«حريم النار».. القسوة والحرمان تشعل النار

«حريم النار».. القسوة والحرمان تشعل النار

العدد 700 صدر بتاريخ 25يناير2021

يقدم البيت الفني للمسرح - فرقة مسرح الطليعة على قاعة ذكي طليمات العرض المسرحي حريم النار تأليف شاذلي فرح، عن النص المسرحي بيت برنارد البا للكاتب الأسباني فريدريكو جارثيا لوركا المولود سنه 1898 وهو مشهور كشاعر غنائي أكثر من شهرته ككاتب مسرحي، ذلك لأنه لم يكتب الكثير من المسرحيات. وتعتبر مسرحية بيت برنارد البا، والتي صنفت من بين أجمل مسرحيات المؤلف المقتبس عنها نص العرض واحدة من الثلاثية التراجيدية التي كتبها ( عرس الدم سنة 1932 – يرما سنة 1934– بيت برنارد البا سنة 1936 ) واذا كان فريدريكو جارثيا لوركا في أعماله المسرحية وبخاصة هذه الثلاثية يغوص في الريف الإسباني، فإن العرض المسرحي حريم النار لا يعبر عن المجتمع المصري وبخاصة جنوب مصر ( الصعيد ) من حيث العادات والتقاليد والموروثات الشعبية المصرية، فالعرض يمثل حالة خاصة وبعيدا عن تناول تحليل النص الاصلي ونص شاذلي ونص العرض، ومدي الاختلاف والتشابه، فهذه الدراسة لا نستطيع تغطيتها في هذه المساحة، لكننا في المجمل نستطيع القول بأن شاذلي فرح تشابه مع جارثيا لوركا حيث أنه لا يوجد بطل رئيسي بل أن كل الشخصيات مهمة وأبطاله يشار اليهم ويسلط عليهم الضوء . تقوم فكرة العرض الاساسية على ما يدور بداخل النفس البشرية من متناقضات تعرض من خلال نموذجا لسيدة مرت ببعض التجارب القاسية في حياتها والتي تركت أثرا نفسيا سيئا انعكس على تصرفاتها في الحياة، وقد أصبحت نموذجا للتسلط والحقد ومدعي القوة أو الانهزام والمرارة .
 يبدأ العرض بمشهد افتتاحي مثل مشاهد السينما (أفان تتر) فنجد مجموعة من النساء تتشح بالسواد، يقدمن العزاء في زوج فتحية شلجم (عايدة فهمي) . وتصدر فتحية الاوامر بأن فترة الحداد ليست سبعة أيام كما هو متعارف عليه بل ستصبح سبع سنوات . تبدأ الأحداث فنعلم أن فتحية عندما كانت بنت الخامسة عشر عاما وافق والدها على زواجها من رجل يكبرها بأربعين عاما بعد موافقة أمها التي رأت أنه لا مانع من الزواج فالعريس ميسور الحال، فعلى الرغم من أن الرجل الصعيدي هو صاحب الكلمة الأولي الا أنه في أحيانا كثيرة يأخذ رأي زوجته في زواج ابنتها . تزوجت فتحية هذا الرجل، ولكبر سنه كان ينام في الفراش منذ أول يوم زواج لا يبادلها الحب والرغبة والمشاعر وحرمها من الحنان وكان قاسيا وقيد حريتها، وعلى الرغم من ذلك ففي أحد مرات المتعة حملت منه وأنجبت منه أبنتها رسمية ( أميرة كامل ) هذه الابنة كبرت ونعلم من أحداث العرض أن سنها أصبح تسعة وثلاثون عاما ولم تتزوج ، توفي الزوج وترك مالا وورثت فتحية شلجم وابنتها، لكنه ترك جرجا عميقا بداخلها، ولم نعلم عدد سنين هذه الزيجة . تزوجت فتحية من رجل أخر ليس حبا في الزواج لكن هربا من التقاليد البالية وقطع الألسنة، وأنجبت من زوجها الثاني أربعة بنات، نشاهد وردانة ( منال ذكي ) خادمة فتحية والتي تتجسس على أهالي النجع لتنفذ رغبة فتحية، كما تتجسس على بنات فتحية واحيانا تقوم بتوجيه النصيحة لهم، وهي لا تحب أسلوب فتحية في معاملتها لبناتها أما بنات فتحية، فالابنة الكبرى رسمية الأخت الغير شقيقة، كانت تمرض زوج أمها ووالد أخواتها أثناء مرضه، لذلك أوصي لها بميراث متساوي مع أخواتها فأصبحت تمتلك من المال الكثير، لذلك تقدم أحمد علي الحاضر بالقول الغائب بالجسد (هذا الشبح تدور حوله الاحداث ولا يظهر على المسرح)، بخطبة رسمية وتوافق على الخطبة، فقد فاتها قطار الزواج وتفرح به على الرغم من يقينها أنه تقدم لها لكثرة مالها، ثم نكتشف أن روح محبات ( عبير لطفي ) الأخت الغير شقيقة لرسمية كانت ومازالت تحب أحمد علي لكنها شخصية قوية متماسكة تدفن حبها بداخلها ولم يظهر ذلك الا في لحظات ضعفها، عندما يخطب أحمد علي رسميه الأخت غير شقيقة ويقيم علاقة مع شقيقتها قوت القلوب ( نسرين يوسف ) فنجدها تعترف بأنها أخفت صورته في غرفتها . قوت القلوب فتاة صلبه عنيدة، تضطر لتحدي قسوة أمها فترى أن من حقها أن تعيش الحياة وأن تحتفظ بأحمد علي فهي تحبه وتعتقد أنه يبادلها الحب، لكنها سلكت مسلكا منحرفا ضد العادات والتقاليد والشرع فقد سلمت جسدها لأحمد علي . أما رئيسة ( نشوي إسماعيل) الأبنة المطيعة لأوامر أمها تحب الأعمال المنزلية فتقوم بالحياكة والتطريز تحب شخصا يعمل لديهم . تبلغ أمها فتحية بأنه يريد التقدم لخطبتها لكنها ترفض معللة سبب الرفض بأنه أجير، وسيقوم بمد يده لها لكي يحصل على أجره، فهي تنظر نظرة دونية له، وبالتالي حرمتها من حقها في الحب والزواج . أما الابنة الصغرى طير البر ( أمينة النجار ) فهي مازالت صغيرة غير مهتمة بما يدور حولها من أحداث فهي تخطف الطعام وتشاكس أخواتها وتسمع وتتفرج وتشارك في الحوارات . تتشابك العلاقات وتتعقد الامور، ونجد روح محبات تفضح أحمد علي وعلاقته مع شقيقتها قوت القلوب وما تم بينهما من علاقة غير شرعية في حظيرة الماشية وتطالب الجميع بوضع نهاية لأفعال أحمد علي فتثور فتحية شلجم وتمسك البندقية للانتقام من أحمد علي لكن طلقة الرصاص تخرج من فوهة البندقية وتستقر في صدر ابنتها قوت القلوب . في نهاية العرض نجد الخادمة وردانة تقف في مستوي عالي ناحية باب الخروج نستنتج أنها ستهرب إلى خارج المنزل وبنات فتحية يقفن صفا واحد يمين مقدمة المسرح كل منهن ترفع كلوب الإضاءة فوق رأسها، فنشعر أنهم صبوا الكيروسين على شعورهن، وأمامهم تجلس فتحية شلجم وسوف يشعلون النار ليحترق المنزل بمن فيه وينتهي العرض . اذا تحدثنا عن الرؤية البصرية نجد ديكور ( د. محمد سعد ) عبارة عن منظر واحد يمثل منزل في مكان ما ونتعرف على هذا المكان من خلال اللهجة التي يتحدث بها الممثلين فنعلم أنه في منطقة ما من جنوب مصر ( الصعيد ) وبالتحديد الصعيد الجواني، والزمان غير محدد واعتمد المصمم على الخامات الموجودة في البيئة وهي من النخل ومنتجاته مثل الجريد والخوص فنري سبعة أعمدة، كل عمود قاعدته من الخوص والبدن من النخل والتاج مربوط عليه عمامة، كل عمامة مختلفة في ربطتها عن الأخرى، تلك الاعمدة موزعة على جانبي وعمق المسرح يربط بينهما جدران مصنوعة من الجريد والخوص، في شمال ووسط العمق نجد جدار مختلف على شكل النول الذي يستخدم في صناعة السجاد اليدوي وأحيانا نشعر أنه باب سجن، خصوصا عندما يرفع لأعلى ويظهر ما يخفيه وراءه ونعلم انها غرف لبعض البنات، ويوجد ثلاث درجات سلم تعبر عن مستوي أعلى دلالة على أن مقدمة المسرح تمثل فناء المنزل، أما عمق المسرح يمثل دور أعلي داخل المنزل، وشمال منتصف المسرح باب حظيرة الماشية، خلف هذا الباب مكان الدخول والخروج للمنزل، ويوجد صندوق وقلل وزلع وزير، كما يوجد كنبة ودكة فرشا بسجاد مصنوع من قصاصات الملابس القديمة، ودكة فرشت بقماش الترك، وستارتان مشغولات يدويا لاستكمال المنظر المسرحي ، وإذا نظرنا للسبع عمامات المربوطة على تاج الاعمدة، فهي تعبر عن الرجال الدائر حولهم الحوار، فهم غير موجودين، لكنهم يمثلوا أهمية كبري في حياة هؤلاء النسوة، هم من يعطوا الحب والحنان أو يشعلوا نار الغيرة، كذلك يزرعوا القسوة والانتقام في نفوس هؤلاء النسوة. إن الأعمدة على المستوي المعماري تحمل البناء وتحافظ عليه من الهدم لكن إذا أصابها العطب تهدم البناء، فالرجل الشرقي هو عامود البيت، لكن في هذا العرض أصاب الرجال العطب فساهموا في هدم هذا المنزل على الرغم من أنهم موجودين بالقول فقط على السنة النسوة فالقسوة والحرمان تشعل النار. كما نجد أن مصمم الديكور استخدم خامات شفافة ساعدت في تهيئة العمل لمصمم الإضاءة )ابراهيم الفرن ) حيث أننا نشاهد أثناء العرض اضاءة بدن الأعمدة المصنوعة من النخل وكذلك الزير فذلك يضفي بعدا جماليا فقط في بعض المشاهد، وفي مشاهد أخرى تعبر عن صورة سينمائية لما يدور من صراع نفسي داخل الشخصيات، كما توجد إضاءة خاصة في الأحلام والكوابيس يسيطر عليها اللون الأزرق، وعندما يضاء النخل في حالة متداخلة مع إضاءة المسرح، يشعر المتلقي بأن هذا المنظر المسرحي الثابت يتغير ويتحول لمنظر آخر أثناء العرض، كما سيطر على العرض في بعض الأحيان الحالات الضبابية، وكانت الاضاءة تسلط على وجوه الممثلات لخطف عين المتلقي للتركيز علي الحدث، كما استخدمت الإضاءة لتوضيح اختلاف المعني بين مشهد وأخر . أما ملابس ( شيماء أحمد) فنري السبع ممثلات ترتدن جلباب المرأة الصعيدية ذو اللون الاسود، لكننا نلاحظ الاختلاف في نوعية القماش وكذلك طريقة التفصيل، على سبيل المثال نجد الابنة الصغرى طير البر توضع شريط ابيض على صدر جلبابها، واحداهن ترتدي جلبابا لونه أسود به بعض النقوش السوداء، وواحدة أخري ترتدي الاسود السادة، ونري قوت القلوب ترتدي ملابس منزل لونها ابيض وأخضر، كذلك ارتدت رئيسة ملابس منزل لونها بني . إن التنوع في الألوان يعتبر إضافة للعرض وذلك لعدم سيطرة لون واحد أو شكل لتفصيله واحدة مما يؤدي الي شعور المتلقي بالملل . وعن موسيقي ( د. محمد حسن ) نجدها موسيقي شرقية عبرت عن البيئة الصعيدية فقد استخدم الناي والالات الوترية، الا اننا نشعر في بعض الأحيان أن الموسيقي تتجه إلى الروح الغربية حتي تعبر عن النص الاصلي . وبالنسبة للتعبير الحركي ( كيروجراف - محمد ميزو ) فقد خرج من رحم الجو العام للعرض كما شاهدنا في مشهد العديد على المتوفي ومشهد الصراع في الحلم وشد جلباب رجل بين فتحية شلجم وبناتها. واذا تحدثنا على الأداء التمثيلي فقد شاهدت مباراة في الأداء التمثيلي، بحركات رشيقة وإيقاع منضبط ومعايشة للشخصية وفهم أبعادها وتلوينات مختلفة في الاداء فكان لكل ممثله أسلوبها المميز في الأداء . وفي نهاية المطاف نؤكد مرة أخري أن هذا العرض يعبر عن حالة إنسانية خاصة، فهو لا يعبر عن المجتمع المصري وبخاصة صعيد مصر . كما اننا نستطيع القول ، أن المخرج ( محمد مكي ) استثمر أفكار كل طاقم العمل المشاركين في العرض وامسك بكل أدواته ووضعها لتنصهر في بوتقة واحدة ليشكلها ويطوعها لخدمة الحدث الدرامي، سواء في المشاهد الفردية أو الجماعية ليخرج لنا هذه الصورة البصرية الممتعة، فعلى الرغم من حالة الحزن في نهاية الاحداث (الميلودراما ) يخرج المتلقي مستمتعا. التحية واجبة لكل من ساهم في خروج هذا العرض للنور.


جمال الفيشاوي