ريادة طليمات

ريادة طليمات

العدد 810 صدر بتاريخ 6مارس2023

في كتاب دقيق من مطبوعات الهيئة العربية للمسرح، جمع الكاتب القدير الدكتور يوسف عيدابي حمل عنوان (زكي طليمات هذا الوافد العجيب)، ضم الكتاب مجموعة مقالات ودراسات للرائد الجليل زكي طليمات حول المسرح وفنونه وهي المحاضرات المؤسسة لفن المسرح وإدارته التي امتد اّثارها من مصر إلى الوطن العربي . يالها من بادرة من الرائد طليمات أن سجل أفكاره وأراءه العلمية وجماع خبرته وألقاها في محاضرات ورفعها في مذكرات لأولي الأمر حينها. كما تكمن قيمة الكتاب من وعي محرره الدكتور عيدابي وتتمثل أهميته في وضع تلك المحاضرات بين أيدي أجيال المسرحيين في القرن الحادي والعشرين ممن سمعوا عن طليمات ولكن خفي عليهم دوره المؤسس ولذا تأتي أهمية سيرة حياة طليمات التي جاءت في خاتمة الكتاب . 
صدر الكتاب عن مطبوعات «الهيئة العربية للمسرح» في العام 2019 تحت عنوان «التوثيق المسرحي» ويضم الكتاب محاضرتين الأولى بعنوان «أضواء على تاريخ المسرح العربي» والثانية «فن المسرح ..هذا الوافد العجيب» ومذكرتين الاولى «تقرير بشأن النشاط الفني في الكويت» والثانية حملت عنوان «من أجل حركة مسرحية في الإمارات» .
تعود قيمة تلك الوثائق إلى أهمية كاتبها ودوره في التأصيل العلمي للوفد العجيب كما أطلق عليه اي المسرح، فزكي طليمات (1894-1982) الذي بدأ شغفه بالمسرح تقريبا منذ العام 1914 أي منذ بداية الحرب العالمية الأولى بانضمامه إلى جمعية أنصار التمثيل وتلقى بها دروس مبادئ التمثيل ثم مثل بمسرحيات كثيرة بها . ثم رشح لبعثة في فرنسا لدراسة فن التمثيل وتاريخ العمارة والفنون، فيعود لمصر ويؤسس الفرقة القومية المصرية كأول فرقة تشرف عليها الدولة عام 1935 ثم أنشاء معهد “فن التمثيل“ وكان أول عميد له وهذا ما قام به في تونس عام 1955 حيث أنشأ معهد الفنون المسرحية و الفرقة القومية للمسرح، ثم في دولة الكويت حيث أنشأ فرقة المسرح العربي 1961 وفرقة مسرح الخليج عام 1964 وفي نفس العام دعى لإقامة مركز الدراسات المسرحية الذي تحول بعد ذلك إلى المعهد العالي للفنون المسرحية وانتظمت الدراسة به، ولنفس الهدف دعى لدولة الإمارات عام 1975 . 
في المحاضرة الأولى يتوقف طليمات أمام المسرح العربي ويلقى الضوء على ما خفى عنه ربما ليستعد للانطلاق كما حدث فيما تلا تلك المحاضرة من ازدهار المسرح في أوطاننا. في المحاضرة الأولى «أضواء على تاريخ المسرح العربي» يلقي طليمات على سامعيه في ثانوية الشويخ بالكويت  رصده لتاريخ المسرح في التربة العربية وكيف بدأت بشغف مارون النقاش في لبنان وأبي خليل القباني في سوريا ويعقوب صنوع في مصر، في نقل المسرح من تربته الغربية إلى العربية مع محاولات تقريبها من البيئة المحلية وكيف أضاف القباني الموسيقى والأغنية ليوافق ذوق الناس في بلاده. على حين اقترب صنوع بعد محاولات النقل والتمصير، من ادبيات التأليف عبر كتاباته للمسرح . وفيما تلا ذلك يرصد طليمات تبلور أنواع مسرحية منها المأساة والملهاة والمسرحية الاستعراضية بعد أن كانت المسرحيات خليط بين كل تلك الأنواع . ثم حدث ازدهار في الكتابة للمسرح بعد الحرب العالمية الأولي فعرفنا المسرحية التاريخية والمعاصرة، مكتوبتان بالفصحى وتألق كتاب مثل توفيق الحكيم وأحمد شوقي من تبعهما من أجيال . 
وسبب الازدهار الثاني كما رصده المحاضر، كان إنشاء دور التمثيل حيث تجد الفرق المكان اللائق للتمثيل وللجمهور بدأ من دار الأوبرا المصرية ثم مسرح الأزبكية وغيرهما من دور خاصة بالفرق الجديدة . 
أما العامل الثالث كما رأه طليمات لنهضة المسرح العربي فهو قوة النزعة الوطنية المتجهة صوب الاستقلال عن الاحتلال البريطاني والعثماني وكل صور الاحتلال من خلال التعبير عن ذلك بالمسرح وبهذا (أصبح المسرح ظاهرة اجتماعية في العالم العربي ومن مجالات النشاط الذهني والتوجيهي) 
 ورابع الأفكار التي يطرحها الرائد طليمات وهو يعي أنه يتحدث لمجتمع محافظ يتوق لمستقبل واعد، حين يتطرق لدور المرأة في نهضة الأمم وليس المسرح فقط، فيتحدث عن حكمة الله في خلقه الذكر والأنثى في الإنسان وكل الكائنات الحية، وأن المسرح هو الحياة فلزم وجود المرأة في المسرح  كما الحياة، وذكر دور الرائدات منيرة المهدية وعزيزة أمير وفاطمة رشدي التي أنشأن فرقا مسرحية بأسمائهن في بادرة لم يعرفها المسرح في العالم . ولا ينسى أن يشير للتطور الذي حظيت به الممثلات في أجيال تابعة حين التحقن للدراسة بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي ،الذي كافح لإنشائه في مصر منذ الأربعينات . 
ويختتم المحاضرة بقوله (وفي المسرح نفع للناس وفي المسرح تقويم للناس، وفي المسرح العربي ،تتمثل ناحية من الزحف الكبير للشعوب العربية وهي تتخطى عالم الركود والبؤر المظلمة في التقاليد، تقاليد عصور الضعف والانحلال، لتستقبل العهد الحديث في حضارته) يا سلام على العقل المستنير . 
يتضح من عنوان المحاضرة الثانية الموضوع الذي سيتوقف عنده المحاضر (فن المسرح .. هذا الوافد العجيب ) أنه سينطلق لماهية المسرح وضرورته وهو يضع في البداية أسئلة يعد بالإجابة عليها : ما هذا الفن ؟ ما أهميته ؟ ولماذا اجريت وصفه بهذه الأوصاف ؟ الفن العجيب ؟ 
ثم يوضح اجابات أسئلته فيتحدث عن المسرح انه يجمع بيين الفن والأدب بل انه جماع للفنون كلها من موسيقى ورقص وإيقاع  وفنون التشكيل والإضاءة وهنا يكمن عجبه وجماله . وفي عنوان جانبي ( تجسيم الرذيلة ) يستفيض في شرح ما غمض عن من يهاجمون المسرح بنفس الصفة السابقة ليؤكد لسامعيه أن عرض الأخطاء البشرية إنما لرفضها وليس للترغيب بها بل كما يشرح (أسلوب المسرح أنه يدفع بك، من غير ترغيب أو ترهيب  إلى أن تعيش بوجدانك ما تراه وتسمعه فوق المسرح لتستخرج أنت بنفسك العظة مما ترى وتسمع وتستوحي ما يجب أن تأخذ به) . 
ما أحوجنا إلى قراءة تلك الأراء الرائدة اليوم وكل يوم ليضعها علماء المسرح المعاصر أمام ابنائنا من عشاق المسرح، فشكرا ليوسف عيدابي وللهيئة العربية للمسرح .


سامية حبيب