قبل إعادة عرضها على مسرح جلوب.. هجوم حاد على مسرحية «جان دارك»

قبل إعادة عرضها على مسرح جلوب.. هجوم حاد على مسرحية «جان دارك»

العدد 785 صدر بتاريخ 12سبتمبر2022

رغم أن العرض لم يبدأ بعد، إلا أنه يثير قدرا كبيرا من الجدل من جانب الجمعيات النسائية فى بريطانيا  وبعض الشخصيات العامة. والسبب أن هذا العرض تم تقديمه من قبل واثار نفس الجدل.
العرض هو “جان دارك»، وهو معالجة مسرحية لقصة حياة الفتاة الفرنسية “جان دارك” التى قادت كفاح بلدها فرنسا ضد المحتل الإنجليزى فى القرن الخامس عشر (1412)والذى انتهى باعدامها حرقا عن عمر لم يتجاوز  19 عاما عام 1431. 
وتقدم المسرحية فرقة “جلوب المسرحية البريطانية  المتخصصة بشكل رئيسى فى تقديم اعمال وليم شكسبير والتى يعد مقرها الواقع على نهر التيمس من معالم الجذب الرئيسية فى العاصمة البريطانية.  
ومصدر الهجوم أن المسرحية تظهر جان دارك كأنها لم تكن أنثى طبيعية  كاملة الأنوثة بل كانت اقرب إلى الرجولة منها إلى الأنوثة بل كانت لها اتجاهات ذكورية . وتقول المسرحية انها قادت الدفاع عن فرنسا لاثبات قوتها ورجولتها أكثر منها رغبة فى الدفاع عن وطنها.  وكان ابطال العرض يشيرون إليها أحيانا بلقب المذكر فيقولون هو بدلا من هى.

إعادة كتابة
يعتبر الهجوم المسرحية نوعا من اعادة كتابة تاريخ هذه الفتاة التى قادت الدفاع عن وطنها رغم سنها الصغيرة وماتت فى سبيله بشكل يسئ اليها ويدمر تاريخها المشرف رغم أن الفاتيكان نفسه نصبها قديسة عام 1920 ولم يقل أها مشكوك فى أنوثتها. 
تقود الحملة ضد العرض المسرحى الاديبة البريطانية “جى كى رولينز “ مبدعة شخصية “هارى بوتر”. وهى فى الوقت نفسه من الناشطات فى مجال الدفاع عن حقوق المرأة.
تقول رولينز أن البقرة إذا سقطت كثرت السكاكين. فالبعض تحدث عن «أنوثة» نابليون بونابرت بعد هزيمته فى معركة ووتر لو. وهى تشير بذلك إلى اعراض انثوية كانت تظهر عليه مثل صوته الناعم  استغلها خصومه فى السخرية منه  بعد هزيمته فى ووتر لو.
وهذا الوضع تكرر مع جان دارك حيث استغل خصومها هزيمتها امام الانجليز اعدامها حرقا فى إثارة تساؤلات حول أنوثتها!!!. وهذا الأمر امتد إلى المسرح.
 وهناك مبدأ خاطئ يعتنقه بعض  الكتاب فى مجالات الفن المختلفة ومنها المسرح. فالواحد منهم يعتقد أن انتماءه إلى معسكر ما يعنى بالضرورة أن ينحاز إلى هذا المعسكر ضد المعسكر المعادى له حتى ولو على حساب الحق والحقيقة. ومن هذا المطلق صاغ كتاب انجليز اعمالهم الادبية بشكل يسئ إلى جان دارك دون وجه حق.

أنثى حقيقية
أما رولينز ورغم انها انجليزية فهى تؤمن بالحق ولا شئ غير الحق.  ومن خلال قراءتها الدقيقة لسيرة جان دارك تأكدت من انها كانت انثى حقيقية مكتملة الأنوثة. ففى السنوات الأولى من عمرها القصير كانت تطهو الطعام وتنظف البيت والملابس وترعى الحيوانات وتربى الدواجن كأى انثى طبيعية. وعندما بلغت العاشرة من عمرها استولت عليها رؤية مفادها أنها يجب أن تحارب من أجل بلدها فرنسا. واستدعى منها ذلك الأمر أن ترتدى ملابس الرجال ليوحى شكلها بالقوة والخشونة. لكنها ظلت من داخلها أنثى كاملة الأنوثة. وهذا لا يعيبها بل هو سلوك مألوف عبر التاريخ.
فهناك شخصيات نسائية متعددة عبر التاريخ اضطرت للظهور بمظهر رجالى كى تؤخذ بجدية وكى تتمكن من تحقيق طموحاتها. لكنها فى النهاية كانت إناثا كاملة الأنوثة .
وتنضم إليها فى هذا الرأى الدكتورة “سارة راسفورد” وهى استاذة للتاريخ فى جامعة ليدز  فتقول أن كتابة المسرحية من خلال تلك الرؤية يعبر عن ايديولجية  غير اخلاقية وبلحق الاهانة بشخصية اجمع العالم على احترامها. ذلك أن جان دارك فى رايها رمز ثقافي نسائي. وكل ما فعلته انها حاولت استخدام المظهر الرجالى للخلاص من قيود تفرضها الأنوثة. وتطالب الأدباء  بالتوقف عن استخدام المناهج الحديثة مع الشخصيات التاريخية. والعرض فى رأيها عموما يسئ إلى المرأة بوجه عام ويعبر عن كراهية النساء.

احترموا الرموز 
وتلتقط خيط الحديث الناقدة البريطانية أيضا فيكتوريا سميث لترفض كافة الدفاعات  عن هذا النص المسرحى فتؤكد على أن مؤلف المسرحية -الذى لم يرد اسمه فى تقرير الديلى ميل البريطانية -مجرد شخص حاقد على البطلة الفرنسية ويريد الاساءة لها بالقول أنها لم تكن امرأة حقيقية ويحاول نزع صفة الأنوثة عنها.
وتأتى أيضا “أن ويتكومب” وهى عضو سابق فى مجلس العموم عن حزب المحافظين وكاثوليكية فتدعو اصحاب الأعمال الفنية إلى التعامل مع الرموز الدينية  بالاحترام الواجب وعدم اتخاذ إهانتها طريقا للشهرة. وعليهم ألا ينسوا أن الفاتيكان رسم جان دارك -التى تنحدر من أسرة كاثوليكية متدينة - كقديسة عام 1920 بعد نحو 500سنة من مقتلها بعد مناقشات طويلة رغم ماهو معروف عنه من تشدد . 
 وانضمت اليها شخصيات نسائية أخرى مثل “صوفى بيكر” زعيمة حزب “المساواة للمرأة“ التى قالت أن شكسبير لو كان حيا لضرب رأسه فى الحائط غضبا من هذا العبث الذى يقدمه مسرح تخصص اساسا فى أعماله. وقالت أن شخصية جان دارك ألهمتها وألهمت الكثير من النساء فى العالم دروسا رائعة منذ نعومة أظفارها فى حب الوطن والدفاع عنه والتضحية فى سبيله.
وكان هناك من معسكر الرجال من وقف إلى جانب جان دارك “فرانك فيوريدى” الأستاذ بجامعة كنت. يقول فيوريدى أن هناك هامش حركة مسموح به للأدباء فى معالجة الأعمال الأدبية فى المسرح أو غيره. لكن ما رأه فى مسرحية جان دارك عندما شاهدها فى عرضها الاول نوع من اعادة كتابة التاريخ. لكنه اعادة تفسير تناقض الحقائق التاريخية الثابتة للانتصار لأراء مسبقة يعتنقها الكاتب. ويقول انه واثق من أن جان دارك لم تكن تعرف شيئا عن الاتجاهات الذكورية والانثوية. وبعبارة اخرى يرى أن المسرحية عبارة عن اعادة تشخيص لشئ لم يوجد فى عهدها وهو امر يناقض تماما جوهر التاريخ ويحوله إلى مسرحية كوميدية. 

تاريخ حياة
وتقول سيرة حياة جان دارك انها نجحت فى اقناع تشارلى  امير  مقاطعة  فالوا بأن تقود الجيش الفرنسى لفك الحصار عن مدينة أورليانز وحققت انتصارا باهرا على القوات الانجليزية. 
وبعد أن أصبح شارلى ملكا لفرنسا باسم شارل السابع  تمكن البورجانديين حلفاء الإنجليز من أسر جان دارك وتسليمها إلى  الانجليز الذين حاكموها بأكثر من 70 تهمة فى مقدمتها الهرطقة والسحر. وحرصوا خلال محاكمتها أن ترتدى ملابس الرجال. ولم يحاول شارل السابع مساعدتها بعد أن ابرم عدة اتفاقيات للمصالحة مع الإنجليز. وتحت تأثير التعذيب الوحشى اعترفت بالتهم الموجهة اليها وتم إعدامها حرقا بالفعل فى مدينة روى. وبعد 20 سنة بعد فوات الأوان قام شارل السابع بتبرئتها. واعتبرتها الفاتيكان قديسة عام 1920.  


ترجمة هشام عبد الرءوف