زقاق المدق.. جيد ومبهج

زقاق المدق.. جيد ومبهج

العدد 792 صدر بتاريخ 31أكتوبر2022

عرض زقاق المدق الذي يقدمه البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية . يدور حوله، أو يثير كثيرا من القضايا المتعلقة بعملية النقد المسرحي في مصر. فمنذ أن بدأ العرض؛ وأنا أسمع أراء سلبية حوله، سواء من بعض المسرحيين؛ أو من بعض من جعلتهم الظروف السيئة يكتبون أشياء يسمونها هم ومن يتشيعون لهم؛ بأنها مقالات نقدية.
ولذا عندما دعيت لحضور العرض؛ ذهبت وأنا أقر مع نفسي بأنها ليلة للنسيان.
ولكن الحقيقة تجلت لي أثناء وبعد مشاهدة العرض ؛ وهي أن (كله عند العرب نقد). فالحقيقة أن العرض طبقا لأهدافه وطبقا لللافتة المدرج تحتها هو أكثر من جيد. ومن يشاهد هذا العرض سيشعر حتما بالبهجة المتمثلة في تضافر العناصر مع بعضها سواء كانت كتابة أم تمثيلا أم موسيقى واستعراضات .. الخ.
وبنظرة سريعة لما تم سنجد أن محمد الصواف؛ الذي قام بالإعداد المسرحي لنص نجيب محفوظ الذي يحمل نفس الاسم، قد ركز على تنويعة بنت البلد الجميلة / حميدة . التي يتعارض طموحها مع واقع الزقاق وتحاول أن تجد لنفسها طريقا للعيش برفاهية. فتتنصل من خطبتها لعباس الحلو ابن الحتة؛ آملة أن تتزوج بالتاجر الثري حتى لو كان متزوجا ويكبرها عمرا. ولكن الزيجة لم تتم. فتقع في براثن قواد؛ يجبرها على العمل كراقصة أو فتاة ليل. وبالصدفة يراها عباس الحلو وتحدث مواجهة. ويسقط القواد وراعيه من أصحاب الحصانات في يد الشرطة لمتاجرتهم بالممنوعات. وتذهب حميدة في الآخر نادمة لأهل الزقاق الذين يستقبلونها.
من الطبيعي ألا يحتوي الإعداد المسرحي عن وسيط آخر؛ وخصوصا الرواية على كل ما يمكن أن يثار من خلال الوسيط الأصلي، بل هو التركيز على جزء ما أو قضية أو شخصية ما تناولها العمل الأصلي؛ وجعلها موضوعا قائما بذاته في العرض المسرحي. ذاك الوسيط المحكوم أولا بالوقت وثانيا بإمكانية التحقق. فأنت من الممكن أن تقرأ الرواية في أيام. ولكن لا يمكنك الآن جعل الجمهور يشاهد عرضا مسرحيا يقترب من الثلاث ساعات. لذا فالوسيط التالي لابد أن يختلف عن الوسيط السابق؛ طبقا لآليات كلا منهما . وطبيعة تلك الحبكة البسيطة لا يمكن أن تتخذ منها موقفا لمجرد بساطتها، ثم أن التناول لهذه الرواية ربما سيدفع من قرأ للتذكر وعقد المقارنة. وربما سيدفع من لم يقرأ للقراءة. وربما سيجعل من شاهد الفيلم المأخوذ عن الرواية يعقد مقارنة. أقولها وبكل ثقة أنها لا تصله هنا، لأن ما تناوله الصواف في إعداده يختلف تماما عما قام بعه سعد الدين وهبة من قبل ي كتابة السيناريو والحوار للفيلم. 
كما أن هناك تأكيدا لمقولة أن أي عرض مسرحي يقدم في مجتمع فلابد أنه بالضرورة يناقش قضية من قضاياه؛ وعلاوة على الحبكة البسيطة التي أوردناها / تعامل الصواف مع فكرة نواب البرلمان الذين يفعلون أي شيء للحصول على أصوات الناخبين؛ ثم بعد ذلك لا وجود لهم  إلا لرعاية مصالحهم الخاصة؛ والتي تجعل من البعض يخالف القانون معتمدا على حصانته. مع أن الصواف وهو من قام بكتابة الأشعار التي قامت عليها الاستعراض. لم يتخذ الجهد الواجب كشاعر . بحيث يكون هناك فارق بين الشاعرية والكلام العادي. خاصة وأنه يعرف أن أي طبقة من طبقات المجتمع لها شاعريتها التي تختلف عن الحديث العادي. لذا فإن ما قام به من الإعداد المسرحي أفضل بكثير جدا من أشعاره؛ طبقا لوجهة نظري، مع أنها ربما تكون في نظر البعض أدت المطلوب. كما أن الاستعراضات التي ضمها العرض اعتمدت تقريبا على الصوت الواحد. ولم يكن هناك استعراضا دراميا يشمل حوار بين أكثر من شخصية. وإن حدث هذا فتكون المشاركات مجرد تأكيدات أو رد على ما تقوله/ تغنيه الشخصية الرئيسية . كما أن التعامل للشكل الاستعراضي لصالح الشخصية الرئيسية ربما يحد من قدرة عادل عبده كمصمم استعراضات . ولا أعرف لماذا كان هذا الأمر خاصة أن المشاركين في العمل أمثال مجدي فكري  وحسان العربي وكريم الحسيني ... الخ يمتلكون أصواتا لا بأس بها وقادرة على الأداء . وقد استعرضوا قدرتهم هذه في العرض ولكن بشكل فردي غير مخطط له ؛ وإنما تجاوبا مع الجمهور . وهذا شيء لهم لا عليهم؛طبقا لطبيعة العمل نفسه والمراد منه.
أعتقد جازما أن / عادل عبده كمخرج للعرض كان مشاركا في عملية الإعداد؛ وأنه شارك الصواف في اختيار مادته الدرامية والمناطق التي سيركز عليها.  لذا فإن تعامله مع تفعيل العمل على خشبة المسرح جاء بسهولة ويسر. ولن أتكلم عن قدرته وضع الحركة المسرحية المريحة بدون استعراض عضلات؛ ولا تصميمه للاستعراضات. وإنما الحديث عن اختياراته لعناصره. 
فالمعادل البصري للعرض يبعث على البهجة . والعين ترتاح للمشاهدة مع تنوع المشاهد. وهذا يعود لمحمد الغرباوي كمهندس ديكور؛ الذي اعتمد على (البانرات) في تحديد المكان. ولكنه مع الأسف وقع فيما يقع فيه تقريبا كل من تعامل مع هذا الشكل في عملية تكوين المنظر المسرحي. إذ أنهم يتخذون الصورة فقط بدون النظر للوظيفة. فمثلا اللوحة التي تمثل الوكالة. بها باب ولكنه مغلق ولا يمكن الولوج منه. لذا عندما تريد الدخول أو الخروج من الوكالة فعليك الدوران خلفها، لا استخدام الباب. وأعتقد أنه ليس على الغرباوي فقط إدراك ذلك ثم إيجاد حلا للتعامل مع هذا التنفيذ وهذه الخامة. ولكن تقريبا على كل من تعامل مع هذا الشكل.
المشارك أيضا في عملية الارتياح والبهجة كان/ ضياء داود باختيار مشاهده التي تعرض على الشاشة الإلكترونية في عمق المسرح . فقد كانت اختياراته جيدة في المجمل. كما أن بعض المشاهد التي تم تصويرها خصيصا من أجل العرض في المجمل كانت مقبولة . ومنحت بعدا للمنظر المسرحي لم يألفه المشاهد المصري. فقد منحت التعبير والتعليم _ لما كانت عليه القاهرة في الأربعينات _ والارتياح في نفس الوقت.
وإذا كانت اختيارات عادل عبده جيدة في المؤدين مثل بثينة رشوان ومجدي فكري وحسان العربي وكريم الحسيني وشمس. وسيد جبر وبهاء ثروت .. الخ جيدة . بل أنها أضافت قوة للعرض فليس من السهل جمع كل هؤلاء النجوم معا. بل أن بثينة رشوان ربما تكون قد أدت دورا جديدا على حياتها الفنية عندما مثلت بنت البلد. ولكن كل من ذكرتهم من قبل معروفون بأدائهم الجيد ومسيرتهم الفنية من سنوات. ولكن الإضافة من وجهة نظري كانت في / دنيا عبد العزيز فهي تبزغ بشكل لافت  لتعوض ندرة الفنانات الاستعراضيات الشاملات. اللائي يملكن القبول والجودة في نفس الوقت.
أعتقد أنه قبل نهاية الحديث العاجل عن هذا العرض ، بل والدعوة لمشاهدته. أحب أن أقول أن البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية عندما يقدم عملا مسرحيا؛ فإنه يجب أن يكون هكذا. أي يكون عرضا مبهجا؛ مانحا المشاهدين ليلة جيدة يستمتعون بها وفيها بكل أنواع الفنون المندرجة تحت اللافتة إن أمكن. وأن يكون العرض سهل التأويل والتعامل ليحقق هذه الرسالة . 
وأن عملية استجلاب المفاهيم النقدية للعروض المسرحية الأخرى الخارجة عن هذه اللافتة، هو تعامل ظالم في الكثير من الأحيان. وفي بعض الأحيان ينم عن جهل بالمفترض أن تهدف إليه وتقدمه الجهات المختلفة. 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏