نظرية المؤامرة.. فى «حلم واحد مجنون»

نظرية المؤامرة.. فى «حلم واحد مجنون»

العدد 801 صدر بتاريخ 2يناير2023

يتناول العالم فى السنوات الأخيرة ما يُعرف بنظرية المؤامرة. يموج الحديث بين مصّدق ومكّذب، بين مبالغ ومتباسط. لكن فى النهاية الجميع يعرف نظرية المؤامرة.
فى مسرحية»حلم واحد مجنون، للمسرحي طنطاوى عبد الحميد طنطاوي. والصادرة عن دار واو للتوزيع والنشر 2021» تناول الكاتب النظرية من زاوية جديدة أو ربما أكثر جرأة.
أول ماخُط فى المسرحية كتصدير أول هو تصريح على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندليزا رايس 2005. عن المعونات الأمريكية التى دخلت خزائن بعض المنظمات الغير حكومية فى مصر. وذلك فى تصريحها الشهير عن الفوضى الخلاقة. وهو المصطلح الماسوني بالأساس.
 أما عما تم إنفاق أموال هذه المعونات فيه، هذا ما ستحكى المسرحية عن جزء منه.
تبدأ المسرحية فى مشهدها الأول داخل دار أيتام، أو هى مؤسسة إصلاحية، كما تذكر المسرحية على مدى الأحداث. بالتأكيد ترزخ المؤسسة تحت إرث غامر من الفساد والإهمال والمعاملة غير الأدمية للأطفال النزلاء بها. وهذا بالتحديد ما استغلته الدكتورة «سلمي» التى جاءت لتعمل فى المؤسسة ولها خلفية كما اتضح من الحوار بالانضمام «لمحفل ماسوني» تحاول إصلاح أحوال الأولاد وتحاول الإصلاح أيضا من أخلاقهم. 
فى البداية بالحديث الطيب، ثم منحهم بعض المميزات فى الطعام، ومحاولة إثناء بقية الموظفين عن عقابهم. لكن هيهات. ظلت الحال على نفس البؤس. الأولاد يهربون من المؤسسة نهارا، بعلم الموظفين، يسرقون وينهبون ليعيشوا. ولم تفلح محاولات الدكتورة «سلمي» فى إصلاحهم سلميا كثيرا. لذا لجأت للغرض الذى جاءت خصيصا من أجله. وهو إغراء الدار والقائمين عليها بمعونة أجنبية، ولم يُذكر بالمسرحية صراحة من أى جهة تأتى المعونة لكن القارئ سيستشف الجهة من خلال الحوار. 
فى هذا الجزء من المسرحية نرى كيف أن جميع الموظفين بالدار من المدير والموظفين بدراجاتهم والعمال، خططوا لكل ما هو استثنائي للفوز بالمعونة. والتى ستصله تحت عنوان «دعم الديمقراطية والمساواة» فيخطط الجميع كيف سيجملون المكان الغير صالح لإقامة البشر المهدم، والذى يقيم فيه الأولاد. يخططون لوليمة الطعام التى سيقدمونها للمانحين بينما، وفى العادة لا يعرف الأولاد فى المؤسسة أغلب أنواع هذا الطعام. حتى أنه فى جزء من الحوار حرّض أحد الموظفين الأولاد لسرقة بعض النباتات من مبنى الزراعة المجاور لتجميل المكان. وهذه الجزئية، ربما يصلح وصفها بالكوميديا السوداء، فدائما ما نرى فى أرض الواقع إن هذا من فعل بعض المؤسسات»قصاري الزرع والزفت العُهدة» أى أن القائمين على مؤسسة معينة لا يجّملون مكانا إلا فى الزيارات الرسمية، ثم تعود»العهدة» إلى المخازن كما هي. التجميل والتنظيف فقط للزوار الرسميين. وليس من حق البقية.

الفوضى الخلاقة باسم الديمقراطية.
فى القسم الثانى من المسرحية، حيث يُسلط الكاتب الضوء على ما يدار فى خلفية المشهد الفوضوي الذى عايشناه فى السنوات الإحدى عشر الأخيرة تقريبا. يعرّفنا كيف تم التخطيط لما حدث فى العالم العربي فى نفس الوقت تقريبا ومن كان وراء ما حدث.
مشهدا لا يبين فيه الأشخاص إلا كالأشباح من وراء ستار يُظهرهم كظلال ويدور الحديث بين الأشباح فيه. فى البداية يستعرضون خطوات هيمنتهم على بقية العالم. وأول سبيلهم إلى ذلك هو القتل:
لازم نعرف إننا عايشين ببركة جدنا القاتل
القتل لاستمرار الحياة....يعيش من يستحق الحياة
يرسم فوق وجه الدنيا لوحات مصبوغة بالدم لا يهم...
وبعد القتل المناداة بالحرية والديمقراطية والمساواة لكن كما صاغها هؤلاء الساعون للهيمنة. وبعدها تأليب الشعوب التى تتحكم فيها مشاعر الحمية الدينية. وهذا ما تحقق بصنع جماعات كداعش وغيرها وإمدادهم بالسلاح والدعم السلطوي وكجماعات الفتوى الغريبة العجيبة ممن يحرمون على الناس معاشهم:
بالذات فى بلاد الناس فيها متغيبة بسحر كلام الدين
ثم تأتي وسائل الهيمنة التى تشبة ذهب المعز، لكنها لا تقل إماتة عن سيفه:
إدينا لازم تبقى حنينة اللى يبكى نمسع دمعه
بمنديل المحبة المبلول بالسّم اللى ياخد نور عنيه
يبقى أعمى وما يشوف غير إن إحنا أصحاب الفضل والحضارة
وإحنا مثال الرحمة والحب والإنسانية
فى نهاية المشهد حيث سردت الأشباح سُبل هيمنتهم على العالم وبعدما ذكروا أن هذه مبادئ «محفلهم» منذ إنشاءه، تظهر سلمى على المسرح كأنما كانت ترى هؤلاء الأشباح فى حلم، وتوقن إنها إشارة لخطئها للانضمام لهؤلاء الذين يريدون أن يفعلوا كما فعل نيرون الذى حرق روما وجلس يشاهد النار تلتهمها ليبدء بناءها من جديد حسب مزاجه ومعايره. ندمت لكنها خافت من ثمن ندمها هذا فأكملت الطريق.
الحرق للبناء على الأطلال.
ينتهى المشهد الكاشف ليبدأ مشهدا جديد من تنفيذ المخطط على أرض الواقع. تنجح الزيارة، تنال المؤسسة المعونة والتى بالتأكيد توزع على المدير والموظفين فى المؤسسة وبالتأكيد الجزء الذى سيخدم الخطة.
دولارات، تم بها شراء أسلحة ووزعت على الأولاد فى الإصلاحية استخدموها فى القتل والسرقة. وكانت تلك هى الثورة التى عّلمتها سلمى للأولاد. فقد دائبت على قولها أنهم لابد وأن يأخذوا حقهم من هذا المجتمع الظالم «بالباع والدراع» أو بالقوة، وقد كان. 
لكن فى النهاية لم ترسوا الأمور كما خُطط لها تماما وجاء ما لم يكن فى الحسبان.
المسرحية بسيطة مباشرة وذات هدف ربما كانت تلك من أسباب روعتها بجانب اللغة الرشيقة التى تضافرت فيها الفصحة بالعامية الصعيدية كما هو نهج الكاتب الذى استحق الإشادة بعمله الرائع. 


سماح ممدوح حسن