التراث والمسرح حرث الأرض (التراث الشعبي القصصي في المسرح المصري)

التراث والمسرح حرث الأرض (التراث الشعبي القصصي في المسرح المصري)

العدد 688 صدر بتاريخ 2نوفمبر2020

يتناول كتاب « حرث الأرض – التراث الشعبي القصصي في المسرح المصري» للباحث والناقد والكاتب الجاد ( محمد امين عبدالصمد) ( في دراسة انثروبولوجية لنصوص مختارة) مجموعة من النصوص المسرحية لكتاب من أجيال مختلفة – ويبدأ الباحث بالتأثر بالتراث اليوناني – متجاهلا التراث المصري الفرعوني – الذي ألهم الكثير من كتاب المسرح من أمثال ( احمد شوقي , في مسرحيات مثل « مصرع كليوباترا» , و «قمبيز» وكذا ( الحكيم ) في «ايزيس» , وغيرها من كتاب المسرح المصري من أجيال مختلفة سواء في المسرح الشعري أو المسرح النثري و هو التراث الفرعوني الذي ألهم  في كتاب مصريين وأجانب من مثل نجيب محفوظ في رواية « كفاح طيبة « وغيرها من الروائيين من إنجلترا وبولندا والأمثلة كثيرة عند كتاب المسرح الشعبي المصري من اجيال مختلفة.
يبدأ الباحث بتناول مجموعة من النصوص لكتاب من أجيال مختلفة هي : «السلطان الجائر « 1960 لتوفيق الحكميم (1898 – 1983)، وهو النص الذي يعتمد على واقعة تاريخية شعبية هي فتوى القاضي ( العز بن عبدالسلام) هي عرض السلطان المملوكي للبيع – لأنه كان رقيقا عبداً تم شراءه من اموال الدولة، وعلى هذا فهو فاقد الأهلية، ويلزم عرضة للبيع ليحرره المشتري فيصبح مواطنا حرا.  يقدم (الحكيم) في هذا النص شخصيات ( أولاد البلد ) مثل : المؤذن , والجلاد , والإسكافي , وصاحب الخان – الذين يتميزون  بالسخرية من الواقع المرير في لغة تعكس بعض تركيبات العامية المصرية وروحها  ثم وتتناول خمس نصوص للكاتب ( الفريد فرج ) ( 1929 – 2015 ) فيشير إلى أعماله التي استلهمها من كتاب «الف ليلة ولية».. فيبدأ بمسرحية « حلاق بغداد « 1962» ثم « على جناح التبريزي وتابعة فقه «1968 ,  ومن ( السير الشعبية ) يستلهم مسرحية « الزير سالم» ، ومن التراث الشعبي الفلسطيني يستلمهم مسرحيته التسجيلية « النار والزيتون» 1970 في شكل المسرح التسجيلي – ثم يعود إلى عالمه الأثير – عالم (الف لية وليلة) في مسرحية « الطيب والشرير والجميلة « 1994 - , وإن كان قد استلهم من منابع اخرى، وينتقل الباحث إلى الجيل التالي من كتاب المسرح فيتناول مسرحيات : « رجل في القلعة « , وفرسان الله والأرض – أو سيف الله لمحمد أبو العلاء السلاموني) وتأثرة بالتراث التاريخي (1941- ) , ومن نفس الجيل يتناول نص « الهلالية « 1978» وتوظيفه للسير الشعبية عند ( يسرى الجندي ) (1942 - ) وينتقل إلى الكاتب المسرحي ( سامح مهران ) (1954 - ) ومسرحيتة «دود يتللو «  ومسألة تفجير التراث ومواجهتة من وقائع قصة الأميرة ( ديانا) مع المصري عماد الفايد ابن رجل الأعمال ( الفايد)  الذي يعيش في بريطانيا، ومقتلهما في حادث سيارة، وتدخل الأسرة المالكة البريطانية في هذة العلاقة، وعلاقة ذلك بالتراث الثقافي , وبعنوان ( مسرح الباحث السيد محمد علي نموذجاً ) يتناول مسرحيات « لا كده نافع ولا كده نافع « 1980 , و «المحبظاتية وعلاقتها ( ببابات ) (ابن دانيال) , ومشاركة الجمهور , ومسرحية ((فرقع لوز)) 1991 وفنون الفرجة الشعبية , وتجربة مسرحية « الخلا بيص « 2002 وتقديم العلاقة الحية بين الممثل والمتفرج , وأخيراً يتناول نص « حكاية سعيد الوزان الذي يحتوى  إحدي عشر لوحه ومحاولة الكاتب المسرحي ( ابراهيم الحسيني )  في هذا المجال و مناقشة المأثور الشعبي , وإنتماء القصة إلى منطقة التراث القصصي العقائدي بقصة ( التائب بين بلدتين)
وعندما يعود الباحث إلى تلك النصوص نجده  يتوقف عند ( الحكيم) و» السلطان الحائر « التي يروي فيها ( الحكيم ) كيف يلجأ فيها (صاحب الحق إلى الحيلة والمخاتلة للإنتصار على الشر والباطل ) كما تعود الحكيم في كثير من مسرحياتة الأخرى مثل « الصفقة « 1956 و , و» ايزيس « (1955) وغيرها من النصوص -  كما أتصور في كتابي « الأداء السياسي في مسرح الستينيات, وأضيف أن مسرحية « ياطالع الشجرة « 1962 لا تنتمي إلى ( مسرح العبث) الذي ظهر في الغرب، وإنما تنتمي إلى تراثنا الصوفي , وأن (الشجرة ) هنا هي شجرة الجنة بمعنى وصول ( المريد ) الي درجة الفناء المطلق . ص (28).. بينما يراها (الباحث) وغيرها أنها ترجع في مصادرها الإبداعية على أغنية تراثية شعبية أو  شكل المسرح العبثي  الغربي, وأن كتاباتة تتسم بالاثنوجرافية أو (العرقية ) , بينما يقرر (الحكيم) أنه يكتب عن حقائق شاهدها وشخصيات عرفها , وأن الأسلوب متخيل لكن المضمون حقيقي.
وأرى أن علاقة ( الفريد فرج ) بالتراث الشعبي علاقة ذهنية – فهو يوظفة من أجل أفكار مجردة يهرب من خلالها من مواجهتة مشاكل الواقع.. ليقدم إسقاطات سياسية مبهمة لا تستطيع أن تمنعها الرقابة المُجحفة – ( (89) المصدر السابق) كما في «حلاق بغداد» 1964 المأخوذة من كتاب ( الف ليلة ولية ) وغيرها , وكما في سليمان الحلبي» 1965 – الشخصية القلقة المُطاردة كما يراه ( الفريد فرج )، ( أن خطيئتة تكمن في إنتمائيتة , ومحاولة (المؤلف) التهرب من الإجابة على سؤال : لماذا قتل ( الحلبي)( كليبر) ولم يقتل با شاحلب؟ ويخرج (الفريد) من ( ألف ليلة وليلة ليستلهم من السيرة الشعبية « الزير سالم» 1967 مسرحيتة , ونشير هنا إلى أن معظم شخصياتها في مشاهدها قد تداخلت لإبراز الجانب السياسي ولم تتولد من التقاليد الأدبية الشعبية الشفهية أو المكتوبة، وإنما صيغت على النمط السياسي الغربي وأقرب لشخصيات شكسبير, فلم ترق للمستوى الكامن في وجدان المتلقى كبطل شعبي[ ص 97 ( المصدر سابق )] وهو ما جعل الناقدة ( فاطمة يوسف) في كتابها (المسرح والسلطة في مصر) 1994 – هيئة الكتاب [ متنبئاً بالسلام مع العدو الصهيوني , وداعيا إليه, ومتبنياً افكاره ] , وكما يرى الناقد ( سامي خشبة ) – مجلة المسرح والسينما – مايو – يونيو 1968 أنه لوى عنق السيرة ووظفها لتخدم فكرته العائمة والضبابية عن السلام – من خلال مناقشات ذهنية مثل [ الزمن والحقيقة والموت) بديلا عن الموقف، وهي المناقشات التي لا تضيف شيئا إلى أبعاد الشخصيات أو مضمون العمل الدرامي , ودمغت شخصية ( الزير سالم) بالتعالي العقلي الأجوف البعيد عن واقع عصره وعن واقع عصرنا – بينما خلق المبدع المؤلف الشعبي رجلا حقيقيا – أما ( الفريد فرج )  - فقد رسم صورة ذهنية  نابعة من تصور تجريدي ليس فيها من ملامح الرجل غيراسمه وعن نص (علي جناح التبريزي  وتابعه قفه) المستلهم من (الف ليله وليله) مقتدياً بنص (برتولد بريخيت) « السيد بونتيلا وتابعه ماتي « وهما اساساً شخص واحد رعت الحتميه الدراميه الى اظهارهٌ بمظهر شخصين، وهو قريب الشبه من مسرحيتي «حلاق بغداد» , «وبقيق الكسلان «  ونستشهد بقول الناقد ( فاروق عبدالقادر ) عندما يقرر [للحق فقد نجح  أي (المؤلف) في تجسيد هذا الثنائي الرقيق من وشي أحلام الطفولة وأشواق الراشدين ] أما نص « النار والزيتون»  1970 الذي اعتمد فيه على التراث الشعبي الفلسطيني – لذا اصبح البناء العام للنص لا يعدو أن يكون تاريخا للقضية أو استطلاعا وافيا عن أحداثها وتصورة لمستقبلها في نظر الفدائيين وفي نظر الإسرائليين، وينتهي إلي حتمية أن تكون الثورة المسلحة هي الخلاص الوحيد ص (102) – « المرجع السابق « وهو ما يتناقض مع بعض تفسيرات مسرحيتة السابقة « الزير سالم» ثم يعود بعد غياب طويل ليستلهم مرة أخرى من ( ألف ليلة وليلة ) مسرحيتة الهزلية « الطيب والشرير والجميلة « 1994 – بعد أن إختار طريق الهزليات بعد خروجه من مصر فى عصر السادات وعودته بإقتباس النصوص الهزلية الإجنبية مثل « لعبة الحب والمصادفة» لماريفو.
وفي فصل ( ابو العلاء السلاموني) وإلاستلهام من التراث التريخي ) يركز الكاتب على نص « رجل في القلعة» 2006، ويقرر أن الكاتب المسرحي ليس مؤرخا فلا يُحاسب على إلتزامة أو عدم إلتزامة حرفيا بالتاريخ , وأن ( السلاموفي) لم يستنطق « الف ليلة وليلة « مثلما تعامل مع مصادر تراثية أخرى مثل ( اساليب  فن خيال الظل , وبابات ابن دانيال , وشخصيات صناع السامر الشعبي في الريف المصري والاعيب المحبطين في الاحتفالات الشعبية والموالد والأفراح والمناسبات الاجتماعية وبعض الظواهر العتيقة كالزار والذكر والتي تحوي الكثير من أساليب التشخيص والأداء الحركي الفني، وكذلك من أساليب رواة السير الشعبية والمداحين والحكائيين والمحدثين والمهرجين والفرافير والحرافيش والذين يعتمدون جميعا – من وجهة نظر السلاموني على عنصر مهم في طبيعة الفن المسرحي إلا وهو تكنيك ( اللعبة المسرحية) ص( 49) والتي نقلها (الباحث) عن دراسة ( السلاموني) في ( تفاعل الثقافات في العرض المسرحي العربي) ( المجلس الأعلى للثقافة – 2006
ونسأل بدورنا الباحث:- اين كل تلك العناصر التي اشار إليها ( السلاموني) في نصة المقصود والذي الذي يتناولها بالدراسة في هذا الكتاب وهو نص مسرحية « رجل في القلعة» الذي هو في الواقع نص رصين متين البنيان يقوم على الشكل الحداثي منذ عرفنا المسرح الغربي في العصر الحديث رغم انتماء الكاتب ( محمد ابو العلاء السلاموني) إلى التراث الشعبي وهي (رؤية منحازة لأبنائه من الطبقة الشعبية ) كما يشتهر الباحث ص(51) فقد استلهم ( السلاموني) التراث التاريخي , ودمج النص التاريخي بالحياة المعاصرة كتراجيديا تاريخية يتخذ فيها معاني التراث التاريخي اقنعة تتفاعل مع الواقع الآني ويدور فيه حيث تتصارع فكرتان متمثلتان في شخصية محمد علي باشا القائد العسكري الألباني وشخصية عمر مكرم الأزهري والزعيم الشعبي –  فكلاهما كان لديه الحلم في تحقيق نهضة وطنية وبناء مصر الحديثة – لكن الفكرتين سقطتا من داخلهما.   واتصور أن البطل الحقيقي لهذا النص هو عمر مكرم الذي خدعة خصمة محمد علي بمؤامرة أنه كان يظن أنه اتفق معة في إرساء مبدأي حرية الإختيار والمحاسبة لكن ]الخطأ التراجيدي[ وهو التقاليد القديمه المتخلفه أسقطته من علياء كرسيه الشعبي ظنا منه ألا يخالف قرار خليفة المسلمين التركي.
 وفي فضل (يسرى الجندي وتوظيف السير الشعبية في المسرح المصري “الهلاليه” تأليف يسرى الجندي نموجاَ  يتوقف (الباحث) عند اختزل احداث السيره المروية شفاهياً والاف الابيات الشعريه في دواوينها التي الهمت الكثيرين من كتاب التاريخ كان من بينهم (الباحث) نفسة. ولكن ( يسري الجندي) حاول (في رأية) توظيفهما في رؤية معاصرة مؤكدا أن التراث يملك مقومات الحياة التي تجعلة مصدرا دائما للإستلهام   ويتناول النص من خلال البنية المبنية الدرامية والبنية اللغوية والبنية المسرحية – وتحتوي البنية الدرامية ( الحبكة , الشخصية , الفكر) وأن ( الحكبة ) تتكون من ( المقدمة الدرامية , وخطة الانطلاق , الاكتشاف , التنبؤ او التلميح , الحدث الصاعد  التشويق , الأزمة أو العقدة , الحدث الهابط , الحل), ومن خلال هذه الأجزاء يلخص أحداث المسرحية , ثم يعود لتعريف أنواع ( الصراع ) وأنه يدور بين عدة محاور سواء شخصيات أو قبائل , وأن الشخصيات إما مسطحة أو مستديرة ( كروية) , والشخصية المحورية أي شخصية البطل , والبطل الضو والترميز والشخصيات , وأن الفكر هو فكر خاص بالمؤلف-  طارحا الهم العربي بنغمة هزلية ساخرة , وأن الحكام مفصولون عن شعوبهم , وأما اللغة فقد اختار الصياغة العربية التي تقارب (الفصحى ) وإن جاءت ( العامية) لتأكد النظرة الساخرة للمؤلف، وقد قسم ( الجندي) نصه إلى قسمين (الأول) في أربعة دواوين هي ( جهنم , والغراب , القحط , الريادة ) و(القسم الثاني) في ثلاثة دواوين هي ( التغريبة , الفتح , القتل المتبادل) , وأن الاقسام هي (الفصول) في النص وأن الدواوين هي: ( المشاهد) مُعتمداً على المنهج ( البريختي) في طرح قضايا نصية إعتماداً على الشكل الملحمي , وتقنية التغريب – محاولا تفسير المصطلحين عند بريخت , ويقرر الباحث في النهاية  أن هذا النص علامة فارقة في مسيرة يسري الجندي الإبداعية , وماكان فيما بعد محطة مهمة عندما تم تقديمة مرتين بمخرجين مختلفين في اسلوبهما الإخراجي وفي رؤيتهما لتوظيف ( المأثور الشعبي) وعناصره القولية والتشكيلية والموسيقية في العرض المسرحي. 
لذا في تصوري أن الهلالية “ ليست علامة فارقة في إبداع يسري الجندي فقد إستلهم عمله من أكثر من مصدر مثل ( الف ليلة وليلة) على سبيل المثال كما في أخر أعماله المسرحية “ الاسكاني ملكا” , و” والساحرة” ,من التاريخ الحديث استلهم “ اليهودي التائه” , ومن الصراع العربي الإسرائيلي،  واسُتلهم  ومن التراث الصوفي “ رابعة العدوية” ومن العصور الجاهلية استلهم “ عنترة” وأيضا من التراث الشعبي ..  فقد كتب أكثر من ثمانية عشر مسرحياتة – حول بعضهما إلى مسلسلات تليفيزيونية مثل “ الهلالية” ثلاثة أجزاء متسلسلة. واستلهم ايضا الشخصية الشعبية “ جحا” في مسلسل تليفزيوني بالإضافة إلى مسلسلات تلفيزيونية أخرى كثيرة ، وكذل مسرحية “علي الزيبق” من تراثنا الشعبي
ويقتحم الباحث مجالا مختلفاً عن التراث الشعبي القصصي في دراسات مختلفة في عنوان ( سامح مهران) – تفجير التراث ومواجهتة “ دوديتللو – نموذجا “ فيستعرض أحداث النص المسرحي “ دوديتللو” تأليف د. سامح مهران – فيصور في المشهد الأول بتحطيم الصورة الذهنية والنموذجية الراسخة عن الملكية البريطانية وملكة بريطانيا العظمى نفسها, فنجدا المرأة المشغولة بعرشها , الصارخة دائما في وجه كبير أمنائها، والذي يفهم كلمة (دودى) على أن الملكة تشكوا من الم معوي بسبب الديدان، ومن سؤ الفهم تنكسر صورة الملكة المتعالية , ودور كبير الأمناء المختال المعتز بذاتة، ويسخر الكاتب من كبير الأمناء الذي يقوم بأعمال الفاشلين, وكأنه يحب أن يكون في كل بلاط يوافق ويُرضى صاحب العرش , وإن احتاج الأمر أن يصنع الأعاجيب ويتحول إلى مضحك الملك , يُحاول بشتى الطرق إضحاكة وتسليته , ويستمر الكاتب في كسر الصورة الذهنية النمطية لتراث الملكية , فأمراء وأميرات العائلة المالكة مع اسمائهم الرنانه وشغف الناس بمتابعتهم ودخولهم المالية التي لا يستطيعون بها مجاراة مجتمع الأغنياء الجدد  من بائعي الخردات والسيراميك ويجدون صعوبة كبيرة في التوفيق بين دخولهم الملكية وثراء الفئات المستحدثه , فيضطرون إلى اصطناع بعض الفضائح الصغيرة وتسريبها إلى الصحف الصفراء التي تدفع بدورها الملايين من الجنيهات الإسترلينية , وتقوم بنشر ذلك الفضائح وتحقق الكيثر من المكاسب من جيوب المواطنين الشغوفين بتتبع الأمراء والأميرات وفضائحهم والتي يحصلون بمقابلها على أموال سخية تحسن أوضاعهم الإقتصادية، وتجعلهم على قدم المساواه مع الأثرياء الجدد وأصحاب الثراء امام العامة ولمواجهة فضيحة ديانا  / دودى تفترح المكلة استنساخ شكسبير ليجد لها حلا , فهو الخبير بمؤامرات القتل الدرامية , وخفيا القصور وصراعاتها. ووظف الكاتب حدثين شديدي الإثارة والمتابعة , وهما علاقة عماد الفايد ( دودى) والأميرة البريطانية ( ديانا) الزوجة  السابقة لولي عهد بريطانيا , وما أثير وقتها عن علاقتهما الحميمة وإقتراب زواجهما , وهو ما يجعل لورثة العرض البريطاني أخوة .. ومن أين ؟؟ من أصل شرقي ومسلم , ومن مصرى !! فإذا كان الملياردير محمد الفايد ودودي قد ناضلا عشرات السنوات للحصول على الجنسية البريطانية , ورغم مشروعاته الاقتصادية ونفوذة القوى في المجتمع الأنجليزي.. إلا أنه لم ينجح في الحصول على الجنسية , فهل يأتي ابنه ويصل لنكاح العرش البريطاني ويكون للفايد أحفاد إنجليز ومن وعاء ملكي ... ولم لا ؟
والحدث الثاني هو نجاج العلماء في أولى تجارب الإستنساخ بتجربة إستنساخ النعجة (دوللى) وهو استنساخ كائن حي من خلية كائن حي أخر , وهذا الإنجاز العلمي فتح الباب واسعا لتساؤلات عن إمكانية إستنساخ البشر أنفسهم وتداعيات هذا .. بل وثم طرح مدى اتفاق هذا مع الدين .. أي دين – أو إختلافه معه .
ويرى الباحث : أن اختيار الكاتب للحدثين كان شديد التوفيق , والحدثان في ذهن المتلقي , نشطان في عقله – فبدأ المؤلف بنقطة إنطلاق للحدث من بؤرة نشطة داخل متلقيه ( قارئ / متفرج) ويرى أن ذلك  لم يفارق التراث والخبرات السابقة للمتلقي في ذهن الكاتب – ففي لحظة إنفعال الملكة على كبير الأمناء الذي هدد ( بالتنحي ) نجدها تقول:-
أتريد أن تتنحى يا أخي ؟
... ويقول  الباحث : [ وقارئ النص أو المتفرج على العرض بمجرد سماع الجملة الأولى من المكلة سيستدعي إلى ذهنه مباشرة المقولة التي روجت على سبيل السخرية من قرار الرئيس جمال عبدالناصر ( بالتنحي) , وترك الحكم بعد هزيمة يونيو 1967 , ونزلت الكثير من المظاهرات الرافضة لهذا القرار والمتمسكة بإستمرار عبدالناصر رئيسا محملة إياه الإستمرارية , ومسؤلية إستعادة الشرف لوطن وجيش مهزوم , ولم يفت الشعب المصري الساخر بكوينة وجيناته من صياغة هتاف ونسبتة للمظاهرات كنوع من الاحتجاج على التنحي , ويحمل في باطنة الإصرار على تحمل عبدالنار مسئولية إصلاح وإزالة أثار الهزيمة الموجعة قبل أن يفكر في العودة لصفوف الجماهير وكان الهتاف الساخر هو [ أحا ... أحا... لا تتنحى ]، ويرى الباحث: إنه بإستحضار الكاتب بتلك المقوله التي إرتبطت بحدث بعينه، ويفاجئ متلقية الشرقي بأن هذا السلوك في ( صورتيه ) لا يوصف إلا بأنه سلوك (همج) ومستوى تعبير يدل على تهربهم من المسؤلية طبقاً لرأي كبير الأمناء، وتزيد الملكة سوطاً على سوط كبير الأمناء عندما تمتدحة لمعرفتة المتعمقة بثقافة تلك المجتمعات , وينتهي المشهد بقرار الملكة بإستنساخ ( شكسبير) وهي مواجهة قادمة مع بعض ما كتبه هذا الكاتب بخاصة رانعتة الأدبية – العنصرية في جانب منها – “عطيل”.
وفي المشهد الثاني يستحضر الكاتب شخصيات  ( المتسلفة ) الغارقة في ماضويتها ويستخدم في حوارهم لغة تراثية , تدل على سقوطهم في هوة الماضي , وعدم مبارحتهم له , وتدل ايضا على ما يحملون من أفكار مثل معجمهم ومعارفهم , وبدأ المشهد بالألاعيب اللغوية الشهيرة ( للمتسلقة ) من الإزاحة في المعنى وتفريغ الألفاظ من دلالتها , أو إضافة دلالات أخرى قسراً للتهرب والمحاججة , ويفضح هنا الفارق الحضاري في فهم قيمة الوقت وهو فارق ثقافي / حضاري , ويشير الباحث أن الكاتب يستمر في إستخدامة لغة تراثية خاصة بتلك الفئة المتسلقة فنجد كلمة (صبر جميل)  وهي  إستعارة من اللغة القرأنية , ونجد تصوير لعدد الأراء وتعارضها , وهو تعدد لفتح ملاذات ومنافذ هروب ليس أكثر.. مثل مقولة أو فتوى ( في الأمر رأيين ) , وأن الكاتب لا يفوته الإشارة إلى تراث أخر استنفر ذهن أفراد المجتمع وهو (تراث المقولات السينمائية) مثل ( جواز عريس عن فؤادة باطل , ويحوره إلى ( جواز دودى من فؤاده باطل) .
في حوار (لزج ) – حتى يأتي المسئول عن التنظيم ليؤكد قيمة : الطاعة العمياء , والانصياع – لذا يصبح ( دودى من فاسق في عُرفهم إلى مناضل ومجاهد في عرفهم ايضاً وفي النص يكشف الكاتب زيف الماضي المختلق المزيق والمزعوم, ويسحب هذه القداسة المزعومة التي تجعله خارج القراءة النقدية أو المراجعة , وهو ماض يحكم الحاضر ويثبت لحظتة بمفاهيمة , لا إيمان لمن لم يستحضر الماضي , ولا يتوانى دعاة تقويس الماضي عن التخلص من أي صوت أو حس نقدي للماضي , ولذا فعندما يبحث ( المتسلقة ) عن حل لإغتيال الملكة لا يفارقون تراثهم المغرق فى خرافاته مستعينين بإستحضار ( العفاريت ) كما في ( الف ليلة وليلة) , ويشير الباحث  الي استخدام الكاتب السخرية الشديدة من فكرة تداخل العوالم التي تشيع في الحكايات الشعبية، وفي هذا المشهد يأتي ( دورى الفايد) تابعاً ردود فعل دائم (لديانا) , حيث تتردد الأغنية ( الأرض بتتكلم عربي .. الأرض .. الأرض )  التي تواجهة بعبارات مبطة بالسخرية جاملة لوجهة نظرها وكأنه أنثي حضارية.
ويواصل الباحث الإشارة إلى مواجهة الكاتب  ( د. سامح مهران) للتراث ولكن هنا في شخص (شكسبير ) واللجوء إلى مفردات شعبية مثل ( اشمعني ) , وتوظيف المروحة لترطيب الهواء على الملوك كما يفعل ( دودى) وفكرة [ الاستتابة ] عند الفقهاء، وتغييره لمشهد قتل عطيل ( لديدمونة ) , وتحويلة لكيف تتخلص ديانا أو ديدمونة من القتل وتؤجلة إلى العفو عن طريق رشوة ( عطيل) وإغرائة بوجبة عشاء من ( الحمام المحشي) , كذلك يقتبس من مشهد ( الشبح) في مسرحية “ هاملت” ووصيتة الشديدة إلإيلام والسخرية.
وينتهي الكاتب إلى أن :- ( مما سبق نجد أن الكاتب سامح مهران يتعامل مع التراث ( الشعبي – التاريخي – الفكري ) برؤية ناقدة تواجهه وتفجرة , طارحا إياه على طاولة التشريح والتمثيل بلا قداسة مدعاة , أو تفاخر مريض.. يُعمي البصيرة ويعمي العقل , والشرط الأساسي لتحقق هذا أنه يجب على قارئ النص أو المتفرج على العرض المسرحي أن يكون مُلِماً بكل الإحالات الخارجية التي ترتبط بالنص) .
وهو التصور الذي يخرج عن الإطار الذي وضعة الباحث لدراسة ( التراث الشعبي القصصي في المسرح المصري ) فمن أين لنا بهذا القاريْ المتفرج؟!
وتحت عنوان ( مسرح الباحث – السيد محمد على نموذجاً ) يشير د. محمد أمين عبد الصمد إلى الدراسة المتخصة التي قام بها ( السيد محمد علي) وجمعة الميداني لظاهرة ( السامر) في ثلاثة مناطق في محافظات الشرقية والمنوفية وأسيوط . وللسامر ( تيماته ) المختلفة مثل : الزواج غير المتكافيء أو تيمة العمدة الذي يشتري فتاة من أبيها في صورة زواج , أو الرجل الذي يترك زوجتة وأولاده ويتزوج من فتاة لعوب، أو الذي يخون زوجتة فتحاول ضبطة متلبساً , حيث تقوم بالأدوار النسائية ( الغازية ) مع شخصيات التركي أو الخواجة ، ويشير الباحث إلى تجارب الكاتب في نصوص مثل “ولا كده نافع ولا كده نافع “ 1980 , والمحبظاتية وتوظيف الأراجوز وخيال الظل , وشاعر الربابة , وجعل المتفرج ( مشاركًا ) في الحكايه, وتوظيف طقوس السحر والشعوذة, وعرض “ فرقع لوز “1991” في زمن عسكر العثمانيين وتوظيف طقوس السحر والشعوذه وعرض “الخلابيص”  2002 والعلاقه الحيه بين الممثل والمتفرج وان هناك فارق بين الخلابيص والمحبظاتية..  لأن الخلابيص كانوا يقدمون التمثيل مصحوبا بالغناء.. بينماء المحبظاتية فيقدمون التمثيل مصحوبا بالعاب الاكروبات , ويصف عملية جمع (النقود )، ويشير الباحث ان الكاتب (سيد محمد علي) عمل على عدة اهداف من لعبته المسرحيه ومنها تقديم العمل في اطار علاقه حميمه بين الجمهور والمؤدين ,وهو ما جعله يترك في النص المسرحي مناطق ملائمة للإرتجال ولإبداع الممثل اللحظي , طبقا لظروف العمل وطبيعة الجمهور وحالته اثناء العرض، والتاكيد على الجمع بين الغناء والتمثيل لكل فريق العمل، وذالك تحقيقا  لفلسفة وحقيقة عمل الخلابيص وقيام الممثل بأداء اكثر من شخصيه في العرض حتى لو اختلفت الشخصيات وتباينت، وهو ما يكسر الإيهام ويجعل اللعبة مكشوفه لكل الجمهور 
والفصل الاخير من هذا الكتاب بعنوان (ابراهيم الحسيني – يا ابراهيم لقد صدقت الرؤيا) ويتناول فيه نص “لحكاية سعيد الوزان” تأليف (ابراهيم الحسيني) ويتابع رحلة بطلة (الوزان) القاتل المأجور في رحلة تطهير يمر بها : ويري الباحث أن المؤاف يدخل في هذا النص الى  منطقة التراث القصصي العقائدي بقصة (التائب بين بلدتين ) ولكنه هو في تصوري في الحقيقة يرجع الى التراث الصوفي الاسلامي وهو تراث غزير وممتد (شفاهي ومكتوب) وما اكثره – وشفاهي اكثر في انتشار الموالد والمدائح النبوية وطقس الاذكار وغيرها، ويستدعي الباحث بعض من اقوال الصوفيه ويستشهد بقول (عبدالوهاب الشعراني) لو عمل عمل العلماء بعلمهم لكفونا ويستعرض نص ابراهيم الحسيني في لوحاته ( الاحداي عشر) إلي أن يصل بطله (سعيد) الى صدق الايمان والتوبه.. فقد اصبح النور في داخله (فمصباح سعيد اصبح من داخله ).
وقراءه الباحث هنا لهذا النص قراءه واعيه وعميقه الا اننا نتوقف عند لغة الحوار عند ابراهيم الحسيني فقد كتب حوار النص باللهجه العاميه، وهي جرأه من الكاتب عندماء يتصدى لموضوع اغلب مصادره بالفصحى لكنه وبهده اللهجه العاميه استطاع ان يقترب من العقل الجمعي لقرائه ومشاهديه – لقد كانت تجربة (ابراهيم الحسيني) لصياغته لنصوص سابقه مثل “جنة المشاشين” في نسختين – إحداها بالغه العربية الفصحى والثانية باللهجة العامية الدارجة تجربة مثيره للاهتمام فيما يتعلق بلغة الحوار المسرحي، وعندما نستعرض أعماله الأخرى نجد أنه  حتى في  نصوصه التاريخية، مثل “جنة المشاشين” و “ايام اخناتون الاخيره” المستهلمة من التراث الفرعوني  قد صاغها بالعاميه ،وكذالك اعماله الفانتازية مثل (الغواية) و( متحف الاعضاء البشرية) و (خارج سرب الجنة) وحتى النص المستوحى من كتاب ( الف ليلة وليلة) “ وش الديب” مُصاغ أيضاً باللهجة العامية الدارجة , وكذا مسرحيتة الساخرة “ أخبار , أهرام , جمهورية “ , وهو في نفس الوقت يلجأ إلى الفصحى في نص “الناي” – إذ تظل مشكلة الفصحى والعامية في لغة الحوار في المسرح العربي مشكلة اساسية من مشاكل مسرحنا العربي منذ بداياتة في منتصف القرن التاسع عشر ( بشكلة الأوربي) – حيث أن ( الحوار ) بالمعنى التقليدي هو الذي يدفع إلى تطوير الحدث الدرامي وتجليتة , ومن ثم تنتقى وظيفتة كعامل زخرفي – خاصة وأنه يعبر عن تميز الشخصية من الناحية الجسمانية والإجتماعية والنفسية , وأنه يخلق لدى المشاهد الإحساس بأنه مشابه للواقع أو يمكن أن يكون واقعا – ويشير ( ميشيل كورفان) في “القاموس الموسوعي للمسرح” أن (الحوار) هو السمة المسرحية الأولى للنوع المسرحي حتى أواخر الستينيات , وأنه تفجر نهانيا حينما أصبحت عناصرة المكونة أي ( العبارات ) لا يمكن نسبتها بالتحديد إلى شخصيات محركة – كما في نصوص ( ابراهيم الحسيني ) “ الغواية “ و” خارج سرب الجنة” وكما في المسرح الحداثي وهو تدمير الموقف الدرامي , ومن ثم جعل حدود الدرامى تتقهقر وتتراجع – كما في نص “ الغواية” على سبيل المثال.    
لكن في النهاية تظل مشكلة ( الحوار في المسرح العربي ) أمراً مثيراُ للجدل يمكن طرحة بعيداً عن هذا الكتاب الذي بين أيدينا . . .
ويبقي الباحث جهدة الذي أثار كل هذه الاسئلة التي طرحها بين دفتية.


عبد الغنى داوود