المصحح اللغوي.. بطل التوصيات المطلوب حضوره فورا

المصحح اللغوي.. بطل التوصيات المطلوب حضوره فورا

العدد 779 صدر بتاريخ 1أغسطس2022

يُعرف التصحيح أو التدقيق اللغوي بأنه مراجعة النصوص المكتوبة بلغة ما، والتأكد من صحتها وسلامتها اللغوية والإملائية، دون إجراء أي تعديل أو تغيير عليها، وعلى الرغم من أهمية التصحيح أو التدقيق اللغوي وخاصة في النصوص المسرحية المكتوبة باللغة العربية الفصحى، ما هو دوره وما أهميته؟ ما مشكلاته واحتياجاته؟ وما مدى تأثيره على العمل المسرحي؟، عن كل ما سبق أجرت “مسرحنا” استطلاع رأي مع مجموعة من المسرحيين والمتخصصين.
قال د. مدحت عيسى مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية والمدقق اللغوي: لا يمكن بحال من الأحوال، ونحن نعمل على نص باللغة العربية الفصحى، أن نستغنى عن وجود المصحح اللغوي، لأن وظيفة المصحح اللغوي في العروض الفصحى تمر بمرحلتين، المرحلة الأولى تشكيل النص وضبطه بالضبط التام، وليس فقط نهايات الكلمات، وهذه نقطة في غاية الأهمية، يجب أن يكون الضبط تاما، لأن كثير من الكلمات، الممثلين ينطقون أواخرها بشكل صحيح من حيث التشكيل، ولكن يُخطؤون ضبط بنية الكلمة من الداخل، ويجب أن يُراعي المصحح اللغوي وهو يضبط النص بالشكل التام، أن يكون النص متصلا، بحيث لا يقوم بعمل وقفات نفسية من وجهة نظره، لأن الوقفات في المسرح مختلفة عن الوقفات في الجمل العامة، الوقفات في المسرح بها اتفاق ما بين المخرج والممثل، لذلك يجب أن يضبط المصحح اللغوي النص من منظور الاتصال، وهذه المرحلة من التدقيق تسبق عمل المخرج على جميع العناصر، أول مرحلة للعمل على العرض المسرحي، أن يكون هناك “ترابيزات لغة”، وهي تعتمد على أن يكون النص قد تم تشكيله، وكل الممثلين حصلوا على أدوارهم، بعدها يبدأ مصحح اللغة في الجلوس مع الممثلين، ووظيفته أن يجعلهم ينطقون الكلمات مضبوطة ومُشكّلة، بنطق سليم من حيث مخارج الحروف وصفات الحرف، وهناك فارق كبير بين الاثنين، فيجب أن يجتمعا معًا، حتى لا يكون هناك خلل في نطق الحرف، ويجب أن يُراعي مصحح اللغة في “ترابيزات اللغة” الوقفات، وهل الممثل يقوم بوقف معلق أم تام، يجب أن يكون مصحح اللغة واع بهذه النقطة الإلقائية، لأن هذه النقاط يجب أن تنضبط في “ترابيزات اللغة”، وإلا ستثبت في ذهن الممثل، أما المرحلة الثانية بعد انتهاء بروفات اللغة والتأكد من النطق السليم، وتكون بحضور المصحح اللغوي البروفات، لأن بعد انتهاء المخرج من كل عناصره الإخراجية يبدأ يفقد الممثل جزءا من تركيزه، هذا الجزء أحيانًا قد يطغى على اللغة، فيبدأ ينطق أو يُشكّل الكلمات بشكل خاطئ، لابد من وجود أخطاء لغوية، من بعض الهنات البسيطة، ولكن هنات مسموح بها في مساحة عرض قد تصل مدته لساعتين، أغلب هذه الهنات مرتبطة بفنيات دقيقة قد لا يدركها متلقي المسرح العادي، و يدركها الناقد وأستاذ المسرح والممثل المُعتاد على نطق الفصحى، لذلك مهم جدا أن يمر عمل المصحح اللغوي بمرحلتين  وليس بمرحلة واحدة.
وأضاف “عيسى”: مشكلات المصحح اللغوي كثيرة جدًا، أولها أن يعطيه  المخرجون النصوص بعد حفظ الممثلين، وهذه تُعد كارثة بمعنى الكلمة، لأن الممثل طالما حفظ، فإن دور المصحح اللغوي يكون شبه مستحيل ويجب أن يرفض المصحح اللغوي الأعمال التي تُعرض عليه بعد حفظ الممثلين، بعض المخرجين يتعاملون مع التصحيح اللغوي بوصفه  مجرد تشكيل للنصوص فقط، وهذا لا يليق بكيان اللغة، يجب أن نتفق على أن اللغة ليست مجرد حلية، وأنها عنصر أساسي، اللغة هي الوسيط الاساسي والأول للعقد الذي يُبرم بين الممثل وبين العرض و الجمهور، الوسيط بين الثلاثة “اللغة”، فإذا سقطت اللغة فالوسيط بالتأكيد يكون قد سقط، وطالما سقط الوسيط، يترتب على ذلك أن الرسالة لا تصل بشكل صحيح للمتلقي.
وتابع “عيسى”: “اللغة ترفض أن يُخطأ في حقها”، لذلك عندما يحدث ذلك تُعرقل المتكلم، لكن عندما يضع الممثل اللغة في سياقها وقواعدها وطريقة نطقها السليمة، فتأكدوا أنها ستنصاع له انصياعًا تامًا، ومن ضمن المشاكل التي يقابلها مصحح اللغة، أنه حتى الآن ليس هناك جائزة للعنصر اللغوي، باعتباره عنصرا من عناصر الأداء المسرحي، لماذا لا توجد جائزة لعنصر اللغة؟!، يحصل عليها المصحح اللغوي، وهذا العنصر هو عنصر أساسي يُبنى عليه العمل المسرحي بالأكمل، وهذه أزمة كبيرة وتحدي كبير، وهذا يجعل الكثير من المصححين اللغويين يُحبطون، ويجب أن يكون المصحح اللغوي في المسرح على دراية، لأن اللغة المسرحية لغة حية، ليست جمل نحوية، فيجب أن يتحلى المصحح اللغوي المسرحي بالثقافة المسرحية، وهناك تحدي آخر يواجهه وهو  أن كثيرا من الممثلين أجهزة النطق لديهم بها بعض المشكلات، بالإضافة إلى أن بعض الممثلين لا يتحلون بالأذن اللغوية، يترتب على ذلك أن الممثل لا يستطيع أن يسمع نفسه، وبالتالي لا يستطيع تنفيذ تعليمات المصحح اللغوي، وهذا بالتأكيد يؤثر على العمل المسرحي بشكل كبير.
فيما قال الممثل والمدقق اللغوي محمد الخيام: الممثل الذي من المفترض أن يتعامل معه المصحح اللغوي، أحيانا ما  يكون لديه  مشاكل مزمنة، ونادرًا ما نجد ممثلين يجيدون الفصحى، وأول عقبة تواجه المصحح اللغوي، أنه من المفترض أن يقوم بمجهود كبير مع الممثلين حتى ينطقون المفردات بشكل صحيح، وحل هذه المشكلة يجب أن تكون البداية، بمعنى الاهتمام باللغة العربية الفصحى في التعليم، وأضاف “الخيام”: المراجعة اللغوية تؤثر بشكل كبير على النص المسرحي، أداء الممثل يتأثر بصحة نطقه للمفردات اللغوية، وهذا هو دور المصحح اللغوي، أن يجعل الممثل يتفادى الأخطاء، وجود المدقق اللغوي يجعل الممثل يركز أكثر في أدائه بشكل أكبر، دون أن يدخل في حيرة صحة أو خطأ النطق.

ضعف الاستقبال 
وقال السيناريست حمدي التايه: أكثر المشاكل التي تواجه المصحح اللغوي ضعف استقبال الممثل، بعض الممثلين اعتادوا أن ينطقوا الـ“ق” “ك”، ولديهم مشاكل في نطق الحروف بشكل صحيح،  إلى جانب ضحالة ثقافة اللغة العربية عند كثير من الجيل الحالي.
وتابع “التايه”: جزء كبير من نجاح العرض وتمكن الممثل من شخصيته، أنه يجب أن يتجاوز مرحلة حفظ النص بالتشكيل الصحيح، ولجان التحكيم ف المهرجانات تتأزم من فكرة النطق غير السليم للغة.

غير معترف به 
فيما قال الممثل والمخرج المسرحي ياسر أبو العينين: المصحح اللغوي يتم الاستعانة به في مسرحيات اللغة العربية، لأنها تحتاج ضبط التشكيل ومخارج الألفاظ والنطق الصحيح، وللأسف لا يعطي كل المخرجين أهمية لوجود المصحح لغوي، لذلك فالمدخل الأساسي لتواجد مصحح اللغة العربية هو المخرج، فإذا تحمس المخرج لوجود مصحح لضبط اللغة بشكل صحيح، يتعاون مع مصحح، ودور المصحح اللغوي لا يقتصر على تشكيل النص المسرحي فقط، ولكنه يجب أن يحضر بروفات لمتابعة النطق السليم للممثلين وتدريبهم على ذلك، ومن أدوات الممثل أن يكون على دراية باللغة العربية، فالممثل لا يقتصر تمثيله على أدوار العامية فقط، وإنما من الممكن أن يقدم أدوار باللغة العربية الفصحى.
وأضاف “ياسر”: من مشكلات مصححي اللغة العربية، اللوائح الموجودة في البيت الفني للمسرح، بعض مديري المسارح يرفضون وجود هذه الوظيفة في ميزانية المسرحية، عندما يضع المخرج أجر لمصحح اللغة العربية في الميزانية، وهنا تظهر المشكلة أن لا وجود لمصحح اللغة العربية في بنود الميزانية، وأن من المفترض أن يكون الممثل على دراية بالقواعد اللغوية والنطق الصحيح للغة، وهذه أزمة تواجه المخرج، ويتم التحايل على هذه الأزمة بوضع مصحح اللغة العربية في الميزانية بمسميات أخرى إضافية، كوضعه كمساعد مخرج على سبيل المثال، لماذا لا يكون لدينا وظيفة تحمل اسم المصحح أو المدقق اللغوي في مسارح الدولة؟، ولا نطلب أن يكون لكل مسرح مدقق لغوي، ولكن يجب أن يكون هناك تواجد حقيقي لمصحح اللغة العربية، كالمخرج والمؤلف والممثل وغيرهم من عناصر العرض المسرحي، الممثل والمخرج وبقية عناصر العرض المسرحي يقدمون عملهم بأجر، فلماذا يكون دور المصحح اللغوي بدون أجر، ولا يتم وضعه في الميزانية بشكل واضح.
كذلك قال المخرج طارق الدويري: المصحح اللغوي له أهمية حقيقية في أن يصل المعنى للمتلقي، مجرد تشكيل الجملة بشكل غير صحيح، أداء الممثل يتأثر، موسيقى اللغة إن لم تكن مُشكّلة بشكل سليم، دائمًا سنشعر أن الكلمة بها مشكلة، وجود المصحح اللغوي في عروض اللغة العربية الفصحى ليس رفاهية، وإنما هو عنصر أساسي يُبنى عليه كل عناصر العرض.
وتابع “الدويري”: عندما قمت بإخراج عروض باللغة العربية الفصحى مثل المحاكمة والمسيرة الوهمية وغيرها من العروض، يكون المصحح اللغوي عنصر أساسيا، للأسف لم يعد هناك اهتمام باللغة العربية، نحن تعلمنا اللغة العربية في مسرح الجامعة، كان هناك اهتمام، المخرج الذي يخرج نصا بالفصحى يجب أن يكون واع بأهمية تشكيل النص ووجود مصحح لغوي لتدريب الممثلين.
وختامًا قالت الناقدة داليا همّام: من المفترض أن يكون المؤلف على دراية باللغة بشكل ما، ولكن يجب أن يستعين بمصحح اللغة العربية، الذي يجب أن يكون أمينا على النص المسرحي، فلا يُغيّر في النص ويأتي عمل المصحح عقب المؤلف مباشرةً، ثم للمخرج وللممثل، ويأتي أهمية دور المدقق اللغوي، في مراجعته وتصحيحه للجمل اللغوية حتى ينطق الممثل بشكل سليم، فلا يؤذي “الجمهور”.
وأضافت “همّام”: يجب أن يكون المصحح اللغوي مؤهلا في  اللغة العربية، ويكون دارسا لقواعد اللغة وطريقة التصحيح السليمة وخاصة في المسرح، لأن المسرح هو التفاعل الحي بين الممثل و “الجمهور”، وأعتقد أن هذه المهنة منوط بها خريجي الكليات المتعلقة باللغة العربية، ويجب أن يطور المصحح اللغوي من نفسه دائمًا، بالقراءة واتصاله الدائم باللغة العربية.


إيناس العيسوي