الشقف مسرحية تونسية تعالج قوارب المهاجرين

الشقف مسرحية تونسية تعالج قوارب المهاجرين

العدد 772 صدر بتاريخ 13يونيو2022

لم يكن من الممكن أن يظل المسرح العربى بعيدا عن مشكلة تشغل العالم حاليا خاصة فى منطقتنا العربية وهى قوارب المهاجرين الذين يهربون من أفريقيا عبر شواطئها الشمالية. 
وحسب معلوماتى فإن أول محاولة مسرحية للتعامل مع المشكلة بدأت قبل أيام على أحد مسارح العاصمة التونسية وهى مسرحية “الشقف”. وهذه المسرحية للأسف اعتمدت على قماشة جيدة لكن إصرار المخرجين على إقحام “مشاكل الشواذ “ فى العرض واعتبارها من أسباب الهروب اضعف العرض كثيرا .
تروي مسرحية “الشقف”، حكاية مهاجرين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط في رحلة عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. وتدور الأحداث على متن قارب يجمع عدداً من المهاجرين. و”الشقف” كلمة تطلق باللهجة التونسية على قارب الصيد الصغير.
  تدور الأحداث على متن قارب يجمع ثمانية من المهاجرين من الرجال جاءوا من بلاد تفرقها الحواجز (تونس ولبنان وسوريا وبنين) وتقسمها الحروب، يتوحد هؤلاء اللاجئون غير الشرعيين على متن القارب. يجدون أنفسهم متشابهين بتلك المأساة الإنسانية العميقة والرعب العميق في نفوسهم. ولكن، وحينما تضرب العاصفة قاربهم الصغير، يبدأون بالتناحر. يتحدون بعضهم بعضاً، ويدافعون عن بقائهم على قيد الحياة. 

رحيل مفاجئ
تأخرت بداية عرض المسرحية نحو عام بعد أن انتهى من إخراجها المخرج المسرحى التونسي عز الدين قنون وهو أيضا مؤلف المسرحية وحال رحيله المفاجئ دون بدء العرض فى موعده المقرر. وبالاعتماد على رؤيته الإخراجية .تعاون المخرج اللبناني المقيم فى كندا مجدي بومطر والمخرجة التونسية سيرين قنون ليخرج العرض مشوها إلى الحياة . يعتقد أنهما من أضافا موضوع الشواذ إلى النص حيث لم يكن قنون معروفا بتبنى هذه الموضوعات فى عروضه.
 والديكور في المسرحية عبارة عن قارب مطاطي يحتل منتصف مساحة الفضاء المسرحي، تصعد إليه الشخصيات في بداية المسرحية، لتدور القصة داخل هذا الفضاء المصمم ليستوعب كامل أحداث المسرحية. وتتكفل أحداث المسرحية برواية حكاية كل منهم، ماضيه، أسباب هجرته، وأحلامه المعلّقة.
ويتم إقحام شخصية الشاب الشاذ التونسي نبيل فى المسرحية منذ البداية، الذي يحاول حتى آخر لحظة قبل الصعود في القارب الاتصال عبر الموبايل بحبيبه وليد، الذي يعلمه بانتهاء علاقتهما وقراره بالزواج من امرأة !!! . يصعد نبيل إلى القارب وهو في حالة يأس، ويحاول الانتحار ويتعاون الركاب فى محاولة لإنقاذه. 
 وهناك السورية أم بشار تروي حكاية أخرى، فمنذ أشهر، ومنذ هاجر ابنها بشار على متن القارب نفسه الذي تركبه الآن، إلى أوروبا، لم تستلم من ابنها أي رسائل ولم تصلها عنه أخبار. إنها تركب القارب في للوصول إلى إيطاليا ولقاء ابنها هناك. لكن مجريات المسرحية ستكشف لنا أن ابنها فارق الحياة غرقاً أثناء رحلة العبور، ولم يصل أبداً إلى إيطاليا. 
وتهاجر زركا التونسية لأسباب أخرى، فهى تشكو من القمع في بلادها لأنها امرأة . وهى تريد السفر إلى باريس لتفتح “بوتيك” قريباً من برج إيفل، تتمنى الحصول على الأوراق التي تجعلها مواطنة فرنسية ثم العودة للسير في شوارع بلدها الأصل تونس. 

خيبة رابعة
ونأتى للشاب التونسى بيرم وهي المرة الرابعة التي يركب فيها قارب البحر في رحلة الهجرة إلى إيطاليا. في المرة الأولى، توقف محرك القارب في عرض البحر، وقرر الركاب العودة إلى تونس للحفاظ على حياتهم. في المرة الثانية، وقبل الوصول بمسافة قصيرة إلى إيطاليا، قبضت شرطة الهجرة على القارب ومن فيه، وقادتهم إلى مأوى للاجئين. يصف بيرم المعاملة في مأوى اللاجئين والأيام التي أمضاها هناك، ثم يكتشف أن مصيره العودة إلى تونس.
وهناك الشاب بيروم الذى يهاجر هربا من والوعود الكاذبة والأمال التي لم تتحقق مع ثورة عام 2011 في تونس، وينتقد الاغتيالات السياسية التي عاشتها تونس عام 2013. ويركز بيرم على الوضع السياسي والاقتصادي في بلاده، على فقدان الأمل وانعدام فرص العمل، وصعوبة العيش في نظام فاسد.
ونأتى إلى ياسمين اللبنانية تصطدم أيضاً في طموحاتها مع الواقع الاجتماعي والثقافي من حولها، إنها تحلم باحتراف الرقص، تعارضها العائلة.. وحاولت تحقق حلمها بتقدم طلبات الهجرة لأكثر من دولة أجنبية بلا جدوى. ويقود ياسمين اليأس إلى أن تحرق بصماتها بالمكاواة، ومن ثم تدعي أنها سورية، فلا تتوقف عن تكرار الحكاية التي تبنتها كسورية: “والدي مات في دمشق، وأمي ماتت في حلب، وأخوتي فارقوا الحياة على إثر قذيفة”.

صاحب القارب
ولا يخرج صاحب القارب عن القاعدة فهو يعاني من كوابيس يسترجع فيها وجوه المهاجرين الذين ماتوا غرقاً في رحلات قاربه، يسمع نداءاتهم واستغاثاتهم، ويتذكر نظراتهم الأخيرة الشاخصة إلى السماء في لحظات الغرق والموت. من أجل المال يخفي على أم بشار أن ابنها مات غرقاً في رحلة هجرة القارب الذي قاده بنفسه، وما زال إلى الآن يتذكر كيف أمسك بشار بعنقه ورقبته طالباً المساعدة قبل الموت. 
من بين شخصيات الرحلة، الأم التي تحمل رضيعها معها، تحاول حمايته من كل ما يحصل على القارب، ووصوله إلى البر بأمان. لكن حين تروي حكايتها نكتشف أن ابنها هو حصيلة عملية اغتصاب تعرضت لها على يد مسلحين، كان اغتصابها نوعاً من التعذيب الذي تعرضت له، وها هي تحمل رضيعها إلى البرّ الأوروبي لتؤمن له حياة أفضل.
ومن دولة بنين شخصية جي، الذي تتهمه أم الرضيع بأنه شارك في الماضي باغتصابها. كان جي طفلاً حين تعرضت منطقته في بلاده للاعتداء والنهب والاغتصاب، وقادته ظروف الحرب والنزاع المسلح في بلاده إلى أن يتحول محارباً بلا رحمة منذ الصغر.
ويعتمد الأسلوب الإخراجي على التناوب بين المشاهد الجماعية، التي تتخذ أغلبها طابعاً حركياً، والحوارات الفردية التي تؤديها الشخصيات. وعبر روي كل شخصية حكايتها، تتنوع الموضوعات التي تتطرق لها المسرحية، من الأحداث السياسية: حرب لبنان، الحرب السورية، الصراع المسلح في بعض الدول الأفريقية، وكذلك حال المواطنة وغياب العدالة والمساواة. 
في الثلث الأخير من المسرحية، يكتشف ركاب القارب أن منسوب مياه البحر يرتفع ليغرقهم، وأن عليهم التخلص من أحدهم للتخفيف من حمولة القارب، تدور بينهم صراعات على اختيار الضحية. هناك نبيل الذي لم يكن راغباً في الحياة بعد خسارة علاقته العاطفية، وجي من بنين الذي يحمل سلاحاً ولا بد من التخلص منه. وهناك القبطان – اللص، قائد القارب والأكبر سناً من بين أفراد المجموعة، الذي يقول: “تذكروا أنني لا أموت، لقد ابتلعني البحر أكثر من مرة وأعادني حياً في رحلاتي السابقة”. وحين تعلم أم بشار من القبطان – اللص أن ابنها مات غرقاً في البحر، تطلب من الركاب أن يضحوا بها لأنها لم تعد تحتمل الحياة بعد فراق ابنها. وفي اللحظات الأخيرة، في ذروة الأزمة ، تصل سفن إنقاذ المهاجرين الإيطالية، وتشرع في نقل المسافرين عبر الطائرات وقوارب الإنقاذ.


ترجمة هشام عبد الرءوف