبدا مراسم الأيام التسعة. وتستعرض المسرحية التناقضات بين أسلوب أبناء جلوريا وأحفادها فى التعامل مع هذا الحدث مما يؤدى إلى خلافات بينهما. فالبعض يأخذ الأمر بحزن شديد ويقيم مجلسا للعزاء بينما يأخذ البعض الأخر الأمر ببساطة ويعتبر أن هذه الطقوس عفا عليها الزمن ويقيمون حفلات ومأدب طعام تكريما لروح الجدة الراحلة . وهناك اكثر من مشهد يجمع بين الحالتين. واكثر المشاهد تأثيرا فى العرض كما يقول ناقد الجارديان كان الجدل الذى نشب بين إثنين من الأحفاد حول أسلوب إحياء الأيام التسعة. ويرى الناقد –كان ذلك قبل وفاتها وأثناء عرضها فى ليدز - أن ميلفيل أضافت جوا من الحيوية على العرض وعابها فقط بعض التكلف فى خلق المواقف الكوميدية وإن كان يعتقد أن هذا العيب سوف يتم التغلب عليه تدريجيا مع استمرار العرض ...لكن القدر لم يمهلها.

هيلارى مانتل .....علاقة خاصة مع المسرح
لا تكتب ولا تتدخل فى الإخراج 
كانت الأديبة البريطانية هيلارى مانتل التى رحلت قبل أيام عن 70 عاما صاحبة علاقة خاصة جدا مع المسرح .
تعتبر مانتل من الأدباء البارزين فى بريطانيا وسبق لها الفوز بجائزة بوكر الأدبية المرموقة مرتين كانت إحداهما عن اشهر أعمالها الروائية وهى ثلاثية “وولف هول” التى فازت عنها بعدة جوائز. وهى عبارة عن قصة من التاريخ الإنجليزي تدور وقائعها بين عامى 1500 و1535. وقد حققت هذه الثلاثية نجاحا كبيرا وترجمت لعدة لغات واعتبرها النقاد ثورة فى عالم القصة التاريخية 
كانت مانتل عاشقة للمسرح وتهتم بتشجيع المسرح من خلال جمعية أطلقت عليها «اسمع وشاهد». وكانت تؤكد دائما على الدور الذى مكن أن يلعبه المسرح فى حياة المجتمع باعتباره قناة للتواصل بين الممثل والمشاهد. وكانت حريصة على مشاهدة معظم المسرحيات سواء فى لندن أو المدن الأخرى . وفى كل بلد تزوره كان المسرح من اهم المعالم التى تسعى إلى التعرف عليها.

 لا تكتب
وكان ذلك رغم أنها لم تكتب أي مسرحية فى حياتها الأدبية التى امتدت لنحو 50 عاما. فقط تحولت بعض مؤلفاتها إلى مسرحيات. وكان ذلك يتم بأيدى كتاب أخرين غيرها. ولم تكن تتدخل فى هذه الحالة. كانت المعالجات المسرحية تعرض عليها فتكتفى بالإشادة بها وتردها دون تدوين أي ملاحظات مثل قصتها «كل يوم هو يوم الأم» تجربة فى الحب.
وكانت تتحدث بعض العربية بعد أن قضت 4 سنوات فى السعودية فى مطلع شبابها مع إحدى المؤسسات الخيرية والتى تناولتها فى رواية «8 أشهر فى شارع غزة».
وكانت هناك مسحة من الحزن فى رواياتها بسبب تجربتها الشخصية عندما أصيبت بمشكلة فى بطانة الرحم واضطرت إلى إزالته وتعقيم نفسها وهى فى السابعة والعشرين فلم تنجب أطفالا رغم ما كانت تحققه من مكاسب من رواياتها حيث كانت تتولى نشرها وتسويقها من خلال دار نشر تملكها.


ترجمة هشام عبد الرءوف